(1)
ذات يوم، كان هناك زمن جميل
وكان لهذا الزمن حكايات
وكان للحكايات أبطال
وكان للأبطال أحلام
وكانت الأحلام مُتخمة بالإحساس
وكان الإحساس نقياً أخضر اللون
وكان للإحساس وطن يحتويه
وكان وطن الإحساس·· رسائل
(2)
وكان للرسائل ميلاد وتاريخ
تاريخ لا يدرك أهميته سواهم
تاريخ تختم به رسائلهم
تلك الرسائل التي كانت تكتب بخطوط أيديهم
وتذيل بأسمائهم الصريحة
دون أن يُداخلهم الرعب
أو يُساورهم الخوف من انتهاك الطرف الآخر لثقتهم النقيّة فيه
(3)
كان للرسائل قدسية كبرى لديهم
فرسائلهم كانت تعني لهم الكثير
وتحتل مساحة شاسعة من إحساسهم الجميل
ففوق الرسائل كانوا يجسدون حكايات كاملة
بفصولها وأحلامها وإحساسها وانتصاراتها وانكساراتها وانتكاساتها
وفوق الرسائل كانوا يبنون مدناً من الخيال،
بأُناسها وطقوسها ومبانيها وأطفالها
ولهذا كانت الرسائل تمثل لهم سراً عظيماً
يحرصون على عدم البوح به إلاّ لأقرب المقربين منهم
(4)
وكان للرسائل في الزمن الجميل مراحل متتالية
تبدأ بمرحلة الإحساس والحلم
ثم البوح بالإحساس ورسم الحلم
ثم انتظار الرد من الطرف الآخر
وفي مرحلة الانتظار يولد ألف حلم فوق محطة التمني
ويموت ألف إحساس فوق محطات الحيرة
(5)
أما عادة إعادة الرسائل بعد انتكاسة الحلم وانتهاء الحكاية
فربما تكون هذه العادة قد تكوّنت
نتيجة احترامهم حكاية عاشت في دمهم
أو لإحساسهم بأن الرسائل جزء من الحكاية التي كانت
وحرصهم على عدم بتر الحكاية
يدفعهم إلى إعادة الرسائل بعد استيقاظ الحلم
وغالباً ما يُصاحب إعادة الرسائل إحساس مُتضخّم بالألم والهزيمة
(6)
وهناك فئة
تحرص على الاحتفاظ بالرسائل بعد انتهاء الحكاية
لأنها تجد في الرسائل شاهداً صادقاً على حكاية كانت
ولأن فوق صفحات الرسائل مراحل من العمر الجميل
الذي يصعب التنازل عنه لمجرد انتهاء الإحساس أو الحكاية
ومع الوقت، تتحول الرسائل إلى محطات سرية
يلجأ إليها أصحابها في لحظات حنينهم·· أو ضعفهم
الرسائل ليست مجرد حبر وورق
فالرسالة قد تكون حكاية
والرسالة قد تكون حلماً
والرسالة قد تكون إحساساً
والرسالة قد تكون وطناً
والرسالة قد تكون·· عمراً بأكمله