لوثة التشبيه عند المجسمة الغلاة والمعطلة النفاة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم العقيدة و التوحيد

قسم العقيدة و التوحيد تعرض فيه مواضيع الإيمان و التوحيد على منهج أهل السنة و الجماعة ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

لوثة التشبيه عند المجسمة الغلاة والمعطلة النفاة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2013-11-07, 15:28   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
أبو عمار
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B11 لوثة التشبيه عند المجسمة الغلاة والمعطلة النفاة

[ لوثة التشبيه عند المجسمة الغلاة والمعطلة النفاة]
الحمد لله تقدس وتنزه عن الأشكال والأمثال وتجلى سبحانه بما اتصف به من صفات الجلال ونعوت الجمال وأشهد أن لا إله إلا هو الملك المتعال خلق الخلق ودبر الأمر فعلم بادي كل شي وما يصير إليه المآل وأشهد أن محمدا ًعبده ورسوله صلى الله عليه وعلى أصحابه وأصفيائه والآل أما بعد:
إن التشبيه أو(التمثيل) هو أصل كل بلية من انحرف من الفرق و الطوائف في قضية: {أسماء الله وصفاته } .
*فالمشبهة المجسمة اعتقدوا في الله بمثل ما اعتقدوا في المخلوقين وذالكم بنسبة ما يرونه من كمال وجمال ـ نسبيين لائقين ـ لبعض الخلق فجعلوهما لله وأثبتوا له أوصافا وأشكالا لكنها أوصافا وأشكالا كما للمخلوقين فشبهوا الله بخلقه على ما ارتسم وتشكل في عقولهم ونحتته أذهانهم؛فجعلوا لله جسما ووجها وجوارحاً كما للمخلوقين حتى قال قائلهم: الله ينزل في ثلث الليل الأخير على هيئة شاب أمرد ؟!؛قال شيخ الإسلام ( وأما أهل التمثيل المشبهه فهم الذين شبهوا الله بخلقه ومثلوه بعباده وقد رد الله على الطائفتين بقوله :{ليس كمثله شيْ } فهذا يرد على المشبهة وقوله :{وهو السميع البصير } يرد على المعطلة ...) وأول من قال بالتجسيم والتشبيه :هشام بن الحكم الرافضي وقد زعم أن الله ـ تعالى عن ذلك ـ جسم له حد ونهاية وأنه طويل عريض ؛طوله مثل عرضه .
والمشبهه فرق كثيرة منهم : الجواليقية وهم أتباع هشام بن سالم الجواليقي الرافضي وذهب إلى أنه تعالى على صورة الآدمي ؛ومنهم الحواري وهم أتباع داود الحواري الذي وصف معبوده بجميع أعضاء الإنسان عدا الفرج واللحية !.
ومن المشبهه بعض غلاة الصوفية أهل الحلول والاتحاد؛ومنهم أيضا الكرامية الذين يزعمون أن لله جسم وغيرهم من الملل الأخرى كاليهود والنصارى والمجوس والهندوس.
أما المعطلة النفاة : فنفوا جميع الصفات وعطلوها مدلولاتها وأصل شبهتهم :هو التمثيل والتشبيه إذ أنهم لم يعرفوا من صفات الله إلا ما عرفوه من صفات أنفسهم فشبهوا أولا ثم عطلوا ثانيا وهم من شر الفرق لأنهم جمعوا بين التشبيه لله والتعطيل لصفاته فحال المشبهه المجسم والنافي المعطل كما قال شيخ الإسلام هو أنه : ( المجسم يعبد صنما والمعطل يعبد عد ما)
والمعطلة فرق كثيرة على رأسهم المعتزلة أتباع واصل بن عطاء الغزّال وهم فرق شتى يجمعهم القول بنفي الصفات وتبعهم على ذلك الكلابية والألمية والكرامية والشيعة والأشاعرة والخوارج من الآزارقة والإباضية وغيرهم من الملل الأخرى كالملاحدة والفراعنة .
والتشبيه قائم على ما انقدح في نفوسهم وأذهانهم من الأجسام ثم بنو على ذلك النفي والتعطيل للصفات؛فلم يعلموا من صفات الله وأسمائه إلا ما علموه من أنفسهم من الأسماء والصفات فجعلوها هي الأصل وقاسوا عليها صفات الباري ـ سبحانه ـ فشبهوا ثم عطلوا .
فالمجسمة الممثلة غالوا في الإثبات حتى شبهوا الله بمخلوقاته وجعلوه جسما بجوارح وأعضاء ؛والمعطلة غالوا في التنزيه فنفوا الصفات عن الله وجعلوه عدما ؛وأهل السنة وسط وعدل بين الطائفتين ؛فأثبتوا ما يليق بالله من صفاته جل وعلا ونزهوه عن مشابهة المخلوقات والناقصات والمعدومات وعمدتهم في ذلك :{ ليس كمثله شيء} تنزيه بلا تعطيل ؛{ وهو السميع البصير} إثبات بلا تمثيل
قال شيخ الإسلام : ( وكل واحد من فريقي التعطيل والتمثيل فهو جامع بين التعطيل والتمثيل ؛أما المجسمة فإنهم لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات فقد جمعوا بين التمثيل والتعطيل مثلوا أولا وعطلوا آخرا ؛وهذا تشبيه وتمثيل منهم للمفهوم من أسمائه وصفاته بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاتهم وتعطيل لما يستحقه هو سبحانه من الأسماء والصفات اللائقة بالله سبحانه وتعالى)."الفتوى الحموية الكبرى: 267/268)
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ :
فقلب المعطل متعلق بالعدم فهو أحقر الحقير ؛وقلب المشبه عابد للصنم الذي قد نحت بالتصوير والتقدير والموحد المثبت قلبه متعبد لمن { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
* وههنا أحوال :
* حال المعطل النافي : الذي لا يرى إلا رأس الديك ! فهو كمثل أعمى لم ير في حياته قط ؛ ثم رد الله عليه بصره لحظة فرأى أمامه ( رأس ديك ) ثم رجع أعمى كما كان من توه ؛فكانوا كلما حدثوه بأمر يقول لهم : أين هو من رأس الديك ؟ وإذا أخبروه عن أمر أو وصفوا له شيء قال لهم : أين هو من رأس الديك ؟ فهو لم ير ويعلم من هذه الحياة إلا رأس الديك فارتسم في قلبه وعقله وذهنه فجعل ذلك هو الأصل وقاس عليه جميع ما يسمعه أو يخبر به ؛وكذلك المعطلة لم يعلموا من صفات الله وأسمائه إلا ما يعلموه من أنفسهم من أسمائهم وصفاتهم فجعلوها هي الأصل وقاسوا عليها صفات الباري سبحانه فشبهوا أولا وهذه لوثة وعطلوا ثانيا وهذه لوثة
* حال المجسم المشبه : فهو كمثل رجل يتحدث في صفات الله؛ويصفه كوصف المخلوقين ، فانبرى له شيخ يعلم منهج أهل السنة حق المعرفة ويعرف كذلك من شبه القوم في التشبيه التي يعلم بها بطلان وفساد أصولهم ، فقال لهذا المشبه المجسم : بلغني أنك تصف الله فقال المشبه : نعم ؛ فقال له كيف الله ؟ قال له :كأحسن ما وجد من بني آدم !!
فقال له الشيخ وكيف ذاك ؟ قال المشبه : نظرت في المخلوقات فلم أجد أحسن خلقا ولا أقوم مثالا ولا أكمل أوصافا من ( الإنسان) ؛ فقلت : إذا كان هذا الإنسان ! فالله أكمل أوصافا منه فجعلت أوصافه صفة لله و وصفا له !
فقال الشيخ : قد بدا لي أن أسألك سؤالا وهو : أن تصف لي مخلوقا ؟ فإن عجزت عن وصف المخلوق فأنت في وصف الخالق أعجز
فقال المشبه : نعم .
فقال الشيخ : قد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال في وصف جبريل :{ أن له ستمائة جناح قد سد الأفق} ؛ فقال المشبه : نعم ! فقال له الشيخ : فصف لي أنت طائر من طيور الدنيا وركب له جناحا ثالثا وبين لي موضع ذلك الجناح من الطائر وكيف يطير ؟؟
فقال المشبه :حرت وعجزت !!
فقال له الشيخ :فإن كنت عجزت عن وصف مخلوق حاضر أمامك فأنت أعجز عن وصف مخلوق غائب لا تراه وهو جبريل عليه السلام ؛ وأنت أعجز أيضا عن وصف كيفية خالق الخلق كلهم وهو الله ـ جل في علاه ـ فبهت المشبه وخصم .
وهذا حال المشبه المجسم ؛فهو عاجز حائر ،وهذا العجز عن إدراك صفات الباري ـ حقيقة ـ هو الإدراك الذي يبلغه الإنسان عندما يبحث في كنه صفات الله ـ سبحانه وتعالى ـ
وقد قيل :
{ والعجز عن درك الإدراك إدراك * والبحث في كنه ذات الإله إشراك }
• حال الموحد المثبت : وجماع حاله مع الأسماء والصفات أمور ثلاثة :
الأول : تنزيه الله عن مشابهة شيء من خلقه في صفاتهم أو ذواتهم أو فعالهم وهذا الأصل عندهم مبني على قوله تعالى :{ هل تعلم له سميا} وقوله :{ ليس كمثله شيء} وقوله :{ ولم يكن له كفوا أحد} .
الثاني :عدم جحد شيء مما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله إيمانا مبنيا على أساس ذلك التنزيه على غرار :{ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}
الثالث :علمه أن العقول مخلوقة واقفة عند حدها لا تحيط علما بخالقها فهي عاجزة عن إدراك كيفية الاتصاف بالصفات قال تعالى :{ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما}
والمتكلمين ـ أهل البدع ـ نفوا كثيرا من صفات الله بالأدلة العقلية المفرغة في قوالب أقيسة منطقية قسموا بها الصفات قسمة سداسية فقالوا :منها صفات نفسية ؛ومعنى ؛ومعنوية ؛وفعل ؛وجامعة .
فحال الموحد إذا :
التنزيه ؛ثم إثبات ما أثبت لنفسه على أساس التنزيه ثم قطع الطمع عن إدراك الكيفية .
فهذه الأسس الثلاثة من مات عليها مات على دين محقق وعقيدة سلفية صحيحة ولا تأتيه بلية من واحدة من هذه الأصول الثلاثة ولا يأتيه من قبلها لوم ولا توبيخ ولا عذاب .
فلا يقول الله له : لم تنزهني عن مشابهة خلقي في صفاتهم وأفعالهم وذواتهم ؟ لا ؛وكلا ؛فهذه طريق سلامة محققة .
ولا يقول له :لم تصدقني فيما أثنيت به على نفسي وتصدق نبيي فيما أثنى علي به تصديقا مبنيا على أساس التنزيه ؟ لا وكلا ؛هذه طريق سلامة محققة .
ولا يقول له :لم لا تدعي أن عقلك محيط بي ؟ ومن تتبع شبهات القوم وبراهينهم التي يزعمون وجدها أوهى وأضعف وأسمج من أن تكون حجة أو دليل أو برهان !
فنقود المعطل كلها زيوف فلا تروج علينا ؛وبضاعة المشبه كاسدة فلا تنفق لدينا وتجارة الموحد المثبت ينادى عليها يوم العرض على رؤوس الأشهاد :{ هذه بضاعتنا ردت إلينا}
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
.................................................. .
كتب :أبو البراء أنور بن جبريل الهجاري ـ يوم الإثنين ـ13.رجب .1430
الموافق . 6/ 7 /2009 .ف








