نظرية المؤامرة Conspiracy Theory وأبعادها في الذهن العربيّ! - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الأخبار و الشؤون السياسية > النقاش و التفاعل السياسي

النقاش و التفاعل السياسي يعتني بطرح قضايا و مقالات و تحليلات سياسية

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

نظرية المؤامرة Conspiracy Theory وأبعادها في الذهن العربيّ!

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2013-12-25, 04:06   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
mounir O²
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية mounir O²
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي نظرية المؤامرة Conspiracy Theory وأبعادها في الذهن العربيّ!

تعريف ومقدمة


نظرية المؤامرة هي محاولة لشرح السبب النهائى لحدث أو سلسلة من الأحداث (السياسية والاجتماعية أو أحداث تاريخية) على أنها أسرار، وغالباً ما يحال الأمر إلى عصبة حكومية متآمرة بشكل منظم هي وراء الأحداث، كثير من منظمي نظريات المؤامره يدعون أن الأحداث الكبرى في التاريخ قد هيمن عليها المتآمرون وأداروا الأحداث السياسية من وراء الكواليس.

أصل المصطلح : ورد هذا المصطلح لأول مرة في مقالة اقتصادية عام 1920م ولكن جرى تداوله في العام 1960م، وتمت بعد ذلك إضافته إلى قاموس أكسفورد عام 1997م.


تختلف تعريفات مصطلح نظرية المؤامرة باختلاف وجهات نظر أصحابها، وللتبسيط يمكن القول بأن المؤامرة بها طرفين رئيسين، هما المتآمِر وهم الحكومات والمُتآمَر عليه الشعب لأخفاء الحقيقة، وهي تحدث في كل مكان ووقت، بغض النظر عن المساحة المكانية والتنفيذية والزمنية لها، فقد تحدث في المنزل وقد تحدث في العمل وقد تحدث في الدولة وقد تحدث على مستوى عالمي، ومن الناحية الزمنية فقد يتم تنفيذ المؤامرة بشكلٍ كامل ابتداءاً من التخطيط وانتهاءاً بالوصول للنتائج في ساعة أو يوم أو سنة أو عدة سنوات، وقد يكون أطراف هذه المؤامرة أو أحدهم على علم بها وغالباً ما يكون المتآمر هو العارف بها إلا أنه ليس ضرورياً أن يكون كذلك فقد يقوم بالمؤامرة دون وعي منه بأنه يقوم بها، وقد تتم المؤامرة دون علم المستهدفين بها، كما يمكن أن يعلم المستهدف بوجود مؤامرة لكنه لا يستطيع تحديد أصحابها، هي كذلك ببساطة. كما نشير إلى أن النظرية قد تصل لنتائجها بشكلٍ مباشرة متجاوزةً العقبات من خلال التخطيط المُحكم واتساع الرؤية فيها، إلا أنه ليس بالضرورة ضمان الوصول لنفس النتيجة أو عدم ظهور نتائج غير متوقعة مهما اتسعت الرؤية والتخطيط فيها، لذا يمكن القول بأن المؤامرة كما أعرّفها هي:

قيام طرف ما معلوم أو غير معلوم بعمل منظم سواءً بوعي أو بدون وعي، سراً أو علناً، بالتخطيط للوصول لهدف ما مع طرف آخر ويتمثل الهدف غالباً في تحقيق مصلحةٍ ما أو السيطرة على تلك الجهة، ومن ثم تنفيذ خطوات تحقيق الهدف من خلال عناصر معروفة أو غير معروفة.


العقليّة التآمرية عند العرب


يقول مكسيم رودنسون في كتابه المُعنون ب"العرب", إنّه يبدو أنّ العرب, في هذه اللحظة من التاريخ, يُثيرون أشدّ الانفعالات عنفاً أكثر من أيّ شعب آخر. ولكن ما لم يقله رودنسون هو أنّ العرب يثيرون هذه الانفعالات العنيفة في أوروبا الغربية, لدى الأوروبيين أو الغربيين عامة, وأنّ لهذه الانفعالات تاريخاً حضارياً طويلاً, ليس مُقتصراً على هذه اللحظة في التاريخ. وربما يكون ما يثيره العرب من انفعالات عنيفة لدى الشعوب الأخرى, أحد الأسباب التي تدفع العرب إلى المُبالغة الإدراكيّة, وإلى الاعتقاد بأنهم مُستهدفون من دون الأمم الأخرى, وأنّ الشعوب التي تنافسهم حضارياً وسياسيا واقتصاديا, تتآمر ضدّهم لإضعافهم والقضاء عليهم في النهاية. هذه الطريقة في التفكير سنسميها " العقليّة التآمرية ".

ونقصد بالعقلية التآمرية طريقة في التفكير الانفعالي، تدعو إلى الاعتقاد بأن:

1) العرب أمة متميزة "مختارة" ذات رسالة تاريخية حضارية، ولذلك فهم مستهدفون بمؤامرة تحاك ضدهم بشكل واع مقصود..
2) ويساهم في هذه المؤامرة جهة معينة "مجهولة" أو غير محددة المعالم.
3) وأن هذه المؤامرة تحاك في الخفاء، ولكن يستدل عليها من كون الفعاليات التآمرية، تتخذ شكل الرموز والشواهد والمعميات. ولذلك، فلا بد من الكشف عنها وفضح أساليبها.
4) وأن هذه المؤامرة والنشاطات التآمرية، تهدف في النهاية إلى القضاء على العرب كأمة وكحضارة، أي على رسالتهم التاريخية الخالدة.


إن أحد أهم شروط العقلية التآمرية هي المقولة الثالثة، أن المؤامرة لا بد أن تكون سرية. ولذلك، فلا سبيل إلى إثبات وجودها أو الوصول إلى حقيقتها بشكل علني ونهائي، لأننا هنا نتعامل مع رموز وشواهد ومعميات. ولذلك، فهي تحمل في أحشائها سبب استمرارها ودوامها لمن أراد الاعتقاد بوجودها.

ولو كان هذا النوع من التفكير قاصراً على العرب في العصر الحديث والمعاصر، لكان هذا الأمر مفهوماً ومعقولاً. فقد خلقت الأمبراطوريات الإمبريالية والاستعمارية الحديثة مصالح عامة، تشمل العالم كله، وطورت أساليب البطش وفرض السيطرة الماكرة السياسية والثقافية والنفسية، في سعيها إلى استبعاد العالم الثالث. فالعقلية التآمرية تناسب هذه الأوضاع مناسبة كاملة، لأن ظهور الدول الكبرى، التي تهيمن على العالم الحديث والمعاصر، اقتضى تعطيل تقدم دول العالم الثالث، واستباحة مواردها والتآمر عليها في السر والعلن. وكان نصيب العرب من هذا وافراً، وخاصة من سلاح فرّق تسد، الذي كان له نتائج مدمرة كثيرة ومعروفة.
ولكن بعض العرب، ممن يدينون بالعقلية التآمرية، يوسعون الأفق التاريخي لهذه الفاعليات التآمرية، لتشمل جميع العصور والمراحل التي رافقت نشأة الدولة (والحضارة) العربية الإسلامية، أي أكثر من ثلاثة عشر قرناً من الزمن. وهم بذلك يخلطون بين الصراع والتنافس الثقافي والاقتصادي (الذي يتخذ أشكالاً سياسية وعسكرية) بين الحضارات والأمم، وهو أمر "طبيعي" أو اعتيادي في التاريخ البشري (له أسباب متباينة واضحة)، وبين الصراع التآمري الذي يهدف إلى غاية محددة مبطنة، تسعى إليها جهة محددة بشكل واعٍ مقصود وهي القضاء على العرب.
وليس المقصود هنا القضاء على العرب كقومية أي كأمة فقط، فربما تعتقد بأن مفهوم الأمة هو مفهوم حديث، لم يكن له وجود في العصور القديمة، أو لم يكن له قوة التوجيه للسلوك التي هي له الآن، وإنما القضاء على العرب كدعاة دين سماوي أيضاً. فالإسلام كان أساس رفعة العرب ورقيهم الحضاري، فإذا ضعف هذا، ضعف العرب وانحطوا. وهكذا فقد استهدفت المؤامرة، بحسب هذه العقلية، العرب كجماعة دينية وكأمة، واتسع نطاقها لتشمل جميع العصور والمراحل التاريخية.
ما هي، إذاً، ملامح هذه العقلية التآمرية عند العرب؟ وما هي أطوارها التاريخية؟
لقد بدأ التآمر على العرب، بحسب منطق هذه العقلية، "بمؤتمر نهاوند" ! سنة 641 ميلادية، أي بعد مرور إحدى وعشرين سنة للهجرة فقط. ويتوصل كاتب من أمثال عبد الرزاق الحصان إلى تاريخ وكيفية انعقاد هذا المؤتمر، من إعادة تفسير رواية الطبرى لأحداث فتح إيران. إذ يذكر الطبري أن جيوش المسلمين، كانت تجدّ في طلب يزدجرد، أمبراطور فارس، فكان أن دعا هذا "الجبال وغيرهم" أن يوافوه في نهاوند، للتشاور في أمر تقدم جند المسلمين. وتعاهد هؤلاء على إخراج من في بلادهم من جند عمر، واقتلاع هذين المصرين (البصرة والكوفة)، وتعاهدوا كذلك "على أن يشغلوه (عمر) في بلاده وقراره".
أما الحلقة الثانية، فتبدأ بالحملات الصليبية (1095 _ 1291م) والغزو المغولي (1235 _ 1260م)، أي أن العرب قد تعرضوا للغزو من الغرب والشرق في أوقات متقاربة.

