نظرية الفيض عند فلاسفة الإسلام-الفارابي نموذجاً - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

نظرية الفيض عند فلاسفة الإسلام-الفارابي نموذجاً

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2009-07-24, 14:16   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse نظرية الفيض عند فلاسفة الإسلام-الفارابي نموذجاً


السلام عليكم
أحببت أن أشارككم هاته المعلومات القيمة عن نظرية الفيض
وهي في الواقع مذكرة تخرج في الفلسفة
لطلبة من جامعة الجزائر
أتمنى أن تستفيدوا منها وأن تدعوا للطلبة المعدين لها ولي في صلاتكم








 


قديم 2009-07-24, 14:30   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

الفصل الأول: ماهية الفيض ومدلوله.


المبحث الأول: المدلول اللغوي و الفلسفي للفيض

تعتبر نظرية الفيض من بين النظريات التي كان لها الأثر الكبير في الفلسفة على العموم وفي الفلسفة الإسلامية خاصة وهذا من خلال نخبة من الفلاسفة المسلمين كالفارابي وابن سينا وإخوان الصفا الذين أولوا لها أهمية كبيرة، وقبل التطرق لهذه النظرية وحيثياتها، كان لابد من تقديم بعض المدلولات لها.
1.المدلول اللغوي للفيض.
(الفيض)لفظة لها الكثير من المشتقات وعلى سعة انتشارها لها مدلول واحد وهو الكثرة حتى السيلان ومن مصادرها (الفيض) و(الفيوض) و(الفيضوضة) و(الفيوضة) و(الفيضان) وتقال:(فاض) الماء أي كثر حتى سال وكذلك (فاض) النهر أي امتلأ حتى طفح و(فاضت) عينه أي سال الدمع منها وقد يستعمل للدلالة على الإشارة مثل (فاض) الخبر أي ذاع وكذلك على السخاء فيقال رجل (فياض) أي جواد وكريم، و(الفيض) يرد كذلك بمعنى الخروج كالقول (فاضت) نفسه أي خرجت روحه ومات ولتدعيم تعريفنا نأخذ للمثال وليس للحصر تعريف ابن منظور في كتابه لمادة الفيض .
فقال(فيض): فاض الماء والدمع ونحوهما، يفيض فيضا وفيوضة وفيضانا وفيضوضة أي كثر حتى سال على ضفاف الوادي، وفاضت عينه تفيض فيضاً إذا سالت ويقال: أفاضت العين الدمع تُفيضه (إفاضة)، وأفاض فلان دمعه، وفاض الماء والمطر والخير إذا كثر... (أفاض) الماء على نفسه أي أفرغه، وفاض صدره بسره إذا امتلأ وباح به ... وفرس (فياض): جواد كثير العدو...(أفاض) الشيء دفع به ورمى،... (فاض)، (يفيض)، (فيضا) و(فيوضا): مات، و(فاضت) نفسه, تفيض فيضا, خرجت...(1)
2.الفيض في القرآن الكريم.
(تفيض), (أفاض), (تفيضون), هذه اشتقاقات للفظة (الفيض) نزلت في القرآن الكريم وقد وردت كما يلي:
1. تفيض:) تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ(.(2)
وقد ورد تفسيرها بفيض دمع القسيسين النصارى لما سمعوا قراءة القرآن الكريم لما يحدثه في نفوسهم من التأثير ومما تحققوه فيه من الحق.(3)
)تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ(.(4)
وتم تفسيرها بفيض أعين الذين يطلبون الجهاد بالدموع حزنا لعدم إعطائهم مطايا توصلهم لميدان الجهاد.(5)
2. أفاض:)وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ(.(6)
بمعنى صبوا علينا قليلا من الماء أو النعم التي غمركم الله فيها.(7)
)ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ(.(8)
أي ثم أنزلوا من عرفة حيث ينزل الناس.(9)
)وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(.(10)
أي لمسكم فيما خضتم عذاب عظيم.(11)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بن منظور, لسان العرب, ج10, دار إحياء التراث العربي, بيروت لبنان, ط3, ص366
(2)سورة المائدة ,الآية 83.
(3) محمد فريد وجدي, المصحف المفسر, القسم الأول, ديوان المطبوعات الجامعية, الجزائر,ص.153
(4)سورة التوبة الآية 92.
(5)محمد فريد وجدي, مرجع سبق ذكره, ص.257.
(6)سورة الأعراف الآية 50.
(7)محمد فريد وجدي, مرجع سبق ذكره, ص200.
(8)سورة البقرة, الآية 199.
(9)محمد فريد وجدي, مرجع سبق ذكره, ص39.
(10) سورة النور, الآية 14.
(11) محمد فريد وجدي، مرجع سبق ذكره, ص458.










قديم 2009-07-24, 14:36   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

3. تفيضون: )وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ(.(1)
أي وما تتلوا من شيء من القرآن وتعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تخوضون فيه.(2)
)هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ ۖ كَفَىٰ بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ(.(3)
بمعنى أنه أعلم بما تندفعون فيه من القدح في آياته كفى به شهيدً بيني وبينكم.(4)
إذا فمدلول كلمة الفيض الذي ورد في بعض آيات القرآن الكريم لم يختلف في معناه عما ذكرناه سابقا في المعنى اللغوي عند أغلب المفسرين .
هكذا و على أساس المدلول اللغوي قام المدلول الفلسفي للفيض.
3.المدلول الفلسفي للفيض:
نظرية الفيض(5) محل اهتمام وبحث الكثير من الفلاسفة والمفكرين المسلمين وغير المسلمين وهذا ما جعل مدلولاتها الفلسفية تكثر وتتغير حسب نظرة كل فيلسوف لها, ومحتوى نظرية الفيض يكمن في تفسير كيفية نشأة الموجودات المتنوعة من الواحد الثابت فالوجود يصدر عنه كما يصدر النور عن الشمس تلقائيا، وهذا الفعل ضروري لأنه ناجم عن طبيعة المبدأ الأول و هكذا الفيض لا يكون عشوائيا بل بطريقة منتظمة فهي تنتقل من الواحد إلى الكثرة ومن الأول إلى العقول أي من الوجود الأبدي المطلق إلى الوجود الزماني المتغير ويكون بطريقة تسلسلية بحيث تتوالد عن بعضها البعض و يكون أول هاته الموجودات العقل الأول(6) وأخرها العالم المادي.
والعقل الأول هو الذي يحرك الفلك الأكبر(7) وبعده تأتي عقول الأفلاك الثمانية تباعا وبعضها عن بعض والعقول التسعة مجتمعة تمثل مرتبة الوجود الثانية وفي المرتبة الثالثة يوجد (العقل الفعال)­(8) في الإنسان وهو الذي يصل العالم العلوي بالمادي وتأتي النفس في المرحلة الرابعة وكل من العقل والنفس لا يضل على حال الوحدة الخالصة بل يتكثر بتكثر أفراد الإنسان, وفي المرتبة الخامسة توجد الصورة, وتأتي (المادة)(9) في المرتبة السادسة وبها تنتهي سلسلة الموجودات التي ليست ذواتها أجساما ... أما الأجسام بمنشئها القوة المتخيلة في العقل, وهي أجناس ستة مقابلة لمراتب الموجودات العقلية وهي الأجسام السماوية الحيوان الناطق, الحيوان الغير ناطق, أجسام النباتات والمعادن والأسطقسات(10) الأربعة وهي الماء والهواء والتراب والنار.(11)
كما أن هناك بعض التفسيرات أو المدلولات الأخرى لنظرية الفيض لا تختلف كثيرا على ما ذكرناه سابقا .
و يطلق الفيض في اصطلاح الفلاسفة على فعل فاعل يفعل دائما لا لعوض و لا لغرض وذلك الفاعل لا يكون إلا دائم الوجود لأن دوام صدور الفعل عنه تابع لدوام وجوده وهو المبدأ الفياض والواجب الوجود الذي يفيض عنه كل شيء فيضا ضروريا معقولا, وهو كما قال ابن سينا : (فاعل الكل: بمعنى أنه الموجود الذي يفيض عنه كل وجود فيضا والمقصود بالفيض أن جميع الموجودات التي يتألف منها العالم تفيض عن مبدأ واحد أو