 


قديم 2013-11-07, 15:41   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
أبو عمار
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي



تبرئة شيخ الإسلام من دعوى التجسيم و التشبيه ؛ للشيخ فركوس - حفظه الله -


الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإنّ ابنَ تيميةَ -رحمه الله- كان سابقًا لزمانه، بحرًا في كُلِّ فنٍّ لا تكاد تُكدّره الدِّلاءُ، ارتقى في مدارج العلم والكمال حتى بلغ ذِرْوَةَ المجد العلميِّ والنبوغِ الفكري، فسما عن الجيل الذي يعيش بينه، فهذه المنـزلةُ التي حباه الله بها -وإن كان يُغبَط عليها- إلاّ أنها في الوقت نفسه ابتلاءٌ له وامتحان، قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «أَشَدُّ النَّاسِ بَلاَءً الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَل١، وفي مقابل هذه النعمة التي منحها الله له لاقى من خصومه ومخالفيه أنواعًا من الافتراءات وألوانًا من التُّهم دفع ثمنها باهضًا، وكما قيل: «وَلاَبُدَّ دُونَ الشَّهْدِ مِنْ إِبَرِ النَّحْلِ»٢.
وميزةُ ابنِ تيمةَ -رحمه الله- في تآليفه الكثيرة العامرة ومناظراته العلمية الدَّقيقة أن يستوثقَ من كلام المخالفين عند تعرُّضه لهم بالنقد والتفنيد والتقويم، فلا يُسنِد لهم أقوالاً يفترضها لهم تَقَوُّلاً ثمّ يجيب عنها ويناقشها بالردِّ والقَبول، كما هو صنيعُ كثيرٍ من خصومه الأقدمين والمُحْدَثين والمعاصرين، وإنما يُسْنِدُ لهم القولَ عن بيِّنةٍ بالمشافهة أو بنقل مستوثق من كتاب يعرفه، يخطِّئ الآراء الفاسدة الناشئة عن ضلال الأفكار وانحراف المعتقدات، ويدمغ الباطلَ بالبرهان والحجّة، والكتاب والسُّنَّة، فوقع كلامُه في نفوس المخالفين له موقعَ التسليم، ولعِظم الدهشة التي أصيبوا بها لم يطيقوا نقضَهُ إلاّ من جهة اختلاق أقوالٍ نسبوها إليه افتراءًَ وتزويرًا ولا حقيقة لها ولا محصِّل. قال ابنُ تيمية -رحمه الله-: «وَكَانَ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ زُوِّرَ عَلَيَّ كِتَابٌ إلَى الأَمِيرِ رُكْنِ الدِّينِ الجاشنكير أُسْتَاذِ دَارِ السُّلْطَانِ يَتَضَمَّنُ ذِكْرَ عَقِيدَةٍ مُحَرَّفَةٍ وَلَمْ أَعْلَمْ بِحَقِيقَتِهِ؛ لَكِنْ عَلِمْت أَنَّهُ مَكْذُوبٌ»(٣)، لذلك كان سبيلُ النقد الموجّه له ضعيفًا من جهة التوثُّق من أقواله، أو من جهة الجهل بمقصده ومرماه، أو عدم الإدراك لمغزاه، أو ترتبه كأثرٍ ناتجٍ عن تعصّب لآرائهم أو آراء كبرائهم.
ومن ضروب النقد التي شَنَّهَا عليه خصومُهُ لَمَّا أَلَّفَ ردَّه على الإخنائي، وحرّم فيه بناءً على النصوص الحديثية شدَّ الرحال لزيارة القبور، وهي من أشدّ المعارضات التي لَقِيَهَا ابنُ تيمية -رحمه الله- من خصومه، ولا تزال ساحتها حامية الوطيس بين أهل التوحيد وأهل القبور من الصوفية وأهل الطرق وغيرِهم، كما وُجّهت له انتقادات بسبب تأليفه للفتوى الحموية التي أبرز فيها معتقدَ أهل السُّنَّة وما يجب اعتقاده بالأخصِّ في مسائل الأسماء والصفات، وقد لاقى بسببها من خصومه معارضةً وتشنيعًا، وبالأخصّ الأشاعرة الذين كانوا يمثلون –آنذاك- الأغلبية من الناس، ومن صُوَر النقد -أيضًا- أنه نسب إليه التناقض في قوله ﺑ: «قدم جنس الكلام وحدوث آحاده»، وأنه القائل ﺑ: «حلول الحوادث بالذات» وغيرها من الانتقادات والمعارضات.
ولعلّ أقوى موجةِ نقدٍ نشهدها اليوم ما يُروِّجه بعضُ أساتذة الفلسفة والمنطق اليوناني ﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ﴾ [الأعراف: 202]، من نسبة تهمة التشبيه والتجسيم لابن تيمية -رحمه الله- في محاولات جريئة ومسطّرة، تتطابق وقولَ ابن العربي المالكي(٤): «والناس إذا لم يجدوا عيبًا لأحد، وغلبهم حسدهم وعداوتهم له أحدثوا له عيوبًا.. فيقذفوا في قلوب الناس ما لا يرضاه الله تعالى وليحتقروا السلف ويهونوا الدين»(٥)، والكيِّس إذا أنعم النظر يُدرك أنَّ النقد غيرُ موجّهٍ لشيخ الإسلام على الخصوص وإنما يستهدف المنهجَ السلفيَّ المتمسّك بدعوته بُغيةَ إفساد الناس عليه وإبعادهم عنه والانتقاص من علمائه ونسبة المآخذ لرواده.
ومما نسبوا إليه من القول -جريًا على ما ذكره ابن بطوطة(٦) في رحلته- أنه حضر يوم الجمعة، وهو يعظ الناس على المنبر الجامع إلى أن قال: «فذكر حديث النزول، فَنَزل على المنبر درجتين فقال: كَنُزولي هذا»(٧)، كما نسبوا إليه -كذبًا وافتراءً- القولَ: «بأنّ الله يَنْزل إلى السماء الدنيا إلى مرجة خضراء، وفي رجليه نعلان من ذهب»(٨)، وأنه قال -أيضًا-: «إنّ الله يجلس على العرش وقد خلى مكانًا يقعد فيه رسول الله»(٩).
هذا، وممّا يدل -يقينًا- على براءة ابن تيمية -رحمه الله- من هذه الفرية الشنيعة ما يلي:
• أولاً: إنّ قدومَ ابنِ بَطُّوطةَ إلى دمشقَ ووصوله إليها إنما كان يومَ الخميس التاسع من شهر رمضان سنة ست وعشرين وسبعمائة هجرية، وابن تيمية قد سجن في قلعة دمشقَ في السادس من شهر شعبان من ذلك العام، وبقي مسجونًا إلى أن توفَّاه الله تعالى، فأنى رآه ابنُ بطوطة وهو يعظ الناس.
• ثانيًا: ولأنّ المقرّر عند نفاة الصّفات على اختلاف طبقاتهم في النفي: من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة يدّعون أنّ إثبات الصفات أو بعضها يسمّى تشبيهًا، ذلك لأنّ دعواهم مبنية على أنّ ما في الشاهد إلاّ صفات المخلوقين لذلك يلتزمون النفي مستدلّين بأنه يستلزم من إثبات الصفات تشبيهًا للخالق بالمخلوق، وهذا ما يفسّر رميَهم لمثبتي الصفات من السلف وغيرهم بالتجسيم والتشبيه.
وهذا خطأ، إذ لا يصحّ الاعتماد في النفي والإثبات على لزوم التشبيه وعدمه؛ لأنّ اتفاق المسلمين في بعض الأسماءِ والصّفاتِ ليس هو التشبيهَ والتمثيلَ الذي نفته الأدلّة السمعية والعقلية، فما من شيئين إلاّ وبينهما قدرٌ مشترك وقدرٌ مميَّز، فنفيه عمومًا نفي للقدر المشترك وهو باطل، وإثباته بعمومه إثبات لتساويهمَا في القدر المميَّز وهو باطل، إذ لا يلزم من التشابه في بعض الوجوه التشابهَ من كلّ وجه –كما سيأتي.
• ثالثًا: لم يُعلم من حياة ابنِ تيمية العلمية أنه كان له منبر يرتقي عليه ويعظ الناس، وإنما كان له كرسي يجلس عليه ويجتمع الناس حوله.
• رابعًا: لم يرد في كتب ابن تيمية -رحمه الله- هذا الكلام لا نصًّا ولا ظاهرًا يدلُّ على هذا التشبيه المذموم شرعًا، وكتابه «شرح حديث النُّزُول»(١٠) متداولٌ بين الناس لم يظهر فيه أيُّ تصريحٍ بما اتهم به، ولا في أيِّ كتابٍ أو موضعٍ آخرَ.
• خامسًا: تصريحُ ابن تيمية في مواضع متعدّدة بنفي التمثيل عن الله ومشابهةِ أحدٍ من المخلوقين في شيء من صفاته وخصائصِه، ويظهر ذلك من نصوص كلامه اللاحقة ذمُّه للتشبيه ووصف أصحابه بالمبطلين، حيث يقول -رحمه الله-: «ليس في الخارج صفة لله يماثل بها صفةَ المخلوقِ، بل كلُّ ما يوصف به الرب تعالى فهو مخالفٌ بالحدّ والحقيقة لما يوصفُ به المخلوق أعظمُ مما يخالف المخلوقُ المخلوقَ، وإذا كان المخلوق مخالفًا بذاته وصفاته لبعض المخلوقاتِ في الحدّ والحقيقةِ، فمخالفة الخالق لكلّ مخلوقٍ في الحقيقة أعظمُ من مخالفة مخلوق فرض لأي مخلوق فرض، ولكنْ علمه ثبت له حقيقةُ العلم، ولقدرته حقيقةُ القدرة، ولكلامه حقيقةُ الكلام، كما ثبت لذاته حقيقةُ الذاتية، ولوجوده حقيقةُ الوجود، وهو أحقّ بأن تَثْبُتَ له صفات الكمال على الحقيقة من كل ما سواه»(١١). وقال -أيضًا-: «وصفات الله تعالى لا تماثل صفاتِ العباد، فإنّ الله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا صفاتِه، ولا أفعالِه»(١٢)، وقال عن المشبه: «ومَنْ جعل صفاتِ الخالق مثل صفات المخلوق فهو المشبِّه المُبطِل المذموم، وإن أراد بالتشبيه أن لا يُثْبِتَ لله شيئًا من الصِّفات فلا يقال له علم ولا قدرة ولا حياة؛ لأنّ العبد موصوف بهذه الصفات فَلَزِمَهُ أن لا يُقَال له حي عليم قدير؛ لأنَّ العبد يُسَمَّى بهذه الأسماء وكذلك في كلامه وسمعه وبصره ورؤيته وغير ذلك»(١٣)، وفي «بيان تلبيس الجهمية» يقول: «إنّ الله سبحانه مُنَزَّهٌ من أن يكون من جنسِ شيء من المخلوقات، لا أجسادَ الآدميين ولا أرواحَهم، ولا غيرَ ذلك من المخلوقات فإنَّه لو كان من جنس شيء من ذلك بحيث تكون حقيقتُه كحقيقتِه، لَلَزِم أن يجوز على كلٍّ منهما ما يجوز على الآخر، ويجب له ما يجبُ له، ويُمتنع عليه ما يُمتنع عليه، وهذا ممتنع لأنّه يستلزم أن يكون القديم الواجب الوجود بنفسه غير قديم واجب الوجود بنفسه، وأن يكون المخلوقُ الذي يُمتنع غناه يُمتنع افتقاره إلى الخالق، وأمثالُ ذلك من الأمور المتناقضة، والله تعالى نَزَّهَ نفسَه أن يكون له كفو أو مثل أو سمي أو ند»(١٤)، كما ذكر -رحمه الله- أنّ مماثلةَ الخالق لعباده لو صحّت للزِم من ذلك افتقار المخلوقِ لخالقه، وهو ممتنَع ضرورةً -كما سيأتي-.
سادسًا: إنّ لفظ التشبيه والتجسيم لا يجوز لأحد إطلاقهُما في حقّ الله لا نفيًا ولا إثباتًا؛ لأنهما لفظان لم يَرِدَا في الكتاب والسُّنَّة بالنفي ولا بالإثبات، فإذا أورد المنازِع لفظًا مجملاً يحتمل حقًّا وباطلاً، فالواجب التوقّف من غير إثباتِ اللَّفظ أو نفيه -ليس ذلك لخلوِّ النقيضين عن الحقّ، ولا لقصورٍ أو تقصيرٍ في بيان الحقّ، ولكنَّ اللفظ مجملٌ، والعبارةَ موهمة مشتملة على الحقّ والباطل، ففي إثباتها إثباتُ الحقّ والباطل، وفي نفيها نفي للحقّ والباطل، فالواجب الامتناع عن كلا الإطلاقين، ثمّ الاستفسار عن مراد صاحبها بها فإن أراد بها حقًّا قُبِل، وإن أراد بها باطلاً ردّ، ولذلك ورد من قواعد أهل السُّنَّة في الردّ على المخالفين ودحض شبهاتهم قاعدة: «التَوَقُّفُ عِنْدَ الإِيهَامِ، والاِسْتِفْصَالُ عِنْدَ الإجْمَالِ»، وابنُ تيمية -رحمه الله- يأبى أن يُعَبِّرَ عن هذا المعنى الحقِّ به، وذلك لمخالفته للنصوصِ الشرعيةِ في عدمِ استعمالها في هذا المعنى، لأنّ من لوازمِ نفْيِه عَلَى إطْلاقِهِ نفيَ المعنى الحقّ، حيث إنّ إطلاق اللفظ المشترك من غير تعيين لأحدِ معانيه إطلاق لكلِّ مُسمَّاه، فإذا سُلّط عليه النفي كان ذلك مسلطًا عليهما(١٥)، لذلك كانت متابعة الكتاب والسُّنَّة في اللّفظ والمعنى أكملَ وأتمّ من متابعتهما في المعنى دونَ اللّفظ، ومن قبيل لفظ التشبيه والتجسيم إطلاق لفظ الجهة لله تعالى، فإن لفظَ الجهة لم يَرِدْ في الكتاب ولا في السُّنَّة لا إثباتًا ولا نفيًا، وهو لفظٌ مجملٌ محتملٌ، يُغني عنه ما ثبت في الكتاب والسُّنَّة من أنّ الله تعالى في السماء، ووجهُ احتمال الجهة أن تكون جهةَ سفلٍ أو علوٍ تحيط بالله تعالى أو جهة علو لا تحيط به، فإنْ أُريدَ به جهةَ سفل فباطلٌ لمنافاته لعلوِّ الله عزّ وجل الثابتِ بالكتاب والسُّنَّة والإجماع والعقلِ والفِطرةِ، وإن أريد به جهة علوٍّ تحيط بالله تعالى فباطلٌ أيضًا؛ لأنّ الله تعالى أجلُّ وأعظم من أن يحيط به شيءٌ من مخلوقاتِه، وإن أريد به جهة علوٍ لا تحيط به فحقّ يجب إثباته وقبولُه؛ لأنّ الله تعالى هو العليُّ الأعلى ولا يحيط به شيء من مخلوقاته(١٦)، فلذلك كانت مثلُ هذه الألفاظ التي لم تَرِدْ لا في الكتاب ولا في السُّنَّة تحتمل معانيَ صحيحةً وأخرى فاسدة، فإذا عُرِف مراد صاحبها وكان موافقًا للمعنى الصحيح قُبِلَ مرادُه، ومُنِعَ من التكلُّم باللفظ المجمل، وعُلِّم الألفاظَ الشرعيةَ في ذلك، ومن صُوَر نهي السَّلف عن إطلاق النفي والإثبات على الألفاظ المجملة المحتملَة قولُ الإمام أحمد -رحمه الله-: «إذا سأل الجهميُّ فقال: أخبرونا عن القرآن، هو الله أو غيرُه؟ قيل له: وإنّ الله جلَّ ثناؤه لم يقل في القرآن: إنّ القرآن: أنا، ولم يقل: غَيري، وقال: هو كلامي: فسمَّيناه باسم سمَّاه الله به، فقلنا: كلام الله، فمن سمَّى القرآن باسم سمَّاه الله به كان من المهتدين، ومن سمَّاه باسم غيره كان من الضالين»(١٧).