أما المغول، فقد استوعبهم العرب والمسلمون (كما استوعبوا التركمان من قبلهم) بدخولهم في الدين الإسلامي، وامتزاجهم بالحضارة العربية _ الإسلامية، وإن كانت فترة حكمهم، قبل دخولهم الإسلام، قد اقترنت بظهور حركة أو موجة من حركات المقاومة الجديدة، هذه المرة بقيادة ابن تيميه (1263 _ 1328م). وقد تميزت حركة المقاومة الجديدة بآراء، أقل ما يمكن وصفها بها، أنها رجعية، منها: مبدأ تفضيل الخضوع للإمام المسلم الجائر على عدم وجود السلطان، ومنها الرأي القائل بضرورة طاعة الحاكم، ولو كان جائراً، تجنباً للفتنة واتقاء لتفرق كلمة المسلمين.

أما الصليبيون فلهم قصة أخرى مع العرب. لقد استهدفت حملاتهم، في الظاهر تحرير الأراضي المسيحية المقدسة من "الكفار" العرب. وقد انطوت على استهداف العرب كجماعة دينية بشكل خاص: أي كمسلمين وكحضارة. ويرى من يحمل العقلية التآمرية أن الصليبية هي نزعة عقلية وسياسية ثابتة، تحكم الفكر الغربي المسيحي، لم تنته باحتلال عكا والقضاء على الإمارات الصليبية في الشرق سنة 1291م، بل امتدت إلى المغرب العربي بعد ذلك، وساهمت في طرد العرب من الأندلس (1492م). وقد بقيت هذه النزعة ثابتة مستترة، توجه سياسة الغرب التآمرية في تعامله الثقافي والعسكري والاقتصادي مع الشرق العربي _ الإسلامي طيلة هذه الفترة، وتجد مصداقاً لهذا الاعتقاد في كلمة الجنرال الفرنسي المشهورة عندما دخل الفرنسيون دمشق محتلين غزاة، سنة 1920: لقد عدنا يا صلاح الدين.
ومن هذا المنظور، يمكن اعتبار صراع الغرب الاستعماري الرأسمالي مع الدولة العثمانية، طيلة فترة حكمها، صراعاً بين الصليبية والإسلام، أي صراعاً بين حضارات وبين أساليب في الحياة وفي النظر إلى العالم يتخذ من الدين ستاراً، ولكنه صراع من أجل البقاء، وحتى النهاية. وكما ساهمت الدولة العثمانية، في البداية، في تشجيع البروتستانت ضد الكاثوليك، في وسط آسيا وشرقها (وأدى في النهاية إلى انشقاق أوروبا) مما دعا البابا إلى توحيد أوروبا الكاثوليكية في حرب مقدسة جديدة ضد المسلمين العثمانيين، كذلك ساهمت أوروبا في إذكاء الخلافات المذهبية والنزعات الانفصالية بين شعوب الدولة العثمانية فيما بعد، وخاصة في تحريض الصفويين على جناح العثمانيين الأيمن _الشرقي.

وهناك من يغلو في الاعتقاد بهذه العقلية التآمرية، ويصور جميع علاقات الصراع والتنافس الحضاري والاقتصادي والعسكري، بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي، على أنها حرب صليبية متصلة، يدخل ضمنها العديد من النشاطات، من الاستشراق إلى إدخال الإفكار القومية "الانفصالية"، التي أدت إلى انهيار مؤسسة الخلافة إلى نشر المفاهيم الديموقراطية _ الدستورية الغربية عن التراث الإسلامي، إلى تسليط الصهيونية والماسونية وغيرها من الأفكار "المريضة" على العرب. وهكذا فقد وضعت في هذه المرحلة الأسس لحلقة أو حلقات جديدة من التآمر على العرب.

ونجد في الحلقة الثالثة من النشاط التآمري ضد العرب، عناصر الحقيقة والوهم قد اختلطت وامتزجت، حتى ليصعب الفصل بينها وإدراك معمياتها. ونقصد بذلك مجموعة النشاطات، التي ترمز إليها سلسلة الأحداث المتصلة بتحول الخزر من الوثنية إلى الدين اليهودي، وظهورهم كالقبيلة الثالثة عشرة لبني إسرائيل (بين منتصف القرن 10 م ومنتصف القرن 13 م)، وتحول إيران، بالقوة والإكراه، إلى تبني المذهب الشيعي (بين سنتي 1511م _ 1524م). ومن أن هذين الحدثين لا صلة منطقية بينهما، اللهم إلا اتفاقهما في النتائج التي تريد العقلية التآمرية التوصل إليها، للتدليل على وجود مؤامرة تاريخية ضد العرب.

وبعد انهيار مملكتهم على أيدي المغول، واستمرار الضغط عليهم من القبائل التركية الأخرى، يبدأ هؤلاء، حوالي سنة 1247م، بالهجرة إلى بولندا وأواسط أوروبا. حتى يعودوا، في القرن العشرين، إلى احتلال فلسطين، وقد شكلوا النسبة الغالبة من سكان إسرائيل وحكامها الأشكناز. فالصهاينة الأوروبيون لا علاقة لهم بيهود إسرائيل القدماء وأسباطها الاثني عشر، وإنما هم في الغالب من أصول تركية، اعتنقوا الديانة اليهودية، في غفلة من الزمن وفي ظروف غامضة، ولا يربطهم بالشرق رابط.

أما الجانب الآخر من هذا النشاط التآمري، فيما يتصل بتحول إيران إلى المذهب الشيعي، فعنصر الحقيقة فيه واضح، إلا أن افتراض وجود نية مبيتة وإدراك تام للنتائج، هو أقرب إلى الوهم. فقد فرض إسماعيل شاه الصفوي المذهب الشيعي، وكان مذهب الأقلية، على إيران بأسرها. وقد ترتب على ذلك انشقاق العالم الإسلامي، وإحداث الصدع المذهبي، الذي لم يلتئم منذ ذلك الحين. ومع أن الفاطميين قد تسببوا بالانشقاق الأول في العالم الإسلامي، إلا أنه كان انشقاقاً دينيّاً، بينما في حالة إسماعيل شاه، فقد دخل فيه العنصر الإثني _ القومي، فكان صدعاً رهيباً كاملاً.

وقد استهدفت الدول الأوروبية الكبرى فرض هيمنتها على الدول العثمانية، عن طريق البحث عن عناصر الفرقة والتجزئة في التركيبة الاجتماعية _ الاقتصادية (التعددية)، سواء كانت عناصر الفرقة هذه دينية (مسلمون _ مسيحيون) أو مذهبية (سنية _ شيعية / أرثوذكس _ كاثوليك) أو إثنية (أتراك _ عرب/ عرب _ أكراد)... إلخ. وهكذا خلقت، منذ مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، مشكلة الأقليات في قلب العالم العربي، والتي ستبقى، منذ ذلك الحين إلى الوقت الحاضر، الشغل الشاغل للعرب _ أو بلغة الحصان، الأسلوب الأمثل لمشاغلتهم في بلادهم وقرارهم.

والآن، لاحظ كيف أن العنصر الذي كان عنصر قوة في الدولة العثمانية، وهو الصيغة "التعددية"، المبنية على التسامح الإسلامي بين الأديان والمذاهب والإثنيات، الذي تبلور في شكل نظام الملل، قد حولته الدول الأوروبية الكبرى إلى أداة تجزئة وإضعاف للدولة العثمانية. إذاً، فقضية الأقليات هي مشكلة حقيقية، قامت الدول الكبرى بتسييسها وتحويلها إلى سلاح تفرقة. ولذلك، فهي لم تكن في يوم من الأيام مؤامرة سرية. وقد تنبهت لها الحركات القومية، منذ البداية، وسارعت إلى تبني الحل العلماني، كحل منطقي ومعقول لها.


ولكن حملة العقلية التآمرية، لا يرضيهم هذا التفسير، ويربطون بين محاولات الدول الكبرى تجزئة البلاد العربية، بقضية الأقليات، وبين الحملات التبشيرية، كامتداد للصليبية المسيحية، لإثارة النعرات الطائفية. وبين الحركات القومية الداعية للانفصال عن الدولة العثمانية وإنشاء دولة (أو مملكة) عربية مستقلة. وهكذا تكون الدول الكبرى، والحملات التبشيرية، والقومية، والعلمانية، وفيما بعد، الصهيونية والماسونية جميعاً شركاء في سلسلة من النشاطات التآمرية الغربية الغامضة ضد العرب.
ومن المفارقات الغربية أن الدعوة القومية، من منظور التيار اليميني، وكأنها دعوة إلى التجزئة في دول _قومية، بعد أن كان العرب موحدين في مؤسسة الخلافة الإسلامية (العثمانية). ولكن الحقيقة أن التجزئة بشكل الدول _ القومية، قد فرض فرضاً على الحكومات الوطنية، من خلال السياسات الاستعمارية الغربية.
ومع نهاية القرن التاسع عشر، يبدأ التآمر الحقيقي الفعلي على العرب، من قبل الدول الاستعمارية الكبرى. وقد انتظمت هذه الجهود في سلسلة متصلة من الفاعليات والأحداث: الاتفاق الثلاثي (1907) ، اتفاقية سايكس _ بيكو لتقسيم البلاد العربية (1916)، وعد بلفور (1917)، مشروع الانتداب _ الاستقلال للولايات العربية (اعتباراً من 1919)، الاستيطان اليهودي (1917 _ 1948)، خلق إسرائيل (1948)، هزيمة العرب في حرب 1948، العدوان الثلاثي (1956)، هزيمة العرب في حرب حزيران / يونيو (1967)، وأخيراً بدء مرحلة الأمن العبراني (1967 _ 1984).

وعلى الرغم من استعمال إدارات الانتداب لسلاح فرّق تسد، وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعشائرية، إلا أن ذلك لم يمنع الحركات القومية _ التحررية والإصلاحية من النمو والازدهار، في العشرينيات والثلاثينيات من هذا القرن، بل أصبح خطرها واضحاً، في نهاية هذه الفترة، في إمكانية تحقيقها لوحدة العالم العربي. وللغرب، كما ترى، مصلحة واضحة في منع ذلك.

فقد برزت الولايات المتحدة بعد الحرب كدولة عظمى، ورثت مصالح الغرب الإمبريالي في المنطقة ووحدتها، ودفعت بالقوى السياسية المحلية المتصارعة إلى حالة الاستقطاب الأيديولوجي، الذي فرضته على العالم من خلال الحرب الباردة، التي أعقبت الحرب العالمية الساخنة بقليل. هنا، وللمرة الأولى، يتخذ التآمر على العرب (وغيرهم من شعوب العالم الثالث) كل أبعاده الحقيقية ومواصفاته الفعلية. فهناك جهة واحدة تقوم بالتآمر بشكل واع مقصود، ويتخذ هذا التآمر أشكالاً مختلفة ماكرة، مبطنة خادعة أحياناً، وعلنية سافرة، تباع وتشرى فيها الذمم أحياناً أخرى. وعندما يكون النشاط التآمري سريّاً، فمن الصعب إثباته بشكل نهائي وقاطع، لافتقاد من يريد ذلك إلى الدليل القطعي.

ولكن واحداً من أشكال المكر في هذه السياسة الخبيثة، هو ليس التشكيك في إخلاص القادة السياسيين فقط، إنما تسريب المعلومات بشكل واع، مدروس، عن ضخامة هذه الفاعليات التآمرية وشموليتها، وفداحة محاولة مقاومتها، والويل والثبور اللذين سيصيبان العرب إن هم فكروا في ذلك. وهكذا يصور العرب أن خلف كل زاوية جاسوساً لأميركا، وبين أصلب المناضلين وأخلص القادة من يعمل لحسابها، وأن هناك دائماً "طبخة" تعد في المطبخ الأميركي، وأن خيوط مسرح العرائس تحركها الدمى، حسبما تشتهي السياسة الأميركية. بل إن هذه الدولة العظمى، تعلم كل شيء، وتعد العدة لكل طارىء قبل وقوعه. وهي قادرة على إنزال العقاب بمن لا ترضى عنه، وعلى تغيير أو تصفية من تشاء من الحكام، ولا تحد قدرتها حدود.

ومن منّا لم تهزه قراءة كتاب مايلز كويلاند: لعبة الأمم (1969)؟ وهل هناك أروع من تصوير أمم الأرض، ما بين ضعيفها وسمينها، على أنها بيادق يجري تحريكها في وزارة الخارجية الأميركية، بحسب سيناريوهات لعبة الأمم؟ ثم يأتي فيليب أكي ليفضح وكالة الاستخبارات الأميركية، ويكشف قوائم بأسماء وعناوين عملائها.
ثم تنشر، في وقت متقارب، قوائم بأسماء الأشخاص الذين تلقوا مساعدات من وكالات التجسس الأميركية، وكل هذا مقصود ومدروس، خاصة أن هذه القوائم لم تتضمن أسماء القادة السياسيين فحسب، بل تضمنت كذلك أسماء طلاب جامعيين ونقابيين بارزين وصحفيين وأدباء وكتّاب، لم يكن يرقى إلى إخلاصهم ونزاهتهم شك. والعبرة في كل هذا واضحة، طبعاً، وهي أن وكالات التجسس الأميركية، تستطيع الوصول إلى كل مكان، وإلى من تشاء.

ولكن لابد لنا أن نعترف أيضاً بأن هناك كثيراً من المبالغة في قدرة أميركا، وقدراً غير يسير من التهويل بإمكانية أميركا على التحكم في مسار الأمور على نطاق عالمي. ففي كثير من الأحيان، تعكس السياسات الأميركية قصر النظر والتخبط (بل الغباء في بعض الحالات). وهناك أيضاً العديد من الهفوات، وثم الأخطاء الفادحة في التقدير أو في تنفيذ هذه السياسات. فمنفذوها بشر، تنقصهم بشكل واضح الخبرة في رسم السياسات الإمبريالية على نطاق عالمي.

ولكن هناك أمثلة ناصعة على كيفية دحر هذه السياسات وهزيمتها، من كوبا إلى فيتنام، إلى لبنان. ولذلك، فليس هناك أي مبرر لليأس والقنوط المصاحبين للعقلية التآمرية، التي تسود بين العرب هذه الأيام، والتي تصور الوضع وكأنه "طبخة" تطبخها الولايات المتحدة، من دون أن يكون فيه للعرب حول ولا قوة. فالولايات المتحدة _بحسب التعبير الشائع هذه الأيام _ تمتلك كل أوراق اللعبة، وهو هراء المستسلم العاجز.

وترفض العقلية التآمرية التفسيرات المنطقية البسيطة، حتى إن كانت أقرب إلى الحقيقة، وتفضل عليها التفسيرات الغامضة المعقدة، التي يستدل عليها بالرموز والشواهد والمعميات، وإن كانت تستند إلى متناقضات لا تجتمع. وتصور العقلية التآمرية استهداف العرب، كأمة وجماعة دينية، على أنه صراع حياة وموت، أي صراع من أجل البقاء. وبذلك تخلط هذه الطريقة في التفكير بين التنافس "الطبيعي" والصراع الاعتيادي بين الحضارات والجماعات الإثنية، وبين الصراع الذي يكون مجموعه صفراً. فليس كل أنواع الصراع صراعات إبادة، حيث إن ما يكسبه خصم، هو بالضبط ما خسره الخصم الآخر.
ولذلك، وحتى لا نصاب بهذه العقدة التآمرية المولدة للشلل، لابد من تمحيص القضايا والمعلومات، وتوخي الموضوعية والواقعية في التحليل والتعليل، وتجنب المبالغة في تصوير تفردنا، وفي تعالي رسالتنا الخالدة. فما نحن، في النهاية، إلا أمة كبقية الأمم، تسعى إلى الحرية والرقي. وإذا أردنا التميز والتفرد، فما ذلك إلا لأننا لا بد نريد المساهمة أكثر من غيرنا أو أفضل من غيرنا، في إغناء الحضارة الإنسانية لخير البشر جميعاً.



