الى محبي الروايات - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الثّقافة والأدب > قسم الإبداع > قسم القصة ، الرّواية والمقامات الأدبية

قسم القصة ، الرّواية والمقامات الأدبية قسمٌ مُخصّصٌ لإبداعات الأعضاء في كتابة القصص والرّوايات والمقامات الأدبية.

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الى محبي الروايات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014-06-05, 20:59   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ithran sara
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية ithran sara
 

 

 
إحصائية العضو










New1 الى محبي الروايات

هذه احدى الروايات التي قراتها فيما مضى .............. اردت ان اشارك بها بعنوان...........


........................................سيدة الشتاء.......................................... للكاتبه Blue me ..........





أليكم الفصل الأول


سحر شيطان

- مئة وثمانون سنتيمترا..
قدرت (جودي) بصمت طول الرجل الواقف في إحدى زوايا المطعم ..
يتحدث إلى مدير المطعم مانحا إياها ظهره .. لم تكن قادرة على تمييز ملامح وجهه .. ولكنها استطاعت بالتأكيد وبوضوح ملاحظة تناسق جسده النحيل وعرض كتفيه وهو يهزهما تجاوبا مع كلمات محدثه ورشاقة يديه وذراعيه وهو يلوح بهما معترضا ..

ما الذي أصابها ؟ لم تكن هذه المرة هي المرة الأولى التي تلمح فيها رجلا جذابا .. ولكنها لم تشعر أبدا بهذا التقلص في معدتها والاضطراب من النظرة الأولى نحو أي رجل
حتى عندما قابلت طارق للمرة الأولى لم تشعر بهذه الطريقة ..راقبت بدقة كيف أخذ يسير برشاقة خطيرة إلى جانب المدير متجها نحو مكان ما داخل المطعم .. لابد أن يكون وسيما ..

لايمكن أن يمتلك أي شخص كل هذه الثقة بالنفس في خطاه إن لم يكن وسيما .. فقط لو يستدير قليلا .....
بدا واضحا أنه ليس نادلا .. فهو لا يرتدي الزي الرسمي للعاملين في المطعم ..

وليس زبونا أيضا فملابسه أبسط بكثير من أن تلائم مكانا بهذه الفخامة .. كان يرتدي سروالا من الجنز الباهت اللون وقميصا قطنيا أسود .. ملابس بسيطة ورخيصة ..

ما لذي يفعله رجل ذو موارد محدودة في مكان كهذا ....
أبعدت نظرها عنه مرغمة عندما دوى صوت رنين هاتف (طارق ) المحمول ..

التفتت نحو خطيبها الذي رفع هاتفه نحو أذنه مستقبلا إحدى مكالماته المهمة قاطعا حديثه مع (بشار) بينما سألتها (ريما ) خطيبته وصديقتها المقربة :- أين كنت شاردة الذهن .. بدوت وكأنك على بعد أميال ..
ارتبكت (جودي )وخشيت أن تكون صديقتها أو احد الرجلين قد لاحظ أنها كادت تلتهم شابا غريبا بنظراتها .. نظرت باضطراب الى حيث كان الشاب الجذاب واقفا إلا أنه كان قد اختفى .. نظرت ريما الى حيث كانت جودي تبحث بعينيها قائلة بفضول :- ما الأمر ؟ هل رأيت شخصا تعرفينه ؟
احمر وجه جودي للحظات ثم سيطرت على اضطرابها بسرعة قائلة :- بالتأكيد لا كم شخص مما أعرفهم معتاد على ارتياد مكان كهذا ؟
- قال بشار متظاهرا بالتفكير : - دعيني أفكر كم شخص مما أعرفهم

أنا قادر على ارتياد مكان كهذا ؟ آه .. اثنان .. جودي وطارق
ضحكت ريما بينما قالت جودي باحتجاج :- هذا غير صحيح ولكنا كانت تعرف تماما بأن طارق مهووس بالأماكن الراقية ولا يرتاد غيرها ..
تأملت المطعم الفخم .. إنه جزء من أشهر سلسلة مطاعم في المدينة ..
يتميز بديكوراته الراقية والكلاسيكية .. مع الإنارة الخافتة والرومانسية للمكان وبالخدمة الممتازة والأسعار الباهظة ..
طبعا هي كانت قادرة على تحمل تكاليف مكان كهذا بفضل المصروف الكبير الذي تحصل عليه من والدها كل شهر ..ولكنها مع هذا لم تكن تحب الأماكن
الباهظة والمتكلفة .. بل تفضل تناول بعض الساندويتشات الخفيفة برفقة أصدقائها في أحد مطاعم الوجبات السريعة المحيطة بالحرم الجامعي
.. ولكن طارق كان صاحب الدعوة .. ولولا حماس كل من بشار وريما لما وافقت على اختياره
قالت ريما :- يعجبني المكان .. إنه أشبه بالحلم .. ولكن
لا يمكن للإنسان أن يكون مرتاحا وأمن يأكل بسلام وحوله كل هذه الفخامة
قال بشار مداعبا :- لهذا أصطحبك دائما الى الأماكن البسيطة التي تحبينها .. يهمني أن تشعري بالراحة أثناء الأكل معي .
قالت ساخرة :- نعم .. لهذا السبب بالتأكيد وليس لأنك بخيل للغاية

وعاجز عن إنفاق بعض القروش لإسعاد خطيبتك .
أحاط كتفيها بذراعه وهو يقول :- لا تبدأي بالهجوم ..

ما أنا إلا طالب مسكين على وشك التخرج ولا يمتلك أكثر من مصروف يده
قالت :- ماكان عليك التورط بخطبتي إن لم تكن قادرا على تلبية متطلباتي
أطلت من عينيه نظرة هيام وهو يقول :- تعرفين بأنني
لا أستطيع الإبتعاد عنك لحظة .. ولو لم أتقدم لخطبتك لقتلني والدك في حال اقترابي منك .
اختفى تهكمها فجأة ومنحته ابتسمة ساحرة
وهي تقول :- ماكان ليوافق على خطبتنا لو لم أهدده بالهرب معك .. فأنت الشخص الذي لن أحب غيره أبدا .
حسنا ... من كان صاحب فكرة دعوة هذا الزوج العاشق ؟ ..

بالتأكيد لم تكن فكرة جودي .. فبالرغم من أنها تحب صحبة ريما التي كانت صديقتها طيلة السنوات التي قضتاها في كلية الآداب .. وبشار طالب الهندسة الذي تعرفت جودي الى طارق من خلاله .. إلا أن تواجدهما معها يصيبها بالإحباط .. ويذكرها دائما بالحلقة المفقودة بينها وبين طارق .. مع أنهما متحابان إلا أن تلك
الشرارة التي تميز علاقة بشار وريما لم تكن موجودة أبدا في علاقتهما .. رمقت طارق بطرف عينها .. مازال يتحدث هاتفيا وقد تركزت حواسه بشكل تام مع محدثه .. يجب ألا تقارن علاقتها بطارق أبدا بعلاقة الزوج الجالس أمامها
فبينما بشار مجرد طالب يجاهد للتخرج من الكلية ..
ولديه من الوقت ما يكفي ليقضيه برفقة خطيبته .. فإن طارق بالرغم من صغر سنه فهو ابن أحد أثرى رجال الأعمال في المدينة .. انخرط في عالم الأعمال فور تخرجه من الجامعة .. ولا وقت لديه ليضيعه مع خطيبته الحالمة .. فعليا .. طارق هو الرجل المثالي .. تعرفت إليه منذ أشهر في حفلة زفاف كبيرة أقامها أحد معارف والدها لإبنه البكر .. وكالعادة كانت هي مرافقة والدها لرفض شقيقتها الكبرى القاطع حضور هذه الحفلات المزيفة والسطحية .. وطارق كان هناك بصفته ابن عم للعريس .. أعجبت به من النظرة الأولى .. أعجبتها ثقته بنفسه .أناقته المفرطة .. هدوءه وتصرفاته اللبقة والمهذبة .. ظهر اهتمامه بها منذ عرفه بشار إليها .. وهو قريب آخر للعريس .. بعد ذلك التقت به مرة أو اثنتين .. ثم تقدم لخطبتها فورا .. هكذا كان دائما .. مباشرا وواضح النوايا .. لا وقت لديه لترهات العاشقين .. قابلها .. أعجب بها .. أحبها .. ووجد أنها الشريكة المثالية له فاتخد الطريق الأسهل والأسرع ..وافق والدها فورا .. ولم يبذل أي جهد في إقناع جودي بأنه الرجل المناسب لها .. ثري .. ناجح .. ومن طبقة اجتماعية راقية تناسب اسم العائلة العريق .
لم تتردد جودي في إعلان موافقتها .. فقد كان حلمها منذ الطفولة أن ترتبط بالرجل المثالي .. في الواقع ..
لقد كان هذا حلم والدها .. أن يزوج ابنتيه الوحيدتين لشخصين مناسبين له هو .. غير مبال رأيهما ..
.. ربما لهذا السبب علاقته بشقيقتها أماني ليست جيدة منذ سنوات ..فبينما يحاول هو فرض سيطرته عليها تقاومه هي كالقطة المتوحشة محاولة التحرر بشخصيتها وكيانها عنه .. لحسن الحظ أن جودي هي ذات الطبع السلس والسهل الإنقياد في العائلة .. فطموحاتها لم تتجاوز أبدا إرضاء والدها وإيجاد الزوج المناسب .. والعيش بسعادة وهناء ..

وهي الآن في طريقها لتحقيق كل هذه الطموحات .. فهي مخطوبة الى طارق منذ ستة أشهر وستزف إليه فور انتهاء السنة الدراسيو وتخرجها من كلية الآداب .. والكل متحمس باستثناء أماني المعترضة دائما ..
ولكن ماهي إلا مسألة وقت قبل أن تقتنع بطارق عندما تلاحظ كم هي سعيدة معه .
..أنهى مكالمته أخيرا .. وقال مخاطبا إياها :- أنا آسف يا حبيبتي .. كانت مكالمة مهمة .
منحته ابتسامة باهتة .. جميع مكالماته الهاتفية مهمة للغايةباستثناء مكالماتها .. لا تذكر عدد المرات التي قطع فيها اتصالاتها وتحاشى الإجابة عليها لانشغاله في عمله .
.. سرعان ما عاد الحديث المرج والشيق يدور بين الأربعة ..

ارتفعت ضحكة جودي عاليا عندما أخدت ريما تحكي عن الرسومالكاريكاتورية التي رسمتها جودي والتي تمثل معظم أساتذة الكلية .. وطبعت منها عدة نسخ ونشرتها بين الطلاب .. وعن ردة فعل الأساتذة على مبادرتها بين معجب وساخط .. قالت ريما ضاحكة :- والمعجزة أن أحدا لم يعرف بأن جودي هي الفاعلة
ضحك طارق وهو يداعب شعرها الكستنائي الطويل والمحيط بوجهها البيضاوي الجميل بنعومة وقال :- يجب أن تقلعي عن شقاوتك هذه بعد أن نتزوج .. لا أعتقد بأن قلبي قادر على احتمال أحد مقالبك
منحته ابتسامة عريضة وقالت :- ستلاحقك شقاوتي الى آخر يوم في حياتك .. هل تظن بأن تجرؤك على طلب يدي والزواج مني قد يمر دون أن تعاني من العواقب ؟
.. ارتفع في هذه اللحظة صوت عزف رقيق على الجيتار .. لحن ناعم وشاعري ..
تعرفت جودي على أغنيتها المفضلة فاستدارت تبحث بعينيها عن العازف الذي ظهر فجأة .. وقد كان هناك .. جالسا فوق المنصة الصغيرة التي تصدرت المطعم .. ممسكا بجيتاره بين يديه معانقا إياها وكأنه يعانق حبيبته .. مسبلا عينيه المظللتين برموش كثيفة داكنة . في
اندماج تام مع اللحن الذي يعزفه
.. خفق قلب (جودي ) بقوة .. لقد تعرفت على صاحب الملابس البسيطة والجسد الطويل الساحر .. أنه نفس الرجل الذي لفت نظرها منذ دقائق دون حتى أن ترى وجهه .. ومن مقعدها المواجه له ..

تمكنت من تبين ما ظهر من ملامحه تحت الإنارة الخافتة وعبر المسافة الفاصلة بينهما .. ميزت حاجبين كثيفي السواد منعقدين بتأثر مع الألحان الرائعة التي كان يبدعها .. أنف مستقيم وفم مغر بشفتين ممتلئتين شهوانيتي التأثير .. وجنتين منحوتتين أعطت وجهه شكلا كلاسيكيا فريدا ..
يا إلهي .. هل يمكن أن يمتلك رجلا واحدا كل هذا الكمال .. لك تتبين عينيه جيدا .. ولكنها حدثت نفسها برجاء بأنهما ربما كانتا ضيقتين .. أو مقاربتين .. وربما جاحظتين .. أي شيء إلا أن تكونا بمثل كمال ملامحه ..
تعلقت أنظارها بيديه وهما تداعبان أوتار الجيتار بحنان واحتراف .. بدت أصابعه طويلة و نحيلة .. ولسبب ما توردت وجنتاها .. وابتلعت ريقها باضطراب ..

ما الذي أصابها ؟ لقد فقدت عقلها تماما .. لو عرفت أماني بما يتصارع داخلها من مشاعر لسخرت منها طويلا .. وتشفت في كل ذرة اضطراب تغزو روحها ..
.. أحس طارق بنظراتها فقال باسما :- هل أعجبك عزفه؟
أعرف أنك تحبين الموسيقى .. يبدو أنه عازف جديد فأنا لم أره هنا من قبل
تمتمت بصوت حاولت أن يكون لا مباليا :- حقا ؟ لا بأس به .
عادت تنظر الى عازف الجيتار المجهول .. وهي لا تكاد تسمع شيئا من ثرثرة مرافقيها ..
هناك شيء يمنعها من إزاحة عينيها عنه.. لم تعرف ما هو .. لم يكن أول رجل جميل تقابله .. فطارق لا يقل عنه وسامة ..

ولكن هناك شيء لا تفهمه يميز هذا الرجل .. الذي رفع رأسه فجأة ونظر إليها ..
وكأنه قد أحس بنظراتها المركزة عليه ..
.. أحست جودي بالمكان يظلم من حولها .. وبوجود الآخرين يتلاشى ..
حتى الموسيقى لم تعد تجد طريقها إليها .. شيء ما حبس أنفاسها في اللحظات التي التقت فيها نظراتهما .. شعور غير مألوف بالخوف امتد ليزحف على طول عمودها الفقري . . كحال الفريسة عندما تشعر بعيني قناصها عليها ..شهقت أخيرا سامحة للهواء أن يدخل الى رئتيها .. وحررت نفسها من أسره بالإلتفات بعيدا وهي تحاول السيطرة على اضطراب أنفاسها ..

مما جذب انتباه طارق الذي سألها بقلق :- هل أنت بخير ؟
ظرت إليه بذعر .. ثم إلى صديقيها اللذين نظرا إليها بحيرة ..
ثم قالت بعصبية :- عن إذنكم .. سأجري مكالمة هاتفية .قفزت من مكانها فلحقت بها ريما قائلة :- سأرافقك
غابتا داخل أخد أروقة المطعم الداخلية المؤدية إلى الحمامات ..
راقبت ريما صديقتها وهي تخرج هاتفها وتضغط أزراره بأصابع مرتعشة ..
وقالت بريبة :- أنت لست طبيعية .. ليس من عادتك قطع إحدى جلساتك لتتصلي بأماني .
رفعت جودي الهاتف الى أذنها قائلة بتوتر :- أحتاج إلى أن أكلمها علها تستعيد شيئا من تعقلها .. أو تستمد من أختها القليل من قوتها ..
كالعادة كان هاتف أماني مقفلا .. تأففت بضيق فقالت
ريما وهي تنظر إلى وجهها متفحصة :- إنه طارق .. تنتابك من جديد تلك الشكوك والوساوس بشأن علاقتك به صحيح ؟
تنهدت جودي قائلة :- أنت محقة .. مازال ذلك الإحساس ينتابني بأن ثمة شيء ناقص في علاقتنا
وإلا ما الذي يفسر انجذابها إلى رجل غريب بينما خطيبها على بعد سنتيمترات منها ؟
قالت ريما بانزعاج :- إنها أماني بالتأكيد .. هل عادت تعبث بعقلك مجددا ؟
ليس سرا أنها لا تطيق طارق .. ولكن ليس من حقها أبدا أن تفسد عقلك بوساوسها ..
تمتمت جودي :- كل مافي الأمر أنها تريدني أن أتأكد من مشاعري قبل أن أرتبط به نهائيا
قالت ريما بسخرية غاضبة :- ما الذي تعرفه أماني عن المشاعر ؟ أنها فتاة عاملة قررت أن تكرس حياتها لصنع تلك الهالة حولها مانعة أي رجل من الاقتراب منها وتريد أن تصنع منك نسخة أخرى عنها .. في الواقع أظنها تغار منك لأنها لن تجد أبدا رجل كطارق يحبها كما يحبك
.. حسنا .. لم تدهش جودي لمشاعر ريما السلبية اتجاه أماني ..فهي تعرف من زمن بكراهية كل منهما للأخرى .. ولكن ما تظنه ريما بأماني غير صحيح .. هي أكثر من يعرف أماني ..
تعرف جيدا كم هي عاطفية وضعيفة .. وأن عاطفيتها كانت السبب في تحطيم علاقتها بوالدها وبجنس الرجال ككل
تمتمت في النهاية :- لا علاقة لأماني في الموضوع
:- ما المشكلة إذن ؟
زفرت أماني عاجرة عن البوح بالسبب الحقيقي لتوترها فصاحت فجأة بحنق :-
:- أيجب أن تقومي أنت وخطيبك في كل مرة يتلك المشاهد الغرامية المبتذلة أمامي ؟
إن لم تعلمي فهناك فنادق رخيصة وجدت خصيصا لهذا الغرض ..
أو ربما عليكم الزواج عل مشاعركما الحبيسة تتحرر أخيرا.. حدقت فيها ريما بدهشة وهي تقول غير مصدقة :- أهذا ما يضايقك ؟


قالت جودي بعصبية :- طبعا هذا يضايقني عندما يجلس خطيبي كاللوح الى جانبي عاجز عن توجيه كلمة رقيقة واحدة نحوي .. يا إلهي أحيانا لا أحس بأنني مخطوبة .. كيف سيكون الحال بعد عشر سنوات من الزواج ؟ بالكاد سيوجه لي الكلام
ساد الصمت لبضع ثوان قبل أن تنفجر ريما ضاحكة وهي تقول :-
أنت مجنونة بالتأكيد .. طارق يحبك جدا .. إنه متحفظ بطبعه ليس إلا .. أنا متأكدة بأنه سيجد أكثر من طريقة ليعبر لك عن حبه دون أن يتكلم بعد عشر سنوات من الزواج .. توقفي عن التصرفات الطفولية ..
ولنعد الى طاولتنا قبل أن يقلق الشباب .
قالت جودي بعناد :- لست جاهزة بعد .. سأصلح زينتي
استدارت نحو المرآة غطت الجدار خلفها .. ونظرت الى وجهها الشاحب وعينيها الزيتونيتين المنحرفتي الزوايا والشبيهتين بعيني القطة وقالت :-
أبدو مرعبة تماما .. لا عجب أن طارق لا يعيرني أي اهتمام
لم تشعر بأن صديقتها قد تركتها وعادت الى الطاولة بينما اقتربت هي ممن المرآة وتحسست ذقنها قائلة برعب :- هل ترين هذا ؟
لقد ظهرت بثرة مخيفة في دقني .. إن لم أجد حلا للفراغ العاطفي الذي أشعر به .. فسيمتلئ وجهي بالبثور
دوى صوت رجولي ذو بحة مثيرة :- هل يمكنني المساعدة ؟
استدارت بسرعة مجفلة .. لتنتفض برعب لرؤية الشخص الواقف أمامها .. كان ينظر إليها بعينين داكنتين واسعتين .. يتفحص ملامحها المتشنجة دون حرج .. إنه ذلك الرجل الجذاب الذي دفعها للهرب من صالة المطعم .. إلا أنه هذه المرة على بعد أقدام عنها .. تلاحقت أنفاسها وهي تقول باضطراب :- ريما .. أين ؟ ...
توقفت عن التفوه بالكلمات المتقطعة والغير مفهومة .. وأخذت تنظر من فوق كتفه بحثا عن ريما
ألقى نظرة عابرة إلى الخلف قائلا:- هل تقصدين الفتاة التي تجاوزتني منذ لحظات ؟
لا .. هي لم تخطئ .. فلصوته العميق رنين غير عادي يشبه الموسيقى .. موسيقى غامضة ومثيرة .. مثله تماما .. تنحنحت قائلة :- سألحق بها إذن .. عن إذنك
ما إن تحركت .. حتى اعترض طريقها بذراعه مسندا إياها إلى الجدار .. فأطلقت شهقة مكتومة وهي تتراجع ذعرا .. وقد قربته تلك الحركة منها بشكل جعل جسدا ينتفض بألم غيرمفهوم عندما لفحته جاذبية الجسد النحيل الصلب
أحنى رأسه ليجتذب بصرها قائلا بنعومة :- بهذه السرعة .. ظننتك استدرجتني إلى هنا للتعرف إلي
عندما نظرت إلى عينيه مذهولة فكرت بأنه لي من العدل أن يمتلك رجلا مثله عينين كهاتين .. لقد بدا لها من بعيد خطيرا بجاذبية خيالية لم تقابل مثلها من قبل .. أما الآن .. وقد رأت عينيه اللوزيتين العميقتين .. بلونهما البندقي الدافئ .. ونظراته القادرة على إذابة جبل من الجليد .. أدركت جودي بأن هذا الرجل شيطان يمشي على قدمين .. والدليل كلماته المستفزة التي بثت شيئا من الغضب داخلها ومنحتها القوة لتقول بشجاعة :-
:- أنا لا أعرف عما تتحدث
شعرت به يقترب منها فتراجعت حتى التصقت بالجدار .. وضغطت عليه بجسدها وهي ترفع عينيها نحوه بعجز وقد انتابها إحساس بالأسر .. تمتم بخفوت ودون أن يحرك شفتيه تقريبا :- بل تعرفين بالضبط ما أتحدث عنه .. لقد ضبطتك تنظرين إلي قبل دقائق .. ولا تحسبي أنني لم أفهم مغزى نظراتك .. أستطيع تمييزها عن بعد أميال.
حبست أنفاسها عندما اخترق عطره الرجولي رئتيها .. وأثر بشكل سحري على حواسها المرتعدة .. رطبت شفتيها باضطراب وهي تقول :- اسمع أيها السيد .
قاطعها بنعومة :- (تمام محفوظ)
فكرت مبهورة .. (تمام ) أي اسم غريب لشخص غير عادي مثله .. هزت رأسها لتستعيد تركيزها قائلة :- سيد .. تمام .. لقد أسأت فهمي .. لم أقصد شيئا من بالنظر إليك .. كما أنني لست وحدي هنا .. أنا برفقة خطيبي
نطقت بالكلمة الأخيرة بحدة .. كالغريق الذي تعلق بقشة .. وأخفت ذهولها من نسيانها التام لخطيبها الجالس على بعد أمتار في انتظارها .. أو عدم لجوئها حتى الآن الى الصراخ اجتذابا لمن ينقذها من هذا الجحيم الذي وجدت نفسها فيه ..
ذكرها لخطيبها جعل بريقا قويا يشع في العينين الداكنتين .. والشفتين الجذابتين تتوتران للحظة .. ثم سرعان ما انفرجتا عن شبه ابتسامة مدمرة وهو يقول بتهكم :- هل من المفترض بذكرك لخطيبك أن يصرفني ؟ أو يبعدني عنك ؟ لو أنك تهتمين لأمره حقا لما بادلتني تلك النظرات التي طالبتني فيها باللحاق بك .. لما كنت هنا الآن .. معي .. ولا شيء يرغمك على البقاء
فقدت أعصابها عندما مست كلماته وترا حساسا .. وصاحت بحدة :- هلا ابتعدت عن طريقي
وعندما لم يتزحزح من مكانه رفعت يديها بلا وعي إلى صدره لتدفعه عنها .. ولكن ما أن شعرت أصابعها بعضلات صدره القاسية تحت القميص القطني الرقيق .. حتى أحست بتيار عنيف يسري في جسدها على شكل انتفاضة قوية .. أنزلت يديها بسرعة بعيدا عنه .. وعادت تلتصق بالجدار وقد أحالها الرعب الى قطعة منه .. شعر الشيطان بذلك البركان الذي أيقظه داخلها .. بالتأكيد .. فهو كما يبدو خبير بتأثير في النساء .. بعكسها هي التي لم تعرف يوما شعورا مشابها
ولكن عندما نظرت إلى وجهه .. وجدت لهيبا يتراقص في العينين العابثتين .. وقد انفرجت شفتاه باضطراب أذهلها هي نفسها .. لقد أحس بدوره بذلك التيار الغامض الذي سرى في الاتصال الجسدي الوحيد الذي جمع بينهما
همس :- أترين ؟ هناك شيء ما يجمعنا .. لقد قدر لنا أن نلتقي وقد عرفت هذا منذ وقعت عيناي عليك عناك بينما كنت أعزف
فتحت فمها في محاولة يائسة منها للإعتراض ..ولكنه سبقها قائلا :-
:- لا تحاولي أن تفهمي .. ولا تقاومي الحقيقة التي اكتشفها كلانا منذ لحظات .. أنت لي .. ولن تكوني لغيري أبدا .
عقد لسانها .. واتسعت عيناها الخائفتان .. إلا أن أنفاسها أخذت تتلاحق بإثارة .. جذبت عينيه إلى حركة صدرها السريعة .. رفع نظره الى وجهها ليتأمل تقاطيعه الناعمة والجميلة .. عينيها البريئتين .. أنفها الدقيق وفمها الوردي المثير .. ثم وقف نظره عند تلك البثرة الحمراء الصغيرة التي أشارت إليها قبل دقائق .. رفع يده ليلمسها بأنامله .. فأغمضت عينيها كابحة رجفة الإثارة التي لحقت بلمسته الخفيفة .. وقال بصوت مثير :-أن كان سببها الفراغ العاطفي .. فأنا أعدك بأنها ستختفي قريبا
فتحت عينيها .. وترقرقت فيها دموع لم تفهم سببها .. وبدون أن يقول شيئا .. تناول هاتفها المحمول من بين أصابعها المرتعشة وعبث به للحظات .. فصدر أزيز خافت من هاتفه المعلق بحزامه الجلدي .. ثم أعاد هاتفها إلى يدها .. وأبقاها بين يديه طويلا وهو ينظر إلى عينيها قائلا بثقة :- سنتحدث لاحقا
وإذ بصوت ريما يدوي من خلفه بتوتر :- جودي
أعادها صوت ريما إلى الواقع فسحبت يدها من بين يديه بسرعة .. ونظرت إلى صديقتها باضطراب .. أما هو فلم يبدو مستعجلا وهو يعتدل في وقفته ببطء دون أن يلتفت إلى ريما أو يعيرها أي أهمية .. أطلت من شفتيه ابتسامة جانبية حملت الكثير من السخرية والعبث وهو يردد :- جودي
وبهدوء تجوز ريما واختفى عن ناظريهما .. هنا سمحت جودي لساقيها أن تخذلاها .. فتشبثت بالجدار لاهثة .. محاولة اكتشاف إن كان ما حدث لتوه مجرد حلم أم لا
اقتربت ريما قائلة بحدة :-من يكون هذا الرجل يا جودي ؟.. ولماذا كان قريبا منك إلى هذا الحد ؟ لقد كاد طارق يبحث عنك بنفسه عندما تأخرت .. ماذا كنت ستفعلين لو ضبطك في هذا الوضع المشبوه مع ... مع عازف الجيتار الجديد ؟ ما الذي أصابك يا جودي ؟
لم يبدو على جودي أنها قد فهمت كلمة مما قالته ريما .. إذ كانت نظراتها مذهولة وشاخصة على بعد أميال .. ثم همست أخيرا بصوت مرتجف :-
:-أريد العودة إلى البيت .. أرجوك
لسبب ما ابتلعت ريما غضبها .. وأجلت استجوابها إلى وقت لاحق .. فقد أدركت بأن صديقتها الشاحبة الوجه على وشك فقدان الوعي في أي لحظة فتمتمت :-
لا بأس .. لنخبر بشار وطارق ثم لنخرج من هنا
عندما عادتا الى صالة المطعم الرئيسية .. لم تجد أثرا لذلك الشيطان الآدمي الساحر الذي خطف منها أنفاسها وعقلها قبل لحظات .. تفهم طارق بلا عناء الإرهاق المفاجئ الذي ادعته ولم يمانع عندما تناولت حقيبتها وطالبته بالمغادرة .. خاصة أنه قد سدد الفاتورة منذ دقائق ..
في طريقها الى سيارة طارق حمدت الله على أنها لم تحضر بسيارتها .. فهي من جهة لن تتمكن من القيادة مترا واحدا بأعصابها المهزوزة .. ومن جهة أخرى لم تكن مستعدة للإنفراد بريما والخضوع لاستجوابها المؤجل
وخلال الطريق الى البيت .. لم تفوه بحرف واحد بينما اخرط الباقون في حديث لم تفهم مضمونه .. تاهت بعينيها عبر النافذة تراقب الطرقات التي أنارتها مصابيح الليل العمودية الشاحبة .. محاولة أن تنسى تفاصيل الحديث الذي دار بينها وبين ذلك الرجل ..
(تمام محفوظ) .. فكرت بأنها لا تريد أن تقابله مجددا مهما كانت الظروف .. ولكن جزءا دفينا منها كان يصر بيأس على أنها لاكاذبة ..كاذبة تماما




الى اللقاء قريبا









 


رد مع اقتباس
قديم 2014-06-05, 21:00   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
الغبية المغرورة
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية الغبية المغرورة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ماقريتهاش طويلة بزاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا اااااااف بصح شكرااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا اااااااااااااااا










رد مع اقتباس
قديم 2014-06-05, 21:01   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
حميد.ص
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية حميد.ص
 

 

 
الأوسمة
وسام الوفاء مميزي الأقسام العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا جزيلا










رد مع اقتباس
قديم 2014-06-05, 21:20   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
ithran sara
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية ithran sara
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

hhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhh

المشكلة انا لوكان ما نشوفهااااااششش طوووووييلللة مانقراهاش

ولكن شكراااااااااا لك زهرة من كل روض










رد مع اقتباس
قديم 2014-06-05, 22:52   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
زياني *****
عضو محترف
 
إحصائية العضو










افتراضي

جميلة جدا قرأتها مرات
ذوقك جميل
لكن لا تطرح هنا القصص
ضعيها هنا https://www.djelfa.info/vb/forumdisplay.php?f=228










رد مع اقتباس
قديم 2014-06-06, 11:02   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
خجل الجوري
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

أنا من محبي الروايات كثيرا
وتبدين ممن يختارها بعناية تامة
شكراااااااااااااا جزيييييييييييييييلا لك
فقط ليس هذا القسم المخصص لها غاليتي
تقديري واحترامي










رد مع اقتباس
قديم 2014-06-06, 13:02   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
ithran sara
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية ithran sara
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا لك كنت نجرب برك

hhhhhhhhhhhhhhhhh

شكرااااا










رد مع اقتباس
قديم 2014-06-10, 16:20   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
MAHA ISLAM AHMAD
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية MAHA ISLAM AHMAD
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


الفصل الثاني
ابنة عاقة

أصدر محرك سيارة أماني القديمة ضجيجا كبيرا قبل أن يتوقف تماما أمام فيللا والدها الكبيرة .. أعادت ظهرها إلى الخلف مسندة إياه إلى المقعد البعيد تماما عن الراحة .. وزفرت بقوة حامدة الله على وصولها سالمة الى البيت
هذه الخردة القديمة التي اشترتها مستعملة وتقودها منذ أكثر من عامين بحاجة الى تغيير .. ولكنها مضطرة لإحتمال ضجيجها ومشاكلها حتى تدخر ثمن سيارة جديدة .. وهي مستعدة لقتل نفسها شنقا قبل أن تطلبه من والدها ..
فتحت الباب الكبير للسيارة بحذر وبطء خوفا من أن يسقط إلى جانبها على قارعة الطريق ولكن عندما ترجلت من السيارة .. اضطرت لصفقه بعنف كي تتأكد من إغلاقه جيدا
كان الجو دافئا بالنسبة لإحدى ليالي منتصف شهر أكتوبر .. وضوء القمر الشاحب الذي اتخذ شكل هلال لم ينجح في تخفيف الجو الكئيب للمبنى المكون من طابقين . والمحاط بحديقة صغيرة
من الغريب أن تشعر كل مساء بأنها مرغمة على العودة الى المكان الذي ولدت فيه وعاشت قرابة الخمسة وعشرين عاما .. نظرت الى ساعة معصمها .. التاسعة ليلا .. هذا يعني المشاكل .. فقد تأخرت 3 ساعات عن موعد عودتها المعتاد الى البيت .. لابأس .. لقد اعتادت على الجدال مع والدها العجوز كل ليلة تقريبا .. وربما ستفسد ما تبقى من ليلتها برؤية وجه ابن عمها الوسيم في حال كان موجودا ليناقش والدها في أمور العمل كالعادة .. ثم ترى وجهه الجميل مجددا في أبشع كوابيسها
لمحت سيارته الأنيقة تقف خلف سيارة والدها .. فزفرت بقوة وقد أحست بالامتعاض .. إنه موجود .. ثم لمحت سيارة جودي البيضاء الصغيرة . هذا لا يعني أنها موجودة
فغالبا ما تخرج برفقة خطيبها المتأنق الشبيه بالدمى المحشوة .. دون أن يحاسبها أحد على الوقت الطويل الذي تقضيه خارجا معه .. ما دامت الإبنة العاقلة والمطيعة في البيت
زفرت بضيق متمنية لو أنها كانت تنتمي إلى عائلة أخرى تقل ثراء وتعقيدا عن عائلتها .. كانت أنوار حديقة المنزل مضاءة جزئيا .. بفوانيس صفراء منحت المكان طابعا خياليا وقد انعكست أضوائها على النباتات الخضراء التي اصطفت بتناسق حول ممر حجري مؤدي الى الباب
دست مفاتيحها في قفل الباب الزجاجي الضخم وفتحته ثم دخلت
لجزء من الثانية تنفست بارتياح لعدم وجود لجنة الاستقبال التقليدية في انتظارها .. ولكن أملها خاب عندما هدر صوت والدها الجهوري يقول بصرامة :-
:- أين كنت حتى الآن ؟
رفعت عينيها نحو الرجل الستيني النازل عبر الدرج الرخامي الفخم الرابط بين الطابقين مستعينا بعصاه الثقيلة التي قلما فارقته .. وروبه المنزلي يحيط بجسده الرياضي الممتلئ .
تصلب جسد أماني بتوتر لرؤية والدها وانتظرت حتى أصبح يقف على بعد أمتار منها وكرر سؤاله الصارم :- ينتهي دوامك في تمام السادسة .. فأين كنت حتى الآن .؟
بذلت جهدا خرافيا لتسيطر على التأثير الأزلي لمهابة والدها عليها .. ثم قالت بهدوء يميل الى البرود :-
:- لم لا تسأل صلاح ؟ فجواسيسه يخبرونه بالتفصيل أين أقضي كل دقيقة منذ خروجي في الصباح وحتى عودتي في المساء
التمعت عينا والدها الخضراوان والشبيهتان بعينيها .. صاح بغضب :-
:- تكلمي عن ابن عمك باحترام وإلا أجبرتك على هذا
التقت عيناهما لدقيقة كاملة .. خيم خلالها صمت مشحون بالتوتر قبل أن تقول ببرود :- أنا متأكدة بأنك قادر على هذا .. فأنت تحقق كل ما تريده بإحدى الطريقتين .. إما بنثر أموالك هنا وهناك وإما ......
نظرت إلى عصاه السوداء الثقيلة ذات الرأس المدببة .. وإلى أصابعه التي أحاطت بها بتوتر .. وسرت في جسدها رجفة خوف جاهدت لإخفائها .. ثم قالت باقتضاب :- لقد مررت على الميكانيكي ليلقي نظرة على سيارتي .. مؤخرا تصدر أصواتا مزعجة عندما أقودها
لم يظهر على وجهه أي تعبير يذكر .. ثم قال بجفاف :- تعرفين تماما سبيلك الى التخلص منها
قفز الازدراء الى ملامحها بلمح البصر وقالت بإباء :- تعجبني كما هي .. ولا أحتاج الى غيرها أو أي شيء آخر منك .. أو منه
وبدون أن تتيح له فرصة للتعليق .. تركته هاربة الى المطبخ فاللجوء الى غرفتها يعني المرور الى جانبه .. ومازالت تذكر نتائج اخر مرة اقتربت فيها منه الى هذا الحد أزعجتها إنارة المطبخ الخافتة .. ولكنها لم تهتم بإنارة المكان .. فتحت الثلاجة وتناولت زجاجة مياه معدنية وحاولت أن تتذكر آخر مرة تبادلت فيها حديثا وديا مع والدها فلم تنجح... ولكنها مدركة بأن أكثر من خمس سنوات مرت منذ أعلنت الحرب بينهما ..وانتهى خلال لحظة واحدة كل ما يشير الى روابط الدم بينهما
صفقت باب الثلاجة بعنف عندما أحست بالشبح الذي تسلل دون أن تشعر .. استدارت لتجده عاقدا ساعديه أما صدره .. مستندا الى خزائن المطبخ وينظر اليها بهدوء واثق مستفز
تغلبت على قشعريرة الخوف التي أصابتها بتأثير نظرته المظلمة كظلام المكان وقالت ساخرة متصنعة القوة:- لماذا لا تدهشني رؤيتك وأنت تتسلل كالأشباح في الظلام داخل منزل لا يرغب سكانه في وجودك فيه ؟
قال الشبح بهدوء :- أذكرك يا ابنة عمي العزيزة بأنك الفرد الوحيد في المنزل الذي يرفض وجودي فيه .. فعلى حد علمي .. عمي يعتبني كالإبن له وجودي تهتم لأمري كأخ أكبر لها
قالت باشمئزاز :- أفضل الموت ألف مرة على أن أحظى بأخ مثلك
لوى فمه ساخرا وهو يقول :- أبادلك الشعور تماما يا عزيزتي .. فآخر ما أريده هو أن أكون أخا لك
تراجعت بضع خطوات مبتعدة عنه وهي تصيح بشراسة :- لن تكون أي شيء إطلاقا بالنسبة لي يا صلاح
مط شفتيه متأسفا على عنادها وقال :- سنرى
.. واجهته بنظراتها المتحدية بينما اكتفى هو بتأمله المستفز لها .. تأملت بدورها قامته المتوسطة الطول التي لم تخفي تناسق جسده القوي .. كان ابن عمها وسيما كأي فرد آخر في العائلة ولكن وسامته كانت دائما من ذلك النوع المزعج .. الذي يعطي شعورا غريبا بالحذر وعدم الراحة .. قال أخيرا بهدوء :-
:- سمعتك تتحدثين الى عمي قبل دقائق .. متى ستتوقفين عن محاربته وإزعاجه يا أماني .. إنه والدك إن كنت قد نسيت
نظرت إليه قائلة بمقت :- بسببك أنت انتهى كل ما يربطني به كإبنة .. فإياك أن تقدم لي المواعظ .
اقترب منها خطوة وهو يدس يديه في جيبي سرواله الأسود الأنيق وهو يقول بحزم :- بل بسبب عقوقك وشذوذك أنت يا أماني .. تصرفاتك المتهورة والوقحة هي ما كادت تودي يحياته يوما .. وبحياتك أنت أيضا
أجبرت نفسها على التسلح بالهدوء .. فصلاح بارع للغاية في إفقادها رصانتها .. وإشعال كل كراهيتها بكلمة واحدة . قالت بتهكم :- وكأنك تهتم حقا لصحته .. أعلم تماما بأنك تنتظر موته بفارغ الصبر كي تضع يدك على أمواله شاكرا حظك لعدم وجود وريث ذكر له بين أبنائه .. الشيء الوحيد الذي يخيفك من حدوث هذا هو فقدانك الامل مني .. فأنت مازلت متأكدا بأنه قادر على إرغامي على منحك ما تريد .. ولكن هذا لن يحصل يا صلاح .. لا الآن ولا لاحقا
استحالت ملامحه الوسيمة الى جليد فعرفت بأنها قد نجحت في إثارة غضبه .. فصلاح كوالدها تماما .. رجل اعتاد على الحصول على مراده مهما كان الثمن .. وهي كانت الشوكة الوحيدة التي تمكنت من وخز كبرياءه وكرامته .. اقترب منها فتراجعت بتوتر حتى التصقت بالثلاجة .. وأحست ببرودة المعدن خلف ظهرها .. تبينت في الظلام ملامحه الشيطانية .. وانتابها رعب كبير لاستعادتها تلك الذكرى التي لم تنجح السنوات في محوها .. قال ببرود جمد الدماء في عروقها ..:- ستكونين زوجتي يا أماني .. شئت أم أبيت .. بحياة أبيك أم بعد مماته .. سأجبرك على هذا ولو كان أخر ما سأفعله في حياتي
قربه الكبير منها حرك الغثيان داخلها .. ولكنها سيطرت على ملامحها وبرودة أعصابها حتى تراجع فجأة دون أن يلمسها قائلا باستفزاز :-يمكنك الذهاب الى غرفتك الآن لتتقلبي طوال الليل بين أحقادك .. فمهما طال الزمن .. ومهما ظننت بأنك قد حققت كيانك واستقلالك .. ستكتشفين في النهاية بأن مكانك تالطبيعي هو هنا .. تحت قدمي
جاهدت لتمنع نفسها من الجري الى غرفتها .. بل صمدت أمامه رافعة رأسها بتحدي للحظات ثم قالت بشجاعة :- في اليوم الذي سيحدث فيه هذا سأكون ميتة يا صلاح .. أؤكد لك هذا
ثم تركت المطبخ مندفعة الى الطابق العلوي .. لم تتجه الى غرفتها .. بل الى الحمام حيث أقفلت الباب ورائها .. ثم أفرغت معدتها في الحوض قبل أن تنهار على الأرض بإعياء مكافحة دموع الضعف المهددة بخذلانها .. لاأحد يعرف كم يكلفها الصمود أما والدها رحل الأعمال القاسي (محمود النجار ) وابن عمها المشابه له في لؤمه وتسلطه .. لا أحد يعرف كم تبذل المستحيل لتكافح الذكريات .. وكيف تحاول جاهدة قبل الآخرين أن تنتقم من نفسها قبل الآخرين على أخطائها السابقة .. وكيف تصر بقسوة على عدم الوقوع فيها مجددا
لم تحسب الوقت الذي قضته هناك قابعة في زاوية الحمام تلملم شظايا روحها قبل أن تستعيد شجاعتها وقوتها .. وتقف مكافحة ضعفها .. مقررة بأن الوقت ليس مناسبا بالمرة للإنهيار










رد مع اقتباس
قديم 2014-06-10, 18:01   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
ithran sara
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية ithran sara
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل الثالث
شكوك ومخاوف

( تمام محفوظ) (تمام محفوظ )
ظلت جودي تخط الاسم لدقائق معدودة فوق أوراقها وهي تتظاهر بالدراسة .. منذ عودتها من عشائها الكارثي برفقة طارق وأصدقائها
لحسن حظها أن ريما لم تجد الفرصة لسؤالها عما حدث .. ولكنها ستراها غدا في الجامعة .. ولحظة الاستجواب قادمة لا محالة
(تمام محفوظ) .. (تمام ) اسم غريب .. تذكرت ملامح عازف الجيتار الوسيمة والخيالية .. وفكرت بأن أي اسم عادي لن يليق به .. فهو رجل غير عادي .. بحاجة الى اسم غير عادي ..
يا الهي .. إنها تفكر به منذ ساعات .. وهاهي تبدأ برسم خطوط وجهه التي حفظتها عن ظهر قلب فوق أوراقها البيضاء .. لماذا لا تفكر بطارق .. طارق .. طارق .. رددت الاسم مرارا بصوت عالي ولكنها لم تنجح إلا في العودة الى ذلك الوجه الساحر لتمام .. ما الذي أصابها ؟. أهو توتر طبيعي تواجهه كل فتاة مخطوبة قبل أشهر من موعد زفافها ؟ فتظل في شك بصحة اختيارها للشريك .. وتظل ترى في كل وجه ذكوري بديل عنه ؟
يا للهول من الأفضل أن تبدأ بتأليف كتاب عن حماقتها
أجفلت للطريقة العنيفة التي فتحت فيها أماني باب غرفتها ودخلت قائلة بلهجتها الساخرة والجافة :- أنت هنا إذن .. لم أتوقع عودتك باكرا .. لا تقولي لي بأنك قد تشاجرت مع عريس الهنا .. فلست في مزاج جيد لمواساتك ..
اعتدلت جودي بقلق .. لم يكن من عادتها السكوت عن سخرية أماني .. ولكنها لاحظت بأن عدائية أختها لم تكن طبيعية هذه المرة .. أو أنها طبيعية أكثر من اللازم ؟ سألتها :- مع من تشاجرت هذه المرة ؟ مع أبي أم مع صلاح ؟
قالت أماني وهي تدعك شعرها الرطب من تأثير الاستحمام بمنشفة صغيرة ناعمة :- الاثنين معا .. هل تصدقين هذا ؟ الواحد تلو الآخر كان في انتظاري ليحيل ليلتي الساحرة الى جحيم
تأملتها جودي للحظات ثم قالت بهدوء :- لقد سمعتك تتقيئين بالحمام
وقفت أماني أمام المرآة التي توسطت خزانة الملابس الضخمة بينما تساءلت جودي بخفوت :- هل حاول أن يلمسك ؟
هتفت أماني بخشونة أظهرت كل البغض الذي يملأ قلبها :- كنت قتلته قبل أن يفعل
صمتت للحظات طويلة وهي تنظر الى نفسها في المرآة .. ومن خلفها كانت جودي تتأمل بدورها أختها الكبرى .. ذات القامة الطويلة والنحيلة .. لقد فقدت الكثير من الوزن خلال السنوات السابقة .. ولكن نحولها لم يؤثر أبدا على جمال تكوين جسدها الأنثوي .. أو جمال وجهها المميز .. بل زاد من اخضرار لون عينيها الواسعتين .. ما منحها مظهرا جذابا وغامضا متناسقا مع شعرها النحاسي الأشقر القصير
كانت هذه هي إحدى المرات القليلة التي تبعد فيها أماني شعرها الكثيف عن صدغيها .. فظهرت لجودي وبكل وضوح آثار ذلك الجرح الذي امتد من منابت شعرها حتى أذنها اليسرى .. السنوات أحالتها الى مجرد ندبة بالكاد كانت ظاهرة للناظر عن قرب .. ولكن بالنسبة لأماني ما زال الجرح طازجا وينزف بغزارة
تمتمت أماني قبل أن تمنع نفسها :- أكرههما
قالت جودي بإشفاق :- لماذا تصرين على محاربتهما يا أماني ؟ لن تستطيعي التغلب على قوتهما ونفوذهما وتعرفين هذا جيدا
استدارت اليها أماني قائلة باستنكار :- أفضل الموت ألف مرة على منحهما ما يريدان
قالت جودي بتوتر :- إن فكرت في الأمر جيدا لما وجدته بذلك السوء .. صلاح شاب وسيم جدا وثري .. وأي فتاة تتمنى الارتباط به
قالت أماني بحدة :- أي فتاة غيري أنا .. وما دمت متحمسة إلى هذا الحد فلماذا لم تتزوجي أنت به ؟
هزت جودي كتفيها قائلة :- لقد كنت دائما بمثابة الأخت الصغرى لصلاح
:- لماذا لم يعتبرني أنا الأخرى أختا له ؟
تنهدت جودي قائلة :- لأنك ومنذ الطفولة كنت تكرهين صلاح .. تنفرين منه وتبعدينه عنك .. ربما هذا ما جعلك بالنسبة إليه تحدي يريد الفوز به
وجرت عيناها على الفيللا لأخذ القمامة .. فقدمني هدية لابن أخيه المفضل
قالت جودي بانزعاج :- أنت تفسرين الأمور بطريقة بشعة
قالت أماني بقسوة :- وأنت تحبين أبي بحيث لا ترين الوحش المختبئ داخله
أشاحت بوجهها بفتور قائلة :- لم لا ؟ لطالما كنت لبنته المدللة .. القطة الصغيرة الشبيهة بأمها .. أظن أحد أسباب كرهه لي هو شبهي الكبير به .. فأنا متأكدة بأنه لا يحتمل حتى نفسه
هزت جودي رأسها يائسة من التفاهم مع أختها حول هذا الموضوع .. ولكنها أقرت داخلها بأن أماني تشبه والدها تماما .. في قوته وعناده وكبريائه .. وهذا ما يسبب التصادم المستمر بينهما ..قالت لتغير من موضوع الحديث الكئيب :- كيف كان العمل لهذا اليوم ؟
تغيرت ملامح أماني بسرعة مذهلة .. وارتسم التفكه على وجهها وهي تقول :- كان مميزا
التقطت منها جودي روح الفكاهة وهي تسألها باسمة :-ما الذي فعلته لمديرك هذه المرة ؟
أطلقت أماني ضحكتها الجميلة النادرة وهي تقول :- لقد كان الأمر مذهلا .. لن تصدقي ما حدث
قطعت الطريق عبر الغرفة الفسيحة والأنثوية الديكور وجلست إلى جانب جودي على حافة السرير قائلة :-
:- أتذكرين تلك الصورة التي ظهر فيها مديري برفقة وزير الاقتصاد في جريدة صباح الأمس ؟ .. لقد علقت الصورة على جدار المكتب .. ودعوت باقي الموظفين لمشاركتي في رميها بالطائرات الورقية
اتسعت عينا جودي وهي تقول غير مصدقة :- لا تقولي بأنه قد ضبطك تسخرين منه علانية بين الموظفين ؟
كانت إجابة أماني ضحكة عالية .. فشاركتها جودي الضحك . أكملت أماني عندما هدأت :- لقد دخل السيد هشام الى المكتب فجأة بع أن وصلت إلى أسماعه الضجة التي عمت الطابق بأكمله .. لك أن تتخيلي الصدمة على وجوه الموظفين لرؤية رئيسهم أمامهم وجها لوجه يراقب ما يفعلونه بهدوء شديد متوعد
قالت جودي بقلق :- هل وبخك ؟
لوحت أماني بيدها قائلة بعدم اهتمام :- كالعادة .. استدعاني الى مكتبه دون أن ينسى توبيخي أمام الآخرين .. وأن يتبرع ساخرا بتوفير سهام حقيقية بدلا من الطائرات الورقية لأشفي بها غليلي .. ولم ينسى أن يذكرني بأنه لم يوظفني إلا إرضاء لخالته .. وأنه لن يتورع عن طردي إن اتضح له أي تقصير مني في عملي
فكرت جودي قائلة :- كوني صادقة مع نفسك .. أنت تستحقين هذا
هزت أماني كتفيها قائلة ببساطة :- أعرف هذا .. ولكنه لن يجرؤ على طردي .. فأنا كفؤة تماما في عملي .. مازلت غير فاهمة كيف يمكن أن يكون لامرأة بلطف سمر ابن أخت بسماجته وجفافه .. إنه أشبه بقطعة جليد تمشي على قدمين .. آه .. ومن يكون (تمام محفوظ) هذا ؟
تناولت إحدى الأوراق المتناثرة فوق السرير .. فانتزعتها جودي منها قائلة بارتباك :- لا شيء يذكر .. زميل في الكلية
راقبتها أماني بتسلية وهي تلملم أوراقها وتضعها جانبا ثم قالت :- يبدو من احمرار وجهك أنه أكثر من هذا بكثير
صاحت جودي بعصبية مفاجئة :- هلا غيرت الموضوع ؟
تفحصتها أماني بصمت للحظات ثم رفعت حاجبيها مستسلمة وسألتها :- كيف كان عشاءك مع طارق هذا المساء ؟
:- جيد .. استمتعنا كثيرا بصحبة بشار وريما كالعادة .. والمطعم كان مميزا
قالت أماني بتهكم :- بالتأكيد لن يختار طارق مطعما يقل فخامة عنه .. لن يهدر تأنقه المعتاد على الأماكن الرخيصة
نهضت جودي من السرير وسارت نحو النافذة لتتأمل الليل الهادئ الذي خيم على الحي الراقي الذي ولدت فيه .. وسمعت أماني تقول من خلفها :- حسنا .. ما الذي يشغل بالك حقا يا جودي ؟
استدارت جودي قائلة باضطراب :- كنت أرغب بطرح سؤال ما عليك .. أعرف بأنك لا تحبين طارق .. ولكنني أطلب إجابة محايدة عن سؤالي
فكرت أماني للحظات ثم هزت كتفيها قائلة :- أعدك أن أحاول
بدا على جودي التردد ما أقلق أماني حول ما يشغل بال شقيقتها الصغرى .. حسمت جودي أمرها وقالت:- هل من الطبيعي لفتاة مرتبطة أن تعجب برجل آخر .. أو تفكر به ؟
بالرغم من سرور أماني لشكوك جودي حول علاقتها بطارق .. إلا أنها لم تفصح عن أفكارها .. وقالت ببساطة :- حبيبتي .. هناك نساء متزوجات وأمهات مازلن يصرخن كلما ظهر نجمهن المفضل على شاشة التلفاز
قالت جودي بضيق :- لم أقصد هذا النوع من الاعجاب
عادت تجلس مقابلة لاماني كي تجذب انتباهها وقالت :- أقصد أن تقابلي رجلا جذابا يخطف بصرك وعقلك دون أن تكلميه .. إذا نظر الى عينيك تنسين الدنيا من حولك تماما .. حتى خطيبك الجالس الى جوارك يفقد وجوده معناه
أرجعت رأسها إلى الخلف وقد برقت عيناها وهي تكمل :- وإن حصل وكلمك .. فإنك تقضين الليل بطوله تستعيدين كلماته .. ونبرة صوته الجذابة .. فيقشعر بدنك من مجرد الذكرى
حدقت أماني في وجه شقيقتها المتأثر بذهول .. ثم تمتمت :- هل أنت متأكدة بأن لا علاقة للمدعو همام بحديثنا ؟
صاحت جودي بانزعاج قبل أن تفكر :- اسمه (تمام)
احمر وجهها عندما لاحظت جمود أماني .. قفزت مبتعدة وهي تخفي وجهها بين يديها فقالت أماني بهدوء :- من الواضح أن المشكلة أكبر بكثير مما ظننت
أنزلت جودي يديها توهي تقول بيأس :-المصيبة أنها أتفه بكثير مما تبدو عليه .. ولكنني لا أعرف لماذا لا أتوقف عن التفكير في ذلك الرجل ولا أستطيع نزع صورته عن عقلي
حكت لأماني باختصار عما حدث في المطعم وهي تتجول في أنحاء الغرفة بعصبية .. بينما أماني تستمع إليها وتراقبها بصمت .. قالت جودي في النهاية بغضب :- لا أعرف ما الذي أصابني ؟ أنا مخطوبة إلى شاب وسيم جدا .. ثري جدا .. ويحبني بجنون .. وخلال لحظة واحدة أرمي فيها كل هذا ورائي وأفكر كالبلهاء بشاب متسكع بالكاد يكسب قوت يومه من عزفه على الجيتار
قالت أماني بهدوء :- عازف الجيتار بشر مثلنا كما تعلمين يا جودي
زفرت جودي قائلة :- أعرف هذا بالتأكيد ..ولكن إعجابي وهوسي الغريب به لمجرد امتلاكه أجمل عينين رأيتهما في حياتي ولطريقة كلامه الجذابة المكتسبة من خبرة طويلة مع النساء كما يبدو .. ليس منطقيا .. صحيح ؟
تأملت أماني أختها التي تصغرها بأربع سنوات بتعاطف .. مهما كان ما تمر به جودي الآن فسببه تلك الطريقة الجافة التي قرر والدها تزويجها فيها .. طارق شاب جيد بشكل عام .. وعريس لقطة .. ولكن مهما ادعت جودي .. فهي ليست متأكدة تماما من مشاعرها نحوه .. أما رأي أماني .. فهو أن جودي تحتاج الى رجل أكثر عاطفية ورقة من طارق العملي البارد .. شخص قادر على تفهم الجانب الحساس والعاطفي من شخصيتها
نهضت أماني قائلة :- أنت تحملين الأمر أكثر من حجمه يا جودي .. أي فتاة طبيعية قد تضطرب للقاء شاب وسيم يعرف كيف يسمعها ما تحتاج إليه من كلمات الغزل .. قد تفكرين به ليوم أو اثنين .. ولكن الأمر سينتهي عند هذا الحد .. خاصة وأنك على الأغلب لن تقابليه مجددا
.. تذكرت جودي الطريقة التي حصل فيها على رقم هاتفها .. ولكنه على الأرجح فقده الآن مع الكم الهائل من أرقام هواتف الفتيات الذي يحتفظ به .. ما قالته أماني صحيح .. هي لن ترى ذلك الرجل مجددا .. خاصة إن امتنعت تماما عن زيارة ذلك المكان الذي يعمل فيه .. ولسبب ما شعرت بالحسرة لهذه الفكرة .. فجزء منها مهما حاولت الإنكار .. متشوق لرؤيته مجددا ..أو حتى لسماع صوته المثير
ربتت أماني على وجنتها برقة قائلة :- لا تشغلي عقلك الصغير بأوهام العروس التقليدية .. سأتركك لتنامي الآن وفي الصباح .. ستنسين تماما ما حصل .. وتعودين خطيبة مملة ومغرورة .. لخطيب أشد مللا وغرورا
.. وعندما غادرت الغرفة .. كانت جودي قد ارتاحت جزئيا لكلمات أماني البسيطة والمنطقية .. ولكنها عرفت تمامما بأنها لن تتمكن تلك الليلة من النوم .. ولا حتى ساعة واحدة


ظلام .. ظلام حالك يحيط بها في كل مكان . . والضباب الكثيف يسبح من حولها .. هذا غير ممكن .. فأماني متأكدة بأنها قد تركت المصباح الصغير مضاء قبل أن تنام .. حاولت أن تنهض من سريرها لتضيئه .. ولكنها لم تستطع حتى تحريك رأسها .. ما سبب ثقل جسدها الغريب ؟ أهو شيء أكلته خلال العشاء ؟
ربما إن نادت جودي بصوت مرتفع قد تستيقظ وتأتي لمساعدتها .. ولكن صوتا لم يصدر عنها .. فلسانها كان ثقيلا بدوره وكأنه قطعة من الحجر
أحست بأنها بالفعل ليست وحيدة في الغرفة .. هناك من يتنفس في مكان قريب منها .. حاولت اختراق الظلام بعينيها تراه .. فلمحت خياله الأسود يقترب منها ببطء .. جودي .. أهي أنت ؟ إلا أن السؤال القلق لم يتجاوز شفتيها .. تسلل شعور غريب بالخوف الى داخلها عندما بدأت ملامحه تتضح لها .. التقاسيم الوسيمة المألوفة ذات التعبير الساخر المخيف .. اتسعت عيناها .. وازدادت محاولاتها للحركة والهرب دون فائدة
هنا .. قال الصوت الساخر ليجفف الدماء في عروقها :- لا تحاولي المقاومة يا أماني . فأينما هربت .. ستجدين نفسك هنا مجددا .. في مكانك الطبيعي .. عند قدمي
تدفقت دموعها وهي تراقبه يقترب منها .. وملامحه تستحيل تدريجيا إلى أخرى شيطانية .. والمخالب تبدأ بالظهور من أطراف أصابعه الطويلة المدببة
أطلقت أماني صرختها المختنقة وهي تهب جالسة فوق السرير وقد تبلل جسدها تماما بالعرق .. نظرت حولها لاهثة برعب عبر الغرفة التي خفف من ظلمتها نور المصباح الأحمر الصغير المتدلي من زاوية السقف .. ثم قفزت نحو مفتاح النور الرئيسي لتضيئ الغرفة تماما ثم تنهار جالسة على الأرض وهي ترتجف يقوة .. وتجاهد لتتنفس ..ثم بدأت تبكي بصمت .. إنه ذلك الكابوس مجددا .. والذي يطاردها كل ليلة دون رحمة منذ سنوات .. مهما حاولت التظاهر بالشجاعة والقوة .. فإن الحقيقة تظهر دائما في النهاية .. وهي أنها ربما ليست بالقوة الكافية لمحاربة والدها .. وابن عمها صلاح
عند هذا الحد من الـأفكار مسحت دموعها واتجهت نحو المنضدة المجاورة لسريرها .. وأخرجت من الدرج ذلك الدفتر الصغير الذي تقرأ بعض صفحاته كل ليلة تقريبا كيس تتمكن من النوم .. وقد نسيته هذه الليلة بسبب توترها الناتج عن صدامها مع صلاح .. تمددت فوق السرير وفتحت الدفتر .. وجرت عيناها فوق خط أمها الناعم وبعد نصف ساعة من القراءة .. أقفلت الدفتر وقد هدأت روحها .. وضمته الى صدرها
منذ وجدت الدفتر الذي اعتادت أمها كتابة أفكارها ويومياتها فيه .. بعد وفاتها بأيام قليلة .. وهو سلاحها الذي يندها بالقوة التي تحتاجها لتتابع كفاحها .. مازالت تذكر ذلك اليوم الذي وجدت فيه أمها تكتب فيه باهتمام عندما كانت طفلة لم تتجاوز الثانية عشرة .. سألتها بفضول طفولي عما تكتبه .. فابتسم وجه أمها الجميل وهي تقول :- أماني
دهشت الطفلة وسألتها بسذاجة :- أتكتبينني ؟
ضحكت أمها .. ومازال صدى ضحكتها الرقيقة يدوي في أذني أماني حتى الآن ..توقفت عن الكتابة ودعت أماني للاقتراب منها .. أحاطتها بذراعيها قائلة :- بل هي نوع آخر من الأماني
نظرت طويلا الى عيني أماني الخضراوين ثم قالت بهدوء :- هل تعرفين لماذا أطلقت عليك هذا الاسم يا أماني ؟
هزت أماني رأسها بحيرة .. فأطل حزن عميق من عيني والدتها وهي تقول :- كي لا تخيب آمالك وأمنياتك أبدا
سألتها أماني وقد أحست بحزنها :- وهل خابت آمالك يا أمي ؟
لم تمنحها أمها جوابا .. ابتسمت فقط وقالت ملوحة بالدفتر :- هل ترغبين بقراءته ؟
:- نعم
:- عندما تكبرين بما يكفي سأعطيه لك
ولكن والدتها لم تعش لتمنحها الدفتر ينفسها.. كانت أماني في الخامسة عشرة عندما ماتت أمها بسبب مرض خبيث .. لم تكن قد صحت من صدمتها بعد عندما وجدته بين أغراض أمها وقد ساهم بشكل كبير في التخفيف من حزنها
أعادته بحذر إلى مكانه داخل الدرج .. لا.. لم يحن الوقت بعد لإطلاع جودي عليه فما كتبته والدتها خلال لحظات كآبتها وحزنها من شأنه أن يسبب لجودي صدمة كتلك التي أصابتها عندما قرأته أول مرة منذ عشر سنوات ..فما يحتويه هو مزيج من الحزن والخيبة .. والأمل .. والأماني ..كما أخبرتها والدتها بالضبط
تقوقعت حول نفسها فوق السرير . وغرقت في رحلة طويلة مع أفكارها قبل أن تنام أخيرا .. وبدون أحلام هذه المرة ...










رد مع اقتباس
قديم 2014-06-10, 19:09   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
MAHA ISLAM AHMAD
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية MAHA ISLAM AHMAD
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


الفصل الرابع
مجرد اتصال


أبعدت جودي نظرها عن أوراقها مجبرة وهي تستجيب لثرثرة ريما التي لم تتوقف منذ الصباح وسألتها :-عم تتحدثين بالضبط؟
عبس وجه ريما الأسمر الدقيق القسمات وقالت بحدة :- عن معرض الفنون الذي تقيمه الجامعة بالتأكيد .. ألا تستمعين إلى ما أقوله منذ ساعة ؟
زفرت جودي قائلة بسأم :- لقد سبق وأخبرتك من قبل بأنني سأشارك في ذلك المعرض .. لماذا لا تسأمين من تكرار الموضوع ؟
أنقدهما من الشجار المراقب المسؤول عن قاعة المطالعة الملحقة بالكلية وهو يشير إليها بالصمت أو بمغادرة المكان .. ففضلتا مغادرة المكان عندما أيقنتا بأنهما لن تدرسا حرفا واحدا .. استقرتا أخيرا في كافيتريا الكلية الواسعة والمزدحمة على الدوام . . وقفتا لبضع دقائق حتى خلت لهما طاولة في الزاوية الى جانب النافذة
تابعتا حديثهما بأن قالت جودي :- أنا أجهز بعض الأعمال منذ أيام .. وقد بدأت بلوحة ليلة الأمس ..وأظنني سأنهيها اليوم
قالت ريما بصبر :- هنيئا لك .. ولكنني مهتمة بمعرفة إن كنت قد قمت بالإجراءات اللازمة للاشتراك في المعرض لقد تحدثت إلى دينا صباح الأمس وهي قريبة لأحد منظمي المعرض .. وأخبرتني بأن الأمر يحتاج إلى بعض الإجراءات .. آه .. هاهي قادمة .. سأناديها لتخبرك بنفسها
لوحت بيدها لدينا التي لفتت الأنظار فور دخولها الى الكافيتربا برفقة صديقتين .. بملابسها الأنيقة والمميزة .. وشعرها القصير الأجعد .. وشرارة الشقاوة المطلة من عينيها
كانت جودي تحب صحبة دينا للشبه الذي تجده في شخصيتها المرحة بالفتاة التي كانتها أماني قبل أن تتحول إلى المرأة المشبعة بالمرارة والسخرية التي هي الآن
ما أن رأتهما دينا حتى لوحت لهما وتركت صديقتيها لتنضم إليهما .. تحدثن طويلا حول التحضيرات للمعرض .. ليتجه الحديث بعد ذلك إلى الفتيان كالعادة كلما كانت دنيا موجودة .. كانت تتحدث عن حادث مضحك تعرضت له عندما حاول شاب غريب مضايقتها .. فقالت ريما معلقة :- ما الذي أصاب الرجال هذه الأيام ؟لماذا لا يتركوننا وشأننا ؟ فنحن لدينا ما يكفي من المشاكل
قال دينا ضاحكة :- من النموذجي أن تقول فتاة مخطوبة هذا الكلام .. فأنت لديك بالفعل رجل رائع كما هو الحال مع جودي .. في الواقع .. أظن مجرد وضعكما لخاتم الخطوبة يمنحكما الحماية من المضايقات
قالت ريما ساخرة :- لا تكوني متأكدة .. لو عرفت ما حدث مع جودي الأسبوع الماضي لسحبت كلماتك فورا
هتفت جودي بحذر :- لا أظن دينا مهتمة لسماع التفاصيل
ولكن اللهفة والفضول المطلين من عيني دينا جعلا ريما تتجاهل تحذيرات جودي وتبدأ بسرد ما حكته لها جودي عن لقائها بتمام وهو مالم يكن كثيرا
قالت دينا غير مصدقة :- أتقولين بأن عازف الجيتار قد ترك مقعده فوق المنصة وحاول الإيقاع بجودي بوجود خطيبها ؟ إنه أحمق بالتأكيد .. كان عليه اختيار فتاة أخرى ليست مخطوبة إلى طارق منصور .. لاأعتقد بأن فتاة عاقلة قد تترك أكثر شباب المدينة وسامة وثراء لأجل عازف جيتار
رفعت ريما حاجبيها بشكل معبر وهي تقول :- لا تستخفي بعازف الجيتار هذا .. فأقل ما يمكنني وصفه به هو أنه رجل مدمر .. لا أذكر أنني قابلت يوما رجلا بجماله وجاذبيته
نهضت جودي قائلة بانزعاج :- ستبدأ محاضرتنا التالية بعد دقائق يا ريما .. هلا ذهبنا ؟
تناولت كتبها وحقيبتها وغادرت دون أن تنظر إلى ريما التي لحقت بها قائلة :- ما الذي أزعجك الآن؟
هتفت جودي بحدة :- هلا توقفت عن التحدث عني أمام الآخرين وكأنني غير موجودة ..
قالت ريما بحيرة :- لا أظنني أخطأت .. دينا تحكي لنا دائما قصصا مشابهة
صاحت بها جودي :- تكلمي عن نفسك إذن .. ماذا إن وصلت القصة في النهاية إلى طارق ؟
:- لماذا قد يزعجه الأمر ؟ لم تكن المرة الأولى التي تتعرضين فيها للمضايقة .. أنت لم تبادلي ذلك الشاب الإعجاب أو ما شابه .. صحيح ؟
من حسن حظ جودي أن دوى رنين هاتفها المحمول من داخل حقيبتها فقالت لريما :-اسبقيني إلى القاعة وسألحق بك
أبطأت سيرها بينما تابعت ريما طريقها .. وأجابت على المكالمة التي لم تتعرف إلى مصدرها :- نعم
لم تدرك بأن صوتها قد عكس توترها حتى سمعت صوتا عميقا يقول :- هل قاطعتك عن شيء ما ؟
توقفت فجأة عن السير .. وتسارعت نبضات قلبها بشكل غريب وهي تقول باضطراب :- من .. من المتكلم؟
:- لا تقولي أنك قد نسيت صوتي
إنه هو .. هو دون غيره موضوع شجارها مع ريما .. همست دون أن تفكر :- تمام
ساد الصمت للحظات قبل أن يقول برقة :- يسرني أنك مازلت تذكرين اسمي
أغمضت عينيها وهي تشتم نفسها بصمت .. سارت عبر أحد الأروقة الجانبية بعيدا عن ازدحام الطلاب وقالت باضطراب :- ما الذي تريده ؟ لماذا تتصل بي ؟
:- ظننت بأن اتصالي بك كان متوقعا بعد حصولي على رقم هاتفك سابقا
وعندما مرت عدة لحظات من الصمت قال بلهجة غريبة :- لقد كنت في انتظاري .. أليس كذلك ؟
أسندت نفسها إلى الجدار بإعياء كان نتيجة ليالي من الأرق والخوف من اتصاله .. تمتمت :- ما الذي تريده مني ؟
:- أن أراك طبعا .. ظننت هذا واضحا
أذعرتها فكرة لقائه مجددا .. فاعتدلت وهي تقول بحدة :- هذا لن يحدث أبدا .. أرجو ألا تتصل بي مجددا .. لقد سبق وأخبرتك بأنني مخطوبة .. ولست مهتمة بمعرفة أي شيء عنك
قال بصرامة :- كاذبة
أجفلت من لهجته القاسية وصحة تخمينه .. أكمل بحزم :- لو أنك غير مهتمة حقا .. لما كنت تستمعين إلي الآن عوضا عن إقفال الخط في وجهي فور تعرفك إلى صوتي
فكرت بيأس .. لم أفعل لأنني غبية .. وحمقاء .. ولأنني كنت أتحرق شوقا لسماع صوتك
تمكن من أن تقول اخيرا بجفاف :- هذا ما سيحدث إن حاولت الإتصال بي مجددا
قال بهدوء وثقة :- في المرة القادمة التي سأتحدث فيها إليك .. أعدك بأن الهاتف لن يكون الوسيط بيننا
.. كانت قادرة على الإحساس بابتسامته الواثقة وكأنها تراها .. أكمل :- لن أؤخرك كي لا تبدأ المحاضرة بدونك .. أراك لاحقا يا جودي النجار
انتهت المكالمة فجأة .. فحدقت في الهاتف مذهولة .. كيف عرف اسمها الكامل ؟
كيف جمع كل هذه المعلومات عنها ؟
انتبهت فجأة إلى أنها قد استقطبت بعض الأنظار الفضولية .. فابتلعت ذهولها وأكملت طريقها نحو القاعة حيث تنتظرها ريما .. ولكنها لم تستطع ابتلاع الخوف الذي كان يتعاظم داخلها أكثر فأكثر










رد مع اقتباس
قديم 2014-06-10, 19:18   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
MAHA ISLAM AHMAD
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية MAHA ISLAM AHMAD
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

رواية رائعة تسلم ايدك ithran sara على الانتقاء وودت ان اكملها لي وللاعضاء معك شكرا لك










رد مع اقتباس
قديم 2014-06-11, 13:03   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
MAHA ISLAM AHMAD
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية MAHA ISLAM AHMAD
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل الخامس
بلا قلب

كانت أماني مستغرقة تماما في عملها عندما ارتفع رنين الهاتف الداخلي .. رفعت السماعة لتسمع صوت (سحر) .. سكرتيرة المدير يقول :- ماذا دهاك ؟ أنا أحاول الاتصال بك منذ دقائق
اشتمت أماني رائحة المشاكل .. فزفرت قائلة :- لقد عدت منذ دقائق من استراحة الغداء ثم انهمكت في العمل ولم أسمع صوت الهاتف .. مالأمر ؟ هل يطلبني الكونت في مكتبه ؟
كانت قد أطلقت عليه منذ عام لقب الكونت كدلالة على تعجرفه واستبداده .. وقد أعجب اللقب باقي الموظفين ودفعهم لاستعماله بحرص فيما بينهم كي لا يصل الأمر الى المدير
قالت سحر بتوتر :- الكونت غاضب لتأخرك .. لذا أنصحك بترك ما في يدك والقدوم الى هنا فورا بكامل أسلحتك .. في حال قرر أن يلتهمك كتحلية بعد الغداء
أنهت أماني المكالمة .. وتنهدت بسأم .. لا مزاج لديها اليوم للشجار معه .. ولكن إن كان مصرا فهي مستعدة له دائما
تناولت بعض الأوراق التي طلبت منها سحر إحضارها معها .. وتأكدت من حسن مظهرها وأناقتها قبل أن تغادر مكتبها
وقبل أن تدخل إلى مكتب المدير .. أخذت سحر تلقي عليها عشرات التعليمات ( أرجوك .. كوني مهذبة – لا تغضبيه هذه المرة – فقط استمعي إلى ما يقوله و ........)
كان خوف سحر منه طبيعيا كأي موظف آخر في الشركة من المدير الصارم الذي أسس ثروته من لا شيء .. وفقا للقليل الذي أخبرتها به خالته سمر عنه .. فإنه لم يترك عملا شاقا أو مهينا إلا ومارسه منذ كان في العاشرة من عمره .. وهذا يفسر بالتأكيد صلابته .. وافتفاره التام إلى العاطفة في التعامل مع الغير
أخذت نفسا عميقا وطرقت الباب .. ثم دخلت عندما سمعت الصوت الصارم يدعوها إلى الدخول .. خطت إلى داخل المكتب الفسيح .. وركزت اهتمامها نحو مركز الغرفة حيث استقر (هشام عطار)
وقد ملأ مقعده الجلدي بكتفيه العريضتين .. منهمكا في إحدى مكالماته الهاتفية المهمة .. رفع بصره إليها .. وأشار لها بيده أن تقترب .. ثم تجاهلها تماما وهو يستمع إلى محدثه
أقفلت الباب ورائها بهدوء .. وظلت واقفة على بعد مترين على الأقل عن مكتبه بمنأى عن الخطر .. تململت بضيق عندما استغرق وقتا أطول مما توقعت في مكالمته .. وإن كان الحديث كما فهمت يتعلق بصفقة مهمة .. ظهرت على ملامحه السمراء الخشنة علامات الاهتمام وهو يتحدث بصوته الأجش المتسلط .. أشفقت على محدثه الذي يجفف عرقه الآن في الغالب محاولا مجاراة خصمه الذكي والحازم .. الذي اعتاد على الحصول على ما يريده بأي ثمن كان
أزاحت عينيها عنه نحو محتويات المكتب الخشبي الضخم الذي تراصت فوقه الأجهزة الحديثة بأنواعها .. ثم دارت ببصرها حول المكان تتأمل الأثات الفخم الذي ملأه .. وغيرها من مظاهر الثراء التي لا يتردد أمثاله في إظهارها للآخرين .. لم تدرك بأن نظرة الازدراء كانت مرتسمة بوضوح في عينيها حتى سمعت صوته البارد يقول :- هل انتهيت من تقييمك للمكان ؟
رفعت عينيها إليه بسرعة . وغضبت من نفسها عندما احمر وجهها بحرج .. متى أنهى مكالمته وبدأ بمراقبة تفحصها الدقيق لمحتويات مكتبه ؟ لم ترغب بزيادة الأمر سوءا فتنحنحت قائلة بتهذيب :- أخبرتني سمر أنك طلبت رؤيتي
تراجع فوق مقعده ورمقها بإحدى نظراته السوداء وهو يقول ببرود :- أنا لا أطلب في هذا المكان يا آنسة أماني .. ونعم لقد أمرت سحر باستدعائك منذ نصف ساعة على الأقل .. وأرغب بشدة في أن أعرف سبب هذا التأخير
تمالكت أعصابها وقد عرفت بأن مزاجه اليوم يتوق إلى توبيخ أحدهم وقد وقع اختياره كالعادة عليها .. قالت بصبر محافظة على تهذيبها :- لم تنته استراحة الغداء إلا منذ ربع ساعة ..
:- كنت في صالة الطعام إذن
:- نعم .. برفقة باقي الزملاء
كست الصرامة ملامحه وهو يقول :- إذن .. فلتبلغي زملاءك بأن استراحة الغداء تعتبر ملغاة منذ هذه اللحظة و حتى شهر من الآن .. وأي تقاعس عن العمل خلالها أو مغادرة للشركة من أي موظف .. ستؤدي إلى تمديد العقوبة إلى أجل غير مسمى
صرت على أسنانها بغيظ .. سيقتلها زملاؤها في حال عرفو بالكارثة الجديدة التي جلبتها عليهم بسبب تأثيرها غير المسبوق على هذا الرجل .. لم تتمالك نفسها .. ورمت بتهذيبها عرض الحائط .. قائلة بحدة :-
:- مفهوم .. سأخبر الجميع بالحمية الإجبارية الجديدة .. وأنصحهم بتسريب سندويتشات منزلية داخل معاطفهم منذ الغد لاستراق اللقيمات من وراء ظهرك ريثما تصدر أوامرك التالية بمنعنا عن التنفس
.. رمى قلمه من يده فأجفلت لحركته المفاجئة .. لاحظت عينيه السوداوين تلمعان بغضب شديد .. ولكنه تأملها طويلا حتى أحست بنظراته ستقتلعها من مكانها .. ثم ارتفع صوته الجهوري فجأة :- أنت تستمتعين بهذا .. أليس كذلك ؟
قالت بحذر :- ماذا تقصد ؟
:- أنت تستمتعين باعتماد اللامبالاة في تصرفاتك .. وإحالة جو العمل إلى نوع من السخرية والفوضى
قالت بتوتر :- لقد سبق واعتذرت عما حدث الأسبوع الماضي .. ووعدتك بألا يتكرر
قال بجفاف :- وماذا عما حدث اليوم ؟
ارتفع حاجباها بدهشة وهي تقول :- ماذا ؟؟
لوى فمه القاسي بابتسامة بالكاد ظهرت .. بدا واضحا مدى استمتاعه بحيرتها .. نهض واقفا ودار حول المكتب فتراجعت تلقائيا عندما دنا منها بطوله الفارع وجسده الضخم المكسو بالبذلة الأنيقة .. توترت وهو يزيد من اقترابه ببطء قائلا :- دعيني أخمن .. هل تبادلت حديثا شيقا مع زملاءك أثناء تناولكم الغداء في كافيتيريا الشركة ؟
شحب وجهها وقد فهمت قصده .. لقد انخرطت في حديث ساخر مع مجموعة من زملائها .. وقد كانت أصواتهم مرتفعة بحيث سمع الحديث جميع الجالسين حول طاولتهم .. أخذت تقلد المدير الصارم بأسلوب
فكاهي أضحك الجميع .. ثم استرسلت في الحديث عن الجليد الذي يجري في عروقه بدلا من الدماء .. وافتقاره التام للإحساس .. وعن قناعتها بأن السبب في عزوفه عن الزواج رغم تجاوزه الثلاثين بسنوات هو هروب النساء من وجهه العابس الذي لا يبتسم إلا لكسب صفقة أو مال وفير كغيره من محدثي النعمة ..
لقد قالت الكثير من الكلام المسيء والمهين له .. ولكن من يلومها إذا كان صورة لا تختلف كثيرا عن والدها أو صلاح ؟
لقد كان هشام عطار نموذجا للرجل المستعد لفعل أي شيء لأجل زيادة ثروته .. قد تتفهم دوافعه نظرا إلى نشأته الصعبة .. ولكنها لن تتفهم أبدا تصرفاته المتسلطة والمتكبرة وقسوته الغير مبررة نحو موظفيه .. تمالكت أعصابها وقالت ببرود :- كيف عرفت هذا ؟
نظر إليها ببرود أخافها .. لطالما أخافتها نظراته الغير مفهومة والغامضة المطلة من عينيه الحادتين كعيني الصقر .. فال :- لدي مصادري
قال بحدة :- تقصد جواسيسك
رفع حاجبيه القاتمين فلاحظت بوضوح ذلك الأثر القديم لجرح طولي قاطع أحدهما .. مما ذكرها بندبتها المخفية تحت خصلات الشعر المسدلة بعناية حول وجهها وقال :- ربما
تراجعت خطوتين كي تجد الشجاعة لأن تقول بعصبية :- إن كنت تطالبني باعتذار فلن تحصل عليه .. عملي لديك لا يمنحك السلطة للتحكم بأفكاري ورأيي بك ..
هدر بصوت جمد الدماء في عروقها :- موقف آخر من هذا النوع وستجدين نفسك خارج جدران هذا المبنى دون رجعة
هتفت باستنكار :- هل تهدد بطردي ؟
:- ولم العجب ؟ أنا رجل عديم الإحساس والعاطفة .. ومحدث نعمة لا أخلاق له .. ما الذي يمنعني من إلقائك خارجا بدون أي تردد ؟
احمر وجهها وهي تستمع إلى صدى كلماتها المهينة من خلال صوته الغاضب .. إنه محق بغضبه بالتأكيد .. ولكن طردها لهذا السبب لن يكون عادلا
تراجع عنها وعاد إلى عرشه الواقع خلف المكتب وهو يقول بهدوء :- من حسن حظك أن علاقتك بسمر تشفع لك .. وإلا لكنت تبحثين عن عمل آخر منذ فترة طويلة
قالت بحدة :- أنت لا تبقيني هنا إكراما لسمر فأنا موظفة كفؤة وأنت تعرف هذا تماما
عاد يرسم على شفتيه تلك الابتسامة الساخرة .. ورفض منحها تأكيدا شافيا .. بل قال وهو يسترخي فوق مقعده :- في الواقع ..أستغرب أن يكون لامرأة مثلك أي علاقة صداقة بسمر .. فهي امرأة دافئة ورقيقة .. لا تكف أبدا عن العطاء .. أما أنت ...
ارتجفت عندما جرت عيناه السوداوان الحادتان فوق ملابسها الأنيقة بتقييم مشمئز وهو يقول :-
:- طفلة مدللة وثرية .. اعتادت الحصول على ماتريده بأي ثمن .. تكاد تدمرك عقدة التفوق التي ولدت معها .. وهذا واضح من طبيعتك العدوانية والمتهكمة .. التي لاتعرف أبدا كيف تحب أو تعطي
تمنت لو أنه لا يلاحظ شحوب وجهها .. فهو قد أصابها بالصميم دون أن يدري 00 بذلت جهدا خرافيا كي تحافظ على ثبات ملامحها وتحاشت النظر إليه كي لا يقرأ الألم في عينيها .. ولكنه لم يتوقف عند هذا الحد .. بل تأملها طويلا قبل أن يقول بهدوء :- لقد كنت محقا .. أليس كذلك ؟ كلماتك التي قصدت وصمي بها لم تكن إلا انعكاس لك ولقلبك الميت .. كأمثالك ممن ولدوا وفي أفواههم ملعقة من ذهب ..يمتلكون كل شيء .. ولكن هذا يخلق داخلهم فراغا هائلا وافتقار إلى الإحساس والآدمية .. في المرة القادمة التي تتبجحين فيها وتبدأين بتعداد نواقص الغير .. تذكري نواقصك فهي أكثر مما تظهرين على ما يبدو
رفعت رأسها بصلابة لتواجهه .. كان قادرا على ملاحظة الحقد الوحشي يلمع في عينيها الواسعتين .. قالت ببرود :- هل أستطيع العودة إلى مكتبي الآن ؟
أشار بيده قائلا بتهكم :- لم أستدعيك لنتبادل حديثا اجتماعيا .. سنتحدث في العمل ثم تنصرفين إلى مكتبك
ثم اعتدل على كرسيه وهو يقول بجدية :- اجلسي من فضلك .. وأخبريني عن ......
اختفى تماما أي أثر لتهكمه وقسوته .. وعاد من جديد رجل الأعمال المحترف .. من يراهما الآن وهما يتناقشان بهدوء ماكان ليصدق مدى كراهية كل منهما للآخر
كان يتحدث .. ويلقي عليها بملاحظاته وتعليماته .. بينما تمنحه هي الإجابات المقتضبة وعقلها بعيد تماما عن العمل .. لقد كان غارقا بمدى إصابة هشام عطار للواقع في كلماته التي قصد بها إهانتها
ترى هل يعرف بأن قلب أماني قد مات حقا قبل سنوات قليلة ؟
وأنها لا تعرف إن كان سيعود يوما إلى الحياة .. أو أنها ستكمل ما تبقى من حياتها بلا قلب ..










رد مع اقتباس
قديم 2014-06-11, 16:58   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
ithran sara
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية ithran sara
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

العفو لك و اخيرا وجدت من يهتم حقا للروايات مثلي .


لك زهرة من كل روض ....










رد مع اقتباس
قديم 2014-06-11, 21:23   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
ithran sara
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية ithran sara
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل السادس
الخيار الأخير


كان طارق في انتظار جودي كما وعدها عند بوابة الحرم الجامعي في تمام الساعة الثالثة من بعد الظهر .. أوقف سيارته بعيدا ثم تمشيا معا على الرصيف المحاذي لسور الجامعة العالي حيث تعالى ضجيج السيارات في هذا الوقت من اليوم
بعد بضع كلمات تحية وسلام .. ساد الصمت بينهما لبعض الوقت وهما يسيران جنبا إلى جنب قبل أن يقطعه طارق قائلا بهدوء :- ماهو الموضوع الضروري الذي طلبت رؤيتي لأجله ؟
قالت بحيرة :- أنا لم أقل أبدا بأنني أرغب بمناقشة أي موضوع معك
:- لماذا طلبت مني الحضور إلى هنا إذن ؟
قالت بارتباك :- وهل من الغريب أن تطلب فتاة لقاء خطيبها ؟
قال بلهجة حملت بعض العتاب :- بل من الغريب أن تطلبي مني ترك عملي وموافاتك في الجامعة في منتصف النهار كي نسير جنبا إلى جنب بصمت
قالت بعصبية :- لنقل بأنني قد اشتقت إليك .. وشعرت بحاجة إلى رؤيتك .. إن كان هذا يزعجك فأنا لن أتصل بك مجددا
زفر بقوة معلنا رفضه لتصرفها الطفولي .. ثم توقف عن السير واستدار إلى جودي التي توقفت بدورها وقال :- حبيبتي .. أنت تعرفين بأنني أشتاق إليك دائما .. وأتمنى أن يتم زفافنا بسرعة كي لا نضطر إلى الانفصال أبدا .. آسف لأنني كنت فظا .. اتصلي في أي وقت تشائين .. وسأرمي كل الدنيا ورائي لأراك
ابتسمت وقد خففت كلماته الرقيقة توترها واضطرابها الذين لم يفارقاها منذ اتصل بها تمام قبل ساعات .. لقد كانت بحاجة إلى أن تشعر بقرب طارق منها .. وأنها آمنة من أي إغراء قد يقدمه لها رجل ساحر متحالف مع الشيطان .. أمسكت بيد طارق قائلة بعينين لامعتين :- لنذهب من هنا
أجفل قائلا :- إلى أين ؟
:- وهل هذا مهم ؟ سنكون معا .. قد نتناول الغداء في مكان ما .. أو نقود السيارة لساعات خارج المدينة .. أو
قاطعها ضاحكا :- على مهلك .. متى وضعت كل هذه الخطط ؟ يجب أن تخبريني بمشاريعك مسبقا كي أرتب أموري على الأقل
اختفى حماسها بنفس السرعة التي اشتعل فيها .. قالت بقلق :- هل ستعود إلى المكتب؟
:- لقد سبق وأخبرتك بأنني مشغول
وعندما رأى الإحباط في عينيها ربت على وجنتها قائلا برقة :- سأعوض عليك في يوم آخر .. أعدك
منحته ابتسامة باهتة .. ثم سارت معه حتى سيارته وراقبته يختفي .. ثم عادت إلى حيث تركت سيارتها داخل أسوار الجامعة .. وكل ما ترغب بفعله هو العودة إلى البيت وعدم رؤية أي مخلوق حتى يختفي إحباطها
.. عندما وصلت إلى البيت .. ترجلت من السيارة وقد عصف بها القلق لرؤية صلاح خارجا من الفيللا برفقة طبيب العائلة .. وصديق والدها القديم .. ما الذي حدث ؟. هل والدها مريض ؟ انتظرت حتى ابتعد الطبيب بسيارته ثم اقتربت من صلاح تسأله بتوتر :- ما الذي كان الدكتور سليمان يفعله هنا ؟
عبس وكأن وجودها المفاجئ قد أزعجه .. ولكنه استسلم وسمح للتوتر والتعب في الظهور من خلال خطوط وجهه وهو يقول :- لقد أحس عمي ببعض الإرهاق .. فأوصلته إلى البيت واستدعيت الطبيب لنطمئن عليه .. وهو بخير الآن
ولكنه كان يكذب .. عرفت جودي هذا عندما رفض النظر إلى عينيها أثناء حديثه .. قالت بحدة :-
لم لا تخبرني الحقيقة ؟ هل أبي مريض ؟
أمسك بمرفقها وسحبها قائلا باقتضاب :- سنتحدث في الداخل
كان البيت مظلما على غير عادته هذا اليوم ... أصر صلاح على أن تجلس قبل أن يقول بجمود :- لقد أصيب عمي بنكسة هذا الصباح .. وفقد وعيه داخل المكتب
شهقت وهي تخفي فمها بيدها قائلة :- أهو قلبه مجددا ؟
أومأ برأسه إيجابا فتدفقت الدموع من عينيها وهي تقول :- ما الذي يفعله هنا إذن ؟ يجب أن يكون في المستشفى الآن
:- لقد كان هناك .. ولكنه أصر على العودة إلى البيت .. سمح له الأطباء بذلك لأن الأزمة لم تكن حادة ولكنهم لم يخفوا خطورة الأمر في عمره هذا
لم تستطع تخيل والدها القوي مريضا أو ضعيفا .. همست بصوت مرتجف :- هل هو في غرفته الآن ؟ أريد أن أراه
:- إنه نائم .. من الأفضل أن نتركه ليرتاح قليلا
ثم انتقل ليجلس إلى جوارها .. وأمسك يدها قائلا بلطف :- لا تشغلي بالك كثيرا .. والدك سيكون بخير .. أنا متأكد من هذا
حاولت أن تبتسم فلم تستطع .. ولكن وجود صلاح منحها الكثير من الطمأنينة .. فحبه لوالدها لا يقل عن حبها له .. وقد ترعرع منذ الطفولة تحت ظله
إنها أزمة عابرة وسيتمكن والدها من تجاوزها كما فعل مع غيرها .. وبالرغم من تأكيدها لهذه الحقيقة لنفسها إلا أنها كانت حقا خائفة هذه المرة


دخلت أماني إلى البيت بهدوء شديد .. لم يكن لديها ما يكفي من الطاقة كي تتشاجر مع صلاح أو والدها هذه المرة .. فقد كانت مرهقة تماما .. ومصابة بحالة ثقيلة من الاكتئاب .. كل هذا بسبب مديرها المتغطرس .. لقد حطم شيئا مهما داخلها بكلماته الجارحة .. وذكرها بما تحاول جاهدة كل يوم ألا تتذكره
لحسن حظها لم تصادف أحدا في طريقها إلى غرفتها .. ولكن ما إن فتحت الباب حتى سمعت صوت جودي يقول :- أنا سعيدة لأنك قد وصلت أخيرا .. حاولت الاتصال بك مرارا ولكن هاتفك كان مقفلا
لاحظت أماني وجه جودي الحزين وهي تغادر غرفتها وتقترب منها .. قالت أماني بقلق :- ما الأمر؟هل تشاجرت مع طارق ؟
:- لا .. إنه أبي .. لقد سقط مريضا صباح اليوم
نزلتا إلى المطبخ وجلستا حول الطاولة الصغيرة الخشبية .. لم تعرف أماني كيف تفسر مشاعرها بعد سماع ماحدث من جودي .. شعرت بألم حاد في صدرها لتخيل ذلك الرجل القوي طريح الفراش
قالت جودي :- ألن تذهبي لرؤيته ؟
أخافتها الفكرة فتمتمت :- لماذا أفعل ؟ لقد أخبرتني بنفسك بأنه قد تحسن الآن
:- لأنه طلب رؤيتك فور وصولك
اضطربت أماني .. فأمسكت جودي بيدها تتوسلها :- إذهبي إليه يا أماني .. إنه مجرد رجل عجوز مريض الآن .. أظنه يرغب بإصلاح الأمور بينكما قبل فوات الأوان ..
لم تستطع أماني تقبل الفكرة .. والدها ليس من ذلك النوع المستسلم .. إنه يجلس على عرشه منذ سنوات في انتظار استسلامها وزحفها نحوه متوسلة إليه أن يسامحها ويعيدها تحت جناحه .. ولكن جزءا منها تاق فعلا إلى إصلاح الأمور.. أهذا ممكن ؟ أن تعود الأمور بينهما كما كانت قبل وفاة والدتها ؟
لمحت جودي الضعف في عيني أماني فكبر الأمل داخلها .. ربما حان الوقت لتنتهي تلك الحرب الطاحنة التي استمرت لسنوات بين والدها وأماني
سحبت أماني يدها قائلة بجفاف :- سأرى ما الذي يريده مني هذه المرة
صعدت الى الطابق العلوي .. ووقفت أمام الباب العريض الذي تصدر الرواق .. استجمعت كل ما لديها من شجاعة .. وطرقت الباب .. أتاها صوت والدها الصارم يقول :- ادخل
فتحت باب الغرفة الفسيحة التي لم تدخلها منذ فترة طويلة .. ونظرت إلى السرير العريض حيث تمدد والدها مسندا ظهره إلى مجموعة من الوسائد .. وعلى مقعد قريب كان يجلس صلاح إلى جانبه .. وعندما رآها برقت عيناه وهما تجريان فوقها بتلك الطريقة التي اعتاد إهانتها بها
احمر وجهها وأشاحت بنظرها عنه قائلة لوالدها بصلابة :- أخبرتني جودي بأنك ترغب في رؤيتي
.. رغم شحوبه وآثار المرض عليه قال بغطرسة :- نعم وقد تأخرت في الحضور .. أين كنت حتى الآن ؟
تذكرت شجارها مع مديرها ظهر هذا اليوم والذي بدأ بنفس الطريقة ولم ترغب أن ينتهي هذا اللقاء أيضا بخسارتها .. فقالت بفتور :- لقد حضرت في النهاية .. فما اللذي تريده مني ؟
التقت عيناهما للحظة عرفت خلالها مدى غضبه .. وأدركت من نظرة صلاح التحذيرية بأن تعريضه للإنفعالات قد يكون خطرا عليه
قال والدها بصوته الخشن :- اتركنا وحدنا يا صلاح
بكل هدوء أطاعه صلاح .. ولكنه لم ينسى أن يحذرها مجددا بعينيه أثناء مروره إلى جانبها في طريقه إلى الخروج .. وعندما أقفل الباب وراءه .. عادت تركز اهتمامها نحو الرجل العجوز.. ولأول مرة تلاحظ مدى شحوب وجهه وضعفه .. فتحرك العطف داخلها للحظات حتى أدركت بان عينيه تحملان كل شيء إلا الضعف
قال بهدوء :- أظن الوقت قد حان لنتكلم بجدية .. اجلسي
قالت بتوتر :- أنا مرتاحة كما أنا
هدر صوته بعنف :- قلت اجلسي
تحركت بانزعاج لتطيع أمره فتجاهلت المقعد القريب الذي كان صلاح يحتله .. وجلست بعيدا عن السرير .. قال بعد أن جلست :- كيف حال عملك ؟
قالت بحذر إذ لم يكن من عادته سؤالها عن عملها :- بخير
:- لقد سبق وأخبرتك بأنك لست مضطرة للكدح بين الوظائف
قالت بفتور :- سبق وأخبرتك بأنني أحب عملي ولا أشتكي منه
ضيق عينيه قائلا :- أنت تعرفين قصدي جيدا
التزمت الصمت رافضة التعليق خشية أن تفقد أعصابها .. فقال :- سأوجه عرضي هذا إليك للمرة الأخيرة .. أنا مستعد لمسامحتك على أخطائك .. وتحمل مصاريفك مجددا .. سأمنحك كل ما ترغبين به .. مقابل زواجك من ابن عمك صلاح
شعرت برغبة عارمة في مغادرة الغرفة فورا .. وسجن نفسها في غرفتها لساعات طويلة وهي تبكي .. لقد كانت جودي مخطئة .. فآخر ما يريده والدها هو إصلاح الأمور بينهما
قالت بحدة :- لماذا تصر على هذه الفكرة؟ أنا لن أتزوج بصلاح ولو كان آخر رجل على وجه الأرض
قال بصرامة :- وأين ستجدين خيرا منه ؟ هل كنت تفضلين متبطلا حقيرا .. لا يمانع في بيعك مقابل قروش قليلة كذلك الفتى الذي تعلقت به منذ سنوات ؟
هبت واقفة بحركة عنيفة أدت إلى سقوط الكرسي على الأرض .. وصاحت بثورة :- كن مطمئنا .. أنا لن أتزوج صلاح أو غيره أبدا .. أما أموالك .. فاحتفظ بها لأنني لا أحتاج إليها
وأثناء اتجاهها نحو الباب هتف خلفها بعنف :- إنني أحذرك يا أماني .. إن لم تعودي إلى رشدك وتفكري بالأمر جديا هذه المرة .. سأستخدم كل وسيلة أمتلكها لإجبارك
نظرت إليه بازدراء قائلة :- افعل ما شئت
وغادرت الغرفة مغلقة الباب ورائها بهدوء شديد . إلا أن جسدها كان يرتعش من شدة الغضب .. ككل مرة تواجه فيها والدها .. وهذه المرة ذكرها بخزي حياتها .. بالمرة الأولى التي تشاجرت فيها مع والدها عندما ظنت بأنها قد حققت الأحلام التي عجزت والدتها عن تحقيقها .. وأنها قد جدت أخيرا الحب الحقيقي .. لقد أقسمت بعدها بألا تمنح قلبها لرجل أبدا .. وفي الوقت ذاته .. لن تقع في خطأ أمها وتتزوج برجل لا تحبه
يمكنها أن تحل هذه المعادلة الصعبة بطريقة واحدة .. وهي أن تمتنع عن الزواج نهائيا .. لم يكن هذا الخيار صعبا مادام صلاح يحوم حولها دون توقف .. وطالما أفقدها فراس سابقا الثقة في جميع الرجال
في شرفة الطابق الثاني من الفيللا .. والمطلة على الحديقة الجميلة .. وقفت أماني تستنشق بعمق هواء أكتوبر المنعش .. لقد كان أملها الوحيد هو أن تجد جودي يوما تلك السعادة التي لن تعرفها أبدا .. الحمقاء .. ستتزوج من طارق مع تخرجها في نهاية العام الدراسي .. مهما كان طارق شابا جيدا فإن جودي لا تحبه .. مهما حاولت فهي لن تنجح في إقناع أماني بالعكس
أتاها صوت صلاح من الخلف ليجفلها :- هل تفكرين بكلمات والدك ؟
استدارت إليه قائلة ببرود :- كلامه لم يستحق أي جزء من تفكيري
تنهد بأسف واقترب ليقف إلى جانبها ويتأمل السماء المرصعة بالنجوم وقال :- دائما تضطرينه لاتباع الطريق الأصعب
ثم التفت إليها فجأة ليقول بخشونة :- لماذا تفعلين هذا ؟ كلانا يعرف بأنك في النهاية ستكونين لي
قالت ببرود :- سأكون لك جثة هامدة فقط يا صلاح
شهقت عندما اقترب منها وحاصرها بينه وبين سياج الشرفة .. لأول مرة تجده أماني فاقدا لأعصابه مما أخافها :- أهناك رجل آخر ؟
صاحت بعنف محاولة التخلص من حصاره دون جدوى :- ابتعد عني ياصلاح وإلا صرخت
ولكنه أمسك كتفيها وهزها بقسوة :- أهناك رجل آخر في حياتك ؟
جن جنونها لملمس يديه على كتفيها فصرخت به :- إن لم تتركني رميت نفسي من هذه الشرفة .. أقسم على هذا
الهستيريا في صوتها جعلته يصدقها .. فرفع يديه عنها ونظر إليها مطولا قبل أن يقول بهدوء :- لا .. كنت لأعرف إن دخل إلى حياتك أي رجل
قالت من بين أنفاسها المضطربة :- ما الذي ستفعله إن حدث هذا ؟
ابتسم بثقة قائلا:- لن يحدث .. لأنك ذكية بما يكفي لتبعدي أي رجل عنك قبل زواجنا
لمس وجنتها برقة .. فابتعدت عنه مشمئزة .. ضحك باستهزاء وهو يقول :- تصبحين على خير يا حبيبتي
تركها وحدها في الشرفة .. فأخذت تشتمه سرا بكل ما تعرفه من كلمات بذيئة .. لا .. لن تبكي .. إن صلاح لا يعرف بأن محاصرته لها كانت تزيدها إصرارا وعنادا .. عادت قناعتها بأن مرض والدها قد يكون مجرد محاولة رخيصة تهدف إلى إقناعها بالزواج من صلاح .. وقد كانت محاولة فاشلة كالعادة .. ثم تذكرت جودي التي تنتظرها في غرفتها على أمل سماع أخبار جيدة .. فتنهدت محاولة إيجاد ما تبرر لها به ما حدث .. ثم عادت أدراجها إلى الداخل .


طرق صلاح باب غرفة عمه ودخل عندما سمع صوته يدعوه للدخول .. نظر إليه عمه بهدوء قائلا :- هل تحدثت معها ؟
جلس صلاح قائلا باقتضاب :- لا فائدة .. إنها لا تزداد إلا عنادا
لم يكن صلاح يتوهم عندما لمح شبح ابتسامة إعجاب تفتر عن شفتي عمه الذي قال بعد لحظات بحزم :- أظنني استنفذت كل وسائلي السلمية في الإقناع .. ألا ترى هذا يا صلاح ؟
أومأ صلاح برأسه موافقا .. شاعرا بالقلق على عمه الذي رفض نصائح الأطباء في تجنيب نفسه التوتر والغضب .. وكل ما يؤدي إليهما
بدا التفكير العميق على الوجه المسن قبل أن يقول :- أظن الوقت قد حان لتنفيذ ما تحدثنا عنه يا صلاح
أسرع صلاح يقول بانزعاج :- الأمر سابق لأوانه .. لقد أكد الطبيب بأنك .....
قاطعه عمه بصرامة :- هل تناقشني يا فتى ؟
أسرع صلاح يقول :- بالتأكيد لا
:- إذن ابدأ بتجهيز الأوراق
أومأ صلاح برأسه مذعنا .. وبالرغم من اعتراضه على المعنى المتشاءم لقرار عمه .. إلا أن شعورا عارما بالانتصار اجتاحه .. فأماني ستكون له في النهاية .. ومهما طال يه الانتظار












رد مع اقتباس
قديم 2014-06-15, 19:40   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
ithran sara
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية ithran sara
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل السابع
قطة حمراء

كانت جودي منزعجة حقا في صباح ذلك اليوم الذي افتتح فيه معرض الفنون في الكلية .. فلا احد ممن يهمها أمرهم قد تمكن من الحضور .. فكل من طارق وأماني مشغول بعمله .. ووالدها لم يغادر سريره منذ أسابيع .. حتى ريما لم تكن موجودة اليوم
ولكن ماخفف عنها ..هو الإقبال الشديد من الزوار على المعرض والاعجاب الذي قوبلت به أعمالها التي عرضت في زاوية صغيرة من المعرض
بالرغم من استمتاعها بالإجابة عن أسئلة المشاهدين حول لوحاتها ..إلا أنها لم تلبث أن بدأت تشعر بالضيق والاختناق من شدة الازدحام .. فما كان منها إلا ان كلفت أحد زملائها المشاركين بالمعرض بأخذ مكانها لدقائق .. وغادرت القاعة والمبنى كله وأخذت نفسا عميقا من هواء الصباح البارد .. لماذا عليها أن تغضب من تخلف عائلتها عن الحضور ؟ فهم قد شاهدو بالفعل لوحاتها قبل أن تقدمها للمعرض .. ولكنها رغبت بأن يشهدو النجاح الذي حققته ..
عادت بعد دقائق إلى الداخل .. حيث وجدت زميلها يقف بعيدا ويتحدث مع أحدهم .. فغضبت وهي تنظر إلى زاويتها حيث اجتمع بعض المشاهدين دون وجود من يمثلها .. فاتجهت إليه لتقطع حديثه مع مرافقه قائلة :- ألا أستطيع الاعتماد عليك لدقائق ؟
نظر إليها ثم إلى رفيقه قائلا :- أنا أيضا لدي ما أفعله يا جودي .. كما أنني قد أبليت حسنا .. بعت
إحدى لوحاتك قبل دقائق قليلة .. تلك التي تمثل القطة الحمراء
اتسعت عيناها واستدارت تلقي نظرة سريعة على أحب لوحاتها إليها ..ثم عادت تقول له بسخط :- كيف فعلت هذا ؟ لوحاتي ليست للبيع .. وخاصة تلك اللوحة
:- لم تخبريني بهذا .. على كل حال لم يفت الأوان بعد .. فالمشتري ما يزال واقفا أمامها .. تستطيعين الإعتذار إليه وسحب البيع
تمتمت ببعض الكلمات الغاضبة .. ثم اتجهت نحو الرجل الذي منحها ظهره وانهمك تماما في تأمل لوحاتها .. خففت سرعتها تدريجيا .. ولم تعرف سبب القلق الذي بدأ يتصاعد داخلها مع اقترابها المستمر من الجسد الطويل والنحيل
بدت الجاذبية الخطرة التي فاحت من الكتفين العريضتين المغطاتين بسترة داكنة أنيقة مألوفة .. أدركت بعد فوات الأوان بأنها يجب أن تهرب .. فعندما تعرفت إليه .. كانت قد أصبحت خلفه تماما .. ارتعاشة جسدها الخفيفة أثارت انتباهه بطريقة ما فاستدار ليواجهها وليؤكد لها مخاوفها
ظلت تنظر إليه للحظات طويلة وقد أسرت عيناه عينيها .. تلاشت الجموع من حولها واختفت الأصوات .. جمدتها نظراته مكانها وهي تتفحص كل جزء من وجهها الشاحب .. ثم ملابسها البسيطة والأنيقة .. أحست بقلبها يخفق بعنف حتى خشيت أن يصل صوته إلى مسامع الرجل الواقف أمامها فيشعر بذعرها واضطرابها
حررها أخيرا من قيود نظراته .. وابتسم بهدوئه الواثق قائلا :- كيف حالك يا جودي ؟
سماع صوته ذي النبرة المنخفضة الجذابة أثملها .. لقد ظنت بأنها قد نسيت كيف يستطيع بنظرة أو همسة من أسرها والاستحواذ عليها .. أين شجاعتها وقوتها ؟ أين القرارات العديدة التي اتخذتها بشأنه ؟ والخطط التي وضعتها في حال قابلته مجددا ؟
استيقظت من سباتها وتراجعت خطوة وهي تنظر حولها بتوتر .. ثم سألته بحدة :- ما الذي تفعله هنا ؟
قال ببساطة :- أفي بوعدي .. ألم أخبرك سابقا بأننا سنلتقي قريبا ؟
نعم .. منذ أسبوعين بالضبط .. لقد ظلت تنظر حولها كل يوم منذ خروجها في الصباح وحتى عودتها إلى البيت مساءا خوفا من أن يظهر فجأة .. وهاهي عندما فقدت حذرها وجدته أمامها كما تذكره تماما .. وسيم .. جذاب .. وساحر .. أشار إلى اللوحة ليقطع أفكارها قائلا :- ولكنني لم أخطط لشراء لوحة .. لم أتوقعك بهذه البراعة
قالت بعصبية :- لقد ارتكب زميلي خطئا .. لوحاتي ليست للبيع .. أنا أعرضها فقط
لم تظهر عليه الدهشة .. وهو يعاود النظر إلى اللوحة .. تأملت جانب وجهه الوسيم بقلب خافق .. وفورا اشتعل داخلها حس الفنان .. وأدركت بأن هذه الوجه المثالي قد خلق ليرسم ويوثق .... ويعشق
عند هذه الفكرة الجريئة .. أخفضت رأسها فورا وقد تورد وجهها خشية أن يقرأ أفكارها .. سمعته يقول :- لقد عرفت بأنك ما كنت لتبيعي صورتك الشخصية لأي كان
أحست كمن صفع على وجهه عندما نطق بكلماته .. لقد رأى اللوحة الكثير من الأشخاص ولم يدرك أحدهم بأنها كانت ترمز إلى نفسها بالقطة الممدة بتكاسل فوق مقعد وثير مذهب .. وترفع رأسها لتنظر بعينين حائرتين إلى كل من يتأمل اللوحة
استمر في تأمل اللوحة قائلا :- نفس لون الشعر البني المائل إلى الحمرة .. والعينين الزيتونيتين بنظرتهما القلقة
حتى طارق لم يفهمها إلى هذا الحد .. لقد ابتسم عندما رأى اللوحة معبرا عن جمال القطة وغنجها .. ثم لم يتعب نفسه بإلقاء نظرة ثانية نحوها
تمتمت :- لماذا رغبت في شرائها ؟
اختفت ابتسامته وقال :- أحببت فكرة اقتناء صورة لك... وإن كانت على شكل قطة
تورد وجهها فأشاحت به بعيدا .. ظلا واقفين دون أن يقول أحدهما كلمة .. ارتفع الضجيج مع تزايد الوافدين إلى داخل المعرض .. لم تعرف جودي سبب تجمد ساقيها وعدم قدرتها على التحرك بعيدا عنه فمجرد الوقوف معه خطأ كبير
وإذ بأحدهم يصطدم بها . . فشهقت بقوة عندما وجدت جسدها يندفع تلقائيا نحو غريمها الذي أمسك بكتفيها قبل أن تصطدم بصدره .. تقلصت المسافة بينهما بشدة حتى تمكنت من سماع صوت أنفاسه العنيفة .. فارتعشت بقوة وقد أحست بدفء يديه يتسرب عبر قماش قميصها الرقيق ليصل إلى أعماقها .. مما دفعها لإبعاد نفسها عنه بسرعة قبل أن تفقد أعصابها .. سمعته يقول بخشونة :- لنذهب من هنا
نظرت إليه بذعر قائلة :- لماذا ؟
:- يجب أن نتحدث .. ولا أظن هذا هو المكان المناسب لنقوم بهذا .. لنذهب إلى كافيتريا الكلية
صاحت بحدة :- لا .. ليس إلى هناك
فنصف طلاب الكلية يعرفونها .. ورؤيتها مع شاب غريب وعلامات الارتباك ظاهرة عليها في وسط الكلية كفيلة بإثارة الأقاويل حولها .. وسرعان ما تصل إلى طارق
ولكن هذه المواجهة ستتم عاجلا أم آجلا .. ومن الأفضل أن تتم في مكان تختاره هي
قالت باقتضاب :- سأقابلك بعد نصف ساعة في مقهى أناناس .. هل تعف كيف تصل إليه
تأملها مليا فأحست بـأنه قادر على قراءة أفكارها ومخاوفها .. ثم قال بهدوء :- سأكون في انتظارك هناك
وعندما غادر .. أحست برئتيها تستعيدان القدرة على التنفس مجددا .. استندت إلى الجدار تقاوم الإعياء .. مجرد وجودها معه يسبب لها الإجهاد والتوتر .. هذه علامة واضحة .. أليست كذلك ؟ هذا الرجل خطر عليها .. كل شيء حوله يشير إلى هذا .. كيف ستذهب للقائه في مكان عام وهي لا تعرف عنه أي شيء سوى اسمه ؟ هذا إ‘ذا كان (تمام محفوظ) هو اسمه الحقيقي
أوقفت سيارتها في أحد الشوارع الجانبية القريبة من المقهى المنشود .. وترجلت منها بعد أن تأكدت بأن شعرها الطويل مرتب بعناية .. وأن زينتها المتقنة غير متكلفة .. رتبت قميصها الحريري الأنيق .. ثم سألت نفسها بإحباط عما تفعله .. أما كان من الأسهل عليها أن تتجاهله وترفض لقاءه ؟ سيمل في النهاية ويتوقف عن مطاردتها .. ولكن الفضول الذي قتل القط هو ما جاء بها إلى هنا .. تحتاج إلى أن تعرف المزيد عنه .. من يكون ؟ ماسر كل هذه الثقة بالنفس ؟ ما الذي يريده منها بالضبط ؟.. كانت تعرف بأنها إن استسلمت لهذه النزوة المجنونة فسرعان ما ستقع في النهاية .. فما تفعله الآن يعتبر بجميع المفاهيم خيانة لطارق .. ولكنها وصلت إلى هنا ولا تستطيع التراجع عند هذا الحد
ما إن دخلت إلى المقهى حتى التقت عيناها بعينيه .. كانت تأمل بأن يجلسا في مكان قصي لا يلفت الأنظار .. ولكنه اختار مائدة وقعت في منتصف المكان .. حيث يكونا على مرمى بصر الداخل والخارج .. وحتى المارق من أمام الباب الزجاجي المطل على الشارع
نهض واقفا بأناقة عندما لمحها واقفة عند الباب .. ولكنها أخذت وقتها في تأمله .. لاحظت فجأة كم يبدو مختلفا هذه المرة .. كان مايزال نفس الرجل الذي قابلته قبل أسبوعين .. الرجل الجذاب بلا مبالاته و وثقته بنفسه .. إلا أن ملابسه كانت أكثر أناقة هذه المرة .. اختفى عازف الجيتار البسيط .. وظهر الشاب الساحر اللعوب الذي يعرف تماما تأثيره على النساء
حسمت أمرها وخطت نحوه وقد عزمت على إنهاء الأمر بينهما قبل أن يبدأ .. وعندما لاحظ عبوس وجهها ابتسم .. وكأن توترها يسليه .. وكان لابتسامته تأثيرا خياليا إذ كادت تتعثر في مشيتها وتسقط أمامه
قال برقة :- لم لا تجلسين قليلا قبل أن تبدأي القتال ؟
رفعت حاجبيها بدهشة .. ثم أدركت بأن ملامحها كالعادة لا تستطيع إخفاء مشاعرها .. قال عندما جلست :- هل تشربين شيئا ؟
قالت بفظاظة :- لا .. أريد فقط أن أنهي هذا الأمر
قال ساخرا :- تريدين إنهاء الأمر قبل أن تصل أعين خطيبك إلى هنا .. أليس كذلك ؟
شعرت بانزعاج لقراءته أفكارها .. فسألته مباشرة :- ما الذي تريده مني ؟
نظر إلى عينيها المتمردتين بتمعن وقال بهدوء :- ما الذي تظنين أنني أريده يا جودي ؟
قالت بحدة :- لا أعرف.. ولا أريد أن أعرف . أريدك أن تبتعد عني وتكف عن ملاحقتي أو الاتصال بي
رسم ابتسامة جانبية صغيرة على شفتيه وهو يعلق :- كاذبة
توترت عندما اعتدل ليواجه هجومها قائلا بهدوء :- عندما التقينا ذلك المساء في المطعم .. حصل شيء بيننا .. لا أعرف ما هو .. ولكنني واثق بأنك قد شعرت به مثلي تماما .. أحسست تلك اللحظة بأنني أعرفك منذ سنوات طويلة .. لقد قدر لنا أن نكون معا يا جودي .. وهذا ما سيحصل
أثارت كلماته اضطرابها .. نعم .. لقد أحست بدورها بذلك الرابط الذي جمع بينهما في تلك اللحظات .. ولكن ما يقوله حول القدر .. ومصيرهما بأن يكونا معا مجرد هراء
يخيفها ألا يكون كذلك
قالت بتوتر :- هذا غير صحيح .. أنا حتى لا أعرف عنك شيئا
قال ببساطة :- أما أنا فأعرف عنك ما يكفي .. أنت جودي النجار .. ابنة رجل الأعمال المعروف .. تدرسين اللغة الانجليزية في كلية الآداب .. ورسامة موهوبة
ثم مال رأسه نحوها لينظر في عينيها قائلا :- وبمجرد النظر إلى عينيك يستطيع أي انسان أن يقرأ روحك .. أنت رقيقة .. شفافة .. رومانسية للغاية .. لديك أحلام كبيرة وجامحة تخفينها عن المجتمع المغلق الذي تعيشين فيه
حبست أنفاسها عندما رقت نظرته وهو يقول :- أستطيع تحقيق كل أحلامك يا جودي
أخفضت عينيها لاهثة وهي تشعر بيديها المضمومتين بشدة تعرقان .. سمعت صوته يقول برقة :-
اسأليني فقط .. وسأخبرك بكل ما ترغبين بمعرفته عني
ساد صمت طويل بينهما .. لم يتخلله سوى ضجيج بعض الرواد الشباب المندفعين إلى المقهى طلبا لعض الاسترخاء .. كانت مضطربة .. وكل خلية في جسدها تتجاوب مع كلماته .. وكل ذرة من كيانها تتوق لمعرفة المزيد عنه .. ولكن ما تبقى من رشدها ظل يذكرها بإصرار بأن ما تفعله خطأ .. خطأ كبير .. إنها لاتخون طارق فحسب بأفعالها وأفكارها .. بل تخون والدها الذي منحها ثقته العمياء .. فهي ابنته المفضلة التي ستحقق له جميع أحلامه وستشرفه أمام الناس .. وهاهي تعرض جميع خططه للخطر بالتسكع برفقة عازم جيتار لا يمتلك سوى وسامته وشخصيته المدمرة .. لا .. لن تقع في خطأ أماني الذي دمر جميع أحلامها .. وحطم علاقتها بوالدها إلى الأبد .. ولكنها لم تستطع سوى أن تهمس :- سأتزوج قريبا ب .....
قاطعها بضجر :- بطارق منصور .. أعرف .. ولكن ما أتوق لمعرفته هو إن كنت تحبينه أم لا ..
قالت متوترة :- بالطبع أحبه
:- كاذبة .. أنت لا تحبينه .. بل لا تحملين نحوه أي شيء من العاطفة .. ذلك الرجل لن يسعدك أبدا
قالت بحدة مدافعة عن نفسها :- طارق هو الإنسان المناسب لي
قال ساخرا :- بالتأكيد .. بمفهوم البيع والشراء .. إنه ثري وابن عائلة عريقة .. أخبريني كم دفع لك مهرا مقابل ما سيحصل عليه من متعة بعد الزواج
شهقت بعنف لوقاحة كلماته .. اختطفت حقيبة يدها و هبت واقفة .. فأسرع يمسك بمعصمها قبل أن تتحرك وهو يقول :- لا تتسرعي يا جودي .. قد تقضين حياتك كلها تتساءلين عما خسره كل منا لمجرد أنك تجاهلت قلبك واستمعت لصوت عقلك
اضطربت وهي تنظر إليه من علو .. إلى أصابعه التي التفت حول معصمها بإحكام .. إلى عينيه القاتمتين وملامحه المتوترة .. سرت في جسدها موجة غريبة من العاطفة .. وعرفت بأنها لن تصمد طويلا إذا ظل ينظر إليها بهذه الطريقة .. قالت بصوت أجش :- اترك يدي لو سمحت
التفتت الأنظار نحوهما باهتمام وفضول مما نبه تمام إلى مظهرهما الدرامي .. فنهض واقفا دون أن يتركها .. فانتفض جسدها لإحساسه بجاذبية الجسد الطويل على بعد بوصات عنها .. سحبها إلى خارج المقهى .. حيث خلا الشارع من أعين الفضوليين .. اقترب منها كثيرا هذه المرة فاستنشقت رائحة عطره الغامضة والمثيرة .. ففقدت كل صلابتها وهي تنظر إلى عينيه قال لها بخفوت :- عديني بأنك ستمنحيننا تلك الفرصة يا جودي .. سنلتقي مجددا ونتحدث كأي شاب وفتاة يلتقيان في الظروف الصحيحة ... وسيعرف كل منا الكثير عن الآخر .. عندها ستوقنين بنفسك بأننا قد خلقنا لنكون معا
همست لاهثة:- لا أستطيع أن أعدك
لمس ذقنها الصغيرة وابتسم برقة قائلا :- أما أنا فأعدك بأنك لن تكوني أبدا لرجل آخر
ابتعد عنها قليلا وهو يقول :- أما بالنسبة للوحة فأنا لم أعد أريدها بعد الآن .. لا أظنني سأرضى أبدا بأقل من النموذج الأصلي
بابتسامة واعدة ومغرية .. تركها ومشى مبتعدا
أما هي فقد لاحظت جيدا كيف ارتجف جسدها كرد فعل على كلماته وتلميحاته المتملكة .. هذا الرجل يريدها بأي طريقة كانت .. والمصيبة أن مجرد التفكير بهذا يجعل قلبها يرتعش باستسلام وترقب
احمر وجهها .. وتدفقت دموع الخوف الشديد من اكتشافها مدى ضعفها
وعندما بدأت بجذب المزيد من الأنظار .. قدرت بأن الوقت قد حان كي تهرب إلى ملجأ أمين يحميها من وساوسها .. إلى طارق .











رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أدبي, الروايات


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 18:59

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc