إليك أيُّها القارئ المنصف هذه النقولات من كلام علماء الجمعية الصريح -أيضًا- في الدفاع عن دعوة الشيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب السلفيَّة والانتصار لها، وأنها ودعوةَ الجمعية شيءٌ واحدٌ، وأنهما متَّفقتان تمامًا، وما ذلك إلاَّ لاشتراكهما في المبدإ والغاية من الدعوة للتوحيد والاتِّباع، ونبذِ كلِّ ما يناقض ذلك من الشرك والابتداع...،ودعوة أهل السنَّة والجماعة واحدةٌ وإن تعدَّد مجدِّدوها، وتغاير ما لقَّبها به نابِزوها، وتباعدتْ أقطارُها وأمصارها، واختلفتْ أزمانُها وأعصارها، وليس ذلك إلاَّ لأهل السنَّة، أمَّا أهل البدعة فهُمْ مختلفون ولو كانوا في قطرٍ واحدٍ وزمانٍ واحدٍ.
ودونك ما قاله الشيخ ابن باديس -رحمه الله- في تقرير هذا المعنى في مقدِّمةٍٍ كتبها لرسالة الشيخ العلاَّمة عبد الله بن الشيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب إلى الشيخ العلاَّمة عبد الله الصنعاني لمَّا نشرها في «الشهاب» نقلاً عن مجلَّة «المنار»: «لم يَزَلْ في هذه الأمَّة في جميع أعصارها وأمصارها من يجاهد في سبيل إحياء السنَّة وإماتة البدعة بكلِّ ما أُوتِيَ من قدرةٍ، ولمَّا كانت كلُّ بدعةٍ ضلالةً محدثةً لا أصْلَ لها في الكتاب ولا في السنَّة؛ كان هؤلاء المجاهدون كلُّهم (يدْعون الناس إلى الرجوع في دينهم إلى الكتاب والسنَّة وإلى ما كان عليه أهل القرون الثلاثة: خيرِ هذه الأمَّة الذين هم أفقه الناس فيها، وأشدُّهم تمسُّكًا بهما)، هذه الكلمات القليلة المحصورة بين هلالين هي ما تدعو إليه هذه الصحيفة منذ نشأتها، ويجاهد فيه المصلحون من أنصارها... وهي ما كان يدعو إليه الشيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب -رحمه الله-، وهي ما كان يدعو إليه جميعُ المصلحين في العالَم الإسلامي... الكتاب واحدٌ، والسنَّة واحدةٌ، والغاية -وهي الرجوع إليهما- واحدةٌ، فبالضرورة تكون الدعوة واحدةً، بلا حاجةٍ إلى تعارفٍ ولا ارتباطٍ، وإن تباعدت الأعصار والأمصار، هذه الحقيقة يتعامى عليها المبتدعون ذوو الأغراض عنها، فيصوِّرون من خيالاتهم أشباحًا وهميَّةً للدعوة الإصلاحية الدينيَّة المحضة التي نقوم بها، فيقولون عنها (عبدوية)، ويقولون عنها (وهَّابية) ويقولون ويقولون ... وهم في الجميع متقوِّلون، يتقوَّل المتقوِّلون على هذه الدعوة على ظهور حقيقتها ووضوح طريقتها ويخصِّصون أتباع الشيخ ابن عبد الوهَّاب بالقسط الكبير، وقد وقفْنا في رصيفتنا مجلَّة «المنار» الغرَّاء على كتابٍ للشيخ ابن عبد الوهَّاب، فيه بيانُ ما كان يدعو إليه من توحيدٍ واتِّباعٍ، وهو قاطعٌ بكلِّ خصمٍ يقول عنه بجهلٍ أو افتراءٍ، نقلْناه عنها ونشرْناه فيما يلي»(٤٨- العدد 164 من جريدة «الشهاب» (2-3)).
ويقول الشيخ -رحمه الله- في كلامٍ له يؤكِّد فيه أنَّ الدعوة واحدةٌ لأنَّ الحقَّ واحدٌ وإن لم يتعارفِ الداعون إليها، كما هو شأن الجمعية ودعوة الشيخ ابن عبد الوهَّاب، قال: «وأصبحتِ الجماعة الداعية إلى الله يُدْعَوْنَ من الداعين إلى أنفُسِهم «الوهَّابيِّين»، ولا واللهِ ما كنتُ أملك يومئذٍ كتابًا واحدًا لابن عبد الوهَّاب، ولا أعرف من ترجمة حياته إلاَّ القليل، وواللهِ ما اشتريتُ كتابًا من كتبه إلى اليوم، وإنما هي أُفَيْكَاتُ قومٍ يهرفون بما لا يعرفون، ويحاولون إطفاء نور الله ما لا يستطيعون، وسنُعرض عنهم اليومَ وهم يدْعوننا «وهَّابيِّين» كما أعرضْنا عنهم بالأمس وهم يدعوننا «عبداويِّين»، ولنا أسوةٌ بمواقف أمثالنا مع أمثالهم من الماضين»(٤٩- العدد 3 من جريدة «السنّة النبويّة» (1)).
- وقال الشيخ البشير الإبراهيمي -رحمه الله- ما يزيد تأكيدًا لِما سبق: «يا قوم إنَّ الحقَّ فوق الأشخاص، وإنَّ السنَّة لا تُسمَّى باسم من أحياها، وإنَّ الوهَّابيِّين قومٌ مسلمون يشاركونكم في الانتساب إلى الإسلام، ويفوقونكم في إقامة شعائره وحدوده، ويفوقون جميع المسلمين في هذا العصر بواحدةٍ وهي أنهم لا يُقرُّون البدعة، وما ذنبُهم إذا أنكروا ما أنكره كتابُ الله وسنَّة رسوله، وتيسَّر لهم من وسائل الاستطاعة ما قدروا به على تغيير المنكر؟ أإذا وافقنا طائفةً من المسلمين في شيءٍ معلومٍ من الدين بالضرورة، وفي تغيير المنكرات الفاشية عندنا وعندهم -والمنكر لا يختلف حكمه باختلاف الأوطان- تنسبوننا إليهم تحقيرًا لنا ولهم، وازدراءً بنا وبهم، وإن فرَّقتْ بيننا وبينهم الاعتبارات؛ فنحن مالكيُّون برغم أنوفكم، وهم حنبليُّون برغم أنوفكم، ونحن في الجزائر وهم في الجزيرة، ونحن نُعمل في طرق الإصلاح الأقلام، وهم يُعملون فيها الأقدام، وهم يُعملون في الأضرحة المعاول، ونحن نُعمل في بانيها المقاول)(٥٠- انظر: «آثار الإبراهيمي» (1/123-124)).
- وقال الشيخ الطيِّب العقبي -رحمه الله- في مقالٍ له بعنوان «يقولون وأقول»: «يقولون لي: إنَّ عقائدك هذه هي عقائد الوهَّابية، فقلت لهم: إذن الوهَّابيَّة هم الموحِّدون»(٥١- العدد 119 من جريدة «الشهاب» (14)).
وقال -رحمه الله-: «هذا، وإنَّ دعوتنا الإصلاحيَّة -قبل كلِّ شيءٍ وبعده- هي دعوةٌ دينيَّةٌ محضةٌ، لا دَخْلَ لها في السياسة البتَّةَ، نريد منها تثقيف أمَّتنا وتهذيب مجتمعنا بتعاليم دين الإسلام الصحيحة، وهي تتلخَّص في كلمتين: أن لا نعبد إلاَّ الله وحده، وأن لا تكون عبادتنا له إلاَّ بما شرعه وجاء من عنده... ثمَّ ما هي هذه الوهَّابيَّة التي تَصَوَّرها المتخيِّلون أو صوَّرها لهم المجرمون بغير صورتها الحقيقيَّة؟ أهي حزبٌ سياسيٌّ؟... أم هي مذهبٌ دينيٌّ وعقيدةٌ إسلاميَّةٌ كغيرها من العقائد والمذاهب التي تنتحلها وتدين بها مذاهبُ وجماعاتٌ من المسلمين؟ وإذا كانت الوهَّابيَّة: هي عبادة الله وحده بما شرعه لعباده؛ فإنها هي مذهبنا وديننا وملَّتنا السمحة التي ندين الله بها، وعليها نحيا وعليها نموت ونُبعث إن شاء الله من الآمنين»(٥٢- العدد 2 من جريدة «السنّة» (7)).
- وقال الشيخ ابن باديس -رحمه الله- دفاعًا عن أتباع الشيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب وبيانًا لعقيدتهم السلفيَّة: «قام الشيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب بدعوةٍ دينيَّةٍ، فتبعه عليها قومٌ فلُقِّبوا ﺑ«الوهَّابيِّين»، لم يدعُ إلى مذهبٍ مستقلٍّ في الفقه؛ فإنَّ أتباعه النجديِّين كانوا قبله ولا زالوا إلى الآن بعده حنبليِّين؛ يدرسون الفقه في كتب الحنابلة، ولم يدعُ إلى مذهبٍ مستقلٍّ في العقائد؛ فإنَّ أتباعه كانوا قبله ولا زالوا إلى الآن سنِّيِّين سلفيِّين؛ أهل إثباتٍ وتنزيهٍ، يؤمنون بالقدر ويثبتون الكسب والاختيار، ويصدِّقون بالرؤية، ويُثبتون الشفاعة، ويترضَّوْن عن جميع السلف، ولا يُكفِّرون بالكبيرة، ويُثبتون الكرامة، وإنما كانت غاية دعوة ابن عبد الوهَّاب تطهير الدين من كلِّ ما أحدث فيه المحدثون من البدع، في الأقوال والأعمال والعقائد، والرجوع بالمسلمين إلى الصراط السويِّ من دينهم القويم بعد انحرافهم الكثير وزيغهم المبين، لم تكن هاته الغاية التي رمى إليها بالقريبة المنال ولا السهلة السبل، فإنَّ البدعَ والخرافاتِ باضَتْ وفرَّختْ في العقول، وانتشرت في سائر الطوائف وجميع الطبقات على تعاقُب الأجيال في العصور الطوال؛ يَشِبُّ عليها الصغير، ويشيب عليها الكبير، أقام لها إبليس من جنده من الجنِّ والإنس أعوانًا وأنصارًا، وحرَّاسًا كبارًا من زنادقةٍ منافقين، ومعمَّمين جامدين محرِّفين، ومتصوِّفةٍ جاهلين، وخطباءَ وضَّاعين، فما كانت -وهذا الرسوخُ رسوخُها، وهذه المَنَعَةُ مَنَعَتُها- لتقوى على فعلها طائفةٌ واحدةٌ ﻛ«الوهابيِّين» في مدَّةٍ قليلةٍ، ولو أعدَّت ما شاءت من العُدَّة، وارتكبت ما استطاعت من الشدَّة ... إنَّ الغاية التي رمى إليها ابن عبد الوهَّاب، وسعى إليها أتباعه، هي التي لا زال يسعى إليها الأئمَّة المجدِّدون والعلماء المصلحون في جميع الأزمان»(٥٣- «الآثار» (5/32-33)).
وقال أيضًا -رحمه الله- في مقام الدفاع والإنصاف لدعوة الشيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب: «وصار من يُريد معرفتهم لا يجد لها موردًا إلاَّ كُتُبَ خصومهم الذين ما كَتَبَ أكثرُهم إلاَّ تحت تأثير السياسة التركيَّة التي كانت تخشى من نجاحِ الوهَّابيِّين نهضةَ العرب كافَّةً، وأقلُّهم مَن كَتَبَ عن حُسْنِ قصدٍ من غير استقلالٍ في الفهم ولا تثبُّتٍ في النقل، فلم تسلمْ كتابته في الغالب من الخطأ والتحريف، وأنَّى تُعرف الحقائق من مثل هاته الكتب أو تلك، أم كيف تُؤخذ حقيقة قومٍ من كتب خصومهم، ولا سيَّما إذا كانوا مثل الصنفين المذكورين»(٥٤- «الآثار» (5/23-24)).
وقد نشر الشيخ -رحمه الله- في [العدد 40 و41] من مجلَّته «الشهاب» حوارًا مع رئيس القضاة في مكَّة: الشيخ عبد الله بن بلهيد -رحمه الله- نقلاً عن جريدة «السياسة» الأسبوعيَّة، وممَّا جاء فيه قول رئيس القضاة: «أهل نجدٍ هم جميعهم على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، فهُمْ سلفيَّة العقيدة (نسبةً إلى السلف) حنابلة المذهب، أمَّا تسميتهم بالوهَّابيِّين وتسمية مذهبهم بالوهَّابية فليست من عملهم، وإنما هي من عمل خصومهم الذين أرادوا تنفير الناس منهم بإيهامهم الناسَ أنَّ هذا مذهبٌ جديدٌ يخالف المذاهب الأربعة»(٥٥- «الشهاب» (2/119)).
وقال -رحمه الله- وهو يردُّ على أسلاف صاحب المقال، ويؤكِّد أنَّ دعوة الحقِّ دعوةٌ واحدةٌ رغم كيد الظالمين وجهل المتحاملين: «ثمَّ يرمي الجمعية بأنها تنشر المذهب الوهَّابي، أفتُعَدُّ الدعوة إلى الكتاب والسنَّة وما كان عليه سلف الأمَّة، وطرحُ البدع والضلالات، واجتنابُ المُرْدِيَاتِ والمهلكات؛ نشرًا للوهَّابية؟!! أم نشْرُ العلم والتهذيب وحريَّة الضمير وإجلال العقل واستعمال الفكر واستخدام الجوارح نشرٌ للوهَّابية؟!! إذًا فالعالَم المتمدِّن كلُّه وهَّابيٌّ! فأئمَّة الإسلام كلُّهم وهَّابيُّون! ما ضرَّنا إذا دعَوْنا إلى ما دعا إليه جميع أئمَّة الإسلام وقام عليه نظام التمدُّن في الأمم إن سمَّانا الجاهلون المتحاملون بما يشاءون، فنحن -إن شاء الله- فوق ما يظنُّون، والله وراء ما يكيد الظالمون»(٥٦- العدد 3 من جريدة «الصّراط السويّ» (4)).
ونشر الشيخ -رحمه الله- في «الشهاب» خطبةً نقلها عن «جريدة أمِّ القرى» كان قد ألقاها الملك ابن سعودٍ في قصره بمكَّة على خمسمائة رجلٍ من أعيان الحجيج، وممَّا جاء في هذه الخطبة: «يسمُّوننا بالوهَّابيِّين، ويسمُّون مذهبنا بالوهَّابيِّ باعتبار أنَّه مذهبٌ خاصٌّ، وهذا خطأٌ فاحشٌ نشأ عن الدعايات الكاذبة التي يبثُّها أهل الأغراض، نحن لسنا أصحاب مذهبٍ جديدٍ وعقيدةٍ جديدةٍ، ولم يأتِ محمَّد بن عبد الوهَّاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح، التي جاءت في كتاب الله وسنَّة رسوله، وما كان عليه السلف الصالح، ونحن نحترم الأئمَّة الأربعة، ولا فرْقَ عندنا بين مالكٍ والشافعيِّ وأحمد وأبي حنيفة، وكلُّهم محترَمون في نظرنا، هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمَّد بن عبد الوهَّاب يدعو إليها، وهذه هي عقيدتنا، وهي مبنيَّةٌ على توحيد الله -عزَّ وجلَّ-، خالصةٌ من كلِّ شائبةٍ، منزَّهةٌ عن كلِّ بدعةٍ، فعقيدة التوحيد -هذه- هي التي ندعو إليها، وهي التي تُنجينا ممَّا نحن فيه من إِحَنٍ وأوصابٍ»(٥٧- «الشهاب» (ج 6، م 5، ص 40-42)).
- وقال الشيخ محمَّد البشير الإبراهيمي -رحمه الله- في السياق ذاته: «ويقولون عنَّا إنَّنا وهَّابيُّون، كلمةٌ كثر تردادها في هذه الأيَّام الأخيرة حتَّى أنْسَتْ ما قبلها من كلماتٍ: عبداويِّين وإباضيِّين وخوارج، فنحن بحمد الله ثابتون في مكانٍ واحدٍ وهو مستقَرُّ الحقِّ، ولكنَّ القوم يصبغوننا في كلِّ يومٍ بصبغةٍ، ويَسِمُونَنَا في كلِّ لحظةٍ بِسِمَةٍ، وهُمْ يتَّخذون من هذه الأسماء المختلفة أدواتٍ لتنفير العامَّة منَّا وإبعادها عنَّا، وأسلحةً يقاتلوننا بها وكلَّما كلَّتْ أداةٌ جاءوا بأداةٍ، ومن طبيعة هذه الأسلحة الكلال وعدم الغَناء، وقد كان آخر طرازٍ من هذه الأسلحة المفلولة التي عرضوها في هذه الأيَّام كلمة «وهَّابي»، ولعلَّهم حشدوا لها ما لم يحشدوا لغيرها وحفلوا بها ما لم يحفلوا بسواها، ولعلَّهم كافأوا مبتدعها بلقب «مبدعٍ كبيرٍ»، إنَّ العامَّة لا تعرف من مدلول كلمة «وهَّابي» إلاَّ ما يعرِّفها به هؤلاء الكاذبون، وما يعرف منها هؤلاء إلاَّ الاسم، وأشهر خاصَّةٍ لهذا الاسم وهي أنه يذيب البدع كما تذيب النار الحديد، وأنَّ العاقل لا يدري: مِمَّ يعجب! أمِنْ تنفيرهم باسم لا يعرف حقيقتَه المخاطِبُ منهم ولا المخاطَب، أم من تعمُّدِهم تكفيرَ المسلم الذي لا يعرفونه نكايةً في المسلم الذي يعرفونه، فقد وُجِّهتْ أسئلةٌ من العامَّة إلى هؤلاء المفترين من «علماء السنَّة!!» عن معنى «الوهَّابي»؛ فقالوا هو الكافر بالله وبرسوله، ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا﴾، أمَّا نحن فلا يعسر علينا فهمُ هذه العقدة من أصحابنا بعد أنْ فَهِمْنا جميع عُقَدهم، وإذ قد عرفْنا مبلغ فهمهم للأشياء وعلمهم بالأشياء، فإنَّنا لا نردُّ ما صدر منهم إلى ما يعلمون منه، ولكنَّنا نردُّه إلى ما يقصدون به، وما يقصدون بهذه الكلمات إلاَّ تنفير الناس من دعاة الحقِّ، ولا دافِعَ لهم إلى الحشد في هذا إلاَّ أنهم موتورون لهذه الوهَّابية التي هدمتْ أنصابهم ومحتْ بِدَعَهم فيما وقع تحت سلطانها من أرض الله، وقد ضجَّ مبتدعة الحجاز فضجَّ هؤلاء لضجيجهم -والبدعة رحِمٌ ماسَّةٌ-، فليس ما نسمعه هنا من ترديد كلمة «وهَّابي» تُقذف في وجه كلِّ داعٍ إلى الحقِّ إلاَّ نواحًا مردَّدًا على البدع التي ذهبتْ صرعى هذه الوهَّابية، وتحرُّقًا على هذه الوهَّابية التي جرفتِ البدع، فما أبغض الوهَّابية إلى نفوس أصحابنا! وما أثقل هذا الاسم على أسماعهم! ولكن ما أخفَّه على ألسنتهم حين يتوسَّلون به إلى التنفير من المصلحين! وما أقسى هذه الوهَّابية التي فجعتِ المبتدعةَ في بدعهم -وهي أعزُّ عزيزٍ لديهم-، ولم ترحم النفوسَ الولهانة بحبِّها ولم ترْثِ للعبرات المراقة من أجلها!» (٥٨- العدد 9 من جريدة «السنّة» (3)).
وقال -رحمه الله-: «نسمع نغماتٍ مختلفةً ونقرؤها في بعض الأوقات: كلماتُ: مجسِّمة -صادرةٌ من بعض الجهات الإدارية أو الجهات الطُّرقية- تحمل عليها الوسوسة وعدم التبصُّر في الحقائق -من جهةٍ-، والتشفِّي والتشهير -من جهةٍ أخرى-، هذه النغمات هي رمي جمعية العلماء تارةً بأنها شيوعيَّةٌ، وتارةً بأنها محرَّكةٌ بيدٍ خفيَّةٍ أجنبيَّةٍ، وتارةً بأنها تعمل للجامعة الإسلامية أو العربية أو تعمل لنشر الوهَّابية، والطُّرقيون لا تهمُّهم إلاَّ هذه الكلمة الأخيرة، فهي التي تقضُّ مضاجعهم وتحرمهم لذيذ المنام، وحالُهم معها على الوجه الذي يقول فيه القائل:
فَإِذَا تَنَبَّهَ رُعْتَه وَإِذَا غَفَا * سَلَّتْ عَلَيْهِ سيوفَكَ الأَحْلاَمُ
وكيف لا يحقدون عن هادمة أنصابهم، وهازمة أحزابهم؟ فتراهم لاضطغانهم عليها يريدون أن يسبُّوها فيسبُّوننا بها من غير أن يتبيَّنوا حقيقتها أو حقيقتنا، والقوم جهَّالٌ ملتخون من الجهل، وحسْبُهم هذا»(٥٩- «آثاره» (1/198)).
- قال الشيخ أبو يعلى الزواوي -رحمه الله- في مقالٍ بعنوان «الوهَّابيُّون سنِّيُّون، وليسوا بمعتزلةٍ كما يقولون هنا عندنا بالجزائر»: «لمَّا سُئِلْتُ عن هذه الكلمة «الوهَّابيَّة» وعن عقيدة الإخوان النجديِّين، وسمعتْ أذناي ممَّن سألوني ومِن غيرهم قولَهم: إنَّ الوهَّابيِّين معتزلةٌ، وإنَّ الحُجَّاج منقبضون بسبب هذه الكلمة - الوهَّابية أو المعتزلة- المخالِفة على زعمهم؛ أجبتُ بالاختصار أنَّ الإخوان الوهَّابيِّين حنابلةٌ يتعبَّدون على مذهب الإمام أحمد بن حنبل الذي هو أحد المذاهب الأربعة المشهورة ... إنَّ ابن عبد الوهَّاب حنبليٌّ، وإنما هو عالِمٌ إصلاحيٌّ، وأتباعه -السلطان ابن السعود ورعيَّته وإمارته النجديَّة- إصلاحيُّون سلفيُّون سنِّيُّون حقيقيُّون على مذهب أحمد الإمام، وعلى طريقة الإمام تقيِّ الدين ابن تيميَّة في الإصلاح والعناية التامَّة بالسنَّة»(٦٠- العدد 98 من «الشهاب» (2)).
وقال -رحمه الله- في مقالٍ له بعنوان «وهَّابي»: «وقفتُ على ما جاء من مقال العلاَّمة الحجوي الوزير بالمغرب الأقصى في شأن إخواننا الحنابلة الذين يُدْعَوْنَ بل يُنْبَزُون بالوهَّابيِّين منذ قيام العلاَّمة المرحوم الشيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب القائم بدعوة الإصلاح والدعاء إلى الكتاب والسنَّة كما جاء عن الله وعن الرسول والرجوع إلى ذلك، وطرحِ ما أحدث المبتدعة المسمَّمين(٦١- كذا والصواب «المسمَّمون»، لأنه نعتُ فاعلٍ مرفوعٍ، فهو مرفوعٌ مثلُه) -باسم المفعول- بالباطنيَّة المدسوسة والموروثة منذ القرن الرابع عند قيام الدولة الفاطميَّة من مغربنا هذا بجحافلها، واحتلَّت القاهرةَ وسمَّمت الأمَّةَ كافَّةً وبعض العلماء خاصَّةً كمحيي الدين ابن العربي وابن الفارض والنجم الإسرائيلي وابن سبعين وابن سينا، الذين أحدثوا قَوْلَةَ القطب والغوث والأبدال، والسبعة والسبعين، والأربعة والأربعين، إلى غير ذلك ممَّا أبطله العلم الصحيح ولم يعترف به كالديوان وتصرُّف الأموات، وبناء القبور وزخرفتها وإعلاء القُبَبِ والطواف بها...»(٦٢- العدد 6 من جريدة «الصراط السويّ» (4)).
وقال -رحمه الله-: «ولهذا قلت وما زلت ولن أزال أقول: إنَّ المالكي الذي يطعن في الوهَّابيِّين يطعن في مالكٍ ومذهبِه من حيث يشعر أو لا يشعر، أو لأنه جاهلٌ أو متجاهلٌ»(٦٣- العدد 7 من جريدة «الصراط السويّ» (7)).
وقال -رحمه الله- في مقالٍ بعنوان «لِمَ كان أو صار الوهَّابيُّون سُبَّة ؟!!»: «فأهل العلم عمومًا وأهل الإسلام قاطبةً يعلمون أنَّ الوهَّابيِّين حنبليِّين(٦٤- كذا، والصواب: «حنبليون» رفعًا لأنه خبر «أنَّ») من أهل السنَّة والجماعة، ومن المذاهب الأربعة المجمع عليها، والشيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب مجدِّد مذهب الإمام أحمد، مع ترجيح مذهب السلف، وكتابه في العقيدة التوحيديَّة (يعني «كتاب التوحيد الذي هو حقُّ الله على العبيد») يباع بمكتبة ردوسي بمدينة الجزائر، ولا يستطيع سنِّيٌّ أن يردَّ فيه كلمةً واحدةً ولا نصف كلمةٍ، وأنَّ الوهَّابيِّين بإجماع الأمَّة مسلمون سنِّيُّون، من أهل القبلة)(٦٥- العدد 167 من جريدة «البصائر» (2)).
منقول من موقع الشيخ فركوس حفظه الله