الحكّام العرب ونظرية المؤامرة


[color="rgb(72, 61, 139)"]بعيداً عن الخطاب المتهافت لبعض دكتاتوريي العرب الساقطين ومُنتظري السقوط القادم, عن نظرية المؤامرة عليهم, بعد اندلاع الثورات في بعض دول العالم العربي, يهمني إبراز ذهنية " التآمر " في العمل الصحفيّ بظل هذه الدكتاتوريات الإرهابيّة, وفق الآتي:
[/color]

حين يكثر النفاق، ويسود الضعف والانحطاط، تصبح العقلية التآمرية هي الدواء الناجع الذي يشد من أزرنا، والبرهان القاطع الذي يؤكد بما لا يدع مجالا الشك أننا لسنا مسؤولين عن تخلفنا وضعفنا، فما يحاك من مؤامرات داخلية وخارجية ضدنا، أكبر من طاقتنا نحن العرب المستهدفين، وأكبر مما يمكن أن نبذل من جهود كبيرة وعظيمة في سبيل البناء والتقدم والازدهار الذي يليق بالشعارات العربية الكبيرة، المرفوعة في السياسة والاقتصاد والفن والثقافة!
ويوما بعد آخر تستشري هذه العقلية التآمرية في رؤوسنا، لتصبح المعيار الجاهز الذي نقيس به كل محاولات نقد حياتنا وتقييم إنجازاتنا، سواء تطرق هذا الأمر إلى نقد سياسة عامة أو برنامج عمل حكومي، أو حتى لو اقتصر على نقد ظاهرة ما في حياتنا الثقافية والفنية، أو كشف فساد مسؤول في موقع مسؤولية اقتصادية أو ثقافية أو إعلامية.
وهكذا يفترض سلفا، من تنتقدهم بحكم مهنتك كصحفي إما أنهم خصومك وأعداؤك اللدودين، أو أنك تتربص بهم لأسباب شخصية، بعيدة كل البعد عن سوء ما يقدمونه أو تفاهة ما يفبركون أو حجم التخريب الذي يمارسون.. وشيئاً فشيئاً يتحول الأمر إلى آلية لها خطواتها التكتيكية التي تتفاعل في رأس المسؤول العربي، وتذكي مخيلته التآمرية المشككة!
ولمن يحب أن يجرب قراءة النقد بعقلية تآمرية.. نقدم هنا الخطوات العشر التي يتبعها معظم المسؤولين العرب في محاربة الصحافة، وتعاملهم مع الرأي الآخر، وهي خطوات ستتيح لكم أن تكتشفوا لماذا لا نلمس أثرا للتحديث والتطوير والإصلاح الذي أصبح نغمة سائدة لدى الأنظمة العربية اليوم، ولماذا نظل مكانك راوح في كل شيء، بينما يتقدم العالم من حولنا!
1- إذا أتى أحد إليك بالصحيفة التي تنتقدك، صباح يوم مشرق.. فنزع صباحك.. خذ الصحيفة واجلس في بيتك أو مكتبك بمفردك وأغلق عليك الباب .. ثم اقرأ لوحدك حتى لا يرى أحد ردة فعلك!

2- أخفي الجريدة في مكان غير ظاهر بعد أن تكون قد قرأتها عدة مرات، وامتعق وجهك بما فيه الكفاية..
3- ادع شخصا مقربا لكي تشرب معه فنجان قهوة، وإذا لم يكن قد قرأ ما كتب عنك.. فأطلعه عليه لكي تشعر أن هناك أحد ما في العالم يمكن أن يتضامن معك!
4- إبدأ بطرح فكرة المؤامرة التي تحاك ضدك، مع الشخص المقرب ثم مع أشخاص آخرين.. وحاول أن ترى ردة فعلهم. فإذا وافقوك على الفور.. فاجعلهم ضمن محور تحالفك لكشف المؤامرة.. إما إذا ترددوا فنصفهم في مرتبة الأنصار.. الذي لم ينالوا شرف العضوية العاملة بعد!
5- عندما يسألك شخص ما قد تشك بولائه وصداقته، عما كتب عنك في هذه الصحيفة.. ولماذا يشتمونك.. فصنفه – بينك وبين نفسك طبعا - في خانة الشامتين وتظاهر انك لم تقرأ الجريدة، وأن الموضوع لا يعينك من قريب أو بعد!
6- إخلُ مع نفسك مجددا، وفتش عن الأسباب التي جعلت هذا الصحفي أو غيره يتجرأ على نقدك، بينما يمدحك من حولك وينافق لك من هم تحت إمرتك.. واستبعد حتى في الأحلام، أن يكون السبب نقديا أو فنيا أو موضوعيا، أو أن يكون الصحفي نزيها أو صاحب وجهة نظر.. واتهمه بأنه مأجور، وأنه يكتب بدفع من الآخرين، وأنت تعرفهم!
7- استدعي حلفاءك وتابعيك، وأوحي لهم بأنك قد أمسكت بطرف خيط المؤامرة.. وكلفهم بأن يصدقوا أن هذا الصحفي مأجور ومدفوع من أشخاص آخرين.. تحدد أسماءهم على الفور كما تلفظ أسماء أولادك!
8- بالنسبة للذين يصطادون في الماء العكر، ويشمتون بك في السر، لأنهم يشتمونك ويشنـّعون بك في الجريدة.. اتبع معهم أسلوبا مناقضا لردة فعلك الأولى أمامهم.. فبدلا من التجاهل، صوّر المقالة التي تناولتك.. ووزعها على زوار مكتبك أمامهم.. وعندها سيدهشون ويصرخون وقد أسقط في يدهم: يا الله كم هو واثق من نفسه ومن نزاهة سلوكه ونظافة يده.. وبأنه فوق هذا النقد التافه المأجور الذي يتجنى عليه بالتأكيد!
9- بعد هذه السلسلة المحبوكة من الحركات التكتيكية.. لا بد ستعثر ومن دون جهد على صحفي مدائحي من فرقة حسب الله السادس عشر لفنون التطبيل والتزمير، لكي يعرض خدماته عليك، بعد أن يلمح شحوبك وصفرة وجهك، وشهوتك المستميتة لرد ما تبقى من اعتبارك المهزوز في عيون موظفيك ومرؤوسيك.. فيكتب فيك مقالا مدائحيا غبيا تستخدم فيه عبارات من قبيل: (لا للنيل من الشرفاء المخلصين أمثاله..) و(نرفض النقد الفضحائي الهدام الذي يتجنى على من يتفانون في خدمة الوطن) و(لنعمل على حماية المصلحة العامة من المدسوسين الذين يشوشون على مسيرة التقدم والبناء التي ننعم بها..) وبعد أن يصبح المقال بين يديك بادر لتسديد الثمن فورا، قبل أن تسمع بالتلميح أو بالتصريح من يطلب منك تقدير الثمن المفترض سداده، لأن الحياة سَلَف ودين، ومن ينظر لك بعين انظر له باثنتين!
طبعاً لا يهم إن كان ما كُتب.. قد كتب على مبدأ (نكاية بالطهارة) ولا يهم إن لم يقنع أصدقائك قبل أعدائك لافتقاره للمنطق والحجة؛ لكن الجود بالموجود.. ويا جبل ما يهزك ريح!
10- اسع لكي تنال مرحى أو وسام أو تكريم في مناسبة ما، (اخترعها بنفسك إن لم تجد) واستثمر هذه المناسبة جيدا، بحيث تكون مسك الختام في معركة العقل التآمري الذي يستهدف.. وينصح هنا بأن تدعو الأعداء المغرضين أولا لكي ترد لهم الصاع صاعين، وحاول حشد الأضواء الإعلامية حولك ما أمكن، لكي تثبت أنك قيمة كبرى ورجل معطاء، ودعامة من دعامات الوطن.. ولأنك كذلك يستهدفك خصومك في كتاباتهم التآمرية المدفوعة، ومؤامراتهم المستميتة للنيل منك.. واقتلاعك من على كرسيك الذي نذرت نفسك له كرمى لعيون الوطن، لكن هيهات يطلع لهم يا طويل القامة والعمر!
خطوة سرية / على الهامش:
إذا كنت تعيش في دولة أمنية، يتدخل فيها الأمن بكل شيء..كما هو الحال حتما في كثير من الدول العربية، فاكتب تقارير كيدية في الصحفيين الذين ينتقدونك، ولفق لهم تهما شتى من قبيل: معاداة النظام، والتحريض ضد الاستقرار، ووهن عزيمة الأمة.. واستخدم مواهبك في تمرير
الرشاوى الجنسية لدعم التقرير، مقتديا بقول الشاعر: لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى، حتى يراق على جوانبه الدم!

اقتباس:
منقول








 


رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
المؤامرة, الذهن, العربيّ!, conspiracy, theory, وأبعادها, نظرية


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 19:25

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc