:الجرائم المتعلقة برخصة البناء جرائم مادية :
إن جريمة البناء بدون ترخيص تقع بقيام الشخص لأعمال أو منشآت بغير ترخيص أو مخالفة لاحكام الرخصة ، و تتشكل هذه الجريمة من ثلاث عناصر أساسية :
ü العنصر المادي : البناء و هو العنصر الإيجابي و يتخذ أحد الصور التي تفرضها المادة 52 من قانون 90-29 .
ü عدم وجود رخصة البناء : كحالة عدم طلب الرخصة من الجهات الإدارية أو رفض الإدارة تسليم الرخصة إما صراحة بموجب قرار الرفض ، أو ضمنيا بسكوتها بعد فوات الأجل القانوني للرد.
ü أن يتم البناء في مجال تطبيق رخصة البناء : فإنه لا يمكن قيام الجريمة في مواجهة الأعمال التي تحتمي بسرية الدفاع الوطني م 53 قانون 90-29 ، أو الأعمال الخاصة بالهياكل القاعدية الخاصة التي تكتسي طابع استراتيجيا من الدرجة الأولى ، التابعة لبعض الدوائر الوزارية أو الهيئات أو المؤسسات م 1 - مرسوم تنفيذي 91-176 . و مع ذلك فلا بد أن يسهر صاحب المشروع على توافقها مع الأحكام القانونية في مجال التعمير والبناء .
ثانيا: الجرائم المتعلقة لرخصة البناء جرائم مستمرة :
إن فعل الجريمة متعلقة برخصة البناء يشكل جريمة مستمرة ذلك أن أعمال البناء قد تستغرق وقت طويلا في وقوعها بسبب امتدادها في الزمن و عليه يبدأ احتساب مدة تقادم الدعوى العمومية لحظة تمام المخالفة .
ثالثا :الجرائم المتعلقة برخصة البناء جرائم عمدية :
إنه سواء أكان نشاط المتهم عمديا أم لا فإنه عندما يبدأ هذا الاخير في الأشغال بدون رخصة أو مخالفة لمقتضياتها فإن الجريمة تتحقق و ليس له الاحتجاج بحسن نيته من اجل عدم مسألته جزائيا و ليس للقاضي أن يأخذ بهذا الدفع.
الفرع الثاني : التكييف القانوني و الجزاءات المقررة :
تقسم الجرائم بصفة عامة بالنظر إلى جسامتها إلى جنيات و جنح و مخالفات و فيما يخص الجرائم المتعلقة برخصة البناء ، فمن خلال النصوص الجزائية الخاصة بالتهيئة و التعمير سواء في أحكام القانون 90-29 و المرسوم التشريعي 94-07 أو بعد صدور النصوص العمرانية الجديدة و المتعلقة بالمناطق المحمية ، فإننا نميز بين حالتين :
أولهما : الأصل أن مخالفة قواعد التهيئة و التعمير كالبناء و بدون ترخيص أو المخالف لأحكامها فإنها تكيفها على أنها جنح و تتراوح عقوبتها مابين 30.000 دج و 300.000 دج كما يمكن الحبس لمدة شهر إلى 6 أشهر في حالة العود 1 [1].
و هذا طبقا لنص المادة 77 من القانون 90-29 و المرسوم التشريعي 94-07 و هذا في حالة ارتكاب المخالفات في المواقع المتعلقة بالأراضي العامرة أو القابلة للتعمير المعرفة بمفهوم المادتان 20-21 من القانون 90-25 المتعلق بالتوجيه العقاري و كذا المواد 19 و ما يليها والمواد 39 و ما يليها من قانون 90-29 و الذي يحدد قوامها طبق لأدوات التهيئة و التعمير ومن الأراضي التي يقتضيها التشريع حسب طبيعتها القانونية.
ثانيهما : جنح مشددة و هذا في حالة ارتكاب المخالفات في المواقع الخاصة و المتعلقة بالمناطق المحمية و المعرفة طبقا للنص المادة 22 من القانون 90-25 والمواد 43-49 من قانون 90-29 و التي صدرت من أجل حمايتها و تهيئتها و ترقيتها و تسييرها القوانين الخاصة بها حيث تنص المادة 44 من القانون 03-03 على أنه : " يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى سنة واحدة ، وبغرامة تتراوح ما بين 100.000 دج إلى 300.000دج أو لاحدى هاتين العقوبتين كل من يخالف أحكام المادة 06 من هذا القانون "
و المتعلقة بالقيام بأعمال التهيئة أو استعمال مناطق التوسع و المواقع السياحية خلاف لأحكام المخطط تهيئتها .
كما تنص المادة 47 منه أنه :" يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين و بغرامة تتراوح ما بين 500.000 دج إلى مليون دينار ، أو باحدى هاتين العقوبتين كل من يقوم بتنفيذ الأشغال أو استغلال مناطق التوسع السياحي و المواقع السياحية خلافا لأحكام هذا القانون "
و تنص المادة 43 من القانون رقم 02-02 على أنه :" يعاقب بالحبس من 6 إلى سنة و بغرامة من 100.000 إلى 500.000 دج أو باحدى هاتين العقوبتين كل من يخالف أحكام المادة 30/2 من هذا القانون " ، و الخاصة بمنع البناءات و المنشآت في المناطق الشاطئية .
كما تنص المادة 79 من القانون رقم 99-01 :" يعاقب كل من يبني أو يغير أو يهدم مؤسسة فندقية بدون الموافقة المسبقة للإدارة المكلفة بالسياحة ، كما هو منصوص عليه في المادة 46 من هذا القانون بغرامة مالية ما يبن 50.000دج و 100.000 دج بالحبس من شهر إلى ستة أشهر أو باحدى هاتين العقوبتين "
هذا و تجدر الملاحظة و فيما يخص التدابير العينية التي يمكن الحكم بها إلى جانب العقوبات الجزائية فإن القاضي الجزائي و عندما ترتكب المخالفات في هذه المناطق الأخيرة فإنه ما زال محتفظا بسلطته في الحكم باتخاذ التدابير اللازمة و الضرورية من أجل فرض إحترام قواعد التهيئة و التعمير فيها بموجب هذه القوانين كالحكم باعادة الأماكن إلى حالها الأصلي أو تنفيذ الأشغال الازمة للتهيئة و على نفقة المحكوم عليه و كذا مصادرة الآلات و الأجهزة و المعدات التي استعملت في ارتكاب هذه المخالفات [2] 1 .
و هذا بعد إلغاء المادتان 76-78 من قانون 90-29 بموجب المرسوم التشريعي 94-07 والتي كانتا تمنحا للقاضي الجزائي هذه الصلاحيات [3]و بذلك تقلص دور القاضي الجزائري لينحصر في الحكم بالعقوبة الجزائية دون التدابير و التي أرجعت إلى صلاحيات الإدارة بموجب هذا المرسوم .
الفرع الثالث : المسؤولون جزائيا عن المخالفات :
إنه يثور التساؤل حول المسؤول جزائيا عن جريمة البناء بدون ترخيص أو المخالف لأحكامها ؟ فهل هو مالك الأرض الذي له الحق في طلب رخصة البناء أم المهندس المعماري والذي يجب أن توضع و تؤشر مشاريع البناء و تصاميمها من قبله أم مقاول البناء الذي يعهد اله عمل التشييد في إطار عقد المقاولة طبقا للقانون المدني .
لمبدأ: إن واجب الحصول على الرخصة يقع على مالك الأرض – صاحب المشروع – أو من في حكمه وليس على المقاول أو المهندس المعماري.
و عليه فإن الفاعل الأصلي في هذه الجريمة لا يمكن أن يكون إلا مالك الأرض وأما المهندس أو المقاول فإنهما يقومان بدور مادي في عمل البناء و التشييد في اطار عقد معين إلا أنه و مع ذلك نلاحظ أن المادة 77 من ق 90-29 تنص على أنه:
« ويمكن الحكم بالعقوبة المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين ضد مستعملي الأراضي أو المستفيدين من الأشغال أو المهندسين المعماريين أو المقاولين أو الأشخاص الآخرين المسؤولين عن تنفيذ الأشغال »
و هكذا فإن المشرع قد وسع في دائرة الأشخاص الذين يشملهم التجريم و من ناحية ثانية دون الربط بين ملكية الأرض و المسؤولية الجزائية كما في الحق في البناء [4] 2. يضاف إلى ذلك فإن كلا من المقاول والمهندس ليسوا فاعلين أصلين لهذه الجرائم إلا أنهما يساعدان الفاعل الأصلي ويعاونه على تحقيق الركن المادي للجريمة أي التشييد بدون رخصة أو مخالفة لأحكامها. وبدونهما قد لا يمكن للمعني القيام بها و هذا لكونهما شركاء طبقا للنص المادة 41 من قانون العقوبات 3 [5].
و قد أغفل ق 90-29 و المراسيم المطبق له التعرض للمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي خلافا لقوانين حماية البيئة.
و عليه فإن قد يسأل المدير العام أو المشرف على تسير الشخص المعنوي عن جريمة البناء بدون رخصة باعتباره المسؤول عن تنفيذ الأشغال و المستفيد منها بصفته الشخصية و تطبيقا ذلك فإنه قضي بمسؤولية مدير احدى الشركات الذي أمر بالبناء بدون ترخيص لصالح الشركة 1 [6].
و هذا تجدر الملاحظة إلى أنه و بعد تعديل قانون العقوبات بموجب الأمر رقم المؤرخ في 2001 و في إطار الجرائم المرتبطة برخصة البناء فإنه يمكن متابعة الموظف العام جزائيا في حالة إمتناعه شخصيا و بصفة عمدية عن تنفيذ الحكم القضائي الذي يقضي بتسليم رخصة البناء للمحكوم لهم وهذا بموجب نص الم136 مكرر من قانون العقوبات [7] 2.
الفرع الرابع : المتابعة القضائية .
يتم تحريك الدعوى العمومية في مادة رخصة البناء أي البناء بدون رخصة أو المخالف لأحكامها طبقا للمادة 01 من قانون الإجراءات الجزائية إما من طرف النيابة العامة أو بالإدعاء المدني.
أولا / تحريك الدعوى العمومية من قبل النيابة العامة :
للنيابة أن تحرك الدعوى العمومية الناتجة عن جريمة البناء بدون ترخيص أو المخالف لأحكامها بمجرد علمها بأية وسيلة و تعتبر محاضر المعاينة المحررة من قبل الأعوان المؤهلين أهم وسيلة لتحريك الدعوى العمومية من قبل النيابة .
و تجدر الإشارة إلى أن القانون الفرنسي يلزم الإدارة عند معاينتها للمخالفة بأن ترسل نسخة من المحضر للنيابة العامة [8] في حين أن المشرع الجزائري لم يلزمها بذلك عندما نصت
الم03 من الرسوم التنفيذي 95 / 318 والمعدل و المتمم على أنه : يرسل هذا المحضر الى رئيس المجلس الشعبي البلدي والوالي ومدير الولاية المكلف بالتعمير المختص إقليميا . كما أن نماذج المحاضر لا تتضمن ذلك خلافا لما كان معمول به في الأمر 75-67 .
ثانيا / تحريك الدعوى العمومية عن طريق الإدعاء المباشر:
يلاحظ أن المشرع الجزائري قد اعترف بالتأسيس كطرف مدني أمام القاضي الجزائري سواء بالنسبة للمتضرر من الجريمة في حالة إرتكاب المعني للمخالفة البناء بدون رخصة أو البناء المخالف لأحكامها أو بالنسبة للغير للجمعيات و ذلك إستنادا إلى نص المادة 74 من قانون 90-29 .
هذا فإنه يرجع التدخل العقابي للقاضي في ميدان رخصة البناء إلى مسايرة الاتجاه العام للقوانين العمران المعاصرة في التمسك بالعقوبة الجزائية من أجل ضمان أكبر لإحترام قواعدها وجهة أخرى تحقيق الردع العام بفرض عقوبات جزائية صارمة كفيلة بضمان ذلك.
منقول للفائدة