جوهر(12) واحد من دون أن يكون في فعل هذا المبدأ أو الجوهر تراخ أو انقطاع, ولذلك كان القول بخلقه من العدم, والفيض بهذا المعنى يتضمن معنى الصيرورة (Devenir) كما يتضمن الحدوث في الزمان حدوثا متعاقبا مستمرا .(13)
وعلى ضوء هذه التعريفات الفيضية يمكننا إعطاء مفهوم شامل .
وهو أن نظرية الفيض في مفهومها الفلسفي نظرية فلسفية تاريخية وضعها أصحاب الأفلاطونية المحدثة(14), لتفسير كيفية خلق العالم وكيف صدرت الكثرة عن الواحد وصاغوها بأسلوب شعري خيالي مليء بالتشبيهات والتخيلات , ثم انتقلت إلى العالم الإسلامي فصاغها فلاسفته صياغة جديدة عقلانية دينية مع المحافظة على جوهرها وأطرها السابقة, وقد جوبهت من العالم الإسلامي بالرفض الشديد من الكثرة الغالبة وان كنا لا نعدم لها أنصارا متعصبين, وهكذا في النهاية أصبحت نظرية تاريخية عالمية كثر اللغط حولها, تصور الفكر الديني في لحظة تاريخية معينة متسلقا على نظرية أفلوطين plotin (205- 270م) عن تطور التفكير البشري في لحظة من لحظاته أكثر مما تعبر عن تفسير مقبول للعالم.(15)




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
(1) سورة يونس الآية 61.
(2)محمد فريد وجدي, مرجع سبق ذكره, ص276.
(3) سورة الأحقاف الآية 8.
(4) محمد فريد وجدي، مرجع سبق ذكره، ص666.
(5) الفيض = الصدور.
(6)العقل الأول: وهو جوهر غير متجسم أصلا ولا هو في مادة و هو عند الفارابي الأول الذي يفيض عن الله.
(7)الفلك الأكبر: يقصد به الأفلاك الثمانية و العقول التسعة التي تتحرك بفعل العقل الأول.
­(8)العقل الفعال: هو العلة الفاعلة للإدراك و مبدأ الكمال أي هو الذي يخرج المعقولات من الماديات وهو عند الفارابي الروح القدس.
(9) المادة (Matter): حدد أرسطو المادة بأنها جوهر له امتداد وقابل للتجزئة, و له وزن ويمكنه أن يتخذ كل الأشكال, و أنها واقع موجود (بالقوة). أما في المعنى الفلسفي فالمادة تعني الواقع الموضوعي الذي يوجد مستقلا عن الوعي, وقد أدى العجز عن كشف العلاقة بين الوعي و المادة إلى المذاهب المثالية و الثنائية المختلفة.
(10)الأسطقس: لفظة يونانية معناها العنصر، (element)، وهي عند قدماء اليونان العناصر الأربعة: الماء والأرض والهواء والنار.
(11) محمود إسماعيل: سوسيوليجيا الفكر الإسلامي, طور الازدهار, ج3, سينا للنشر, ط1, 2000, بيروت لبنان, ص137.

(12) الجوهر: هناك عدة تعريفات للجوهر, ولكن سنعطي تعريفا يكون محصلة لأكبر عدد من التعريفات, وهو كالتالي: انه كائن يوجد بذاته, فهو ليس بحاجة إلى ذات أخرى يلازمها فقد تميز منذ البداية من جميع الأعراض التي تتطلب ذاتاً تلازمها.
(13)جميل صليبيا, المعجم الفلسفي, دار الكتاب اللبناني, (ب.س.ط),ص172.
(14) الافلاطونية المحدثة : بعد أن تم فتحها من قبل لاسكندر المقدوني, وتحولت الإسكندرية إلى أهم مركز للعلوم والآداب وملتقى التقاليد الشرقية القديمة وأسرار الاورفية والفيثاغورية ونظريات الفكر اليوناني, فجاءت الأفلاطونية الجديدة مزيجا من الفكر اليوناني المبكر(أرسطو, الرواقيين, الفياغوريين, أفلاطون),مع شيء من الفكر الهندوسي واليهودي وكان أبرز ممثليها أفلوطين, فعدت كآخر مجهود خلاق بذلته العصور الوثنية القديمة لإنتاج مذهب فلسفي شامل.
(15)محمد عبد الرحيم الزيني، مشكلة الفيض عند فلاسفة الإسلام, ديوان المطبوعات الجامعية,الجزائر,1993, ص14











قديم 2009-07-24, 14:51   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

المبحث الثاني:الفيض قبل فلاسفة الإسلام.

1.نظرية الفيض عند أفلوطين.
يعتبر أفلوطين (أحد أشهر مجددي الأفلاطونية وباعثها وأصبح منهجه الفلسفي طراز ذلك العصر والعرب لا يعرفون الكثير عنه ولكنهم يعرفون منهجه ويسمونه (مذهب الاسكندرانيين)(1) نسبة إلى مدينة الإسكندرية وتعتبر فلسفته مزيجا بين آراء أفلاطون platon (427-347ق.م)(2) والرواقيون stoiciens(3)وفيلون philon(4) (25ق.م-4م) وبين الأفكار الهندية والفكر الشرقي والديانات الشعبية المنتشرة آنذاك, ويمكن تقسيم فلسفته ثلاثة أقسام: الأول, نظرية الفيض, النفس الإنسانية, الاتحاد, العالم المحسوس, وقد ذهب في دراسته للأول على أنه هو الكائن الذي لا صفة له من صفات الحوادث, فهو لا يمكن نعته ولا يمكن إدراكه ولا تحيط به الإفهام والعقول فهو الغني بذاته, المكتفي بذاته, القائم بذاته, البسيط المطلق, الذي لا أول إلا هو ولا سابق عليه, ولا واحد إلا وقد استفاد وحدته منه.(5)
وقد جاءت نظرية الفيض عنده لتفسير كيفية صدور الموجودات عن (الأول) وهو مبدأ الوجود وعلة له.
فالواحد البسيط من كل وجه والمبدأ الأول الذي لا انقسام فيه ولا تركيب وليست فيه كثرة بأي اعتبار, هو في أن واحد لا شيء وكل شيء, هو لاشيء لأنه فوق كل شيء ولأنه ليس من الممكن أن يميز فيه شيء عن شيء و لا أن يتبين فيه وجود معين, وهو كل شيء لأنه مبدأ جميع الأشياء و منه ينبثق كل شيء, فهو الأشياء جميعا لأنه يحولها بالقوة, إذا صح التعبير ـ دون أن يكون واحدا منها ـ.
يقول أفلوطين في نص عربي هو عبارة عن ترجمة موسعة لبعض فصول (التاسوعات).
كل ما كان بعد الأول فهو من الأول اضطرارا, إلا أنه إما أن يكون منه سواء بلا توسط و إما أن يكون منه بتوسط أشياء أخرى, هي بينه و بين الأول, فيكون إذن للأشياء نظام و شرح, وذلك أن منها ما هو ثان بعد الأول ومنها ثالث, أما الثاني فيضاف إلى الأول وأما الثالث فيضاف إلى الثاني وينبغي أن يكون قبل الأشياء كلها شيء مبسوط وأن يكون غير الأشياء التي بعده, وأن يكون مكتفيا غنيا بنفسه وأن لا يكون مختلطا بالأشياء التي بعده وأن يكون حاضرا للأشياء بنوع ما, وأن يكون واحدا, و أن لا يكون شيئا ما ثم يكون بعد ذلك واحدا, فإن الشيء إذا كان واحدا على هذا النوع كان الواحد فيه كذبا وليس واحدا حقا, وأن لا يكون له صفة ولا يناله علم البتة, وأن يكون فوق كل جوهر حسي وعقلي, وذلك أنه إن لم يكن الأول مبسوطا واحدا حقا خارجا عن كل صفة وعن كل تركيب لم يكن أول البتة(6)
وهنا يتبين أن أفلوطين قد رد كل ما في الوجود إلى الأول بشكل غير خياري وهكذا فإن الأول هو منبع الكائنات والأشياء كلها وقد صدرت عنه في نظام تنازلي متدرج .
وتعود أصول هذا الفيض إلى الغنوصية(7) الشرقية لكن الغنوصيين اتجهوا إلى الأسطورية و التصورات الغامضة في تفسيرهم لكيفية الصدور وهنا النقطة التي تفوق فيها أفلوطين عنهم فقد جعله منتظما بطريقة تنازلية وبأسلوب دقيق ومحكم ويمكن تعقله, ولقد استنجد أفلوطين بالتشبيه في محاولة منه لتقريب المفهوم فنجده يشبه الفيض عن الأول كما يصدر




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ

(1) أشتق هذا اللفظ من (الاسكندرانية) وهي الحضارة اليونانية التي انتشرت في الإسكندرية بين القرن الثالث قبل الميلاد و القرن الثالث بعد الميلاد وهي تشمل الفلسفة والعلوم والآداب والفنون ولاسيما الفلسفة الأفلاطونية الحديثة, وهذا اللفظ أطلق على مجموعة من الفلاسفة المسيحيين أمثال كلمنت وأوريجين.
(2) أفلاطون: فيلسوف يوناني انحدر من أسرة أثينية أرستقراطية, تتلمذ على يد سقراط الفيلسوف الكبير, من ابرز مؤلفاته: (كتاب الجمهورية).
(3) الرواقيون: أشتق هذا اللفظ من (الرواقية) وهي مذهب تكون مع الزمن, وضع أسسه زينون السيتي, يعتمد على الآراء المنطقية الماورائية, ولكن الأخلاق هدفه الأسمى.
(4)فيلون: من أشهر فلاسفة اليهود في القرن الأول للميلاد ,من أسرة نبيلة في الإسكندرية وضع مذهبه باللغة اليونانية وأشرب في قلبه حب الفلسفة خاصة فلسفة أفلاطون, حتى لقب بأفلاطون اليهود.
(5) عبد الرحمان مرحبا، من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية, ديوان المطبوعات الجامعية, بيروت, ص232.
(6) محمد عبد الرحمان مرحبا، مرجع سبق ذكره, ص234..
(7)الغنوصية: هي كلمة يونانية معناها (المعرفة) ومعناها الاصطلاحي هو التوصل بنوع من الكشف إلى المعارف العليا, وقد اعتبر الغنوصيون عقائدهم أقدم عقيدة في الوجود وأن الغنوصية أقدم وحي أوحى به الله فانتقل من طبقة غنوصية إلى أخرى و دائرة العقيدة الغنوصية لا تتوقف أبدا و قد احتفظ به الكهنة و السحار معلنين أن بيدهم (مفاتيح الأسرار الإلهية) وقد قيل أنه أتى من فارس و من الهند.










قديم 2009-07-24, 14:56   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

النور عن الشمس و ذلك دون أن يتغير جوهر الشمس وهنا إشارة إلى أن هذا الفيض لا يمس الجوهر الأول ولا يحدث فيه أي تغيير وقد حاول كذلك تقريب نظريته إلى الأذهان عن طريق أمثلة أخرى, ويرى بأن الكائن عندما يبلغ كماله يبدع كائنا آخر فهو لا يطيق أن يبقى في ذاته فكيف يمكن للكائن الكامل أن يحبس خيره في ذاته.
و هكذا فكل موجود يرتبط في وجوده بالأول دون أن ينقص من هذا الأخير شيء. وأول شيء ينبثق عن (الأول) هو العقل ويقال له (الأقنوم)(1) الثاني وهذا العقل دون الأول وأقل منه كمالا والوحدة من كل وجه التي كانت للأول تدب فيها الإثنينية, والأثنينية أدنى مرتبة من الوحدة في منطق القدماء, والسبب في ولوج الإثنينية فيه أن مقتضى كونه عقلا يستلزم معقولا, أي موضوعا للعقل, وهذا بعينه ما جعلنا ننفي عن الأول أن يكون عقلا أو أن يتصف بالعقل, فهنا إذن أثنينية في التصور حدثت بعد وحدة مطلقة وهذه الإثنينية هي ـ أو هذا العقل هو(المعنى واحد) ـ الأصل في الوجود وما فيه من تعدد و تكثر أو قل ـ والمعنى واحد أيضا ـ أن الوجود والعقل عند أفلوطين شيء واحد فهو إذا كان يعقل الأول ويتأمله كان عقلا وإذا كان يتقوم به ويستفيد منه في الوجود كان موجودا. وهكذا يكون الأقنوم الثاني عقلا و وجودا في آن واحد فها هنا إثنينية واضحة تسربت إلى أصل الوجود هو مبدأ التكثر و التعدد في العالم, فما الإثنينية إلا تكثر وتعدد في أول درجاتها ويضع أفلوطين هذا العقل في منزلة صانع العالم ديميورج démiurge(2)... والأقنوم الثاني أو العقل الذي هو فيض الأقنوم الأول أو (الواحد) و صورة له وانعكاس لنوره, يجتهد قدر الإمكان أن يضل بالقرب من مصدره الذي استفاد منه الوجود, ولذلك فإنه فور صدوره عنه يلتفت إليه ليتأمله ومن هذا الالتفات أو التأمل يتولد الأقنوم الثاني أبدية لا في زمان، فتأمل بالبتة إليه وإلى سائر الكائنات العقلية في العالم الأعلى هو في وقت واحد عمل عقلي مجرد وضرب من النشاط الخلاف المحسوس وهكذا يفيض عن العقل جوهر أو كينونة هي الأقنوم الثالث أو النفس الكلية, هي أيضا صورة للأقنوم الثاني و انعكاس لنوره وهي آخر المجودات في عالم العقل خاتمة المطاف وهي تنتمي إلى العالم الإلهي و لكنها دونه درجة(3)
ويعتبر عالم النفس هو العالم الذي تبدأ فيه الحركة على عكس العالم العقلي الخالي من الحركة والتعدد وعن حركة النفس السفلي ينبثق عالم الطبيعة, الذي يبدأ بالنبات المتصف بالحياة فقط, ثم يرقى إلى الحيوان المتصف بالحس أيضا, فالإنسان المتصف بالإضافة إلى ذلك بالنطق, وهذه هي التحليلات الثلاثة للنفس, أي الحياة, فالإحساس, فالنطق.(4)
وهكذا تمثل فلسفة أفلوطين دربا ميتافيزيقيا هابطا يصف الوجود من الأول إلى العقل ومن العقل إلى النفس إلى الأجسام المحسوسة أي تتدرج تدرجا تنازليا و تصاعديا من العلة إلى المعلول ومن المعلول إلى العلة من الكامل إلى الناقص ومن الناقص إلى الكامل ... إذن هذا هو أفلوطين شيخ الإسكندرانيين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


(1) الأقنوم: هو الجوهر, والأقانيم الثلاثة عند المسيحيين, هي الأب,ا لابن, الروح القدس, وقد أدخل أفلوطين هذه اللفظة في اللغة الفسلفية, ثم تداولها الفلاسفة المسيحيون فيما بعد و أطلقوها على الأب و الابن و الروح القدس باعتبارها جواهر مستقلة و متميزة عن بعضها البعض .

(2) وقد أطلق أفلاطون هذا اللفظ على (صانع العالم) أي الله.
(3) عبد الرحمان مرحبا: مرجع سبق ذكره, ص.236 -238.

(4) ماجد فخري، تاريخ الفلسفة اليونانية، دار العلم للملايين، ط1، 1991م، بيروت، ص194، 195.










قديم 2009-07-24, 15:05   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

الشكل رقم 01: يوضح فيض الموجودات عند أفلوطين(1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
(1) محمد عبد الرحيم الزيني، مرجع سبق ذكره، ص 191.









قديم 2009-07-24, 15:10   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

2.نظرية الفيض عند أوغسطين.
نظرية الفيض أو الصدور هي بدورها قد شكلت نقطة بحث في العصور الوسطى وكان الفلاسفة في ذلك العصر آراءهم مختلفة حول هذه النظرية ومن بين هؤلاء الفلاسفة أوغسطين(1) الذي بحث في نظرية الفيض والعلم وكيفية الخلق, فهو يرى أن العالم ليس صادرا عن ذات الله صدورا أزليا الذي ذهب إليه أفلوطين والمانويين,(2) هذا يعني أن الذات الإلهية تتجزأ, فيصير الجزء محدوداً ومتغيراً والله بسيط لا متناهي ثابت كامل فهذا يدل أن العالم ليس أزليا, و أن إرادة الله أزلية و فعله أزلي بلا منازع ولا يوجد قبل وبعد إلا في مفعولاته.
لكن نسأل كيف كان الخلق؟ هل أوجد الله الأشياء على التوالي في ستة أيام ؟ إن في هذا التصور تشبيها لله بالصانع الإنساني ... فلقد خلق الله بعض الأشياء بالفعل وهي الدائمة الثابتة على صورتها البعض الآخر بالقوة وهي الكائنة الفاسدة, الطائفة الأولى تشمل الملائكة والنور والعناصر الأربعة والكوكب ونفس الإنسان الأول, والطائفة الثانية تشمل النبات والحيوان خلقها الله في أصول بذرية غير محسوسة أودعها طين الأرض ليتعهدها بعناية ويبلغها النضج والظهور.
إن أوغسطين قد وجد نظرية الأصول البذرية عند الرواقيين الذين جعلوها في العقل الإلهي الحال في مادة العالم, وعند أفلوطين وضعها في النفس الكلية فجعلها جزءا من العالم السفلي فإن الأصول البذرية ليست متجانسة بحيث يخرج أي نوع من أي أصل, وقد بين أوغسطين رأيه بكل صراحة (عناصر هذا العالم المادي حاصلة على قوة معينة وكيفية خاصة يرجع إليها ما يستطيعه أو لا يستطيع كل منها, و نوع الموجودات التي يمكن أن تخرج كل منها ... وهذا هو السبب في أنه لا يوجد فول من قمح ولا قمح من فول, ولا إنسان من الحيوان الأعجم و لا الحيوان الأعجم من الإنسان).(3)
وفي تكلم أوغسطين عن خلق العالم فيؤكد أنه لا توجد المخلوقات إلا بواسطة الله, إلا أنها ليست منه, فلو كانت منه لصارت تشبهه ومماثلة معه (هي تتغير وهو أبدي أزلي) أي لما كانت المخلوقات فإن العالم هو مفعول عرضي ومن الإرادة الإلهية.
و هو ليس ضروريا أزليا ولا أبديا كما زعم المانويون والرواقيون, وليس هناك من سبب إلا مشيئة الله بواسطة الكلام الإلهي أي الكلمة, وطبقا تم ذلك بفعل حر ومن العدم كذلك فإنه يخلق العالم خلق الزمان, وذلك بإرادة أزلية وفعل أزلي, وعندما يخلق الله فهو لا يفعل كالفنان الذي يفرض شكلا ما يكون في فكرة, على المادة الموجودة أمامه, لأنه يخلقها من العدم وليس الخلق صدورا أزليا كما اعتقد أفلوطين(لذلك فإن أوغسطين خالف أفلوطين) وكذلك المانويين, فلو كان صدورها كذلك لكان يعني أن الذات الإلهية ممكنة التجزؤ, وأن جزءا ما منها يصير متغيرا.(4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أوغسطين(354م - 430م) فيلسوف مسيحي ذو أصول جزائرية ولد في تاجست (سوق أهراس حاليا) يعد من الفلاسفة الأوائل الذين أثروا في الفكر الفلسفي في العصر الوسيط من أهم آثاره (مدينة الله، الاعترافات).

(2) المانويين: هم أتباع ماني Mani ولد في القرن الثالث قبل الميلاد, وهم الذين يقولون بالإلهين(النور والظلمة) والخير والشر ومن ثم أصبحت تسمية المانوية Manichaeisniتطلق على كل مذهب فلسفي يعتمد على مبدأين فاعلين خالدين في الكون هما مبدأ الخير و مبدأ الشر.
(3) يوسف كرم: تاريخ الفلسفة الأوربية في العصر الوسيط, دار المعارف, 1958, ص.39.
(4) علي زيعور، أوغسطينوس ـ مقدمات في العقيدة المسيحية و الفلسفة الوسيطية, دار اقرأ, ط1, 1983م , بيروت, ص.162.










قديم 2009-07-24, 15:16   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

المبحث الثالث: الفيض عند فلاسفة الإسلام.

1.الفيض عند ابن سينا.
كان للمبدأ الأفلاطوني القائل بأن (عن الواحد لا يصدر إلا واحد) الأثر الكبير في الفلاسفة المسلمين فكلما اعتمد الفارابي(1)على هذا المبدأ في تفسيره لحدوث نظرية الصدور ـ التي سنتطرق لها في الفصل الثاني ـ اعتمد ابن سينا(2) على الفارابي تبيان كيفية حدوث الفيض, وهذا كله كان بطريقة مختلفة تماما و بانتشار أوسع.
وعملية الصدور هذه مرتبطة بفعل الإدراك الذاتي ... فالموجود الأسمى بحكم إدراكه لذاته, من حيث هو عقل محض من جهة واصل لجميع الذوات الممكنة في العالم من جهة أخرى يولد من دون وسيط ما الخليقة بجملتها والنظام الذي يسري فيها ولا يرافق عملية التوليد هذه أي فعل من أفعال الإرادة أو القصد أو الفعل أو الانفعال ما عدا إدراكه لذاته حيث هو سبب لجميع الأشياء.(3)
ويصف ابن سينا صدور العالم عن الله كما وصفه الفارابي, فيقول (إن الله يعقل بذاته فيفيض عنه عقل واحد بالعدد هو ممكن بذاته واجب الوجود بغيره وعندما يعقل هذا العقل مبدأه يفيض عنه عقل ثاني هو العقل الكلي, وعندما يعقل ذاته بأنه واجب الوجود بغيره يفيض عنه نفس الفلك الأقصى, وعندما يعقل ذاته بأنه ممكن يكون عنه جرم ذلك الفلك.(4)

ويستمر الصدور على هذا النحو, فعن كل عقل تصدر ثلاثة أشياء عقل ونفس وجسم ولما كان العقل لا يمكن له تحريك الجسم بغير واسطة فلا بد له من نفس يؤثر بتوسطها وأخيرا يأتي العقل الفعال وعنه تصدر مادة الأشياء الأرضية والصور الجسمية والنفوس الإنسانية وهو يدبر هذه كلها وهذا الصدور أزلي ولا يجوز تصوره على غير ذلك ومحله الهيولى,(5) والهيولى مجرد إمكان أزلي لجميع الموجودات, والعقل لا يؤثر في الهيولى فهي الحد الذي يقف عنده فعل العقل, وهي مبدأ التكثر في الجزئيات كلها.(6)
وعلى هذا النحو نتصور الكيفية في نشأة كل عقل مفارق لفلك ونشأة نفسه وجرمه من عقل مفارق سابق عليه وصدور الموجودات بهذه الكيفية وعلى الترتيب السابق دون أن يكون هناك فجوة بين العالمين الأعلى والأسفل, لا يخرج الموجود الأول عن كونه موجدا للكل ومؤثرا في الكل.
لقد أخذ ابن سينا نظرية الفيض عن الفارابي فحافظ على المبادئ والطريقة وعدد العقول والأفلاك وطبيعتها ... ولكنه وضح بعض النقاط وعمقها فجاءت أكثر انسجاما وتماسكا فقد جعل الفارابي الفيض يصدر مثنى مثنى وأما بن سينا فقد جعله يصدر أثلاثا أثلاثا, إذا مادام التعقل والإحداث شيئا واحدا فينبغي أن يصدر عن كل عقل ثلاث فيوضات متدرجة في الشرف و الرتبة,لا اثنان فقط كما كان الحال عند الفارابي.(7)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) االفارابي: أبو نصر بن أزلغ بن طرخان اشتهر باسم الفارابي ولد بمدينة فاراب وتسمى أيضا أتراز بتركستان, وذلك في(259هـ/873م ـ 339هـ, 950م).

(2) ابن سينا ibn sina: فيلسوف مسلم(980-1037م)و طبيب, عربي اللغة, إيراني المنشأ, حاول أن يقيم مذهب فلسفيا يجمع بين مبادئ الإسلام و تعاليم أفلاطون وأرسطو من آثاره (الشفاء, القانون) يتمحور تفكيره حول عدة مواضيع أهمها:المنطق, الله، النفس, الكون، الأخلاق, السياسة.
(3) ماجد فخري، تاريخ الفلسفة الإسلامية, دار المشرق، ط2, 2000م, بيروت, ص246.
(4) حنا الفاخوري وخليل الجر: تاريخ الفكر الفلسفي عند العرب, الشركة المصرية العالمية للنشر, لونجمان, ط1، 2002م, بيروت, ص 605.
(5) الهيولى: لفظ يوناني بمعنى الأصل و المادة, وفي الاصطلاح بمعنى جوهر في الجسم, والهيولى عند القدماء على أربعة أقسام الهيولى الأولى جزء الجسم, الثانية نفس الجسم والثالثة والرابعة الجسم جزء لهما. والهيولى مرادفة للمادة والفرق بينهما أن المادة تقال لكل موضوع يقبل الكمال باجتماعه إلى غيره في حين أن الهيولى على الإطلاق هي المادة الأولى .
(6) محمد جلال شرف: الله والعالم والإنسان في الفكر الإسلامي, دار النهضة العربية, بيروت, لبنان,1980, ص.9.
(7) محمد جلال شرف، مرجع سبق ذكره, ص9.












قديم 2009-07-24, 15:35   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

الشكل رقم 02: يوضح الفيض الثنائي للموجودات عند ابن سينا(1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
(1) محمد عبد الرحيم الزيني، مرجع سبق ذكره، ص 209.









قديم 2009-07-24, 15:41   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

2.الفيض عند إخوان الصفا.
إن إخوان الصفا(1) جماعة فلسفية توفيقية تلفيقية لأنها أخذت من كل فلسفة, ومن كل دين وحاولت التوفيق بين الأديان كلها وبين المذاهب الفلسفية القائمة آنذاك من فارسية ويونانية وإسلامية ثم بين الأديان والفلسفة ولقد تطرق إخوان الصفا في فلسفتهم كغيرهم من التيارات المعاصرة لها لمشكلة الفيض وخصصوا لها الخير الكبير من اهتماماتهم ومعالجاتهم الفلسفية.
إن الحديث عن مشكلة الفيض يقودنا بكل تأكيد إلى الحديث عن جماعة إخوان الصفا التي بدورها حاولت أن تجد لها حلاً، لكن وفقا لما يتطلب ويتطابق ومصالحها وأهدافها فهي كما يعرف عنها أنها جماعة توفيقية تلفيقية عمدت إلى التوفيق بين الأديان كلها وبين المذاهب الفلسفية القائمة آنذاك ثم بين الأديان والفلسفة.
وقد كانت نظرتهم إلى الفيض نظرة أفلاطونية أفلوطينية. وهي أن الله هو الصلاح والجود والصلاح من طبعه جود وفيض فكما أن الأنوار تنبعث من طبيعة الشمس كذلك تصدر الخلائق عن الله فيضاً وإشراقاً فالله هو علة الأشياء، وخالقها وظاهرها وأولها وأخرها وقد اخترع الله الأشياء في العقل وأوجدها في النفس وصورها في الهيولة. وقبل التوغل في هذا الموضوع نشير إلى أن الإخوان يميزون بين الخلق والإبداع فيفهمون بالخلق إيجاد شيء من شيء آخر كما قال الله تعالى: )خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ(.(2)
وأما الإبداع فهو إيجاد شيء من لا شيء ثم إنهم يثبتون المبدأ الأفلاطوني في شأن الفيض ويقلون: (ثم اعلم أن كل موجود تام فإنه يفيض منه على ما دونه فيض ما وأن ذلك الفيض هو من جوهره أغنى صورته المقومة التي هي ذاته والمثال في ذلك حرارة النار فإنها تفيض منها على ما حولها من الأجسام والتسخين والحرارة وهي جوهرية النار
التي هي صورتها المقاومة لها ... وهكذا أيضا يفيض من الشمس النور و الضياء وعلى الأفلاك والهواء لأن النور جوهري في النفس وهي صورته المقومة لذاته ... ثم يوضح الإخوان أمرين آخرين هما أن المخلوق ليس جزاءاً من الخالق وأن الله مختار في فعله ... العالم ليس بجزء منه بل فضل تفضل به و جود أفاضه وفعل فعله بعد أن لم يكن فعل ولا تقدر أيضا ولا ينبغي أن تضن أن وجود العالم عن الله تعالى طبعاً بلا اختيار منه مثل وجود نور الشمس في الجو طبعاً للاختيار منها ... فأما الباري تعالى فمختار في فعله إن شاء فعل. وليس في الخالق من واجب لأن الله حكيم وخلقه للعالم حكمة وفعل الحكمة عن الحكيم واجب، زد على ذلك أن الإخوان يقولون بحدوث العالم ويتنكرون القدم وبرهانهم على ذلك أن العلم متحرك في كلياته وجزئياته. والإخوان يقسمون العالم إلى قسمين عالم جسماني وعالم روحاني أما الجسماني فهو الفلك المحيط وما يجوبه من سائر الأفلاك والكواكب والأركان والمولدات الثلاثة، وأما الروحاني فهو عالم العقل الفعال والنفس الكلية والهيولة والصور المجردة التي ليست بأجسام ذوات الأبعاد الثلاثة).(3)
فالعقل الفعال هو أول موجود فاض عن الله تعالى وهو جوهر بسيط روحاني، فيه جميع صور الموجود غير متراكمة ولا متزاحمة، كما تكون صور الموضوعات في نفس الصانع قبل إخراجها وصنعها وهو جهة الله عز وجل الذي لا يحول ولا يزول وهو الخلقة التامة والإبداع الأول ولما كان ذلك وجب أن يكون موضع كلمة الله التي بها خلق الأشياء كلها كما شاء لا معقب لحكمه. وفاض من العقل الفعال فيض آخر دونه في الرتبة يسمى العقل المنفعل وهو النفس الكلية والنفس الكلية جوهرة روحانية بسيطة قابلة للصور والفضائل من العقل على الترتيب والنظام وهي وجه العقل الفعال وتحركت بالانفعال فأشرقت وجهها بما اتصل بها من نور الجبروت وبدا وجهها الكلي وهو الشمس فأشرق وترتب في موضعه اللائق به بموجب الحكمة الإلهية والعناية الربانية، وأفاض من النفس أيضا فيض آخر دونها في الرتبة يسمى الهيولى الأولى وهي جوهرة بسيطة روحانية قابلة من النفس والصور والأشكال بالزمان شيئاً بعد شيء وهكذا تظهر صور الموجودات كلها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


(1) إن إخوان الصفا: هم جماعة سرية ظهرت في البصرة في النصف الثاني من القرن العاشر وقد أرادوا أن يظهروا الشريعة بواسطة الفلسفة وقد ألف الإخوان إحدى وخمسون رسالة بالإضافة إلى الرسالة الجامعة تبدأ رسالتهم بالرياضيات ثم تنتقل إلى المنطق والطبيعيات وتنتهي آخر الأمر إلى صوفية تحاول الاقتراب من معرفة الله.

