خرج الرئيس السابق اليامين زورال عن صمت دام طويلا ليخاطب الجزائريين عن الجدل الدائر حول الانتخابات الرئاسية وتبرير رفضه الترشح رغم دعوته إلى ذلك من قبل شخصيات سياسية ورؤساء أحزاب وجمعيات وحتى سكان من مدينة باتنة أين يقيم. واعتبر زروال رسالته المطولة أن "تعديل الدستور سنة 2008 هو سبب كل المشاكل المشاكل التي تعاني منها الجزائر حاليا"، داعيا إلى "تسليم المشعل للشباب وتمكين الأجيال الجديدة من تولي زمام السلطة". ودعا الجزائريين إلى الوحدة وتجنب الفرقة والفتنة عشية، في إشارة ضمنية إلى ما يحدث في غرداية. وقال إنه "لا وجود لرجل معجزة يملك الحلول السحرية لإصلاح حال البلد". ودافع الرجل العسكري عن الجيش الوطني الشعبي ومصالح الأمن و"الباتريوت" الذين كان لهم الدور البارز أثناء فترة الإرهاب. وتطرح خرجة زروال التي انتقد فيها نظام الحكم من سنة 1998 إلى غاية اليوم، العديد من الاستفهامات، خصوصا من ناحية التوقيت، فالرجل لم يتكلم أبدا منذ إعلانه عن تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة ومغادرته السلطة، ليعتكف ببيته البسيط ويلعب حتى "الدومينو"، هوايته المفضلة، كما ينقل عنه مقربوه. كما يبرز أكبر سؤال "لماذا تحاشى زروال الإعلان عن موقفه الصريح من الانتخابات الرئاسية والأسباب الفعلية لرفضه الترشح، لتكون خرجته على شاكلة ما قام به رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش الذي قال كل شيء ولم يقل شيئا في الوقت نفسه، فقال البعض "ليته ظل صامتا". وفي هذه النقطة بالذات، كان الرئيس السابق أعلن صراحة لمن جاؤوا يطالبونه بالترشح أمام بيته "أشكر لكم ثقتكم الكبيرة التي أضعها تاجا فوق راسي.. لكن دعونا نترك الفرصة للأجيال الجديدة لتتسلم زمام السلطة". ورأى زروال أن يخاطب الجزائريين في رسالة مطولة بمناسبة "عيد النصر"، وهي الذكرى التي تتزامن مع عدة معطيات أهما الحراك الحاصل في ولايات الشرق بسبب ما قاله سلال في حق "الشاوية"، وهي القضية التي فضل عدم التعليق عليها في رسالته، وأحداث غرداية الآخذة في التصعيد رغم وساطات التهدئة ونبذ الفتنة، في حين تقول مصادر من محيط الرئيس السابق أن هذه الخطوة جاءت أساسا بعد الضغط الذي مارسه سكان مدينة باتنة وخنشلة على زورال إثر "المزحة الثقيلة" التي تفوه بها الوزير الأول السابق عبد المالك سلال واعتبرت "إهانة بالغة" في حق الشاوية الذي خرجوا في عدة ولايات للتنديد بالأمر، في انتظار تنظيم مظاهرات "مليونية" في كامل منطقة "الأوراس" هذا اليوم للرد على تصريحات سلال الذي يبدو أن تقديمه للاعتذار واتهامه لمن سماهم "بعض الأطراف" بـ"التخلاط وتأويل الكلام"، لم يشفع له. وزار وفد مكون من جامعيين وطلبة في الأيام الماضية، بيت الرئيس الأسبق في حي "بوزوران" بباتنة لطلب التدخل حول "مزحة سلال"، غير أن الرئيس السابق لم يكن موجودا في البيت وتكفل نجله بالاستقبال بعد أخذ إذن والد هاتفيا.
من ناحية أخرى، تعتبر شخصية الرئيس زروال بسيطة ومنضبطة، وقد أعطت رزانته ثمارها في إدارة أخطر أزمة شهدتها الجزائر في تاريخها.و يعرف زروال أيضا بأنه مفاوض قوي، وذو هيبة، حيث رفض لقاء الرئيس الفرنسي شيراك في ظل شروط مهينة وضعها هذا الأخير، كما رفض الرضوخ للكثير من مطالب صندوق النقد الدولي مما حفظ حدا مقبولا لمستويات العيش، وقد رفض أيضا الاستمرار في الحكم وقام بتقصير عهدته عندما أصبحت بعض أطراف السلطة تتفاوض سرا مع أطراف في المجموعات الإرهابية. وحكم الرئيس زروال البلاد في أصعب الظروف ويعاب عليه عدم قدرته على التحكم في تناقضات المشهد السياسي للجزائر وعدم مرونته في التعامل مع القضايا المشتابكة للساحة الجزائرية، لكن مناصريه يعتبرون أنه كان شجاعا عندما تحمل مسؤولية الرئاسة في ظروف صعبة، كما أنه الأكثر نزاهة وتواضعا من بين كل رؤساء الجزائر، حيث عاد بعد نهاية عهدته إلى منزله المتواضع في مسقط رأسه باتنة وهو تقليد لا نجده إلا في الديمقراطيات العريقة. كما تنازل عن سيارة فخمة من نوع مرسيدس وفيلا بالجزائر العاصمة.