المطلب الثاني: الأعــمال.
العمل سواء كان ايجابيا او سلبيا فهو محل لحق الدائنية ويجب حتى يعتبر العمل محلا لحق الدائنية أن تتوفر فيه الشروط التالية: أن يكون ممكنا وليس مستحيلا وأن يكون محددا أو قابلا للتحديد وأن يكون مشروعا.
أولا: شرط الامكان.
يشترط في العمل محل حق الدائنية أن يكون ممكنا أي يمكن تنفيذه ولو من شخص واحد.أما إذا كان العمل مستحيلا إستحالة مطلقة بحيث لا يمكن لاحد تنفيذه هنا لا ينشأ الالتزام وهذا ما أكدته المادة 93 ق مج بقولها إذا كان محل الالتزام مستحيلا في ذاته أو مخالفا للنظام العام والآداب العامة كان العقد باطلا). ومن أمثلة الالتزامات المستحيلة في ذاتها تعهد طبيب بإحياء شخص بعد موته، أو تعهد محامي برفع استئناف بعد فوات ميعاده.أو تعهد مهندس ببناء برج يصل بين السماء والأرض.هذه الالتزامات لايستطيع أحد على وجه الارض مهما بلغت قدرته القيام بها ولذلك فالالتزام بها يعد باطلا.
أما الاستحالة النسبية هي التي لا تقوم إلا لشخص المدين دون غيره، فهي لا تمنع من نشوء الالتزام مثل تعهد شخص ليست له دراية بقواعد البناء والهندسة ببناء مستشفى، أو تعهد شخص ليس طبيبا باجراء عملية جراحية. ففي هذه الأمثلة هناك استحالة نسبية في تنفيذ هذه الالتزام تقوم بالنسبة لشخص المدين بها لكن هذه الاستحالة لا تعفي المدين من هذا الالتزام لأنه يمكن تنفيذها بواسطة شخص آخر.ولذلك يتحول التزام المدين إلى إحلال من له خبرة ودراية بالعمل محل الالتزام مكانه للقيام بتنفيذ الالتزام أو يدفع تعويض معين إلى الدائن مقابل عدم تنفيذ الالتزام.
ويصح أن يكون الشيء محل الالتزام شيئا مستقبلا( م92فقرة02ق م ج). إذ أن عدم وجود هذا الشيئ وقت نشوء الالتزام ليس من شأنه أن ينفي إمكان ذلك العمل مادام أن الشيء سيوجد في المستقبل كما في بيع شقق سكنية قبل بنائها أو بيع مصنوعات لم يتم صنعها وقد استثنى القانون من هذه الأشياء التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة فنصت المادة 92ق م ج فقرة02 على ذلك بقولها غير أن التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة باطل ولو كان برضاه...).
ثانيا: شرط التحديد.
يجب أن يكون العمل الذي يلتزم به المدين محددا أو على الأقل قابلا للتحديد ومعنى كون العمل قابلا للتحديد أن تتوافر العناصر اللازمة لتعينه. فإذا تعهد مورد أغذية لتلاميذ مدرسة معينة وجب أن يذكر في الاتفاق نوع الأطعمة التي يلتزم المورد بها وبمقدارها، وهنا يكون التزام المورد محددا. ويصح أيضا االتزامه إذا حدد في الاتفاق فقط عدد التلاميذ وأنواع الأغذية المفيدة والمضرة لهم، فهنا يكون التزام المورد قابلا لتحديد لأن العناصر اللازمة للنهوض بهذا التحديد توفرت، فإذا لم يكن في الاتفاق تلك المواصفات ولم يتوفر مثل هذه العناصر فلا ينشأ الالتزام ولا ينعقد العقد.
وإذا كان العمل هو اعطاء شيء وجب أن يكون الشيء معينا أو قابلا للتعيين فإذا كان الشيء قيميا وجب أن يعين هذا الشيء بنوعه إذا تضمن العقد ما يستطاع به تعيين مقداره حيث تنص المادة 94فقرة02على أنه ويكفي أن يكون المحل معينا بنوعه فقط إذا تضمن العقد ما يستطاع به تعيين مقداره وإذا لم يتفق المتعاقدان على درجة الشيء من حيث جودته .ولم يمكن تبين ذلك من العرف أو من أي ظرف آخر إلتزم المدين بأن يسلم شيئا من صنف متوسط).
ثالثا: شرط المشروعية.
يجب في العمل الذي يلتزم به المدين أن يكون مشروعا بمعنى أن لا يكون مخافا للنظام العام والآداب العامة( م93ق م ج). فيقع باطلا مثلا تعهد شخص بارتكاب جريمة معينة مقابل حصوله على مبلغ مالي أو أن يكون محل العقد مخدرات...الخ.
المبحث الثاني:صاحب الحــق
الشخص ركن أساس في الحق، فهو صاحب الحق، وهو من يكون صالحا لأن يصير صاحب حق وأن يتحمل بالالتزام ويحيا حياة قانونية، وتلك هي الشخصية القانونية
وتثبت الشخصية القانونية لكل من الشخص الطبيعي والشخص الاعتباري(المعنوي)، وسنبحث كل نوع منها في مطلب على حدة.
المطلب الأول: الشخص الطبيعي
الشخص الطبيعي هو الإنسان، ويقتضي الأمر تفصيل بدء شخصيته القانونية وانتهائها، ثم بيان خصائص الشخصية القانونية للشخص الطبيعي.
الفرع الأول: بدء الشخصية القانونية ونهايتها.
أولا:بدء الشخصية القانونية للشخص الطبيعي (الإنسان): تبدأ شخصية الإنسان بتمام ولادته حيّاً ولو مات بعد لحظات من ولادته، أمّا إذا ولد ميتا فلا تثبت له الشخصية القانونية، ولذلك تنص الفقرة 1 من المادة 25 بأن "تبدأ شخصية الإنسان بتمام ولادته حيا وتنتهي بموته". وتثبت واقعة الولادة في السجلات الرسمية المعدّة لهذا الغرض، وليست لهذه السجلات حجية مطلقة وإنما هي نسبية فقط، ومعنى ذلك أنه إذا لم تكن الولادة ثابتة في السجلات الرسمية أو تبيّن عدم صحة ما أدرج فيها فإنه يجوز لكل ذي مصلحة أن يثبت ما يدعيه بكافة طرق الإثبات، لأن الولادة تعد واقعة مادية.
* الشخصية الحكمية أو التقديرية للجنين(المركز القانوني للجنين)أو الحمل المستكن: قبل انفصال الجنين عن أمه فانه يعتبر جزءا منها لا يتمتع بشخصية قانونية مستقلة. ومع ذلك يعترف القانون للجنين ببعض الحقوق في مرحلة الحمل حفاظا على مصالحه، ويكون ذلك معلقا على شرط ولادته حيّاً،فله الحق شرعا في ثبوت نسبه من أبيه، ويرث أقاربه إذا ماتوا وهو في بطن أمه،ويستحق الوصية ولو مات الموصي قبل ولادته، وهذه الحقوق تثبت لصاحبها دون حاجة لقبول يصدر منه، أمّا الحقوق التي يتوقف ثبوتها على صدور قبول منه فلا تكون للجنين، كالهبة وسائر أنواع الالتزامات فإنها لا تجوز للجنين. وتثبت تلك الحقوق للجنين ـ إذا ولد حيّاً ـ بأثر رجعي، فيعتبر وارثا من يوم وفاة مورثه لا من يوم ولادته. أمّا إذا ولد ميِّتا فتزول عنه الشخصية الناقصة بأثر رجعي، وبالتالي فلا يكون له أي حق من تلك الحقوق،وهذا ما نصت عليه الفقرة 2 من المادة 25 مدني على أنّ الجنين يتمتع بالحقوق التي يحددها القانون بشرط أن يولد حيا).
ثانيا: انتهاء الشخصية القانونية: تنتهي الشخصية للإنسان بوفاته، وتثبت الوفاة في السجلات الرسمية المعدّة لهذا الغرض كالولادة، والوفاة شأنها شأن الولادة واقعة مادية يمكن إثباتها بمختلف طرق الإثبات.
أ ـ الانتهاء الحكمي أو التقديري للشخصية القانونية:
وهو الذي يثبت بحكم من القضاء في الحالات التي لا يمكن فيها التيقن من حياة الشخص أو موته كالمفقود. والمفقود هو الشخص الذي لا يعرف مكانه ولا تعرفحياته أو موته ولا يعتبر مفقودا إلاّ بحكم ( المادة 109 من قانون الأسرةالجزائري)، وهو غير الغائب ، وهو الذي منعته ظروف قاهرة من الرجوع إلى محل إقامته أو إدارته شؤونه بنفسه أو بالواسطة وتسبب غيابه فيضرر للغير، وحياة الغائب ـ ليست كالمفقود ـ تكون متحققة ولا شك فيها لأنهامعلومة، كالأشخاص الذين يهاجرون للعمل أو الدراسة..ويعيّن القاضي قيِّماللغائب يتولى مباشرة شؤونه فترة غيابه ( المادة 111 من قا الأسرة)لأن الشخصية القانونية للغائب قائمة ولم تنته بعد.
* المراحل التي يمر بها المفقود:
المرحلة الأولى: تبدأ بصدور حكم بإثبات فقده، ويعتبر الحكم بإثبات فقده منشئا لحالة جديدة، ويعين هذا الحكم تاريخ الفقد. ويصدر حكم بالفقد بناء على طلب أحد الورثة أو ممّن له مصلحة أو من النيابة العامة(م 114ق الأسرة) وفي هذه المرحلة يعتبر المفقود حيا بالنسبة للأمور التي تضره إذا افترضنا موته، فلا يقسم ماله على ورثته، وفي ذلك تنص المادة 115 من قانونالأسرة أنهلايورث المفقود ولا تقسم أمواله إلا بعد صدور الحكم بموته)،ولا تتزوج امرأته لكن لها أن تطلب التطليق من القاضي على أساس المادة 53/5من قانون الأسرة.
وفيما يتعلق بمال غيره، أي بالنسبة للإرث وتلقي الوصيةمن غيره فله الحق في ذلك، وهذا ما نصت عليه المادة 133 قا الأسرة أنه: (إذا كان الوارث مفقودا ولم يحكم بموته يعتبر حيا..).
المرحلة الثانية: وتبدأ بصدور حكم بموت المفقود، ونفرق هنا بين حالتين:
- فقدان الشخص في حالة غلبة الهلاك: كمن يفقد في أثناء حرب أو كارثة أوحادثة ولم يعثر على جثته،وذلك بمضي أربع (04)سنوات على الفقد وبعد التحري بكل الطرق الممكنة عن مصير المفقود،فهنا ترجّح كفة الموت مع غلبة الهلاك ومضي هذه المدة دون أن يظهر أو تعرف أخباره
- فقدان الشخص في حالة تغلب فيها السلامة: كما لو سافر الشخص للدراسة أوالعمل ثم انقطعت أخباره، فهنا يفوض الأمر إلى القاضي في تقدير المدةالمناسبة لموته بعد مضي أربع(04)سنوات. ويصدر الحكم بموت المفقود بناءعلى أحد الورثة أوممّن له مصلحة أو من النيابة العامة.ويعد الشخص المفقود ميِّتا من تاريخ صدور الحكم بموته بالنسبة للأمور التي تضره، كما لو كان موته حقيقيا(حكم قضائي منشئ)، فتعتد زوجته عدة الوفاة(المادة 59 قا الأسرة) وتقسم تركته بين ورثته الموجودين وقت الحكم، وهذا ما نصت عليه المادة 127 من قانون الأسرة.بأنه:"يستحق الإرث بموت المورِّث حقيقة أو باعتباره ميِّتا بحكم القاضي".هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يعتبر المفقود ميّتا من يوم الفقد بالنسبة لمال غيره، أي بالنسبة للإرث من غيره وبالنسبة لتلقي الوصية.
المرحلة الثالثة: إذا ظهر المفقود حيا بعد الحكم بموته، اعتبر موته الحكمي كأن لم يكن، فيسترد أمواله من الورثة إذا كانت باقية عينا أو قيمة ما بيع منها(المادة 115 قا الأسرة). وتعود إليه زوجته إلاّ إذا كانت قد تزوجت غيره بعد انتهاء عدتها، وكان زوجها الجديد لايعلم بحياة زوجها المفقود.
الفرع الثاني: خصائص (مميزات) الشخص الطبيعي.
تتميز الشخصية القانونية للشخص الطبيعي بجملة من الخصائص ترتبط بها، وفيما يأتي تفصيلها:
أولا:الأهلية القانونية.
الأهلية في اللغة هي صلاحية الشخص لأمر ما. وفي الإصطلاح القانوني هي صلاحية الشخص لكسب الحقوق والتحمل بالإلتزامات وقدرته لمباشرة التصرفات القانونية التي ترتب له الحقوق أو تلزمه بالإلتزامات. وأحكام الأهلية تؤثر في حياة الشخص تأثيركبيرا لذلك كانت أحكامها من النظام العام،فليس لأحد أن يننازل عن اهليته أو يعدّل في أحكامها(المادة 45 مدني).
أ) ـ نوعا الأهلية: الأهلية نوعان، أهلية الوجوب وأهلية الأداء، ولكل منها مراحلها وأحكامها.
1ـ أهلية الوجوب: هي صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق والتحمل بالإلتزامات، وتختلط هذه الأهلية بالشخصية القانونية، إذ أن مناط اكتسابها هو الشخصية القانونية ذاتها، فهي تثبت بثبوتها وتنعدم بانعدامها وتكتمل باكتمالها وتنقص بنقصانها، وتمر كما تمر الشخصيةالقانونية بمرحلتين:
المرحلة الأولى: أهلية وجوب ناقصة: وتكون للحمل المستكن(الجنين)، فهو غيرصالح للتحمل بالإلتزام، وغير صالح لأن يكتسب من الحقوق غير تلك التي لايحتاج كسبها إلى صدور قبول منه كثبوت النسب، وكسب الحق من الميراث أوالوصية.
المرحلة الثانية: أهلية وجوب كاملة: وتكون للشخص بعد ولاته حيا، فيكون له أن يكسب الحقوق ويتحمل بالإلتزامات كقاعدة عامة باستثناء ما منعه القانون عنه بنص خاص، كأن يحرم شخص طبق للشريعة الإسلامية من أن يرث قريبه لوجود مانع شرعي كاختلاف الدين، أو قتل مورثه عمدا سواء كان فاعلا أصليا أوشريكا. كما قد يحدّ القانون من أهلية الوجوب مثل المادة 402 مدني التي تمنع القضاة والمحامين من شراء الحقوق المتنازع عليها.
وتستمر للشخص أهلية الوجوب كاملة ما دام له شخصية قانونية، ولا تنتهي إلاّ بموته، ولا تتأثر بصغر السن ولا بعارض أو مانع.
2
ـ أهلية الأداء: وهي صلاحية الشخص لأن يباشر بنفسه التصرفات القانونية من بيع وهبة وإجارةورهن، وأهلية الأداء تفترض أهلية الوجوب ابتداء، إنما العكس غير صحيح،فهناك أشخاص لديهم أهلية وجوب كاملة دون أن تكون لديهم أهلية الأداءلانعدام الإرادة لديهم كالصبي غير المميز، أو المجنون.
ومناط أهلية الأداء هو الإدراك أو التمييز، فإذا اكتمل للشخص إدراكهاكتملت أهلية أدائه، متى لم يكتمل بقيت أهليته ناقصة. وحتى تكتمل أهليةأهلية أداء الشخص فإنه يمر بأربع مراحل في حياته:
المرحلة الأولى: مرحلة عديم الأهلية (عديم التمييز): تبدأ هذه المرحلة منذالحمل وتستمر بعد ولادة الإنسان حتى بلوغه سن الثالثة عشر ، حيث تنص الفقرة 2 منالمادة 42 من القانون المدني أنه: (يعتبرغير مميِّز من لم يبلغ الثالثةعشر سنة). وفي هذه المرحلة لا يجوز للشخص أن يقوم بأي تصرف قانوني ولوكانت عقود إغتناء(إنتفاع)، كقبوله هبة مثلا، فلو قام بأي تصرف كان تصرفه باطلا لانعدام التمييز لديه، هذا مع الإشارة إلى أنه يجوز لوليه أو وصيه أن يبرم التصرفات التي تكون له فيها منفعة نيابة عنه، وينصرف أثرها إليه.
المرحلة الثانية:سن التميز وتبدأ هذه المرحلة ببلوغ الشخص سن الثالثة عشر وتستمر حتى بلوغه سن الرشد وهي تسعةعشر سنةكاملة (19)(المادة 43 مدني)، ويقدّر سن الرشد في القانون الجزائري بالتقويم الميلادي لا الهجري وذلك بحسب المادة 3/1 من القانون المدني.وفي هذه المرحلة يكون الشخص ناقص أهلية الأداء، لنقص في تمييزه، ويلحق به السفيه وذو الغفلة، أمّا عن حكم تصرفاته في هذه المرحلة فلم يتعرض القانون المدني الجزائري إليها، ورجوعاإلى أحكام قانون الأسرة(المادة82ق الأسرة) فإنها تنقسم إلى ثلاثة حالات وهي:
ـ التصرفات النافعة له نفعا محضا: كقبوله الهبة بغير عوض أو وصية، فهذه تصرفات تؤدي إلى إغتنائه دون المساس بمصالحه الأدبية والمادية، فتصرفه هناتصرف صحيح نافذ تام دون توقف على إجازة أو إذن من الولي أو الوصي.
02ـ التصرفات الضارة له ضررا محضا:كإعطاء هبة أو أبرم عقد قرض أو كفالة أوهبة أو وقف، فهذه التصرفات تؤدي إلى إفتقاره،فتعد هذه التصرفات باطلة وغيرنافذة ولو أجازها الولي أوالوصي.
03ـ التصرفات الدائرة بين النفع والضرر: أي التي يجوز فيها الربح والخسارةكالبيع والشركة والإيجار، فهي في مركز وسط لا هي صحيحة نافذة ولاهي باطلةبطلانا مطلقا، وحكمها في القانون المدني أنّها قابلة للإبطال، أي أعطى القانون للطرف الضعيف وهو الصبي غير المميز الحق في طلب الإبطال بعد بلوغه سن الرشد بخمس سنوات، أي أنّ ذلك التصرف قد نشأ ناقصا، ويستمر كذلك حتى يستقر العقد إمّا بإجازته من طرف ناقص الأهلية بعد بلوغه سن الرشد،وإمّاأن يصير العقد مستقرا بالتقادم أي بمضي عشر سنوات بعد إكتمال سن الرشد،وتارة يكون مصير ذلك التصرف الزوال إذا حُكم بإبطاله.
المرحلة الثالثة: وهي بلوغ سن الرشد. فإذا بلغ الشخص تسعة عشر(19) سنة اكتملت له أهلية الأداء لمباشرة حقوقه المدنية بشرط أن يكون متمتعا بقواه العقلية وغير محجور عليه(م40 مدني وم86 قا الأسرة). وحكم تصرفات البالغ الرشيد هوأنها جميعا صحيحة سواء كانت نافعة له نفعا محضا أو ضارة ضررا محضا أو دائرة بين النفع والضرر.
ب- عوارض الأهلية: وهي عوارض تطرأ على الإنسان بعد إكتمال أهليته وبلوغه سن الرشد ، وهي أحوال تعتري الإنسان فتنقص أهليته أو تذهب بها، وهي إما عوارض تصيب الإنسان في عقله وهي الجنون والعته (وتسمى ايضا بالعوارض المعدمة للاهلية).أو تصيبه في تدبيره فتفسده كالسفه والغفلة (وتسمى بالعوارض المنقصة للأهلية).
1
ـ العوارض التي تصيب الإنسان في عقله (العوارض المعدمة).
* الجنـون: هو مرض يسبب اضطراب العقل أو زواله. وقد يستوعب الجنون كل أوقات المريض، وهذا هو الجنون المُطبِق، وقد يُجَنُّ تارة ويفيق أخرى، وهذا هو الجنون المتقطّع، والفقه الإسلامي يفرّق بين نوعي الجنون، فعتبر تصرفات المجنون جنونا متقطعا صحيحة إذا قام بها في حال إفاقته ، وتكون باطلة بطلانا مطلق إذا قام بها في حال جنونه، أمّا المجنون جنونا مطبقا فهي باطلة على الدوام. أمّا القانون المدني الجزائري فلم يفرّق بينهما وأعطاهما حكما واحدا، حيث تنص المادة 40/1 منه أن: (كل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية، ولم يحجر عليه، يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية)، كما تقضي أيضا المادة 42/1 أنّه: (لا يكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز لصغر في السن، أو عته، أو جنون). فصدور قرار الحجر هو الفيصل والأساس بين التمتع بكامل الأهلية وعدم التمتع بها، والحكمة في عدم التفرقة بينهما هي المحافظة على أموال المجنون، وبعدا لكل إلتباس، وهي لا شك تفرقة سديدة وهامة من الناحية النظرية، ولكنّها صعبة الإثبات أمام القضاء.
* العــته: هو نقص خلقي أو مرضي طارئ أو لكبر السن، يعتري الإدراك، ويكون عادة غير مُصاحَب باضطراب، أي أنّ إصابته تكون هادئة، وقد يعدم الإرادة فيجعل المعتوه في حكم الصبي غير المميّز المجنون، وقد يجعله في حكم الصبي المميِّز، وهذا هو رأي الفقه الإسلامي، غير أن القانون المدني الجزائري جعل المعتوه كالمجنون فاقد التمييز(المادة42/1.
2
ـ العوارض التي تصيب الإنسان في تدبيره (العوارض المنقصة للأهلية).
* السـفه: هو تبذير المال على غير مقتضى العقل والشرع لغلبة الهوى على السفيه، أو هو طيش واضح في تصرفات الإنسان التي تتسم تصرفاته بالشذوذ في نظر الناس نظرا لإسرافه.
* الغفلة: هي السذاجة التي لا يعرف صاحبها ما يضره وما ينفعه، وتؤدي به إلى أن يغبن في المعاملات غبنا فاحشا أو تتعرض أمواله للضياع، أو هي عدم الدراية بالأمور التي تجري في الحياة العملية. وحكم السفيه وذو الغفلة حكم تصرفات ناقصي الأهلية (م/43 مدني).
سؤال: هل يلزم لبطلان تصرفات المجنون أو المعتوه أن يصدر عليه قرار بالحجر ؟
الحجر هو منع التصرف القولي بسبب ضعف في تقدير المحجور عليه، فتكون تصرفاته القولية غير نافذة، ويكون محلا للحجر كل من بلغ سن الرشد وهو مجنون أو معتوه أو سفيه، أو طرأت عليه إحدى الحالات المذكورة بعد رشده( م 101 قا الأسرة)، ويصدر الحجر بحكم من القاضي بناء على طلب أحد الأقارب أو ممّن له مصلحة، أو من النيابة العامة، ويجب نشره لإعلام الغير به (م102، 106 قا الأسرة).
والحجر إنّما هو قرينة على انعدام الإرادة، فتعتبر بذلك تصرفات المحجور عليه بعد الحكم باطلة ولو كان الجنون متقطعا، وقبل الحكم إذا كانت أسباب الحجر ظاهرة وفاشية، ويقع عبء إثباتها على من يدعيها أمام القضاء ( م 107 قا الأسرة).
ج) موانع الأهلية: هي ظروف خارجة عن الشخص تحول بينه وبين أن يباشر تصرفاته القانونية رغم توافر الإرادة واكتمالها وسلامتها من أي عارض من العوارض السالف ذكرها. ويمكن تقسيم هذه الموانع إلى موانع جسمانية أو مادية أو قانونية.
ـ العاهات البدنية التي يصعب معها التعبير عن الإرادة: إذا اجتمعت في الشخص عاهتان فأكثر(الصم والبكم، أو العمي والبكم، أو العمي والبكم) وتعذر عليه بسببها التعبير عن إرادته، جاز للمحكمة أن تعين له مساعدا قضائيا يعاونه في التصرفات التي تقتضيها مصلحته،وكل تصرف يبرمه ذو العاهتين بدون حضور واشتراك المساعد القضائي بعد تسجيل قرار المساعدة يكون قابلا للإبطال لصالح العاجز دون المتعاقد معه،أي في حكم تصرفات ناقص الأهلية(م/80 مدني). وتكون المساعدة مقصورة على التصرفات التي تقرر المحكمة لزوم معاونته لذي العاهة في إبرامها، والتي تحددها المحكمة في قرار تعيين المساعد القضائي.
وينبغي التنبيه إلى أنّ المساعد القضائي لا يعتبر نائبا عن الشخص العاجز وإنّما هو مترجم له فقط، فهو لا ينفرد بالتصرف نيابة عنه، ولكن يشترك معه في إجرائه، لذلك قلنا أنّه من موانع الأهلية لا الإرادة.
ـ الغياب: يترتب عن غياب الشخص تعطيل مصالحه، لذلك تعين المحكمة وكيلا(نائبا) عنه، أو تثبّت وكيله العام إن كان قد ترك وكيلا عاما عنه، فالشخص الغائب هو شخص كامل الأهلية ولكن الضرورة قضت لظروف مادية هي غيابه أن يقوم وكيل عنه بإدارة شؤونه حتى لا تتعطل مصالحه ومصالح الناس المرتبطة به.
ـ المحكوم عليه بعقوبة جناية: المتهم المحكوم عليه بعقوبة جناية محجور عليه قانونا كعقوبة تبعية، وتكون تصرفاته باطلة بطلانا مطلقا طيلة مدة تنفيذه العقوبة الأصلية، وهذا بالرغم من كونه كامل الأهلية، ويتولى قيِّم إدارة أمواله ومباشرة حقوقه المالية في أثناء وجوده في السجن، وسلطة هذا القيِّم تنحصر في أعمال الإدارة دون أعمال التصرف. ولا يمسّ الحجر الحقوق اللصيقة بشخصية المحكوم عليه بجناية كحقه في الطلاق وإقراره التبني.
د) احكام الولاية والوصاية والقوامة:
ـ الــولي: الولاية على مال الصغير في القانون الجزائري تكون للأب ومن بعد وفاته تحل محله الأم. والملاحظ أن الفقه الإسلامي لا يجعل الولاية الشرعية للام على مال ولدها القاصر، ولكن يجعل لها ولاية مستمدة من الغيرن فتكون وصية مختارة أو معينة، وولاية الأم القانونية في القانون الجزائري لا تكون إلاّ بعد وفاة الأب، أمّا في حالة حياة الأب وإذا أصابه ما ينهي ولايته فلا تكون للأم ولاية قانونية على اولادها القصر، ولكن يجوز للقاضي أن يعيِّنها مقدمة عملا بالمادة 99 من قانون الأسرة.
ويكون للولي أن يتصرف في أموال القاصر تصرف الرجل الحريص، وعليه أن يستاذن القاضي في بعض التصرفات حرصا على مصلحة القاصر، وهذه التصرفات هي بيع العقار ورهنه وقسمته وإجراء المصالحة، وبيع المنقولات ذات الأهمية الخاصة.
وتنتهي الولاية بعجز الولي عن أداء الولاية، وبموته، وبالحجر عليه، وباسقاط الولاية عنه.
ـ الــوصي: هو كل من يمنح الولاية على مال الصغير غير وليِّه الشرعي، ويسمى بالوصي المختار، لأنه قد يختاره الأب أو الجد إذا لم تكن للقاصر أم تتولى أموره، أو ثبت عدم أهليتها لذلك بالطرق القانونية. وإذا تعدد الأوصياء فللقاضي أن يختار الأصلح منهم(م 92 قا الأسرة). وللوصي نفس سلطات الولي. وتنتهي الوصاية بموت القاصر أو بلوغه سن الرشد مالم يصدر حكم قضاي بالحجر عليه، وإمّا بموت الوصي أو زوال أهليته أو باستقالته عن الإستمرار في الوصاية، أو بعزله.(م 96 قا الأسرة).
ـ المقـدم( القيِّم): هو الوصي المعيّن من القاضي في حالة عدم وجود ولي أو وصي، كما قد يعيِّن القاضي مقدما في حالة أن يكون فقد الأهلية أو نقصانها راجعا لجنون أو عته أو سفه, وللمقدم نفس سلطات الوصي ويخضع لنفس أحكامه.
ثانيا: الحـــالة: وهي عنصر يسمح بالتعرف على المركز الحقيقي الشرعي للشخص الطبيعي بالنسبة للدولة التي ينتمي إليها، والديانة التي يتدين بها، والأسرة التي ينتسب إليها. ولا تنحصر حالة الشخص في هذه الأوصاف الثلاثة، فهناك أوصاف أخرى تدخل في تكوين حالة الشخص أو مركزه القانوني ولكنّها تدرس ضمن أحكام الأهلية، ككون الشخص ذكرا أو أنثى، قاصرا أو رشيدا، عاقلا أو مجنون..
أ) الجنسية: انتماء الشخص لدولة معينة يسمى بالجنسيةla nationalite وهي الرابطة القانونية بين الشخص ودولة معينة، وتثبت علاقة الجنسية للإنسان بحكم القانون ولو رغما عنه. وهي نوعان أصلية ومكتسبة أو طارئة.
ـ الجنسية الأصلية: هي التي تثبت للشخص بالميلاد، أي بمجرد ولادته. وهناك قاعدتان أساسيتان لاكتساب الجنسية الأصلية هما: قاعدة الدم، أي أن يكتسب الشخص جنسية الدولة التي ينتمي إليها أبوه، وبعض الدول تعتد بجنسية الأم، وبعضها يعتد بجنسية الأبوين معا. وقاعدة الأرض أو الإقليم أي أن يأخذ الشخص جنسية الاقليم (يابس،بحر،جو) الذي ولد عليه، ولو ولد لأب أجنبي. وتأخذ الدول بهاتين القاعدتين أو بهما معا مع تفاوت في نطاق الأخذ بكل منهما.
وقد أخذ القانون الجزائري أساسا بقاعدة الدم، إذ تنص المادة 6 من قانون الجنسية الجزائري بأنّه: "يعتبر جزائريا الولد المولود من أب جزائري أو من أم جزائرية وأب مجهول أو عديم الجنسية". ويأخذ بصفة إحتياطية بقاعدة الإقليم، فيعتبر من الجنسية الجزائرية بالولادة في الجزائر الولد الذي يولد في حالتين:"-إذا كان مجهول الأبوين- وإذا كانت أمه جزائرية وأبوه أجنبيا مولود في الجزائر بشرط عدم رفضه للجنسية الجزائرية".
ـ الجنسية المكتسبة(الطارئة): هي التي تثبت للشخص في تاريخ لاحق بعد ولادته، وتثبت عادة نتيجة التجنس وفق شروط معينة نصّ عليها قانون الجنسية، أو نتيجة للزواج. وقد بيّن قانون الجنسية الجزائري في المادة 10 شروط اكتساب الجنسية الجزائرية، كما أجاز أيضا سحبها منه في حالات معينة كعقوبة له.
والأصل أن يكون لكل شخص جنسية واحدة، وإنّما استثناء قد يكون للشخص جنسيتان فأكثر، كما في حالة ميلاد شخص لأب أجنبي في دولة تأخذ بقاعدة الأرض أساسا لكسب جنسيتها، وكذلك في حالة التجنس وعدم اسقاط الجنسية الأصلية، وهذه حالة ازدواج الجنسية أو تعددها.
وفي المقابل قد لا تكون للشخص أية جنسية، وذلك في حالة إسقاط جنسيته الأصلية عنه، وعدم اكتسابه جنسية أخرى، ويسمى هذا الشخص بعديم الجنسية، كما قد يفقد جنسيته بسبب عيب في قوانين الجنسية.
* أهمية (آثار) الجنسية: يترتب على تمتع الشخص بجنسية دولة معينة آثارا قانونية وسياسية عديدة، أهمها:
- حق ممارسة الحقوق السياسية، كحق الترشح والإنتخاب، وتولي الوظائف العامة، بل قد يضيق في نطاق تمتع الأجانب بالحقوق المدنية دون الوطنيين، كحق تملك العقارات، والإشتغال بإحدى المهن الحرّة كالطب والمحاماة.
ـ تحديد القانون الواجب التطبيق على العلاقات القانونية ذات العنصر الأجنبي وفقا لقواعد الإسناد عند تنازع القوانين.
ثالثاـ الــدين: يكون للدين في الدول الإسلامية أثر في المركز القانوني للشخص، وخاصة في نطاق مسائل الأحوال الشخصية كالزواج والطلاق وما يتفرع عنهما، والتي تتأثر عادة باعتقاد الشخص، بحيث يجوز للمسلم الزواج بغير المسلمة من الكتابيات، ولا يجوز زواج المسلمة بغير المسلم، كما أنّ اختلاف الدين مانع من موانع الميراث، فلا توارث بين المسلم وغير المسلم إلى غير ذلك من الأحكام.
رابعاـ الأسـرة: وتسمى أيضا بالحالة المدنية أو العائلية، وهي الصفة التي تحدد مركز الشخص باعتباره عضوا في أسرة معينة. إذ أنّ اختلاف مركز الشخص في الأسرة يترتب عليه الاختلاف في الحقوق والالتزامات التي تقع على كاهله، وهذه الحقوق اتفق على تسميتها بحقوق الأسرة، وصلة الشخص بأفراد أسرته تسمى بالقرابة، وهي تنشأ إمّا عن الدم أو النسب، وإمّا عن الزواج.
* قرابة النسب أو الدم: هي التي تجمع بين كل من يجمعهم أصل مشترك، سواء كان ذكرا أو أنثى. وهي نوعان:
* قرابة مباشرة: هي التي تقوم بين الأصول والفروع في عمود النسب وإن علا الأصل، فالأب أصل الإبن والجد أصل الأب والإبن فرع أبيه (م33/1 مدني). وعند حساب درجة القرابة المباشرة لا يحسب الأصل وكل فرع يعتبر درجة(م34 مدني)، فالإبن بالنسبة لأبيه في الدرجة الأولى، والحفيد بالنسبة لجده في الدرجة الثانية.
ـ قرابة غير مباشرة( قرابة الحواشي): هي قرابة الأشخاص الذين يتفرعون عن أصل واحد مشترك دون أن يكون أحدهم أصلا أو فرعا للآخر(م33/2)، كالقرابة بين الإخوة وأبناء الأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وأبناء الإخوة والأخوات. وعند حساب درجة الحواشي لا يحسب الأصل المشترك ويحسب كل فرع درجة(م34 مدني)، فالأخ في الدرجة الثانية بالنسبة لأخيه، وفي الدرجة الثالثة بالنسبة لعمه، وفي الدرجة الرابعة بالنسبة لابن عمه.
ـ قرابة المصاهرة: هي القرابة الناشئة من الزواج، وهي الصلّة التي تربط بين أحد الزوجين وأقارب الزوج الآخر، ويعتبر أقارب أحد الزوجين أقارب في نفس القرابة والدرجة بالنسبة للزوج الآخر (م35 مدني)، ويترتب على ذلك أن يعتبر أب الزوج قريبا للزوجة قرابة مباشرة في الدرجة الأولى عن طريق المصاهرة، وأخو الزوج يصبح قريبا للزوجة قرابة مباشرة في الدرجة الثانية عن طريق المصاهرة.
تنبيه: قرابة المصاهرة لا تقوم إلاّ بين الزوج نفسه وأسرة الزوج الآخر، فلا تقوم بين أفراد أسرة أحد الزوجين وأفراد أسرة الزوج الآخر.
* أهمية (آثار القرابة): يترتب على القرابة بنوعيها والمصاهرة آثار قانونية عديدة تختلف باختلاف مركز الشخص في أسرته، أهمها:
ـ يترتب على النسب حق الشخص في أن يحمل لقب عائلته.
ـ النفقة على الأصول والفروع.
ـ حضانة الصغير وأحكام الميراث والوصية والولاية على النفس والمال.
ـ ثبوت حقوق الزوجية.
ـ بيان المحارم في الزواج.
ـ استثناء من أحكام الرجوع في الهبة يجوز للأبوين الرجوع في الهبة لولدهما إلاّ إذا كانت الهبة من أجل زواجه أو لضمان قرض أو قضاء دين..
ـ قرر قانون الإجراءات المدنية جواز رد القاضي إذا وجدت قرابة أو مصاهرة بينه أو بين زوجه وبين أحد الخصوم أو أحد المحامين أو وكلاء الخصوم حتى الدرجة الرابعة، كما اوجب القانون على القاضي الذي يعلم بقيام سبب من أسباب الرد( كالقاربة مثلا) أن يعرض أمر تنحيه على المجلس القضائي للنظر.
خامسا: الإســـم: هو العلامة المميزة للتعرف على الإنسان.وهو أنواع، ولكل نوع طبيعته.
1ـ الإسم المدني(الإسم الحقيقي): لكل شخص طبيعي اسم ولقب، والإسم هو ما يتعين به الإنسان تعيينا خاصا، واللقب هو اسم الأسرة، ولقب الشخص يلحق أبناءه بحكم القانون. وقد أوجب القانون الجزائري أن تكون الأسماء جزائرية، إلاّ إذا كان الأبوان غير مسلمين فيجوز لهما أن يختارا إسما لمولودهما يتماشى مع عقيدتهما (م28/2).
ويعد الإسم حقا من حقوق الشخصية، فلا يجوز للشخص التصرف فيه، ولا يسقط بعدم الإستعمال، ولا يكتسب بالتقادم مهما طالت مدة انتحال واستعمال الغير له.
وقد يتعرض الإسم للإنتحال، وهو أن يتسمى شخص باسم شخص آخر معيّن دون أن يكون له هذا الإسم في الأصل، أو يكون محل منازعة، وهي أن يدعي شخص انتفاء حق شخص آخر في أن يتسمّى باسم معيّن، وقد قرر القانون لحمايته فأجاز في المادة 48 مدني "لكل من نازعه الغير في استعمال اسمه دون مبرر، ومن انتحل الغير اسمه أن يطلب وقف هذا الإعتداء والتعويض عمّا يكون قد لحقه من ضرر". بل ويعتبر انتحال اسم الغير في محررات رسمية جريمة يعاقب عليها.
2ـ إسم الشهرة: هو ما يطلقه الجمهور على شخص مشتهر به بين الناس، ويختلف بداهة عن اسمه الحقيقي، ولصاحبه أن يمنع الإعتداء عليه بالمنازعة أو الإنتحال.
3ـ الإسم المستعار: هو ما يطلقه الإنسان على نفسه رغبة في إخفاء شخصيته الحقيقية، أو لكسب الشهرة كما يفعل بعض الفنانين والكتاب، ويسمّى حينئذ بالإسم الفني.
تنبيه: إسم الشهرة والإسم المستعار مقصور على صاحبه، فلا يلحق بفروعه.
4ـ الإسم التجاري: هو الذي يستخدمه التاجر ليمارس تحته التجارة، ويعتبر من عناصر المحل التجاري ويكون مميزا له عن غيره من المحلات، وهو ذو قيمة مالية يمكن التصرف فيه تبعا للمحل التجاري، فيباع ويشترى كونه من المنقولات المعنوية على عكس الاسم المدني. وقد يتخذ التاجر من إسمه المدني إسما تجاريا، فيبقى محتفظا بحقه على اسمه المدني كإحدى الحقوق الملازمة للشخصية وهو غير قابل للتعامل فيه، والذي يبقى مستقلا عن حقه في اسمه التجاري الذي يجوز التعامل فيه، فلكل منهما طبيعته والآثار المترتبة على التمتع بهما.
سادسا: المــوطن:
أ- تعريفه: هو المكان الذي يقيم فيه الشخص إقامة مستقرة ويعتبر أنه موجود فيه دائما حتى لو تغيّب عنه بصفة مؤقتة، وتكون له به صلة تسمح باعتباره موجودا به بصورة دائمة. ويحسن بنا أن نفرق بين الموطن وبين محل الإقامة وهو المكان الذي يقيم فيه الشخص ولو كان ذلك بصفة مؤقتة.
ب)الأساليب القانونية في تحديد الموطن:
1ـ التصوير المادي: يعتد بالمكان الذي يقيم فيه الشخص عادة، فهو يربط بين الموطن والإقامة المعتادة، ويتوصل إلى القول بنتيجتين مهتمين هما: إمكانية تعدد الموطن للشخص الواحد عندما يقيم إقامة عادية في أكثر من مكان واحد، وإمكانية انعدام الموطن عندما لا يكون للشخص إقامة عادية في أي مكان معين.
2ـ التصوير الاعتباري(الحكمي):الموطن القانوني للشخص هو المكان الذي يوجد فيه المركز الرئيسي لأعمال الشخص ومصالحه، ويعتبر الشخص موجودا فيه بصورة دائمة، حتى وإن لم يوجد فيه فعلا في بعض الأحيان.
3ـ التصوير الواقعي: موطن الشخص هو المكان الذي يقيم فيه على نحو معتاد، وقد أخذ به القانون المدني الجزائري في المادة 36 بنصها:"موطن كل جزائري هو المحل الذي يوجد فيه سكناه الرئيسي، وعند عدم وجود سكنى يقوم محل الإقامة العادي مقام الموطن". وأخذ أيضا بالتصوير الحكمي أو الاعتباري حين قضى في المادة 37 بأنّه "يعتبر المكان الذي يباشر فيه الشخص تجارة أو حرفة موطنا خاصا بالنسبة إلى المعاملات المتعلقة بهذه التجارة أو الحرفة".
ج- أنواع الموطن:
القاعدة العامة: أن لكل شخص الحرية في اختيار المكان الذي يقيم فيه إقامته المعتادة، ومن ثمّ موطنه ويسمى بالموطن الاختياري. والاستثناء: قد يتدخل القانون في حالات معينة لتحديد موطن قانوني إلزامي للفرد.
ـ الموطن الإلزامي (القانوني): قد يتدخل القانون في حالات معينة في تحديد موطن إلزامي قانوني لبعض الأشخاص، دون أن يكون لإرادتهم أي دخل في ذلك (وهم القاصر والمحجور عليه والمفقود والغائب). وقد جعل القانون موطنهم هو موطن من ينوب عنهم قانونا (م 38/1 مدني)
ـ الموطن الاعتباري: أخذ القانون بالنسبة للقاصر والمحجوز عليه والمفقود والغائب بفكرة الموطن الاعتباري، واستثناء من أحكام الموطن القانوني الذي حدّده القانون لبعض الأشخاص أضاف القانون: "ومع ذلك يكون للقاصر موطن خاص بالنسبة إلى التصرفات التي يعتبره القانون أهلا لأدائها "، ( م 38/2ق مدني ).
ـ الموطن التجاري أو المهني: ويتحدد بالمكان الذي يباشر فيه الشخص تجارته أو صناعته أوحرفته أو مهنته، كالطبيب، والمحامي، والتاجر، ولا يعتد بهذا الموطن الخاص إلاّ بالنسبة لشؤون التجارة أو الحرفة أو المهنة، أمّا بالنسبة لشؤون الشخص الأخرى ، فالعبرة بموطنه العام الذي يتحدد بمحل إقامته المعتادة (م 37 مدني)
ـ الموطن المختار: هو ما يختاره الشخص موطنا له بالنسبة لعمل معين (غالباً ما يكون ذلك مكتب المحامي بالنسبة لدعوى معينة أو المنازعات المتعلقة بعقد معين). ويترتب على اختيار الموطن إمكان إقامة الدعوى على المدعى عليه أمام محاكم موطنه المختار وإرسال التبليغات إليه في هذا الموطن، بالإضافة إلى موطنه الأصلي. ولمّا كان الموطن المختار استثناء من الأصل العام الذي يجعل موطن الشخص هو محل إقامته المعتادة، لذا يجب إثبات إختيار الموطن كتابة (م 39 مدني).
د) الأهمية القانونية للموطن: تبدو فيما يأتي:
1ـ بيان المحكمة المختصة بنظر النزاع في الأموال المنقولة، فالمحكمة التي يقيم في دائرتها المدّعى عليه هي المختصة بنظر النزاع، طبق لقاعدة أنّ "الدائن يسعى نحو المدين".
2ـ يفيد في بيان العنوان الذي توجه إلى الشخص الإستدعاءات والمذكرات والإنذارات ونحوها.
3ـ يفيد في بيان مكان الوفاء بالديون وقت الوفاء طبقا لقاعدة "الدين مطلوب وليس محمول".
4ـ يوضح المكان الذي تصفى فيه التركات.
سابعا: الذمة المالية:
أ- تعريفها: هي مجموع الحقوق والإلتزامات المالية الحاضرة والمستقبلة التي تعود للشخص. ولفظ الذمة مأخوذ من الشريعة الإسلامية، ونعني بهذا اللفظ أهلية الوجوب، ولذلك لابد من قرن لفظ الذمة بوصف المالية لتحديد معناها في القانون المدني.
وتحتوي الذمة المالية على الحقوق والالتزامات المتعلقة بالشخص والتي تكون لها قيمة مالية فقط، دون تلك التي ليس لها قيمة مالية كالحقوق العامة وحقوق الأسرة، وهي من هذا المنطلق تتألف من عنصرين: عنصر ايجابي (الحقوق العينية والشخصية التي للشخص) وعنصر سلبي (الإلتزامات المالية)، وإذا طغى الجانب السلبي للذمة على جانبها الإيجابي كان الشخص معسرا أو مفلسا (مدين)، وإذا رجح الجانب الإيجابي للذمة على جانبها السلبي كان الشخص موسرا (دائن)
ب-طبيعتها: لا تقتصر الذمة المالية على الحقوق المالية في وقت معين، بل تتضمن تلك الحقوق والالتزامات التي يمكن أن تنشأ في المستقبل، فهي وعاء افرتاضي زود به القانون كل شخص لتلقي الحقوق والإلتزامات التي تترتب له وعليه في الحال وفي الإستقبال، وهي فكرة قانونية يقصد بها ضمان الوفاء بديون الشخص.
جـ- أهميتها: تتمثل أهمية الذمة المالية في توفير الضمان العام للدائنين، فلم يعد المدين يلزم جسمانيا بالوفاء بديونه كما كان الامر في الماضي حينما كان يودع في الحبس حتى الوفاء بما عليه من ديون، فقد ألغي الإكراه البدني في المسائل المدنية ولم يعد جائزا إلاّ في المسائل الجنائية، وأصبح ضمان الوفاء ينصب على ذمة المدين المالية، أي على الجانب الإيجابي منها الحاضر والمستقبل، وفي ذلك تقضي المادة 188 مدني أنّ: "أموال الدين جميعها ضامنة لوفاء ديونه. وفي حالة عدم وجود حق أفضلية مكتسب طبقا للقانون، فإنّ جميع الدائنين متساوون اتجاه هذا الضمان"، فهناك ضمان عام أو مشترك: وهو أنّ حق الدائن ليس متعلقا بعين معينة أو بمال معيّن وإنّما مرتبط بمجموع الذمة المالية في الحاضر والمستقبل، وهذا الضمان يشترك فيه جميع الدائنين كل بحسب دَينه، وهناك ضمان خاص: وهو أن يتعلق حق الدائن بعين معينة أو بمال معيّن، بترتيب حق عيني تبعي كالرهن أو حق امتياز، ويسمى صاحبه دائنا ممتازا يشترك مع الدائنين العاديين في الضمان العام وفإن لم يكف فله ضمانه الخاص.
د- خصائص الذمة المالية: نتيجة لارتباط الذمة المالية بالشخصي القانونية، تترتب على ذلك آثار أهمها:
1ـ لكل شخص ذمة مالية، فالصبي الصغير ذمة لو لم يكسب بعد أي حق ولم يتحمل بأي التزام، وتظل ملازمة له ما بقيت شخصيته القانونية، فهي المظهر المالي للشخصية.
2ـ لا ذمة مالية بغير شخصية قانونية، فلا توجد إلاّ تبعا لوجودها وتزول بزوالها كأصل عام.
3ـ ليس للشخص إلاّ ذمة مالية واحدة، فلا تتعدد.
4ـ لا يجوز للشخص أ يتصرف في ذمته المالية ككل، وإن كان له أن يتصرف في عناصرها مستقلة دون أن يؤثر ذلك في مجموعها، أي في كيان الذمة المالية، لأنّ الحقوق يحل بعضها محل بعض.
هـ- إنقضاؤها: تنقضي الذمة المالية حقيقة بوفاة صاحبها، فبموته تحسب جميع أمواله وديونه فتخصص أمواله للوفاء بالديون ثمذ ينفذ الجزء الموصى به في حدود الثلث على الموصى لهم من الباقي بعد سداد الديون، وأخيرا يوزع الباقي من تركته على الورثة كل حسب حصته وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، فلا ينتقل إلى الوارث والموصى له إلاّ ما تبقى من العنصر الإيجابي من ذمة المورث، طبقا لقاعدة "لا تركة إلاّ بعد سداد الديون"، وتفيد هذه القاعدة في حفظ حقوق الدائنين، والتي لا تتأثر بوفاة المدين، فالذمة باقية حكما لا حقيقة حيث لا تنتقل الحقوق إلى الورثة إلاّ بعد سداد الديون.
الفصل الثالث: مصـادر الحــق
يقصد بمصدر الحق السبب الذي يؤدي إلى إنشائه، والحقيقة إذا تأملنا في مصادر الحق نجد أنّ القانون هو مصدرها جميعا، ولا وجود لحق إلاّ بأمر القانون، فهو المصدر العام لها، أو المصدر غير المباشر، والذي يقرر الأسباب المنشئة لها, أما الأسباب المباشرة أو القريبة فتنقسم إلى وقائع قانونية أو مصادر غير إرادية،وتصرفات قانونية أو مصادر إرادية.
المبحث الأول: الوقـائع القـانونية
الوقائع القانونية هي كل حدث يرتب القانون عن وجوده أثرا معينا, وقد تكون هذه الوقائع من عمل الطبيعة أو من عمل الإنسان (الأعمال المادية).
أولاً ـ الوقائع الطبيعية : وهي حوادث تطرأ بفعل الطبيعة دون أن تكون لإرادة الإنسان دخل فيها, فتكون سببا في اكتساب الحق الذي ينشأ مباشرة بوقوع حادث من الأحداث الطبيعية كالميلاد والوفاة، ومرور الزمن..فالميلاد: يترتب على قيامه نشوء حقوق قانونية للمولود, كحقه في الحياة وسلامة جسمه، والحق في الاسم العائلي، ثبوت النسب، وأهلية الوجوب. ويترتب على الوفــاة نشوء حقوق لورثة المتوفى. ويترتب على مرور الزمن أن يكسب الأفراد حق التملك بالتقادم.
ثانياً ـ الوقائع المادية: هي أعمال مادية يقوم بها الإنسان يرتب عليه القانون أثرا، سواء أراد الإنسان هذه النتيجة أو لم يردها، إذ لا اعتبار لإرادته في هذا المجال. وتنقسم الأعمال المادية إلى أفعال ضارة وأفعال نافعة.
أ- الأفعال الضارة: هو ذلك العمل الإيجابي أو السلبي الذي يقوم به شخص عن قصد أو بإهمال منه، فيصيب شخصا آخر بضرر، فينشأ للمضرور حق المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقه من جراء خطأ مرتكب الفعل الضار، وسواء كان ذلك الضرر المترتب على تلك الواقعة ماديا أو عضويا أو نفسيا أو معنويا، ينشأ إلتزام المسؤول بالتعويض، ويسمّى هذا في القانون بالمسؤولية التقصيرية(المسؤولية عن الأفعال الشخصية). و هذا ما نصت عليه المادة 124 مدني جزائري التي نصت على أنه: (كل فعل أيا كان يرتكبه الشخص بخطئه ويسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه التعويض) فالفعل الضار إذن هو كل فعل يقوم به الإنسان ويترتب عليه أضرار للآخرين فيترتب عليه تعويض المصابين بالضرر, وقد تكون مصدر حق بالنسبة لهؤلاء. ويشترط فيه :
ـ أن يكون هناك خطأ ( الإخلال بالالتزام القانوني).
ـ أن يكون هناك ضررا (إلحاق الضرر بالغير)
ـ أن يكون هناك علاقة سببية بين الضرر والخطأ , أي أن تكون هناك علاقة مباشرة بين الخطأ الذي ارتكبه المسؤول , والضرر الذي أصاب المضرور أيا كان نوعه ومقداره.
ب- الفعل النافع: وهو فعل يصدر من شخص قد يؤدي إلى إثراء ذمة الغير, ويرتب عليه القانون آثار, أو هو واقعة قانونية مؤداها أن يثري شخص على حساب شخص آخر دون سبب قانوني، أو أن يفتقر شخص لمصلحة شخص آخر دون مبرر مشروع. وهذا الفعل الذي يؤدي إثراء ذمة الغير له صور:
1ـ الإثراء بلا سبب: تنص المادة 141 مدني بأنّ (كل من نال بحسن نية عن عمل الغير أو بشيء له منفعة ليس لها ما يبررها يلزم بتعويض من وقع الإثراء على حسابه بقدر ما استفاد من العمل أو الشيء).
2ـ الدفع غير المستحق: تنص م143 مدني بأنه: ( كل من تسلم على سبيل الوفاء ما ليس مستحقا له وجب عليه رده)، كمن يقوم بدفع الدين مرتين، فيسترد المبلغ المدفوع في المرة الثانية لأنه دفع غير مستحق.
3ـ الفضالة: وهو قيام شخص عن قصد بعمل لحساب شخص آخر دون أن يكون ملزما به بل متطوعا، كقيام شخص بإصلاح جدار جاره الذي آل إلى السقوط ... ويشترط في الفضولي أن يقوم بعمل عاجل لحساب الغير. وقد نظم القانون المدني الجزائري أحكام الفضالة في المواد من 150 إلى 159.
المبحث الثاني: التصرف القانوني
التصرف القانوني كمصدر للحق هو تعبير عن الإرادة االمتجهة إلى إحداث أثر قانوني معين, وحتى يعتد القانون بهذا التصرف يجب أن يصدر عن إرادة سليمة خالية من أي عيب.
وجوهر التفرقة بين الوقائع القانونية والتصرف القانوني أنّ الوقائع القانونية قد تتوفر فيها النية لكن القانون يرتب الآثار ولا يعتد بالنية، في حين أنّ التصرف القانوني يعتمد على النية ويعتد بها القانون. وقد يكون التصرف القانوني عن طريق العقد، أو عن طريق الإرادة المنفردة.
أولا: العقود: ونوجز الكلام عن العقد بتعريف للعقد و بيان لأركانه. فالعقد هو توافق إرادتين توافقا تاما من أجل إنشاء حق أو نقله أو تعديله أو إنهائه.
ولكي يوجد العقد وينتج آثاره يجب أن تتوفر فيه أركان إذا تخلف أحدها كان التصرف باطلا بطلانا مطلقا. وتتمثل في الرضا، والمحل، والسبب، وكذا الشكل في بعض التصرفات.
1ـ الرضا(الإرادة): ويعبر عنه بالتراضي، حيث تلعب الإرادة دورا فعالا في وجود التصرف القانوني، لذا وجب أن يعبر المتعاقد عن إرادته ويظهر نيته في ترتيب الأثر القانوني المراد ويتم التعبير عن الإرادة صراحة بالكتابة أو باللفظ أو بالإشارة، وتكون الإرادة صادرة عن ذي أهلية وخالية من أي عيب يشوبها وهي: الغلط،التدليس،الإكراه، الاستغلال.
2ـ المحل: العملية القانونية المراد تحقيقها من طرفي العقد، ويشترط أن يكون محل التصرف ممكنا أي موجودا فعلا، ومعيَّنا إن كان حقا عينيا, وأن يكون كذلك مشروعا.
3ـ السبب: هو الباعث الدافع إلى التعاقد، فغاية المتعاقدين تتعدد، فالدافع لبيع قطعة أرضية مثلا قد يكون من أجل شراء سيارة، أو من أجل الزواج..فإذا انتفى السبب في تصرف ما وقع هذا التصرف باطلا بطلانا مطلقا، كأن يقوم شخص بدفع مبلغ من المال وفاء لدين لا وجود له، لقيامه على غير سبب. ولا يكفي توفر السبب بل يجب أن يكون مشروعا(م97 مدني)
4ـ الشكلية: هناك بعض التصرفات لا تكون صحيحة إلا إذا تمت في شكل معين فرضه المشرع, أي اشترط تحريرها بالشكل الذي أورده القانون، وذلك لحماية المتعاقدين، وتخلّف هذا الشكل يؤدي إلى بطلان التصرف القانوني بطلانا مطلقا (المادة 324 مكرر1 مدني). كتحرير العقود التي تتضمن نقل ملكية عقار أو عقود تسير محلات تجارية أو مؤسسات صناعية.
ومتى توفرت أركان العقد فلا يجوز نقض أو تعديل العقد إلا باتفاق الطرفين، حيث نصت المادة 106 مدني أن: (العقد شريعة المتعاقدين, فلا يجوز نقضه، ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين، أو للأسباب التي يقررها القانون).
ثانيا: الإرادة المنفردة: هو تصرف صادر عن إرادة واحدة كالوصية، والوقف، والوعد بجائزة..ويسري على التصرف بالإرادة المنفردة ما يسري على العقد من الأحكام باستثناء أحكام القبول (م123 مكرر مدني)، وقد يشترط القانون الشكلية في بعض التصرفات كالوصية.
الفصل الرابع: استعمال الحـق
الأصل أن لصاحب الحق كامل الحرية في أن يستعمل السلطة الممنوحة له بالشكل الذي يريده مادام أنه لم يجاوز الحدود التي رسمها له القانون. والاستثناء هو إذا تعسف الشخص في استعمال حقه - حتى لو كان ذلك دون تجاوز لحدود هذا الحق - يكون نوعا من الخطأ الذي يستوجب مساءلته. وقد تبنّى المقنن الجزائري نظرية التعسف في استعمال الحق في المادة 41 من القانون المدني الملغاة، والتي مع إلغائها فيبقى حكمها باقيا لأنها تقرر مبدا قانونيا وهو عدم التعسف في إستعمال الحق. ويكون استعمال الحق غير مشروع إذا انحرف به صاحبه عن الغرض منه أو عن وظيفته الاجتماعية، وذلك في حالة:
1ـ عدم مشروعية المصلحة: إذا قصد صاحب الحق من استعماله لحقه الوصول إلى هدف لا يقرّه القانون، وذلك كاطلاعه على زوجة جاره أو بناته، أو إلحاق الضرر به ماديا أو معنويا، أو قام رب العمل بفصل عاملة رفضت أن تجاريه لأغراضه غير المشروعة.
2ـ قصد الإضرار بالغير(معيار شخصي): كأن بنى مالك قطعة الأرض جدارا فيها قصد حجب النور عن جاره.
3ـ رجحان الضرر عن المصلحة(معيار موضوعي): ومعناه عدم التناسب بين مصلحة صاحب الحق وبين ما ينتج عنها من ضرر بالغير.
و تتمثل أهم تطبيقات التعسف في استعمال الحق في: الإرتفاع بالبناء بقصد حجب النور و الهواء عن الجار. رب العمل الذي يفصل العامل بغير سبب جاد.
وينبغي أن نشير إلى أنّ الضرر إذا كان مألوفا يكون مسموحا به كبكاء الأطفال أو صراخهم، أو نباح الكلاب، أو خروج الشخص مبكرا، أو رجوعه متأخرا، ، أمّا إن تجاوز الضرر الحد المألوف فإنّه يعتبر تعسفا كأن يقوم شخص ببناء مصنع كيماويات أو مدبغة جلود على أرضه فتنبعث ضجة أو رائحة تلحق ضررا غير مألوف بالجار.
ويأخذ القانون في الاعتبار في التعسف في استعمال الحق العرف وموقع العقارات وطبيعتها والغرض المعدّ له العقار ولا يحول الترخيص الصادر عن الجهات المختصة دون استعمال حق الجار بالمطالبة بإزالة الضرر.
أمّا الجزاء الذي يترتب على مضار الجوار، فيجوز للمحكمة الحكم بإزالة الضرر الذي لحق بالجار أو إلحاق ضرر غير مألوف فللقاضي سلطة تقديرية في كيفية إزالة الضرر: فقد يحكم مثلا بتعلية المدخنة أو يحكم بوضع عوازل للصوت،أو يحكم بعدم تشغيل المصنع في ساعات معينة، أو يحكم بإغلاق المنشأة