(2) سورة غافر، الآية 67.
(3) حنا الفخوري وخليل الجُّر، تاريخ الفلسفة العربية، دار الجليل، ط3، 1982م، بيروت، ص 262 - ص265.










قديم 2009-07-24, 15:49   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

يتلو بعضها بعضاً في الحدوث والبقاء عن العلة الأولى كما يتلو العدد أزواجه أفراده بعضها بعض في الحدوث والنظام عن الواحد الذي قبل الاثنين وأول صورة قبلتها الهيولى الأولى هي الطول والعرض والعمق وبذلك كان الجسم المطلق أغنى الهيولة الثانية وقد وفق الفيض عند وجود الجسم مطلق ولم يفض منه جوهر آخر لنقصان رتبته عن الجواهر الروحانية وغلاظ جوهره وبعده عن العلة الأولى ولما دام الفيض من الله تعالى عن العقل ومن العقل على النفس عطفت النفس عن الجسم المطلق فصورت فيه الصور والأشكال والأصباغ لتتمه بالفضائل والمحاسن وأول صورة عملتها النفس في الجسم هي الشكل الكروي الذي هو أفضل الأشكال وحركته بالحركة الدورية التي هي أفضل الحركات ورتبت بعضها في جوف بعض من لون الفلك المحيط إلى منتهى مركز الأرض وهي إحدى عشرة كرة فصار الكل عالماً واحداً منتظماً نظاماً كليا واحداً وصارت الأرض أغلظ الأجسام كلها وأشدها ظلمة لبعدها من الفلك المحيط الذي هو ألطف الأجسام وأشدها روحانية أشفها نوراً لقربها من الهيولة الأولى التي هي جوهر بسيط معقول وهكذا حركت النفس الكلية بتوسط العقل الفعال الهيولة الأولى طولاً وعرضاً وعمقاً فكان الجسم المطلق ثم ركبت من الجسم عالم الأفلاك والكواكب والأركان الأربعة جميعاً ثم أدارت الأفلاك حول الأركان واختلطت بعضها ببعض وكان منها المولدات الكائنات من المعدان والنبات والحيوان وكان منها ظهور المولودات من الأدون إلى الأعلى بعكس كائنات العالم الروحاني فظهر المعدن أولاً ثم النبات ثم الحيوان وذلك لأن الأدون آلة مستخدمة لمن يأتي بعده وموهوب له فالمعدن مادة لتكون النبات والحيوان والنبات غذاء للحيوان ولهذا تقدم وجود المعدن على النبات وجود النبات عن الحيوان.(1)
هكذا عالج الإخوان قضية الله والمخلوقات وكانت خطتهم خطة فيثاغورية ممزوجة بالأفلاطونية الحديثة، وهكذا كان الباري سبحانه متقدم الوجود عن العقل، وهو خالقه ومبدعه، كتقدم الواحد عن الاثنين والعقل متقدم الوجود عن النفس ومنه كانت وعنه بدت كتقدم الثلاثة على الأربعة وكلها منبسطة عن الباري سبحانه دفعة واحدة بلا زمان ومكان
وشرف بعضها على بعض بقرب النسبة إليه والقرب منه فالباري سبحانه علة العقل والعقل علة النفس والنفس علة الهيولة والهيولة فيها تركب الصور المجردة والطبيعة قوة منفعلة عن النفس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


(1) حنا الفاخوري وخليل الجُّر، تاريخ الفلسفة العربية، مرجع سبق ذكره، ص ص. 269 – 270.









قديم 2009-07-24, 16:07   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse










قديم 2009-07-24, 16:15   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

الفصل الثاني: مشكلة الفيض عند الفارابي.


المبحث الأول: الفارابي واتجاهه الفلسفي.

1. حياته وآثاره.
أبو نصر محمد بن أوزلغ، ولد في فاراب ( إقليم خرسان التركي) من أب فارسي وأم تركية حوالي سنة 259هـ/870م، وتوفي في دمشق حوالي 339هـ/950م عاصر الأشعري وعاش مع الشاعر العباسي الكبير المتنبي في كنف سيف الدولة بحلب، وضع مؤلفات عديدة منها شروحات وتعليقات على كتب أفلاطون وأرسطو وجالينوس في موضوعات المنطق والطبيعيات والإلهيات والأخلاق والسياسة.(1)
وقد لقب الفارابي بـ: (فيلسوف العرب)، وبـ: (المعلم الثاني) بعد أرسطو وهذا حقيقة يدل على المكانة التي حظي بها الفيلسوف في حقل الفكر العربي الإسلامي.
يحكي المؤرخون عن الفارابي أنه كان زكي النفس متجنبا للدنايا مقتنعاً من الدنيا بما يملك عليه حياته، يسيرة سيرة الحكماء، وكان هادئ الطبع، عاكفاً على التأمل والنظر في ملكوت الله، عاش في دولة العقل ملكاً، وفي العالم المادي مملوكاً، وبما أن الفارابي نشأ في أسرة مسلمة فقد كانت ثقافته لغوية ودينية وأقبل على العلوم الإسلامية من فقه وحديث وتفسير وتعلم اللغة العربية والتركية والفارسية.(2)
أكثر الفارابي من التأليف وعالج موضوعات مختلفة، إلا أنه لم يتح لكتبه أن تنال من الانتشار الواسع ما نالته كتب ابن سينا، ولعل السبب في ذلك يعود إلى ما ذكره ابن خلكان من أن أكثر مؤلفاته يقع في رقاع منثورة وكراريس متفرقة، ومن أن الرجل لم يترك من الكتب الطويلة والرسائل المفصلة إلا القليل الذي لا يلفت النظر، ومن دواعي الأسف أن أكثر هذه المؤلفات قد فقد ولم يبق منها سوى ثلاثين رسالة تقريباً باللغة العربية وقد أحرز
الفارابي في القرون الوسطى شهرة واسعة جعلت اليهود ينكبون على آثاره وينقلونها إلى العبرية، وقد حفظت تلك الترجمات العبرية في مخطوطات تنازعتها مكتبات أوربا، كما حفظ عدد من الترجمات اللاتينية التي نقلت عنها أو عن الأصل العربي مباشرة.(3)
ويمكن تقسيم مؤلفات الفارابي إلى قسمين:
1- تصانيف شخصية مبتكرة.
2- شروح وتعليقات.
ومن مؤلفاته الشخصية غير الشروح ما يلي:
1- كتاب الجمع بين رأي الحكمين: أفلاطون وأرسطو.
2- كتاب عيون المسائل.
3- كتاب فصوص الحكم.
4- كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة.
5- كتاب إحصاء العلوم.
6- كتاب ما ينبغي أن يعلم قبل تعلم الفلسفة.
7- كتاب السياسة المدنية.
8- المسائل والأجوبة.
9- كتاب الموسيقى الكبير.
أما شروحه لكتب أرسطو وأفلاطون فمنها ما يلي:
1- كتاب المقولات في المنطق.
2- كتاب العبارة.
3- التحليلات الأولى والثانية.
4- كتاب الشعر والخطابة والسفسطية.
وشرح أيضا المقدمة التي كتبها فورفوريوس الصوري(4) وجعلها مقدمة لكتاب أرسطو المنطقية وهذه المقدمة هي المسماة (إيساغوجي) أو الكليات الخمس(5)، وشرح كذلك كتاب الأخلاق إلى نيقاماخوس لأرسطو، وشرح كتاب النواميس لأفلاطون، لذلك لم يكن عجباً أن يحتل الفارابي المقام الأول بين المفكرين والفلاسفة مما حدا بالمترجمين إلى وصفه بأنه أكبر فلاسفة الإسلام وبأنه فيلسوف المسلمين على الحقيقة وسموه بالمعلم الثاني ليكون أرسطو الفكر الإسلامي.(6)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محمد العربي، المناهج والمذاهب الفكرية والعلوم عند العرب، دار الفكر اللبناني للطباعة والنشر، بيروت، ص 103.
(2) محمد الحاج حسن الكمالي، محاضرات في الفلسفة الإسلامية، مؤسسة الفاو للنشر والتوزيع والإعلان، ط1، 1993م، اليمن، ص63.
(3)حنا الفاخوري وخليل الجّر، تاريخ الفكر الفلسفي عند العرب، مرجع سبق ذكره، ص471.
(4) فورفوريوس الصوري ( ولد في صور حوالي 233م وتوفي 305م) تعرف إلى أفلوطين في روما سنة 263 ولزمه وتتلمذ عليه، جمع رسائل أفلوطين وكانت أربعاً وخمسين، وقدم لها بسيرة لحياة أفلوطين وسميت ( بالتاسوعات)، الأولى تتعلق بالإنسان والثانية والثالثة تتعلق بالعالم المحسوس، والرابعة بالنفس، والخامسة بالعقل، والسادسة بالعالم العلوي والوجود الدائم، ومن مؤلفاته أيضاً (ضد المسيحيين).
(5) الكليات الخمس: الجنس، النوع، الفصل، العرض الخاص، العرض العام.
(6) محمد حسن الكمالي، محاضرات في الفلسفة الإسلامية، مرجع سبق ذكره، ص 65.














قديم 2009-07-24, 16:26   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

1. فلسفته.
إن فلسفة الفارابي مبنية على تعاليم أفلاطون وأرسطو كما كانت قد فسرت في مدرسة بغداد في القرن العاشر، ومثل باقي المفكرين العرب آنذاك لم يفترض الفارابي فرقا رئيسيا بين الفيلسوفين، غير أنه اعتبر أن أفلاطون فيلسوف أعظم من أرسطو وكتب تعليقا على محاورات الجمهورية والقوانين، واعتبر ميتافيزيقاه ترى أن الله واحد وأنه ألواحد الذي منه يأتي كل الوجود، خالق العالم وموجوداته.(1)
ففلسفة الفارابي مزيج من أرسطو طاليسية وأفلاطونية حديثة مع صبغة إسلامية واضحة ونزعة شيعية إماميه لاشك فيها، هو أرسطو طاليسي في المنطق والطبيعيات أفلاطوني في الأخلاق والسياسة، أفلوطيني في فلسفة ما بعد الطبيعة، وهو قبل كل شيء فيلسوف الانتقاء والتوفيق، والمؤمن بوحدة الفلسفة المدافع عنها في كل حال(2).

وقد كان دفاعه عنها لرد دعوى المعترضين على الفلسفة بسبب تناقض مذاهب أعلامها وبخاصة بين مبدعيها، أفلاطون وأرسطو، وسعى من خلال الجمع بين آراء الحكمين اليونانيين تأكيد اللحمة ووحدة العقل والحقيقة.
وفكرة معرفة واجب الوجود هدف أساسي في فلسفة الفارابي فهي فكرة يدور حولها كل تفكير الفارابي وترتكز على منظومته الفكرية، وفهمه لحقيقة الوجود، ومعرفة الخالق جل شأنه العلة الفاعلة لجميع ألأشياء والمرتب لهذا العالم.
وقد اهتم الفارابي بالمنطق وبما بعد الطبيعة وبعلم الطبيعة، والفلسفة عنده هي العلم بالموجودات بما هي موجودة، وهي العلم الوحيد الجامع الذي يضع أمام العقل صورة شاملة للعالم.
ولا يقتصر المنطق عند الفارابي على تحليل التفكير العلمي، بل يشتمل على كثير من الملاحظات النحوية وعلى مباحث من نظرية المعرفة، والفرق بين المنطق والنَّحو هو أنَّ النَّحو يختص بلغة شعب واحد، أمَّا المنطق فقانون للتَّعبير بلغة العقل الإنساني عند جميع الأمم، وهو يسير من أبسط عناصر الكلام إلى أعقدها: من الكلمة إلى القضية إلى القياس.(3).
والفارابي له رأي فيما يخص بالمعاني الكلية والتي دار حولها جدل في العصور الوسطى فالفارابي يرى أن العقل الإنساني يستخرج الكلي من الجزئيات عن طريق التجريد، وأن لهذا الأخير وجوداً خاصاً به متقدما على وجود الجزئيات والنتيجة.
إن فلسفة الفارابي تتضمن المذاهب الثلاثة المتعلقة بالمعاني الكلّية، وهي: المذهب القائل بأن الكلي سابق على الجزئي، والمذهب القائل بأنه قائم به، والمذهب القائل بأنه يحصل بعده، وللفارابي رأي في الوجود، وهو لا يعد في جملة المعاني الكلية؟ أعني هل هو صفة تحمل على موضوع؟ وجواب الفارابي عن ذلك هو أنَّ الوجود علاقة نحوية أو علاقة منطقية، وليس هو بالمقولة التي تصدق على شيء في قضية، إذ ما وجود الشيء
إلاَّ الشيء نفسه.(4) والله عند الفارابي هو واجب الوجود من ناحية كونه الفاعل والغاية
فواجب الوجود ضروري للموجودات جميعاً، ولا يمكن أن تكون تلك الموجودات إلاَّ به(5).
ويذهب الفارابي إلى أن كل موجود، هو إما واجب الوجود وإما ممكن الوجود، ولا ثالث لهذين النوعين من الوجود ولمّا كان الممكن لابد أن تتقدم عليه علة تخرجه إلى الوجود، ثم لما كانت العلل لا يمكن أن تتسلسل إلى غير نهابة، كان لابد من الانتهاء إلى موجود واجب الوجود لا علة الوجود، وهو أزلّي، وهو موجود بالفعل من جميع جهاته ولا يعتريه، التغير، وهو عقل محض، وهو البرهان على جميع الأشياء، وهو العلة الأولى لسائر الموجودات، ومعنى الموجود الواجب يحمل في ذاته البرهان على أنَّه يجب أن يكون واحداً لا شريك له، فلو كان ثَم موجودات، كل منهما واجب الوجود، لكانا متفقين من وجه ومتباينين من وجه، وما به الاتفاق غير ما به التَّباين، فلا يكون كل منهما واحداً بالذَّات، وإذن، فالموجود الذّي له غاية الكمال يجب أن يكون واحداً وهو الله.(6)
إذا الفكرة الجوهرية التي تدور حولها فلسفة الفارابي هي فكرة واجب الوجود حيث أن هناك ترابط، لأن كل موجود إنما يستمد وجوده من هذا الأخير لذا كان لزاماً معرفة واجب الوجود معرفة تامة.
أما فيما يخص فلسفة الفارابي السياسية والأخلاقية يظهر ذلك في (أراء أهل المدينة الفاضلة) لأنها خير المدن على الأرض بالنسبة للبشر عامة، والشيء الأساسي والمهم هي التطلع إلى السعادة ألحقه التي يتمناها ويطلبها جميع الناس فقد بحث الفارابي في كتابه (نظرية الوجود) التي فحواها التمييز بين الممكن والواجب، وبين المدن الفاضلة ومضاداتها حيث أن الفارابي يبني المدينة من منطلق التمييز بين الصالح والفاسد من المدن في كتابه السابق الذكر، فهو يقصد من ذلك كله الإبانة عن الجماعة التي تطلب السعادة والمدن أو الجماعة التي يطلب أهلها أشياء مضادة، والسعادة في تصوره مرتبطة
بالتركيبة الإنسانية والنفس الإنسانية على حد سواء فالسعادة بنظره عند ما تسيطر النفس العاقلة (فضيلتها الحكمة) على النفس الغضبة (فضيلتها الشجاعة) والنفس الشهوانية (فضيلتها العفة) يصل الإنسان في الأخير للسعادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نوال الصايغ الصراف، المرجع في الفكر الفسلفي نحو توازن بين التفكير الميتافيزيقي والتفكير العلمي، دار الفكر العربي، بيروت، 1982م، ص139.
(2) حنا الفاخوري، خليل الجٌّر، تاريخ الفكر الفسلفي عند العرب، ص 471.
(3) كميل الحاج، الموسوعة الميسرة في الفكر الفلسفي والاجتماعي ( عربي، إنجليزي) مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، 2000، ص390.
(4) كميل الحاج، مرجع سبق ذكره، ص 390، 391.
(5) منذر الكوثر، فلسفة الفارابي الله ... الوجود ... الإنسان، دار الحكمة، لندن، ط1، 2002، ص9.
(6) كميل الحاج، مرجع سبق ذكره، ص390،391.













قديم 2009-07-24, 16:32   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

المبحث الثاني: الفيض عند الفارابي.
1.نظرية الفيض.
عندما تسلم فلاسفة المسلمين نظرية الفيض أو الصدور الأفلوطينية أخذوا يوفقون بينها وبين ما يقابلها في الدين الإسلامي ويظهر ذلك عند الفارابي (المعلم الثاني)، الذي يشير إلى أن المبادئ التي تعتبر قوام الأجسام والأعراض يكون على رأسها السبب الأول وآخرها المادة، والسبب الأول يكون عنده في المرتبة الأولى من الوجود، وهو واحد فالفارابي إذا يثير نفس المشكلة التي آثارها غيره من فلاسفة اليونان السابقين عليه، حيث يحاول إيجاد حل لها.
- ما هو الفيض: اضطربت أقوال الفلاسفة في إيضاح ماهية الفيض، وقد عبر عنها أصحاب الأفلاطونية الحديثة باستعارات تشبيهيه لم تجل حقيقتها. أما الفارابي فقد استطاع أن يجرد الفيض بطريقة عقلية، وذلك بقوله إن الله يعقل ذاته وأن العالم صدر عن علمه بذاته، قال: (وإن ظهر الأشياء عنه كونه عالماً بذاته، وبأنه مبدأ النظام الخيَّر في الوجود على ما يجب أن يكون عليه. فإذا علمه علة الوجود الشيء الذي يعلمه). فيكفي إذا أن يعلم الله شيئاً حتى بوجود هذا الشيء، لأن علم الله هو علم بالفعل ويكفي أن يعلم الله ذاته التي هي علة الكون لكي يكون الكون، فليس، إذن في صدور الموجودات عن الله حركة أو آلة لأن الفيض عملية عقلية وهذا الوجود لا يفيد الله كمالاً، لأن الله ليس بحاجة إليه(1).
يجمع المؤرخون أن هذه النظرية ظهرت إلى الفكر الإنساني على يد أفلوطين رغم أنها ظهرت في الفلسفة اليونانية كإشارات إليها لكن ليس كما ظهرت على يد أفلوطين. فأفلاطون في نظرية المثل بين قضية الخلق على أنها خيالية شعرية أي عندما أراد الصانع إيجاد العالم وتشكيل المادة استعان على ذلك بالنفس الكلية (أي نفس العالم) وهذه إشارة إلى وجود الوساطة تماماً كما في نظرية الفيض.
... كما فهم المتكلمون مسألة وجود العالم، كما جاءت به الحقيقة الدينية، على أنه (العالم) نابع عن عملية خلق من العدم، أي أن حدوثه في الوجود جديد.
... وكان السبب الرئيسي في ظهور هذه النظرية هو الوقوف أمام هذه الموجودات في العالم وطرح السؤال المشهور هل هذه الموجودات المتكثرة صدرت عن الله الواحد مباشرة ودفعة واحدة أم أن هناك وسائط لابد منها حتى تنزه وحدانية الخالق، فصدرت نظريتهم إلى القول: إن الواحد لا يصدر عنه إلا شيء واحد لأن العالم مركب من مختلفات لذلك فلا يتصور أن يكون فعلاً لله المتصف بالأحادية.
وكحوصلة لأسباب ظهور نظرية الفيض، ومما قيل سالفاً إجابة عن سؤال واحد يقول: كيف وجد العالم عن الله؟.
2. كيفية فيض الموجودات عن الأول.
أما كيف توجد الموجودات عن الأول، فالفارابي يفسره تفسيراً أفلطوينياً، على أساس فكرة الصدور أي صدور الموجودات عن الأول على جهة الفيض.
يقول الفارابي في كتاب: آراء أهل المدينة الفاضلة:
(والأول هو الذي عنه وُجد، ومتى وجد للأول الوجود الذي حوله، لزم ضرورة أن يوجد عنه سائر الموجودات التي وجودها لا بإرادة الإنسان واختياره، على ما هي عليه من الوجود، الذي بعضه مشاهد بالحس، وبعضه معلوم بالبرهان، ووجود ما يوجد عنه إنما هو على جهة فيض وجوده لوجود شيء آخر، وعلى أن وجود غيره فائض عن وجوده هو، فعلى هذه الجهة لا يكون وجود ما يوجد عنه سبباً له بوجه من الوجوه، ولا على أنه غاية لوجود الأول، كما يكون وجود الابن من جهة ما هو ابن غاية لوجود الأبوين، من جهة ما هما أبوان، يعني أن الوجود الذي يوجد عنه لا يفيده كمالاً ما، كما يكون لنا ذلك عن جل الأشياء التي تكون منا، مثل أنَّا بإعطائنا المال لغيرنا نستفيد من غيرنا كرامة أو لذة أو غير ذلك من الخيارات، حتى تكون تلك فاعلة فيه كمالاً ما، فالأول ليس وجوده لأجل غيره، ولا يوجد به غيره حتى يكون الغرض من وجوده أن يوجَد سائر الأشياء، فيكون لوجوده سبب خارج عنه فلا يكون أولاً ولا أيضاً بإعطائه ما سواه الوجود ينال كمالاً لم يكن له قبل ذلك، خارجاً عما هو عليه من الكمال، كما ينال من يجود بماله
أو بشيء آخر فيستفيد بما يبذل من ذلك لذة أو كرامة أو رئاسة أو شيئاً غير ذلك من الخيرات، فهذه الأشياء كلها محال أن تكون في الأول، لأنه يسقط أوليته وتقدمه، ويجعل غيره أقدم منه وسبباً لوجوده، بل وجوده لأجل ذاته، ويلحق جوهره ووجوده ويتبعه أن يوجد عنه غيره، فلذلك وجوده الذي به فاض الوجود إلى غيره هو في جوهره، ووجوده الذي يه تَجوهُره في ذاته هو بعينه وجوده الذي به يحصل وجود غيره عنه وليس ينقسم إلى شيئين يكون بأحدهما تجوهر ذاته وبالآخر حصول شيء آخر عنه. كما أن لنا شيئين فتجوهر بأحدهما وهو النطق، ونكتب بالآخر وهو صناعة الكتابة، بل هو ذات واحدة وجوهر واحد، به يكون تجوهره، وبه بعينيه يحصل عنه شيء آخر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حنا الفخوري، خليل الجُّر، مرجع سبق ذكره، ص 478.
(2) محمد الحاد حسن الكمالي، مرجع سبق ذكره، ص 72.









 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 17:52

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc