مقدمة
كانت السياسة الفرنسية في الجزائر مع بداية الحرب العالمية الثانية سنة 1939 فاشلة، إذ لم تجد حلا للمشاكل المطروحة، فالأحوال الاقتصادية كانت تنذر بالمجاعة، و مطالب الوطنيين تلح على المساواة في الحقوق، و إلغاء القوانين الاستثنائية لم تجد آذنا صاغية في البرلمان الفرنسي. كما فشلت مشاريع الإصلاح التي تقدم بها بعض الفرنسيين مثل مشروع بلوم فيوليت، لهذه الأسباب كان الوضع السياسي في الجزائر متأزما إذ كان حزب الشعب الجزائري منحلا و قادته في السجون، و حل الحزب الشيوعي الجزائري، ورفضت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تأييد فرنسا في حربها. أما النواب و النخبة فقد أيدوا فرنسا الديمقراطية ضد ألمانية الدكتاتورية.
مساندة الموظفين الجزائريين لفرنسا
اتخذ رجال الدين الرسميون موقفا مساندا لفرنسا و ظهر ذلك في برقياتهم التي أعلنوا فيها فتاوى تعلن بوجوب الحرب إلى جانب فرنسا. و نالت فرنسا أيضا مساندة الأسر الكبيرة أصحاب الأوسمة و الشهادات و قدماء المحاربين، و طائفة القياد و الباشاغوات و شيوخ العرب. و كان هؤلاء هم الواسطة بين فرنسا و الشعب.
وعي الشعب الجزائري بضعف فرنسا خلال الحرب
كان الشعب الجزائري قلقا من الوضع خاصة لما أخذت فرنسا أبناءه من المجندين الجدد و القدامى إلى أروبا. و مع ذلك فقد كان الشعب مدركا لتعرية فرنسا و أن حقيقتها انكشفت بعد سقوطها أمام ضربات الألمان في صيف 1940. و توضحت العلاقات بين الجزائريين و الفرنسيين، و سقط اللثام على الوجه الفرنسي بعدما كان الجزائريون يتوهمون بأنها قوة لا تغلب، و ساهمت دعاية المحور و الحلفاء التي انتشرت في أوساط الجزائريين في أيقاظ الغافلين و إقناع المترددين
النخبة الجزائرية
عمل رجال النخبة بحكم وظائفهم الرسمية على تأييد فرنسا. و تطوع زعماؤهم لخدمة المبادئ الفرنسية التي درسوها في المدارس كالحرية و الديمقراطية و لكنهم لم يعرفوها في التطبيق. و قد تطوع فرحات عباس عند اندلاع الحرب دفاعا في نظره عن الديمقراطية و الحرية معتقدا أن فرنسا رمز لها
وضع جمعية العلماء المسلمين
لقد توفي الشيخ عبد الحميد ابن باديس في وقت اشتدت الحاجة إلى صوت قائد يمثل الشعب. و قامت فرنسا باعتقال و نفي رؤوس جمعية العلماء، و رغم ذلك فإن الجمعية واصلت حركتها و عملها في الدفاع عن الإسلام و العربية بقيادة الشيخ البشير الإبراهيمي و تمركز نشاطها حول التعليم و بعض دروس الوعظ و الإرشاد
وضع حزب الشعب الجزائري
على الرغم من حل حزب الشعب الجزائري قبل اندلاع الحرب العالمية، إلا أن أعضاءه كانوا ينشطون سريا. و كانوا يحرضون الجنوب المسلمين على التمرد على فرنسا و عدم محاربة إخوانهم المسلمين. و شددت فرنسا الخناق على زعيم الحزب مصالي الحاج، و أعضائه الفاعلين مما جعلهم يلجأون إلى العمل
وضع الحزب الشيوعي الجزائري
نظرا للعلاقة السيئة التي كانت بين الإتحاد السوفياتي و حكومة فيشي قامت هذه بحل الحزب الشيوعي الجزائري و اتهمت الشيوعيين في الجزائر بالعمل ضدها. و حلت الحزب رسميا لذلك كان نشاطه ضعيفا خلال 1940-1942. و قد جاء نشاطهم العملي في نهاية 1942 بعد نزول الحلفاء في شمال إفريقيا مجددين ولاءهم للاتحاد السوفياتي
موقف الجزائريين من الحرب: إن فرنسا في الجزائر لم تستطع أن تجد حلا لمشاكلها .فالأحوال الإقتصادية كانت تنـذ ر
بالمجاعة ومطالب الوطنيين بالمساواة في الحقوق لم تجد أذانا صاغية كما فشلت مشاريع الإصلاح.لذلك واجهت فرنسا الحرب
بالجزائر أبعد ماتكون عن الولاء الحقيقي،فقادة حزب الشعب الجديد كانوا في السجون وحزبهم قد صدر قرار بحله،كما صدر قرار بحل منظمة الشيوعيين وجمعية العلماء فإنها رفضت الإعلان عن تأييد فرنسا في الحرب وإندفع النواب والنخبة بحكم وظائفهم الى تأييد فرنسا الديمقراطية،فتطوع زعماؤهم لخدمة الحرية والديمقراطية اللتين درسوهما في المدارس الفرنسية ولكنهم لم يعرفوها في التطبيق،كما أعلن رجال الدين الرسميين ولاءهم لفرنسا أيضا. فمصالي الحاج كتب مقالا في جريدة الأمة حيث
هاجم فيه الإستعمار الفرنسي ووعد بأنه يستمر في عدائه لفرنسا لأن شمال إفريقيا ليس له شيئ مشترك مع فرنسا ومن أجل ذلك
أعيد الى السجن.وواصل حزب الشعب نشاطه سريا وقاموا بتوزيع المعلقات السياسية مطالبين باطلاق سراح المعتقلين(حزب
الشعب سينتصر،الجزائر للجزائريين، أطلقوا مصالي الحاج، يحي حزب الشعب) ولكن سقوط فرنسا أمام ضربات ألمانيا أدى الى
سقوط جدار الورق الذي أحاطت به فرنسا نفسها وكان ذلك كفيل لإيقاظ بقية الجزائريين الذين كانوا مايزالون يعتقدون في فرنسا.
إن استسلام فرنسا أدى الى ضعفها في الجزائر حيث تعاقب على حكم الجزائر في مدة سنة ثلاث حكام (ويقان،أبريال،شاتيل)
وكانت فترة حكومة فيشي فترة عصيبة من تاريخ الجزائر فأصبحت تطارد جميع العناصر الوطنية ، وهذا ماجعل الحركة الوطنية
تغتنم فرصة نزول قوات الحلفاء بالجزائر وتجتمع لدراسة أوضاع الجزائر.
2/ نزول الحلفاء بالجزائر1942: تتمثل أهداف الحلفاء في الجزائر(المحافظة على السيادة الفرنسيةـ ايجاد إدارة مستقرة ناجحةـ إعادة قرار كريميوالى اليهود.وبدل أن يكون الأمريكان أوفياء لمبادئ الميثاق الأطلسي،انحازوا ضد الجزائريين بدعوى أن العرب غير جديرين بالحرية وأصبحوا يرددون أن رسالتهم هي حفظ الأمن والنظام والإبقاء على شمال افريقيا.
قدم الجزائريون مذكرة الى الحلفاء بتاريخ 22/12/1942.وقد طلبت المذكرة كشرط للتضحية التي طلبها الحلفاء(المشاركة في
الحرب)عقد مؤتمر ينتج عنه(دستور سياسي واقتصادي واجتماعي جديد).لكن السلطات رفضت استقبال المذكرة كما رفضها الأمريكان والانجليزبدعوى أنها تخص الفرنسيين. أعاد فرحات عباس صياغة المذكرة وقدمها الى السلطات الفرنسية بالجزائر،
تضمنت :ـ عقد مؤتمر يضم جميع الممثلين المسلمين،المشاركة في تحرير فرنسا بشرط أن تعد هذه بالإصلاحات ،انجاز دستور جزائري جزائري يتضمن النص على كل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة بالجزائريين،ضمان جميع حقوق
وحريات كل الجزائريين.وبعد رفض جيرو للمذكرة في01/01/1943، عمد الجزائريون الى حركة جديدة للضغط على الفرنسيين
3/ بيان 10فيفري 1943: أعد فرحات عباس البيان بعد مشاورات مع قادة الرأي في البلاد(من زعماء النخبة،العلماء،النواب
وحزب الشعب)وقد أقام عباس البيان على الوثائق الجزائريةالسابقة(مطالب النخبة،المؤتمرالإسلامي،ومبادئ حزب الشعب) وعلى
الميثاق الأطلسي،وأفكار الثورة الفرنسية ويتضمن مايلي:ـ استنكار الإستعمار وإزالته، تطبيق مبدأ تقرير المصيرعلى جميع الشعوب،منح دستور خاص بالجزائرالذي يضمن حرية ومساواة جميع السكان،إنهاء الملكيات الإقطاعية باصلاحات زراعية ومراعاة حقوق ومعاش العمال،ترسيم اللغة العربية،حرية الصحافة وحق التجمع والتنظيم؛مجانية التعليم،حرية العقيدةوفصل الدين
عن الدولةنالمشاركة الفورية والفعالية للجزائريينفي حكومة بلادهم.تحرير كل المحكوم عليهم والمساجين.
تظاهربيروطون بالقبول واعتبره أساسا لدستور مقبل للجزائر وألف لجنة البحث الاقتصادي والاجتماعي الاسلامي وصادقت على لائحة اصلاحات جديدة (ملحق البيان)وفيه اصلاحات أجلة وأخرى عاجلة،وبعد تنحيته تراجع خليفته كاترو ورفض أن يلتزم سياسة سلفه. أصدر ديغول 7مارس1944اصلاحات تتمثل في: منح الجنسية الفرنسية ل60ألف جزائري،زيادة نسبة المشاركين في المجالس المحلية، الاحتفاظ بعدد من الوظائف الادارية لعدد من الجزائريين.
وأما موقف الحلفاء من البيان فهو عدم المبالاة بحجة أن مشاكل الجزائر تعتبر مشاكل فرنسية داخلية. أما موقف الحركة الوطنية
على إثر اصلاحات مارس1944(ديغول)تشكلت أحباب البيان 14مارس 1944بزعامة فرحات عباس التي أصبحت تستقطب آمال الجزائريين على مختلف إتجاهاتهم خلال الحرب.
4/ إنعكاسات الحرب على الجزائر:ـ تغير موقف الحركة الوطنية وتبلور الإتجاه الإستقلالي وظهور مطالب جديدة مشتركة
مع كل الأطراف (محتويات بيان فيفري1943) ــ انتشار الوعي الوطني والقومي ــالتخلص من عقدة الخوف نتيجة الانهزام المبكر لفرنسا أمام المانيا.ــ اكتساب الخبرة العسكرية ــ انتفاضة 8ماي1945 وارتكاب فرنسا لمجازر ضد الجزائريين
ــ تدهور الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية ــ تسخير الطاقات البشرية والإقتصادية لخدمة المجهود الحربي للحلفاء.
تطبيق: يرى بعض المؤرخين أن الوعي السياسي الوطني قد تبلور أكثر عند الجزائريين خلال الحرب العالمية الثانية بتجاوزهم
السياسة الفرنسية في الجزائر خلال الحرب العالمية الثانية
عرفت الجزائر خلال الحرب العالمية الثانية القهر و الاستبداد في عهد حكومة فيشي الموالية للنازية التي سلبت خيرات الجزائر و صدرتها إلى أوروبا بعد ان دفعت بأبناء الجزائر إلى الحرب إلى جانب فرنسا. فانتشرت المجاعات و كثرت الأمراض و ساءت أحولها. كما عرفت تدهورا في عهد حكومة لجنة فرنسا الحرة بقيادة الجنرال شارل ديغول التي عملت على سلب الجزائريين أصالتهم و دمجهم تدريجيا في فرنسا مقابل تخليهم عن أحوالهم الشخصية. و تغنت بالحرية و الديمقراطية، و عرفت السياسة الفرنسية في الجزائر مباركة الحلفاء خاصة موقف الأمريكيين و الإنجليز
سياسة حكومة فيشي
عندما سقطت فرنسا في يد الألمان في صيف 1940، و صار المارشال بيتان زعيما
لفرنسا مواليا لألمانيا، و صارت تعرف باسم حكومة فيشي اقتنع بالخطة الألمانية التي تضمنت تقسيم الجزائر إلى ثلاثة أقسام هي: منطقة قسنطينة مع تونس تعطى لإيطاليا، و منطقة وهران تعطى لإسبانيا، أما منطقة الجزائر العاصمة فتحتفظ بها فرنسا. و بالإضافة إلى قمع المسلمين قررت حكومة فيشي إلغاء قانون كريميو المتعلق بتجنيس يهود الجزائر، و منع نشاط المحافل الماسونية بحكم انها تعمل لصالح اليهود .
سياسة حكومة لجنة فرنسا الحرة
جاءت إصلاحات لجنة فرنسا الحرة تجاه الجزائر منذ 1943 لتركز على منح الجزائريين أمالا كبيرة فقد رأت بأنه بإمكانها إزالة العقبات التي تعرقل التطور السياسي للجزائريين، و استمدت تلك الإصلاحات من مطالب النخبة منذ 1912، و حركة الأمير خالد و مشروع بلوم فيوليت و ما نتج عن المؤتمر الإسلامي سنة 1936، و كلها تدعو إلى الاندماج التدريجي مع التخلي عن الأحوال الشخصية للجزائريين و استخدمت لتحقيق هذه الإصلاحات بعض الجزائريين المواليين لفرنسا
موقف الحلفاء من الاستعمار الفرنسي في الجزائر
كانت أهداف السياسة الأمريكية قبل النزول في الجزائر واضحة إذ كانت تهدف إلى
1-استعادة استقلال فرنسا في أروبا و في ما وراء البحار.
2-اعادة السيادة الفرنسية في جميع المناطق التي سبق للعلم الفرنسي أن رفرف عليها سنة 1939 سواء في فرنسا نفسها أو في المستعمرات.
3- في حالة قيام عمليات عسكرية في فرنسا أو في المستعمرات، و الجزائر تعتبر جزءا من فرنسا و ليس مستعمرة فإن السلطات الأمريكية لن تتدخل بأية طريقة في هذه القضايا لأنها تعتبرها من اختصاصات السيادة الفرنسية و كان موقف الإنجليز هو نفسه مبنيا على احترام السيادة الفرنسية، و مع ذلك قدم الجزائريون عريضة عرفت باسم مذكرة الجزائريين إلى الحلفاء في ديسمبر 1942?طالبوا فيها بمساعدتهم على التخلص من الإستعمار عن طريق عقد ندوة لوضع دستور للمسلمين الجزائريين[2]