الحمد لله القائل في محكم كتابه: وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام:55] وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعــد:
فالحمد لله تعالى الذي أرسل محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسيف بين يدي الساعة حتى يُعبد الله وحده، وأظهر الله به الدين، وأرغم به الملحدين، فأظهر الحجة، وأبان المحجة، وترك الأمة على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ورضي الله تعالى عن أصحابه الطيبين الطاهرين الذين أوصلوا لنا هذا الدين وكانوا خير حواريين لخير نبي.
وبعد: فإن هذا الدين محارب ومستهدف منذ أن بعث الله نبيه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما قال جل شأنه: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، وكما قال جلَّ شأنه: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة:82] إلى غير ذلك مما ذكر الله تبارك وتعالى، ومما تنطق به سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد أُوذي وحُورب في مكة ثم تألبت عليه الأحزاب في المدينة من اليهود والمشركين والمنافقين في غزوة الخندق ثم كان تآلب الامبراطوريات العالمية: الامبراطورية الشرقية الفارسية المجوسية والامبراطورية الرومانية النصرانية الصليبية في الغرب، وكان تعاون جميع أمم الكفر والضلال على هدم هذا الدين ومقاومته، ولكن الله تبارك وتعالى أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، وظهر أمر الله وهم كارهون، وأذلَّ الله تبارك وتعالى بدين التوحيد وبرسالة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عروش الطغيان، وأذل بدينه الحق ما وضعه دجاجلة وكهان الأديان، وأبطل الشرائع الظالمة والأديان المنسوخة، وأعلى كلمة الحق والتوحيد والعدل في العالمين، وهذا هو السبب الذي جلب عداوة أمم الأرض جميعاً من يهود ومجوس ونصارى وصابئة وفلاسفة ومنافقين على شتى أنواعهم.
والباطنية ما هي إلا صورة أو مرحلة من مرحلة محاربة هذا الدين ومقاومته ومحاولة استئصاله وإبادته، فقد بدأت المحاولة الأولى المنظمة المخططة لها في الفتنة التي ذهب ضحيتها الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ثم استمرت في زمن عثمان رضي الله تعالى عنه، وكان أيضاً ضحيتها طلحة والزبير وعثمان بنفسه رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وتزعزعت الدولة الإسلامية وظهر فيها المنافقين، وانتشرت فيها البدع، رغم أن الحق كان هو الأقوى والأظهر ولله الحمد.