ثمّ إنه من جهة أخرى لفظ التشبيه والتجسيم لم يَرِدْ نفيُهما أو إثباتُهما عن أحدٍ من الصحابة والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين وسائرِ أئمِّة المسلمين، وإن ورد في كلام بعضهم فإنّما يرد مقرونًا بتفسيره وهو معنى تمثيلِ الله بخلقه، ذلك التشبيهُ بمعناه الباطل الذي ينفيه ابنُ تيمية -رحمه الله- وهو مماثلة الله لشيءٍ من مخلوقاتِه فيما هو من خصائصِ الله سبحانه.
سابعًا: إنّ لفظ التشبيه والتجسيمِ عند ابن تيميةَ لفظان مجملان لاحتمالهما للمعنى الحقّ والمعنى الباطل -كما تقدّم-؛ لأنّ التشبيه قد يُطلق ويُقصد به التمثيلُ المذموم المنفيُ شرعًا، وقد يطلق ويُقصد به القدرُ المشترك بين المسميات، وهو لا يستلزم ولا يتضمَّن التمثيلَ المنفي شرعًا بنصوص الكتاب والسنة؛ لأنّ ما لزم الصفةَ لذاتها اتَّصف بها الخالق والمخلوق من حيثُ هما موجودان، فالصِّفة من لوازم وجود كلِّ موجودٍ يُمكن أن يتصف بها، وهي -من هذه الجهة- حقيقةٌ ذِهنيةٌ، بخلاف ما إذا أضيفت إلى موصوفها فإنّ إضافتها إلى موصوفها مانعٌ من الاشتراك فيها، بل هو يدلّ على اختصاص الباري جلّ وعلا بها(١٨).
فابن تيمية -رحمه الله- يفرق بين الصفة ذاتها من حيث هي صفة، وبين الصفة إذا أضيفت إلى موصوفها، وليس من التمثيلِ المنفيِ شرعًا الاشتراك في مسمّى الصفة من حيث هي صفة قبل الإضافة إلى الخالق أو المخلوق، بل هي بهذا المعنى: لفظٌ كليٌ عامّ، أو اسمُ جنس كما تقرّر عند النحاة، أي: لفظ موضوع للدلالة على الحقيقة الذهنية دون سواها، وهي بهذا المنظور الاعتباري لا وجود لها في خارج الذهن.
وعليه، فإنّ التشبيه المذموم الذي هو بمعنى التمثيل لازم في الصفة عند الإضافة دون الصفة إذا أطلقت؛ لأنّ صفة الوجود والسمع والبصر ونحو ذلك مثلاً على نوعين: وجود وسمع وبصر قديم، ووجود وسمع وبصر محدث، ويطلق على كلّ مسمى الوجود والسمع والبصر وتلزمه لوازمه فإنّ هذا ليس من التمثيل الذي نفته الأدلة الشرعية، فإنّ الله تعالى جمع في حقّ نفسه بين النفي والإثبات فقال سبحانه: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: 11]، فنفى عن نفسه التمثيلَ بالأشياء، وأثبت لنفسه سمعًا وبصرًا، ولو كان إثباتها ينافي نفي التمثيل لنفاه عن نفسه، ولكان جمعه بينهما تناقضًا في النفي والإثبات وحاشا كلامَ الله أن يوصف بهذا، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82].
وفي تقرير هذا الأصل يقول ابن تيمية: «وأمّا المعنى الكلّي العامّ المشترك فيه فذاك -كما ذكرنا- لا يوجد كليًّا إلاّ في الذِّهن، وإذا كان المتصفان به بينهما نوعُ موافقة ومشاركة ومشابهة من هذا الوجه، فذاك لا محذور فيه، فإنّ ما يلزم ذلك القدرَ المشتركَ من وجوب وجواز وامتناع فإنّ الله متصف به، فالموجودُ من حيثُ هو موجود أو العليم أو الحي، مهما قيل: إنّه يلزمه من وجوب وامتناع وجواز فالله موصوف به، بخلاف وجود المخلوق وحياتِه وعلمِه، فإنّ الله لا يوصف بما يختصّ به المخلوق من وجوب وجواز واستحالة، كما أنّ المخلوق لا يوصف بما يختص به الربّ من وجوب وجواز واستحالة»(١٩).
ومن تأسيس التفريق بين الصفة المطلقة والصفة المضافة فإنّ اللفظ الذي استعمله ابن تيمية -رحمه الله- هو ما طابق المعنى الحقّ الذي جاء به الكتاب والسُّنَّة مستعمَلاً فيه؛ لأنّ الخالق والمخلوق مختلفان في الحقيقة فلا يتماثلان، وهذا يستلزم أن يكون لكلّ واحد منهما صفات حقيقية ثبوتية يتحقق بها الاختلاف، والعدمُ المحض لا يحصل به امتياز أحدهما عن الآخر، فيلزم أن تكون صفات كلٍّ منهما مختلفة حتى يحصل بها الامتياز(٢٠). ومن مقالة ابن تيمية -رحمه الله- في الردّ على من ادعى أنّ إثبات الصفات هو التمثيل الذي نفته الأدلة الشرعية ما نصّه:
«• أحدها: كونه مَثَّلَ ما فَهِمَه من النصوص بصفات المخلوقين، وظنّ أنّ مدلولَ النصوصِ التمثيل.
• الثاني: إنه جعل ذلك هو مفهومها وعطَّله، بقيت النصوص معطلة عما دلّت عليه من إثبات الصفات اللائقة بالله، فيبقى مع جنايته على النصوص وظنّه الشيء الذي ظنّه بالله ورسوله، حيث ظنّ أنّ الذي يُفهم من كلامهما هو التمثيل الباطل، قد عطل ما أودع الله ورسوله في كلامهما من إثبات الصفات لله، والمعاني الإلهية اللائقة بجلال الله تعالى.
• الثالث: إنه ينفي تلك الصفات عن الله عزّ وجلّ بغير علم، فيكون معطِّلاً لما يستحقّه الربُّ.
• الرابع: إنه يصف الربَّ بنقيض تلك الصفات من صفات الأموات، والجماداتِ، وصفاتِ المعدومات، فيكون قد عطَّل به صفاتِ الكمالِ التي يستحقّها الربّ»(٢١).
ومما تقدّم تقريره يظهر جليًّا أنّ دعوى نسبة التشبيه والتجسيم لابن تيمية -رحمه الله- منقوضة من أساسها، ولا أصل لها في الحقيقة والواقع، إذ قد يرجع الانتقاد له إلى توهّم الناقد وقوعَ ابن تيمية في التناقض باستعماله للمعنى الباطل اللازم للصفة عند الإضافة، والتناقضُ -في الحقيقة- إنما حصل في ذهن الناقد لا في حقيقة الواقع، إذ كيف يُعقل ممن هذا كلامه واستدلالُه أن يكون مشبِّهًا أو مجسِّمًا، وفي نصوص له سابقةٍ قد ذمّ هذا النوع من التشبيه والتجسيم ويصف أهله بالمبطلين، وبيّن تناقض القول به حيث يلزم منه كون المخلوق خالقًا، والفقير بالذات غنيًّا بالذات، وهكذا، وهو جمع بين النقيضين، وهو ممتنَع، كما يلزم أنه لو صحّ للزم أن يجب ويجوز ويمتنع عن الباري جلّ وعلا ما يجب ويجوز ويمتنع عن المخلوق، وهو باطل، وما بني عليه فباطل؛ لأنه يوجب اشتراكَهما فيما يجب ويجوز ويمتنع؛ ولأنه لو صحّ للزم أن يكون القديم بذاته غير قديم بذاته، والواجب بذاته ليس واجبًا بذاته وهكذا، وهو جمع بين النقيضين، وهو ممتنَع(٢٢).كما أنه قد يرجع انتقادهم له إلى خطإ الباحثين في فهم مذهبه المأخوذ من معارضته لخصومه، وابنُ تيمية -رحمه الله- قد يذكر الرأي المخالفَ ويتسامح فيه عندما يعرض رأيه أو يحقّق رأيَ السّلف فيما يعترض له من المباحث العقدية اكتفاءً بما سبق له فيه من مناقشة وتحقيق تفاديًا للتَّكرار، فيظنّ الباحث أنّه مذهبُه في المسألة فيقع الخطأ في فهم رأيه ثمّ يتناقله عنه غيره من الباحثين.
ويصدق في هذا المقام قول أبي الطيّب المتنبي:

وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلاً صَحيحاً......................وَآفَتُهُ مِنْ الفَهْمِ السَّقِيـمِ
وَ لَكِنْ تَأْخّذ ُ الأّذْهَانُ مِنْهُ.......................عَلِى قَدْرِ الْقَرَائِحِ وَ الْفُهُومِ(٢٣)


وأخيرًا، فإنّ النقولَ المتكاثرةَ عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- تفصح -صراحة في غير موضع- بنفي التمثيل ومشابهة أحدٍ من المخلوقين في شيءٍ من خصائصه، كما أبطل التشبيهَ المذمومَ من وجوهٍ عديدةٍ تقدَّمَ ذكرُها، وبيّن -رحمه الله- لوازمَ القول الممنوعةَ على من ادّعى أنّ إثبات الصفات هو التمثيل الذي نفته الأدلة الشرعية، فضلا عن أنه لم يظهر في أي نصٍّ من نصوصه ما يدلّ على التشبيه المذموم شرعًا، الأمر الذي يفيد -يقينًا- براءته من هذه الفرية الشنيعة.
هذا، والواجب على من يرغب في تفنيد آراء المخالف أو أن يظهر خطأه أن يطَّلع أوَّلاً على مصادره، ويتعرَّف على أدلته فذلك من الأمانة في العرض والتوثيق، وتقصير المشنعين -عندنا- في هذا المجال ظاهر ملحوظ في ثنايا شبههم، يحاكي بعضهم بعضًا أقوال مخالفيهم من غير تحفظ أو تثبّت أو توثيق، ويروّجون به الباطل، وبالأخصّ إن كان في محاولة الطعن في منهج أهل السُّنَّة والتشكيك في صدق أئمَّة الهُدى وعدالتهم. لا سيما وأن المخالف لهم أعلم منهم في كلّ الميادين بله مجال تخصّصه، وهم لا يبلغون رتبته ولا يقدّرون علمه، فمثلهم كمثل «الفروج سمع الديكة تصيح فصاح بصياحها»٢٤.
قال ابن تيمية -رحمه الله-: «والمجادلة المحمودة إنما هي بإبداء المدارك وإظهار الحجج التي هي مستند الأقوال والأعمال، وأما إظهار الاعتماد عمّا ليس هو المعتمد في القول والعمل، فنوع من النفاق في العلم، والجدل والكلام والعمل»(٢٥).
نعم، إنّ التخلق بأدب الاعتراف بالخطأ والرجوع إلى الصواب حقّ لازم، لا سبيلَ للدفاع عن الأخطاء أو تبريرها -إن وجدت- إذ ليس أحدٌ من العلماء إلاّ وله نادرة، فينبغي أن تُغمر في جنب فضله وتجتنب، لكن حشْد الهمّة في تصيّد العثرات والهفواتِ والسَّقَطَات من غير العناية بمقاصد الألفاظ وإحسان الظنّ بأصحابها لهوَ مِن طباع أبشع المخلوقات وأنجسها، قال ابن القيّم -رحمه الله-: «ومن الناس من طبعُه طبعُ خنزيرٍ، يمرّ بالطيّبات فلا يَلْوي عليها، فإذا قام الإنسانُ من رجيعهِ قَمَّهُ، وهكذا كثير من النّاس يسمعُ منك ويرى من المحاسن أضعافَ المساوئِ فلا يحفَظُها، ولا يَنْقُلُهَا، ولا تُنَاسِبُهُ، فإذا رأى سَقْطَةً، أو كَلِمَةً عَوْرَاءَ، وجد بُغيتَهُ وما يُناسبُها، فجعلها فَاكِهَتَهُ وَنُقْلَهُ»(٢٦).
نسأل الله أن يعزّ أولياءه، وأن يذلّ أعداءه، ويهديَنا للحقّ، فهو حسبُنا ونعم الوكيل، وبكلّ خير كفيل، وعليه المعتمد والاتكال في الحال والمآل، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.

الجزائر في: 21 رجب 1428ﻫ
الموافق ﻟ: 4 أغسطس 2007م

١- أخرجه الترمذي في «الزهد»، باب ما جاء في الصبر على البلاء: (2398)، وابن ماجه في «الفتن»، باب الصبر على البلاء: (4023)، والدارمي في «سننه»: (2681)، وابن حبان في «صحيحه»: (2900)، والحاكم في «المستدرك»: (120)، وأحمد: (1497)، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. والحديث صححه أحمد شاكر في «تحقيقه لمسند أحمد»: (3/52)، والألباني في «السلسلة الصحيحة»: (143)، وحسنه الوادعي في «الصحيح المسند»: (377).

٢- من ديوان أبي الطيب المتنبي في مدح أبي الفوارس دليز بن لشكروز، وكان قد أتى الكوفة لقتال الخارجي الذي نجم بها من بني كلاب، وانصرف الخارجي قبل وصول دليز إليها. وانظر «التمثيل والمحاضرة» للثعالبي: الفصل الثالث فيما يكثر التمثيل به في جميع الأشياء. و«نفح الطيب» للمقري: (4/501).

٣- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (3/160).

٤- هو محمّد بن عبد الله بن محمّد المعافري الإشبيلي، الشهير بأبي بكر ابن العربي المالكي، كان من كبار علماء الأندلس، ولي قضاء إشبيلية ثمّ صرف من القضاء، وأقبل على نشر العلم، وله تصانيف شهيرة منها: «العواصم من القواصم»، و«أحكام القرآن»، و«قانون التأويل»، و«عارضة الأحوذي»، و«المحصول في الأصول» توفي بالقرب من فاس سنة (543)، وحمل إليها ودفن بها.
انظر ترجمته في: «الصلة لابن بشكوال»: (2/590)، «المرقبة العليا» للنباهي» (105)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان: (4/296)، «الديباج المذهب» لابن فرحون: (281)، «الوفيات» لابن قنفد: (279)، «شذرات الذهب» لابن العماد: (4/141)، «الفكر السامي» للحجوي: (2/221).

٥- «العواصم من القواصم»: (2/469).

٦- هو الرحالة المؤرّخ محمّد بن عبد الله اللواتي المعروف بابن بطوطة، ولد بطنجة بالمغرب الأقصى سنة 703ﻫ، وطاف ببلدان عدة في قارات مختلفة، واتصل بكثير من الملوك والأمراء والعلماء، ثمّ عاد إلى المغرب الأقصى، وانقطع إلى «أبي عنان» من ملوك بني مرين، وتوفي بمراكش سنة 779ﻫ، من آثاره: رحلته المسماة ﺑ: «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار».
انظر ترجمته في: «إيضاح المكنون» للبغدادي: (1/262)، «الأعلام» للزركلي: (7/114)، «معجم المؤلفين» لكحالة: (3/451).

٧- «رحلة ابن بطوطة»: (95، 96).

٨- «الإمام ابن تيمية وموقفه من قضية التأويل» للجنيد: (414)، «حياة ابن تيمية» لبهجة البيطار»: (50).

٩-المصدران السابقان.
في مسألة إقعاد النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم على العرش ليس فيها إلاّ حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا، حَكَمَ عليه أهلُ الحديثِ بأنه باطلٌ، وله طَريقٌ موصولةٌ وموقوفةٌ لا يثبت إسنادُها. [انظر: «السلسلة الضعيفة» للألباني: (2/255) برقم: (865)].
وابن تيمية -رحمه الله- في هذه المسألة إنما حكى أنّ مِنَ السَّلَفِ مَنْ قال بذلك وأنكرها آخرون، حيث قال في «مجموع الفتاوى» (4/374): «قذ حَدَّث العلماءُ المرضيُّون وأولياؤُه المقبولون أنّ محمّدًا رسولُ الله يجلسه ربُّه على العرش معه، وروى ذلك محمّد بن فضيل عن الليث عن مجاهد في تفسير ﴿عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ [الإسراء: 79]، ذكر ذلك من وجوه أخرى مرفوعة وغير مرفوعة، قال ابن جرير: وهذا ليس مناقضًا لما استفاضت به الأحاديث من أنّ المقام المحمود هو الشفاعة باتفاق الأئمّة من جميع من ينتحل الإسلام ويدّعيه لا يقول إنّ إجلاسه على العرش منكر».
قلت: وما حكاه عنهم ونقله هو صادق فيه، قال ابن حجر في «فتح الباري» (2/95): «وقيل إجلاسه على العرش، وقيل على الكرسي، وحكى كِلاَ القولين جماعةٌ»، ولا يلزم من حكاية مذهب مجاهد وغيره القول به والتزامه.
وعلى تقدير التسليم بصِحَّة نِسْبَة هذه المسألة لابن تيمية -رحمه الله- فقد تكلّم فيها جماعةٌ من السَّلَف كمجاهد، ورواه الطبري عن جماعة من السلف ولم ينكر رواية مجاهد في إقعاد النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم على العرش، وأيّد كلام مجاهد أبو بكر المروزي وأبو داود السجستاني صاحب السنن، وإبراهيم الحربي ومحمّد بن مصعب العابد شيخ بغداد وخلق كثير.
ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله في «درء تعارض العقل والنقل» (3/19): «حديث قعود الرسول صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم على العرش رواه بعض الناس من طُرُقٍ كثيرةٍ مرفوعةٍ وهي كلّها موضوعة، وإنما الثابت أنه عن مجاهد وغيره من السلف، وكان السلف والأئمّة يروونه ولا ينكرونه، ويتلقَّونه بالقَبول، وقد يقال: إنّ مثل هذا لا يقال إلاّ توقيفًا لكن لابدّ من الفرق بين ما ثبت من ألفاظ الرسول وما ثبت من كلام غيره، سواء كان من المقبول أو من المردود».

١٠- مطبوع ومتداول، وصدر عن المكتب الإسلامي الطبعة الخامسة مؤرّخة في سنة: (1397ﻫ-1977م).

١١- «مجموع فتاوى» لابن تيمية: (12/97).

١٢- المصدر السابق: (12/65).

١٣- «منهاج السنة النبوية» لابن تيمية: (1/174).

١٤- «مجموع فتاوى» لابن تيمية: (5/271)، «بيان تلبيس الجهمية»: (1/620).

١٥- انظر: «درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية: (7/59).

١٦- انظر: «القواعد المثلى» لابن عثيمين: (31).

١٧- «الردّ على الزنادقة والجهمية» للإمام أحمد بن حنبل: (73) [ضمن عقائد السلف للدكتور سامي النشار].

١٨- انظر: «درء تعارض العقل والنقل»: (5/327)، و«الصفدية»: (1/99)، و«بيان تلبيس الجهمية»: (1/597).

١٩- «منهاج السنة النبوية» لابن تيمية: (4/151).

٢٠- انظر: «تلبيس الجهمية» لابن تيمية: (1/620)، «شرح حديث النزول» لابن تيمية: (7).

٢١- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (3/49).

٢٢- انظر: «بيان تلبيس الجهمية» لابن تيمية: (1/620)، و«منهاج السنة النبوية» لابن تيمية: (4/151).

٢٣- «خزانة الأدب» لابن حجة الحموي: (1/192)، «قرى الضيف» لابن أبي الدنيا: (1/258).

٢٤- كان أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ينازع ابن عباس رضي الله عنهما في المسائل ويماريه، فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها فقالت: «إنما مثلك يا أبا سلمة مثل الفروج سمع الديكة تصيح فصاح معها»، يعني أنك لم تبلغ العلم مبلغ ابن عباس وأنت تماريه. [«تاريخ دمشق» لابن عساكر: (29/305)، «تنوير الحوالك على موطأ مالك» للسيوطي: 1/52[.

٢٥- «اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية: (1/272)، «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (4/194).

٢٦-«مدارج السالكين» لابن القيم: (1/435).


https://www.ferkous.com/rep/month_word.php









قديم 2013-11-07, 17:09   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
قطــــوف الجنــــة
عضو متألق
 
الصورة الرمزية قطــــوف الجنــــة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاكم الله خيرا على النقل النافع










قديم 2013-11-08, 11:07   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
أبو عمار
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

[b]قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله

أسباب الانحراف عن الوسطية والاعتدال يمكن تلخيصها بمايلي :

1) الجهل .

2) الهوى .

3) غلبة العاطفة على العقل .

4) استعجال النتائج فيما هو مشروع وطرح نتائج مرفوضة فيما ليس بمشروع .

5) الابتداع في الدين .

6) اتهام العلماء والعقلاء بالمداهنة وترك الحق . ( ص17)

ثم قال :

أهل السنة والجماعة وسط في باب الصفات بين الممثلة المشبهة وبين النفاة المعطلة

وفي أبواب الإيمان أهل السنة والجماعة والإسلام الحق وسط مابين التكفيريين الغلاة وبين المرجئة الجفاة .

ثم قال


( وفي أبواب الإمامة والولاية أهل السنة والجماعة بل دين الإسلام

وسط بين من اختلفوا في هذه المسألة العظيمة

من الخوارج في القول والعمل الذين يرون الخروج على الولاة فيما يرون منهم من أخطاء أو منكرات

والطرف الآخر الذي لايرى نصيحة الإمام أصلاً

ويرى أن ماقاله ولي الأمر صواب مطلقاًَ لإنهم نواب الله -جل وعلا - في أرضه )

(الوسطية والاعتدال وأثرهما على حياة المسلمين ص28)

و قال أيضا حفظه الله :

أسباب الثبات على الوسطية :

1) معرفة المنهج الصحيح من الكتاب والسنة وكلام أهل العلم الراسخين فيه لإن المنهج الصحيح يحتاج إلى معرفة نصوصه وأدلته وكلام أهل العلم فيه .

2) قوة العلم والتبحر فيه فإن العلم يزداد بالاعتدال ويضمحل بالغلو أو الجفاء .

3) قوة العقل فالله خاطب في كتابه العزيز أولي الألباب وفي هذا إشارة إلى أهمية العقل والإدراك في فهم النصوص وفهم المصالح .

4) النظر في تجارب الناس والتواريخ وماحصل فيه من محن وفتن وماحصل من إصلاح لإن التاريخ فيه تجارب دامية كثيرة وتجارب قاتلة وفيه تجارب كثيرة صالحة مصلحة ومن نظر بعين الإنصاف وجد بقوة عقله وإدراكه أن من نجح كان معتمداً على الوسطية في قوله وعلمه وعقله وإدراكه .

5) الصبر لإنه سمة أهل العلم بل سمة الأنبياء والمرسلين قال تعالى ( فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولاتستعجل لهم )

وقال تعالى ( فاصبر إن وعد الله حق ولايستخفنك الذين لايوقنون ) فمن استُخِفَّ فليس بذي عقل

ومن لم يكن جازماً بوعد الله حقاً صابراً فهو مُستَخف وليس بذي إدراك سليم .

( الوسطية والاعتدال وأثرهما على حياة المسلمين ص 16) باختصار [/b]









قديم 2013-12-09, 21:39   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
أبو عمار
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي


قاعدة نافعة في باب الصفات
يُردُّ بها على المعطلة النفاة


لا يجوز النفي إلا بدليل كما أنه لا يجوز الإثبات إلا بدليل


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه, أما بعد:
فمن المتقرر في باب الصفات: أنه لا يجوز الإثبات إلا بدليل, فلا يتعدى في ذلك القرآن والسنة والإجماع, لأن باب الصفات توقيفي, فنثبت ما أثبته الله عزوجل لنفسه في كتابه, وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته, وهذه قاعدة يقر بها أكثر المنتسبين للإسلام من جميع الطوائف, ويدعيها أرباب الكلام, لكن قد يتناقضون ويخالفونها, فمنهم من يخرج عن الإثبات إلى التشبيه والتجسيم, ومنهم من ينقضها فيتناقض فيخرج إلى التعطيل لتوهمه التشبيه والتمثيل, وهم في ذلك ألوان وأصناف.

أما أهل السنة والجماعة فهداهم الله تعالى لأقوم السبل, فلم يتناقضوا ولم يضطربوا, فأثبتوا ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم, فلم يتجاوزا القرآن والسنة في الإثبات, وطردوا هذا الأصل في النفي أيضا, فلم ينفوا إلا ما نفاه القرآن والسنة؛ لأن القاعدة الشرعية عندهم:

ما لم يقم دليل على نفيه لا يجوز نفيه, كما أن ما لم يقم دليل على إثباته لا يجوز إثباته؛ لأن الإغراق في النفي بلا دليل لا يؤمن معه إزالة ما وجب له سبحانه وتعالى من الصفات, كما أن الإغراق في الإثبات بلا دليل فيه مجاوزة لما أثبته الشرع, ولا يؤمن معه الوقوع في التجسيم والتشبيه.

والعجيب أن هذه القاعدة قد قررها بعض رؤوس أهل الكلام, كأبي الوفاء بن عقيل, والفخر الرازي, والآمدي وغيرهم, وردوا بها على أصحابهم من نفاة الصفات الخبرية, لكن سرعان ما ينتسكون على رؤوسهم فتجدهم: إما يتوقفون في إثبات الصفات الخبرية, وإما يسلكون مسلك أصحابهم في النفي, بل ويغرقون في ذلك أشد الإغراق كما فعل الرازي في كتابه (أساس التقديس), فقد شحنه بكثرة التأويلات مشيا على طريقة المريسي الجهمي وأضرابه, وفي هذا أبلغ الحجة عليه و على أصحابه المعظمين له.

يقول الرازي: (اعلم أنه لا يلزم من عدم الدليل على الشيء عدم المدلول؛ ألا ترى أن في الأزل لم يوجد ما يدل على وجود الله تعالى, فلو لزم من عدم الدليل عدم المدلول, لزم الحكم بكون الله تعالى حادثاً, وهذا محال.
إذا ثبت هذا فنقول: هذه الصفات التي عرفناها وجب الإقرار بها, فأمر إثبات الحصر فلم يدل عليه, فوجب التوقف فيه, وصفة الجلال, ونعوت الكمال أعظم من أن تحيط بها عقول البشر) المعالم في أصول الدين(ص69).

ويقول الآمدي: (المسألة الثامنة: في أنه هل للباري تعالى صفة زائدة على ما أسلفناه من الصفات, أم لا؟. وقد اختلف في ذلك:
فذهب بعض أصحابنا: إلى أنه لا يجوز اتصافه بصفة زائدة على ما أثبتناه محتجاً على ذلك: بأن الدليل الذي دل عليها لم يدل على غيرها, وما لم يدل عليه الدليل فلا سبيل إلى تجويزه, وهو باطل من جهة أنه لا يلزم من انتفاء الدليل انتفاء المدلول في نفسه, وإن انتفى العلم بوجوده...-إلى أن قال-: والحق في ذلك: ما ذهب إليه بعض الأصحاب, وهو أن ذلك جائزٌ عقلاً, وإن لم نقض بثبوته؛ لعدم الدليل عليه, و ورود الشرع به) أبكار الأفكار(1/439).

فهذه القاعدة التي أقر بها هؤلاء هي قاعدة عقلية شرعية صحيحة, لكن لم يوفوها حقها؛ إذ لا معنى للتوقف في إثبات الصفات الخبرية؛ لأن الدليل قد دل عليها من القرآن والسنة, لكن لما كان من مذهبهم أن أدلة القرآن والسنة لا تفيد القطع واليقين, بل هي أدلة لفظية, زعموا أن لا دلالة عليها, ويقصدون بالدلالة هي الدلالة العقلية, فلهذا تناقضوا واضطربوا فاختاروا التوقف في إثباتها, مع أنهم لا ينكرون تأويلها, بل قد يوجبون تأويلها كما صرح بذلك الرازي في كتابه (أساس التقديس)

فالشاهد أن هذه القاعدة التي ذكرها هؤلاء هي قاعدة صحيحة, وهي نافعة في الرد على النفاة المعطلة, ولهذا نجد ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أقرهم على ذلك, حيث قال: (((والرازي من أقول الناس بذلك, صرَّح في غير موضع من كتبه «((كالمحصل))» و«((التفسير))» وغيرهما بأنه لا يجوز نفي ما لا يعلم ثبوته من الصفات, وأن الظاهريين من أصحابه ينفون ما لم يقم دليل على ثبوته وردِّ ذلك, فإن ما لم يقم دليل بثبوته وعدمه لا يجوز نفيه ولا إثباته, وصرح بأن هذه الصفات الخبرية كالوجه واليد, التي أثبتها الأشعري, وغيره من أصحابه, إنما لم يثبتها لعدم دليل ثبوتها لا لدليل عدمها, وزعم أن أدلة الشرع لا تثبتها فلا يجوز إثباتها, وأمَّا ثبوت صفات في نفس الأمر لم نعلمها فإنه لا ينفي ذلك, ويخطئ من ينفيه... -والأصل في هذه المسألة- أنه لا يجوز النفي إلاَّ بدليل كالإثبات, فكيف ينفي بلا دليل ما دل عليه دليل؛ إمَّا قطعي, وإمَّا ظاهري؟! بل كيف يقال: ما لم يقم دليل قطعي على ثبوته من الصفات يجب نفيه, أو يجب القطع بنفيه, ثمَّ يقال في القطعي: إنه ليس بقطعي! فهذه المقدمات الفاسدة هي وسائل الجهل والتعطيل وتكذيب المرسلين, وإنما اعتمد على ذلك أبو المعالي لمَّا خالف أئمته في إثبات صفة اليد, وغيرها, فقال في «الإرشاد»..... ) بيان تلبيس الجهمية(1/33).

فهذا الأصل -كما قاله ابن تيمية-: أنه لا يجوز النفي إلا بدليل كالإثبات: يرد به على المعطلة النفاة بأصنافهم, فمثلا يقال لنفاة الصفات الخبرية الذاتية: كالوجه, والعينين, واليدين, والرجل, والساق, والأصابع, وأمثالها: من أين لكم الدليل على نفيها؟
فإذا قالوا: لم يدل الدليل على ثبوتها.
يجاب عنهم: ما المقصود بالدليل عندكم؟
إن كنتم تريدون بالدليل: الدليل العقلي -وهذا هو مقصودهم-, فيقال لهم: عدم الدليل لا يلزم منه عدم المدلول, فإن كان الدليل العقلي لم يدلكم على ثبوت هذه الصفات, فهذا لا يستلزم عدم ثبوتها في نفس الأمر, فلا يلزم من انتفاء الدليل انتفاء المدلول, وهذا هو الذي قرره أئمتكم كالرازي وابن عقيل, والآمدي وغيره.
وإن كنتم تريدون بالدليل: الدليل الشرعي, فقد كذبتم في دعواكم أن الدليل لم يدلنا على ثبوتها, فهذه أدلة القرآن والسنة على ثبوت هذه الصفات, بل وأئمتكم الذين تدعون الانتساب إليهم: كابن كلاب والقلانسي والأشعري وابن مجاهد وأبي الحسن الطبري وابن الباقلاني وابن فورك والبيهقي والقشيري وغيرهم , على ثبوتها والقول بها, بل والرد على منكريها ومتأوليها, وهذا فيه أبلغ الحجة على من يدعي الانتساب إلى إمام ثم هو لا يقبل كلامه.

يقول ابن تيمية مبينا حال هؤلاء: ( " وَمِلَاكُ الْأَمْرِ " أَنْ يَهَبَ اللَّهُ لِلْعَبْدِ حِكْمَةً وَإِيمَانًا بِحَيْثُ يَكُونُ لَهُ عَقْلٌ وَدِينٌ حَتَّى يَفْهَمَ وَيَدِينَ ثُمَّ نُورُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يُغْنِيهِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ ؛ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ قَدْ صَارَ مُنْتَسِبًا إلَى بَعْضِ طَوَائِفِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَمُحْسِنًا لِلظَّنِّ بِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ وَمُتَوَهِّمًا أَنَّهُمْ حَقَّقُوا فِي هَذَا الْبَابِ مَا لَمْ يُحَقِّقْهُ غَيْرُهُمْ ؛ فَلَوْ أَتَى بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعَهَا حَتَّى يُؤْتَى بِشَيْءِ مِنْ كَلَامِهِمْ . ثُمَّ هُمْ مَعَ هَذَا مُخَالِفُونَ لِأَسْلَافِهِمْ غَيْرُ مُتَّبِعِينَ لَهُمْ ؛ فَلَوْ أَنَّهُمْ أَخَذُوا بِالْهُدَى : الَّذِي يَجِدُونَهُ فِي كَلَامِ أَسْلَافِهِمْ لَرُجِيَ لَهُمْ مَعَ الصِّدْقِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ أَنْ يَزْدَادُوا هُدًى وَمَنْ كَانَ لَا يَقْبَلُ الْحَقَّ إلَّا مِنْ طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ ؛ ثُمَّ لَا يَتَمَسَّكُ بِمَا جَاءَتْ بِهِ مِنْ الْحَقِّ : فَفِيهِ شَبَهٌ مِنْ الْيَهُودِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فَإِنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لَا نُؤْمِنُ إلَّا بِمَا أُنْزِلَ الله عَلَيْنَا . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ ( فَلِمَ قتلتم الأَنْبِيَاءَِ مِنْ قَبْلُ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ) يَقُولُ سُبْحَانَهُ: لَاّ ما جَاءَتْكُمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُكُمْ تَتَّبِعُونَ, وَلَا َّما جَاءَتْكُمْ بِهِ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ تَتَّبِعُونَ, وَلَكِنْ إنَّمَا تَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَكُمْ فَهَذَا حَالُ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ الْحَقَّ لَا مِنْ طَائِفَتِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهَا مَعَ كَوْنِهِ يَتَعَصَّبُ لِطَائِفَتِهِ بِلَا بُرْهَانٍ مِنْ اللَّهِ وَلَا بَيَانٍ) الفتوى الحموية(ص513) -وهي ضمن مجموع الفتاوى(5/100).

فهذه لفتة علمية مختصرة, أردت بها إفادة إخواني من رواد المنتدى, من طلاب العلم وغيرهم, فعسى الله تعالى أن ينفع بها كاتبها وقارئها, فإن كان فيها من خطأ فمن نفسي والشيطان, وإن كان فيها من حق فمن الله تعالى وحده, والحمد لله رب العالمين.

بوفلجة بن عباس


منقول









قديم 2013-12-09, 22:22   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
صهيب رائع
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

صهيب رائع: بارك الله فيك على نقل هذه الفوائد القيمة










قديم 2013-12-11, 13:35   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
saim_n
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك

recette tiramisu










قديم 2013-12-12, 09:33   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
ابو الفداء الجلفي
محظور
 
إحصائية العضو










456ty

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عمار مشاهدة المشاركة
[ لوثة التشبيه عند المجسمة الغلاة والمعطلة النفاة]
الحمد لله تقدس وتنزه عن الأشكال والأمثال وتجلى سبحانه بما اتصف به من صفات الجلال ونعوت الجمال وأشهد أن لا إله إلا هو الملك المتعال خلق الخلق ودبر الأمر فعلم بادي كل شي وما يصير إليه المآل وأشهد أن محمدا ًعبده ورسوله صلى الله عليه وعلى أصحابه وأصفيائه والآل أما بعد:
إن التشبيه أو(التمثيل) هو أصل كل بلية من انحرف من الفرق و الطوائف في قضية: {أسماء الله وصفاته } .
*فالمشبهة المجسمة اعتقدوا في الله بمثل ما اعتقدوا في المخلوقين وذالكم بنسبة ما يرونه من كمال وجمال ـ نسبيين لائقين ـ لبعض الخلق فجعلوهما لله وأثبتوا له أوصافا وأشكالا لكنها أوصافا وأشكالا كما للمخلوقين فشبهوا الله بخلقه على ما ارتسم وتشكل في عقولهم ونحتته أذهانهم؛فجعلوا لله جسما ووجها وجوارحاً كما للمخلوقين حتى قال قائلهم: الله ينزل في ثلث الليل الأخير على هيئة شاب أمرد ؟!؛قال شيخ الإسلام ( وأما أهل التمثيل المشبهه فهم الذين شبهوا الله بخلقه ومثلوه بعباده وقد رد الله على الطائفتين بقوله :{ليس كمثله شيْ } فهذا يرد على المشبهة وقوله :{وهو السميع البصير } يرد على المعطلة ...) وأول من قال بالتجسيم والتشبيه :هشام بن الحكم الرافضي وقد زعم أن الله ـ تعالى عن ذلك ـ جسم له حد ونهاية وأنه طويل عريض ؛طوله مثل عرضه .
والمشبهه فرق كثيرة منهم : الجواليقية وهم أتباع هشام بن سالم الجواليقي الرافضي وذهب إلى أنه تعالى على صورة الآدمي ؛ومنهم الحواري وهم أتباع داود الحواري الذي وصف معبوده بجميع أعضاء الإنسان عدا الفرج واللحية !.
ومن المشبهه بعض غلاة الصوفية أهل الحلول والاتحاد؛ومنهم أيضا الكرامية الذين يزعمون أن لله جسم وغيرهم من الملل الأخرى كاليهود والنصارى والمجوس والهندوس.
أما المعطلة النفاة : فنفوا جميع الصفات وعطلوها مدلولاتها وأصل شبهتهم :هو التمثيل والتشبيه إذ أنهم لم يعرفوا من صفات الله إلا ما عرفوه من صفات أنفسهم فشبهوا أولا ثم عطلوا ثانيا وهم من شر الفرق لأنهم جمعوا بين التشبيه لله والتعطيل لصفاته فحال المشبهه المجسم والنافي المعطل كما قال شيخ الإسلام هو أنه : ( المجسم يعبد صنما والمعطل يعبد عد ما)
والمعطلة فرق كثيرة على رأسهم المعتزلة أتباع واصل بن عطاء الغزّال وهم فرق شتى يجمعهم القول بنفي الصفات وتبعهم على ذلك الكلابية والألمية والكرامية والشيعة والأشاعرة والخوارج من الآزارقة والإباضية وغيرهم من الملل الأخرى كالملاحدة والفراعنة .
والتشبيه قائم على ما انقدح في نفوسهم وأذهانهم من الأجسام ثم بنو على ذلك النفي والتعطيل للصفات؛فلم يعلموا من صفات الله وأسمائه إلا ما علموه من أنفسهم من الأسماء والصفات فجعلوها هي الأصل وقاسوا عليها صفات الباري ـ سبحانه ـ فشبهوا ثم عطلوا .
فالمجسمة الممثلة غالوا في الإثبات حتى شبهوا الله بمخلوقاته وجعلوه جسما بجوارح وأعضاء ؛والمعطلة غالوا في التنزيه فنفوا الصفات عن الله وجعلوه عدما ؛وأهل السنة وسط وعدل بين الطائفتين ؛فأثبتوا ما يليق بالله من صفاته جل وعلا ونزهوه عن مشابهة المخلوقات والناقصات والمعدومات وعمدتهم في ذلك :{ ليس كمثله شيء} تنزيه بلا تعطيل ؛{ وهو السميع البصير} إثبات بلا تمثيل
قال شيخ الإسلام : ( وكل واحد من فريقي التعطيل والتمثيل فهو جامع بين التعطيل والتمثيل ؛أما المجسمة فإنهم لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات فقد جمعوا بين التمثيل والتعطيل مثلوا أولا وعطلوا آخرا ؛وهذا تشبيه وتمثيل منهم للمفهوم من أسمائه وصفاته بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاتهم وتعطيل لما يستحقه هو سبحانه من الأسماء والصفات اللائقة بالله سبحانه وتعالى)."الفتوى الحموية الكبرى: 267/268)
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ :
فقلب المعطل متعلق بالعدم فهو أحقر الحقير ؛وقلب المشبه عابد للصنم الذي قد نحت بالتصوير والتقدير والموحد المثبت قلبه متعبد لمن { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
* وههنا أحوال :
* حال المعطل النافي : الذي لا يرى إلا رأس الديك ! فهو كمثل أعمى لم ير في حياته قط ؛ ثم رد الله عليه بصره لحظة فرأى أمامه ( رأس ديك ) ثم رجع أعمى كما كان من توه ؛فكانوا كلما حدثوه بأمر يقول لهم : أين هو من رأس الديك ؟ وإذا أخبروه عن أمر أو وصفوا له شيء قال لهم : أين هو من رأس الديك ؟ فهو لم ير ويعلم من هذه الحياة إلا رأس الديك فارتسم في قلبه وعقله وذهنه فجعل ذلك هو الأصل وقاس عليه جميع ما يسمعه أو يخبر به ؛وكذلك المعطلة لم يعلموا من صفات الله وأسمائه إلا ما يعلموه من أنفسهم من أسمائهم وصفاتهم فجعلوها هي الأصل وقاسوا عليها صفات الباري سبحانه فشبهوا أولا وهذه لوثة وعطلوا ثانيا وهذه لوثة
* حال المجسم المشبه : فهو كمثل رجل يتحدث في صفات الله؛ويصفه كوصف المخلوقين ، فانبرى له شيخ يعلم منهج أهل السنة حق المعرفة ويعرف كذلك من شبه القوم في التشبيه التي يعلم بها بطلان وفساد أصولهم ، فقال لهذا المشبه المجسم : بلغني أنك تصف الله فقال المشبه : نعم ؛ فقال له كيف الله ؟ قال له :كأحسن ما وجد من بني آدم !!
فقال له الشيخ وكيف ذاك ؟ قال المشبه : نظرت في المخلوقات فلم أجد أحسن خلقا ولا أقوم مثالا ولا أكمل أوصافا من ( الإنسان) ؛ فقلت : إذا كان هذا الإنسان ! فالله أكمل أوصافا منه فجعلت أوصافه صفة لله و وصفا له !
فقال الشيخ : قد بدا لي أن أسألك سؤالا وهو : أن تصف لي مخلوقا ؟ فإن عجزت عن وصف المخلوق فأنت في وصف الخالق أعجز
فقال المشبه : نعم .
فقال الشيخ : قد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال في وصف جبريل :{ أن له ستمائة جناح قد سد الأفق} ؛ فقال المشبه : نعم ! فقال له الشيخ : فصف لي أنت طائر من طيور الدنيا وركب له جناحا ثالثا وبين لي موضع ذلك الجناح من الطائر وكيف يطير ؟؟
فقال المشبه :حرت وعجزت !!
فقال له الشيخ :فإن كنت عجزت عن وصف مخلوق حاضر أمامك فأنت أعجز عن وصف مخلوق غائب لا تراه وهو جبريل عليه السلام ؛ وأنت أعجز أيضا عن وصف كيفية خالق الخلق كلهم وهو الله ـ جل في علاه ـ فبهت المشبه وخصم .
وهذا حال المشبه المجسم ؛فهو عاجز حائر ،وهذا العجز عن إدراك صفات الباري ـ حقيقة ـ هو الإدراك الذي يبلغه الإنسان عندما يبحث في كنه صفات الله ـ سبحانه وتعالى ـ
وقد قيل :
{ والعجز عن درك الإدراك إدراك * والبحث في كنه ذات الإله إشراك }
• حال الموحد المثبت : وجماع حاله مع الأسماء والصفات أمور ثلاثة :
الأول : تنزيه الله عن مشابهة شيء من خلقه في صفاتهم أو ذواتهم أو فعالهم وهذا الأصل عندهم مبني على قوله تعالى :{ هل تعلم له سميا} وقوله :{ ليس كمثله شيء} وقوله :{ ولم يكن له كفوا أحد} .
الثاني :عدم جحد شيء مما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله إيمانا مبنيا على أساس ذلك التنزيه على غرار :{ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}
الثالث :علمه أن العقول مخلوقة واقفة عند حدها لا تحيط علما بخالقها فهي عاجزة عن إدراك كيفية الاتصاف بالصفات قال تعالى :{ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما}
والمتكلمين ـ أهل البدع ـ نفوا كثيرا من صفات الله بالأدلة العقلية المفرغة في قوالب أقيسة منطقية قسموا بها الصفات قسمة سداسية فقالوا :منها صفات نفسية ؛ومعنى ؛ومعنوية ؛وفعل ؛وجامعة .
فحال الموحد إذا :
التنزيه ؛ثم إثبات ما أثبت لنفسه على أساس التنزيه ثم قطع الطمع عن إدراك الكيفية .
فهذه الأسس الثلاثة من مات عليها مات على دين محقق وعقيدة سلفية صحيحة ولا تأتيه بلية من واحدة من هذه الأصول الثلاثة ولا يأتيه من قبلها لوم ولا توبيخ ولا عذاب .
فلا يقول الله له : لم تنزهني عن مشابهة خلقي في صفاتهم وأفعالهم وذواتهم ؟ لا ؛وكلا ؛فهذه طريق سلامة محققة .
ولا يقول له :لم تصدقني فيما أثنيت به على نفسي وتصدق نبيي فيما أثنى علي به تصديقا مبنيا على أساس التنزيه ؟ لا وكلا ؛هذه طريق سلامة محققة .
ولا يقول له :لم لا تدعي أن عقلك محيط بي ؟ ومن تتبع شبهات القوم وبراهينهم التي يزعمون وجدها أوهى وأضعف وأسمج من أن تكون حجة أو دليل أو برهان !
فنقود المعطل كلها زيوف فلا تروج علينا ؛وبضاعة المشبه كاسدة فلا تنفق لدينا وتجارة الموحد المثبت ينادى عليها يوم العرض على رؤوس الأشهاد :{ هذه بضاعتنا ردت إلينا}
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
.................................................. .
كتب :أبو البراء أنور بن جبريل الهجاري ـ يوم الإثنين ـ13.رجب .1430
الموافق . 6/ 7 /2009 .ف
التشبيه عند المعطلة!!!!!!!!!!!واش راه ايقلك راسك؟؟؟ الغلاة !!!!!راك عارف واش راك تكتب؟؟؟؟ عفوا تنقل









 

الكلمات الدلالية (Tags)
منبت, المحزمة, التشبيه, العلات, الوفاة, والمعطلة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 03:49

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc