موضوع مميز مُقْتَطَفَـــاتٌ مِنْ كِتَابِ: (إِغَاثَةُ اللّهْفَانِ مِنْ مَصَائِدِ الشَّيْطَانِ) لِلْإِمَامِ اِبْنِ القَيِّمِ - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام

القسم الاسلامي العام للمواضيع الإسلامية العامة كالآداب و الأخلاق الاسلامية ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

مُقْتَطَفَـــاتٌ مِنْ كِتَابِ: (إِغَاثَةُ اللّهْفَانِ مِنْ مَصَائِدِ الشَّيْطَانِ) لِلْإِمَامِ اِبْنِ القَيِّمِ

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2013-05-08, 13:55   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
تصفية وتربية
مشرفة القسم الاسلامي للنّساء
 
الصورة الرمزية تصفية وتربية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي مُقْتَطَفَـــاتٌ مِنْ كِتَابِ: (إِغَاثَةُ اللّهْفَانِ مِنْ مَصَائِدِ الشَّيْطَانِ) لِلْإِمَامِ اِبْنِ القَيِّمِ

بسم الله الرحمن الرحيم
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فهذه مُقتطفات من كتاب: "إِغَاثَـةُ اللَّهْفَانِ مِنْ مَصَائِدِ الشَّيْطَــانِ" للإمام: اِبن قيِّم الجوزية -رحمه الله-، انتقيْتها لكم وأردتُ وضعها بشكل مُتجدّد في هذا الموضوع حتى تعم الفائِدة.
الكتاب كلّه قيِّم كما هو حـال باقي كُتب الإمام رحمه الله تعالى، ولأنه لا يسعنـا وضعه كاملاً لهذا اِنتقيتُ هذه المجموعة من الفوائِد التي دوّنتها خلال قراءتي للكتـاب ووددتُ مشاركتكم إيّـاها
أسأل الله أن ينفعني وإيّاكم بها ..
أرجو أن تكونوا في المُتابعة كما أرجو أن لا تُفوّتوا فرصة اِقتنـاء الكتاب
والله الموفق والله الهادي للصواب ..

قال -رحمه الله تعالى- في تصنيفه للقلوب إلى ثلاثة أقسام: "قلب سليم، وقلب سقيم وقلب ميِّت":
(فالقلب السّليم: هو الذي سَلِمَ من أن يكون لغير الله فيه شِرك بوجهٍ مـا؛ بل خلُصت عبُوديّته لله تعالى: إرادة ومحبّة وتوكلاً وإنـابـة وخشيـة ورجاءً، وخلُصَ عمله لله فإن أحبّ أحبّ في الله وإن أبغَضَ أبغضَ في الله، وإن أعطى أعطى لله، وإن منَعَ مَنَعَ لله، ولا يكفيه هذا حتّى يَسْلَمَ من الاِنقيـاد والتّحكيم لكلّ من عدا رسوله ﷺ. فيَعقد قلبه معه عقدًا مُحكمًا على الاِئْتِمَـامِ والاقتِـداءِ بـه وحده دون كلّ أحدٍ في الأقـوال والأعمـال، مِن أقـوال القلب وهي العقائِد وأقـوال اللّسـان وهي الخبَر عمّا في القلب).

إلى أن قـال:
(والقلب الثانـي [القلب الميِّت]: ضد هـذا وهو القلب الميْت الذي لا حيـاة بـه، فهو لا يعرف ربّه ولا يعبد بأمـره وما يُحبّه وبرضـاه؛ بل هو واقِفٌ مع شهواته ولذاذاته ولو كان فيها سخط ربّه وغضبه، فهو لا يُبالي إذا فـاز بشهوتـه وحظه رضي ربّه أم سخط، فهو مُتعبّدٌ لغير الله: حُبًّا وخوفًا ورجاءً ورضًا وسخطًا وتعظيمًا وذُلاً.
إن أحبّ أحبّ لهواه وإن أبغض أبغض لِهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، وإن منع منعَ لِهواه، فهواه آثَرُ عنده وأحبُّ إليـه من رضـا مولاه، فالهوى إمامـه والشّهوة قائِده والجهل سائِقه والغفلة مَرْكَبُهُ، فهو بالفكر في تحصيل أغراضه الدُنيوية مغمور، وبِسكرة الهوى وحبِّ العاجلـة مَخمُور يُنادَى إلى الله وإلى الدّار الآخِرة من مكان بعيد، ولا يستجيبُ للنّاصح ويتّبعُ كلّ شيْطان مرِيد. الدُنيـا تُسخطه وتُرضيه، والهوى يصمّه ويَعميه، فهو في الدُنيـا كما قِيل في ليلـى:
عَدُوٌّ لِمَنْ عَادَتْ وسِلْمٌ لِأَهْلِهَا ** وَمَنْ قَرَّبَتْ لَيْلَى أَحَبُّ وَاَقْرَبَا
فَمُخالطة صاحِبِ هذا القلب سَقم، ومُعاشرتُه سم، ومُجالسته هلاك.
والقلب الثّالِث [القلب السّقيم]: قلب لـه حياة وبه علّة فلـه مادتـان، تمده هذه مرّة وهذه أخرى. وهو لِما غلب عليه منهما، ففيه من محبّة الله تعالى والإيمان به والإخلاص لـه، والتوكل عليه: ما هو مادّة حياتـه. وفيه من محبّة الشهوات وإيثارها والحِرص على تحصيلها، والحسد والكِبر والعُجب، وحبّ العلو والفسـاد في الأرض بالرّيـاسـة: ما هو مادّة هلاكه وعَطَبِه. وهو مُمتحنٌ بين داعيَيْن: داعٍ يدعوه إلى الله ورسولـه والدّار الآخرة، وداعٍ يدعوه إلى العاجِلة. وهو إنّما يُجيب أقربهمـا منه بابًا. وأدناهما إليه جِوارًا.
فالقلب الأول حيّ مُخْبِتٌ ليِّن واعٍ، والثّاني يابِسٌ ميِّتٌ، والثّالِث مريـض، فإمّا إلى السلامـة أدنى، وإمّا إلى العطب أدنَى).
ثم قال:
(فلذلك اِنقسمت القلوب إلى هذه الأقسـام الثلاثة:
- فالقلب الصّحيح السّليم: ليس بينه وبين قبول الحق ومحبّته وإيثـاره سوى إدراكه، فهو صحيح الإدراك للحق، تام الانقياد والقبول لـه.
- والقلب الميِّت القاسـي: لا يقبله ولا ينقاد لـه.
- والقلب المريض: إن غَلَبَ عليه مرضه التحق بالميِّتِ القاسي، وإن غَلَبَت عليه صحّته اِلتحق بالسّليم).



منقول باختصار وتصرّف يسير
الباب الأول: في انقاسم القلوب إلى صحيح وسقيم وميت
ص: 19-21











 


آخر تعديل ابو اكرام فتحون 2016-08-22 في 20:28.
رد مع اقتباس
قديم 2013-05-08, 13:58   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
تصفية وتربية
مشرفة القسم الاسلامي للنّساء
 
الصورة الرمزية تصفية وتربية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي يُتبع ..

قال -رحمه الله تعالى-:
(ولَمّا كان مَرضُ البدنِ خِلافَ صحّته وصلاحه، وهو خُروجه عن اعتدالـه الطبيعي لِفساد يُعرض لـه يفسد بـه إدراكه وحَركته الطبيعية، فإمّـا يذهب إدراكه بالكُليّة كالعمى والصمم والشّلل، وإمّا ينقص إدراكه لضُعفٍ في آلات الإدراكِ مع استقامـة إدراكه، وإمّا يُدرِكُ الأشيـاء على خِلاف ما هي عليه، كما يُدرك الحلو مُرًّا والخبيث طيِّبًا والطيِّب خبيثًا
) أهـ


البـاب الثّاني: في ذِكر حقيقة مرض القلب
فصل: في أسباب ومُشخصات مرض البدن والقلب
ص: 26










رد مع اقتباس
قديم 2013-05-08, 14:16   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
تصفية وتربية
مشرفة القسم الاسلامي للنّساء
 
الصورة الرمزية تصفية وتربية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي يُتبع ..

قال -رحمه الله-:
(مرض القلب نوعـان:
- نوعٌ لا يتألّم به صاحبه في الحـال: وهو النّوع المتقدّم كمرض الجهل ومرض الشُبهات والشّكوك ومرض الشهوات. وهذا النّوع أعظم النوعين ألمًا؛ ولكن لفساد القلب لا يحس بالألم ...
- والنّوع الثاني: مرض مُؤلِم في الحـال كالهمّ والغمّ والغيط ...
فأمراض القلب التي تزول بالأدوية الطبيعية، وهي من جِنس أمراض البدن، وهذه قد لا تُوجِب وحدها شقاءه وعذابه بعد الموت.
وأمّا أمراضه التي لا تزول إلاّ بالأدوبة الإيمانية النبوية فهي التي تُوجِب لـه الشّقاء والعذاب الدائِم إن لم يتداركها بأدويتها المُضادة لها).
إلى أن قال:
(- فالغيظ يُؤلم القلب ودواؤه في شِفاء غيْظه؛ فإن شفاه بحق اِشتفى وإن شفاه بظلم وباطل زادَه مرضًا من حيْثُ ظنّ أنه يشفيه.
- وكذلك الغمّ والهمّ والحزن أمراض للقلب وشفاؤها بأضدادها: من الفرح والسُرور؛ فإن كان ذلك بحق اِشتفى القلب وصحّ وبرِئ من مرضه، وإن كان بباطل توارى ذلك واستتر.
- وكذلك الجهل مرض يُؤلِم القلب، فمن النّاس من يُداويه بِعلوم لا تنفع ويعتقد أنه قد صحّ من مرضه بتلك العُلوم، وهي في الحقيقة إنّما تزيده مرضًا إلى مرضه، لكن اِشتغل القلب بها عن إدراك الألم الكامِن فيه بسبب جهله بالعلوم النّافعة التي هي شرط في صحته وبرئِه.
- وكذلك الشّاك في الشـيء المُرتاب فيه يتألم قلبه حتى يحصل له العلم واليقين.
- وكذلك يضيق بالجهل والضلال عن طريق رُشده وينشرح بالهدى والعلم).

منقول باختصار وتصرّف يسير
الباب الثالث: في انقسام أدوية أمراض القلب إلى قسمين: طبيعية وشرعيّة
ص: 28-29










رد مع اقتباس
قديم 2013-05-08, 14:25   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
تصفية وتربية
مشرفة القسم الاسلامي للنّساء
 
الصورة الرمزية تصفية وتربية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي يُتبع .. إن شـــاء الله ..

قال -رحمه الله-:
(أصلُ كلّ خير وسعادة للعبدِ بل كلّ حيّ ناطق: كمال حياتـه ونـوره فالحياة والنّور مـادة الخير كلّ، قال تعالى: ﴿أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورً‌ا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِ‌جٍ مِّنْهَا
[الأنعام: 122]، فجمع بين الأصلين: الحيـاة والنّـــور).


الباب الرّابـع: في أن حياة القلب وإشراقه مـادة كلّ خير فيه وموته وظلمته مادة كلّ شر فيـه
ص: 30









رد مع اقتباس
قديم 2013-05-08, 15:02   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
تصفية وتربية
مشرفة القسم الاسلامي للنّساء
 
الصورة الرمزية تصفية وتربية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي يُتبع .. إن شـــاء الله ..

قال -رحمه الله-:
(لمّا كان في القلب قوتان: قوة العِلم والتمييز، وقوّة الإرادة والحُب، كان كماله وصلاحه باستعمـال هاتيْن القوّتين فيما ينفعه ويعود عليـه بصلاحه وسعادته، فكمالته باستعمال قوّة العِلم في إدراك الحق ومعرفته والتمييز بينه وبين البـاطل، وباستعمال قوّة الإرادة والمحبّة في طلب الحق ومحبّته وإيثاره على الباطل، فمن لم يعرف الحق فهو ضال، ومن عرفه وآثر غيره عليه فهو مغضوبٌ عليه، ومن عرفه واتّبعه فهو منعم عليه.
وقد أمرنـا -سبحانه وتعالى- أن نسـألـه في صلاتنـا أن يهدينـا صِراط الذين أنعم عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّاليـن، ولِهذا كان النصارى أخص بالضلال لأنهم أمّة جهل، واليهود أخص بالغضب لأنهم أمّة عِناد [1]، وهذه الأمّة هم المنعم عليهم، ولهذا قال سفيان بن عُيَيْنة: "من فَسَد من عُبّادِنـا ففيه شبه من النّصارى، ومن فَسَد من عُلماءِنـا ففيه شبه من اليهود، لأن النصارى عبدوا بغير عِلم، واليهود عرفوا الحق وعدلوا عنه").

[1]: عرفوا الحق فعاندون واتّبعوا باطلهم.


الباب الخامِس: في أن حياة القلب وصحته لا تحصل إلاّ بأن يكون مُدرِكً للحق مُرِيدًا له مُؤثِرًا له على غير
ص: 34









رد مع اقتباس
قديم 2013-05-08, 15:21   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
تصفية وتربية
مشرفة القسم الاسلامي للنّساء
 
الصورة الرمزية تصفية وتربية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي يُتبع .. إن شـــاء الله ..

قال -رحمه الله-:
(وقال: "اللّهم إنّي أسلمتُ نفسي إليك ووجّهتُ وجهي إليك وفوّضتُ أمرِي إليك وألجأتُ ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى إلاّ إليك" [1]
فمنهُ المنجى وإليه الملجأ، وبه الاستعاذة من شرّ ما هو كائِن بمشيئته وقُدرته، فالإعاذة فعله، والمُستعاذ منه فعله أو مفعوله الذي خلقه بمشيئته.
فالأمر كله له والحمد كلّه له والخير كلّه في يديه، لا يُحصي أحدٌ من خلقه ثنـاء عليه بل هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يُثني عليه كلّ أحدٍ من خلقه، ولهذا كان صلاح العبد وسعادته في تحقيق معنى قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتِحة: 5].
فإنّ العُبوديّة تتضمن لمقصود المطلوب، لكن على أكمل الوجوه، والمُستعان هو الذي يُستعان بـه على المطلوب. فالأول: من معنى ألوهيته، والثاني: من معنى رُبوبيته، فإن الإلـه هو الذي تألهه القلوب: محبّة وإنابة وإجلالاً وإكرامًا وتعظيمًا وذُلاً وخُضوعًا وخوفًا ورجاءًا وتوكلاً، والرّب هو الذي يُربّي عبـده فيُعطيه خلقه ثم يهديه إلى مصالِحه، فلا إلـه إلاّ هو، ولا ربّ إلاّ هو، فكما أن رُبوبيته ما سواه أبطل الباطل فكذلك إلهيّة ما سـواه).

[1]: صحيح: أخرجه البُخاري (247) كتاب الوضوء، ومُسلم (2710) كتاب الذّكر والدُعاء، وسُنن الترمذي (3394) وسُنن أبي داود (5046)، وسُنن الدارمي (2683) من حديث البراء

الباب السّادِس: في أنه لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا صلاح إلاّ
بأن يكون الله هو إلهه وفاطره وحده وهو معبوده وغاية مطلوبه
وأحب إليه من كل ما سـواه
ص: 37










رد مع اقتباس
قديم 2013-05-08, 18:42   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
khaledsayf
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية khaledsayf
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي











رد مع اقتباس
قديم 2013-05-08, 18:45   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
تصفية وتربية
مشرفة القسم الاسلامي للنّساء
 
الصورة الرمزية تصفية وتربية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي يُتبع .. إن شـــاء الله ..

قال -رحمه الله-:
(عن عمّار بن يـاسِر: أنّ رسول الله ﷺ كان يدعو: "اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي ، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي ، أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا ، وَالْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ ، وَأَسْأَلُكَ الشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ" [1].
فجَمَع في هذا الدُّعـاءِ العظيم القدر بين أطيَب شـيء في الدُّنيـا وهو الشّـوق إلى لِقائِه سبحانه، وأطيَبِ شـيء في الآخرة وهو النّظر إلى وجهه سُبحانـه.
  • ولمّا كان كمـال ذلك وتمامـه مَوْقوفًا على عدم ما يضر في الدّنيـا ويفتِن في الدّين قال: "فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ".
  • ولمّا كان كمـال العَبْدِ في أن يكون عالِمًا بالحق مُتّبعًا له مُعلّمًا لِغيْره مُرشِدًا له قال: "وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ".
  • ولمّا كان الرِّضـا النّافع المُحصِّل للمقصود هو الرّضـا بعد وقوع القضـاء لا قبله، فإن ذلك عزم على الرّضا، فإذا وقَعَ القضـاء انفسَخَ ذلك العـزم سـأل الرّضـا بعده، فإن المقدُور يكتنفه أمران: الاِستخارة قبل وقوعه، والرّضـا بعد وقوعه.
فمن سعادة العبد أن يجمع بينهمـا كما في المُسند وغيره عنه ﷺ: "إنّ مِن سعـادة ابن آدم اِستخارة الله ورضـاه بما قضى الله، وإنّ من شقاوة ابن آدم ترك اِستخارة الله وَسخطه بما قضى الله تعالى" [2].
  • ولمّا كانت خشية الله عزل وجل رأس كلّ خير في المشهد والمغيب سألـه خَشيته في الغيْبِ والشّهـادة.
  • ولمّا كان أكثر النّـاس إنّمـا يتكلّم بالحق في رِضـاه فإذا غضِب أخرجه غضبه إلى البّاطِل، وقد يدخله أيضًا رِضـاه في البّاطل سأل الله عز وجل أن يوفّقه لِكلمه الحق في الغضب والرّضـا، ولِهذا قال بعض السّلف: لا تكن ممن إذا رَضِيَ أدخله رِضاه في الباطِل، وإذا غَضِب أخرجه غَضبه من الحق.
  • ولمّا كان الفقر والغِنى بليّتين ومِحنتين يبتلي الله بهما عبده، ففي الغِنى يبسط يده وفي الفقر يقبضها سـأل الله عز وجل القصد في الحالتيْن، وهو التوسط الذي ليس معه إسـرافٌ ولا تقدير.
  • ولمّا كان النّعيم نوعين: نوعًا للبدن ونوعًا للقلب، وهو قرّة العيْن وكمالـه بدوامـه واستمـراره جمع بينهمـا في قولـه: "وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ".
  • ولمّا كانت الزّينة زينتين: زينة البَدَنِ وزِينـة القلب، وكانت زينـة القلب أعظمهمـا قدرًا وأجلّهمـا خطرًا وإذا حَصَلت زينـة البدن على أكمل الوجـوه في العُقبَى سـأل ربّه الزينـة الباطِنـة فقال: "زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ".
  • ولمّا كان العَيْش في هذه الدّار لا يبرد لأحد كائِن من كان بل هو مَحشوٌّ بالغصص والنكد، ومَحفُوفٌ بالآلام الباطانة والظاهرة سأل بـرد العَيْش بعد المـوت).

[1]: مُسند أحمد (264/4)، وسُنن النسائـي (1305)، وصحيح ابن حبّان (1971) وصحّحه الألباني -رحمه الله- في صحيح الجامع (1301)، وصفة الصلاة (165) والكلم الطيِّب (105).
[2]: ضعيف: أخرجه أحمد (1444)، والترمذي (2151)، والحاكِم في المُستدرك (1903) من طريق محمد بن أبي حميد عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه عن جدّه، وتابعه عبد الرّحمن بن أبي بكر بن عبد الله بن إسماعيل فذكره مرفوعًا، ومحمد بن أبي حميد وعبد الرّحمن بن أبي بكر كلاهما ضعيف جدًا لا يصلح حديثهما في الشّواهد ولا في المُتابعات، وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نرفعه إلاّ من حديث محمّد بن أبي حميد ويُقال له حمّاد بن أبي حميد، وهو أبو إبراهيم المدني وهو ليس بالقوي عند أهل الحديث.


الباب السّادِس: في أنه لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا صلاح إلاّ
بأن يكون الله هو إلهه وفاطره وحده وهو معبوده وغاية مطلوبه
وأحب إليه من كل ما سـواه
ص: 38-39










رد مع اقتباس
قديم 2013-05-08, 18:55   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
تصفية وتربية
مشرفة القسم الاسلامي للنّساء
 
الصورة الرمزية تصفية وتربية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي يُتبع .. إن شـــاء الله ..

قال -رحمه الله-:
(ولَيْسَ المقصود بالعبادات والأوامِر المشقّة والكلفة بالقصد الأول وإن وقع ذلك ضِمنًا وتبَعًا في بعضها [1] لأسبـاب اقتضته لا بد منهـا هي من لوازِم هذه النّشـأة فأوامِره سبحانه وحقّه الذي أوجَبَه على عِبـاده وشرائِعه التي شرعها لهم في قُرّة العيـون ولذّة القلُوب ونعِيم الأرواح وسُرورها، وبها شِفاؤها وسعادتُها وفلاحها وكمالها في معاشِها ومعَادِها، بل لا سُرور لها ولا فرح ولا لذّة ولا نعيم في الحقيقة إلاّ بذلك).

[1]: كالإحساس بالجوع والعَطش والحِرمـان من اللّذائِذ في الصيـام مثلاً، أمّا المُوقِن فإحساسـه بِتلك الأشيـاء لا يفوقها لذّة فالإنسان بروحه وعقله لا بإمعائِه وبطنه.


الباب السّادِس: في أنه لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا صلاح إلاّ
بأن يكون الله هو إلهه وفاطره وحده وهو معبوده وغاية مطلوبه

وأحب إليه من كل ما سـواه
ص: 40









رد مع اقتباس
قديم 2013-05-08, 21:59   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
تصفية وتربية
مشرفة القسم الاسلامي للنّساء
 
الصورة الرمزية تصفية وتربية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي يُتبع .. إن شـــاء الله ..

قال رحمه الله:
أن تعلّق العبدِ بما سوى الله تعالى مضرّة عليه إذا أخذ منه فوق القدر الزّائِد على حاجته غير مُستعين بـه على طاعته، فإذا نـال من الطّعام والشّراب والنّكاح واللّبـاس فوق حاجته ضره ذلك، ولو أحبّ سوى الله ما أحب فلا بدّ أن يسلبه ويُفارقه، فإن أحبّه لغير الله فلا بدّ أن تضره محبّته ويُعذّب بمحبوبـه إمّا في الدُّنيـا وإمّا في الآخرة. والغالب أنه يُعذّب بـه في الدّارين.

وقال أيضًا:
والمقصود أن من أحبّ شيْئًا سـوى الله عز وجل فالضرر حاصِل لـه بمحبوبـه: إن وجد وإن فَقَدَ فإنه إن فقده عُذّب بفواته وتألّم على قدر تعلّق قلبه به وإن وجده كان ما يحصل لـه من الألم قبل حصولـه ومن النّكد في حـال حصولـه ومن الحسرة عليـه بعد فوته: أضعاف أضعاف ما في حُصوله له من اللّذة.


الباب السّادِس: في أنه لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا صلاح
إ
لاّ بأن يكون الله هو إلهه وفاطره وحده وهو معبوده وغاية مطلوبه

وأحب إليه من كل ما سـواه
ص: 48-49









رد مع اقتباس
قديم 2013-05-09, 12:53   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
لؤلؤة الفردوس
عضو محترف
 
الصورة الرمزية لؤلؤة الفردوس
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي










رد مع اقتباس
قديم 2013-05-09, 18:29   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
تصفية وتربية
مشرفة القسم الاسلامي للنّساء
 
الصورة الرمزية تصفية وتربية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي يُتبع .. إن شـــاء الله ..

قال -رحمه الله-:
لمّا كان الإنسـان بل كلّ حيّ مُتحرّك بالإرادة لا ينفك عن عِلم وإرادة وعمل بتلك الإرادة ولـه مُرادٌ مطلوب وطريق وسبب يوصل إليـه مُعِين عليه. وتارة يكون السّبب منه وتـارة يكون من خارج مُنفصل عنـه. وتارة منه ومن الخـارج؛ فصـار الحيّ مجبولاً على أن يقصد شيئًا ويُريده ويستعين بشـيء ويعتمد عليـه في حُصول مُرادِه.
- والمُراد قِسمـان: أحدهمـا: ما هو مُراد لِنفسه. والثانـي: ما هو مُراد لِغيْره.
- والمُستعان قِسمـان: أحدهمـا: ما هو مُستعان بنفسه. والثانـي: ما هو تبع لـه وآلـه، فهذه أربعـة أمور: مُراد لِنفسه ومُراد لِغيْره ومُستعان بكونـه آلـة وتبعًا للمُستعان بنفسِه.
إلى أن قال:
فالأقسـام الأربعـة: محبُوب لِنفسِه وذاتِه مُستعان بِنفسِه، فهذا أعلى الأقسـام، وليس ذلك إلاّ لله وحده، وكلّ ما سِواه فإنّمـا ينبغي أن يُحبّ تبعًا لِمحبّتِه ويُستعان بـه لكونـه آلـه وسَببًا.
الثانِـي: محبُوبٌ لِغيره ومستعان بـه أيضًا كالمحبوب الذّي هو قادِر على تحصيل غرض مُحبّه.
الثالـث: محبُوبٌ مُستعان عليه بغيْره.
الرّابِع: مُستعان بـه غير محبُوب في نفسِـه.
فإذا عرف ذلك تبيّن من أحق هذه الأقسـام الأربعة بالعُبوديّـة والاستعانـة وأن محبّة غيْره واستعانتـه بـه إن لم تكن وسيلـة إلى محبّتِه واستعانته وإلاّ كانت مضرّة على العبْدِ ومفسدتُها أعظم من مصلحتها والله المُستعان وعليه التّكلان.


الباب السّادِس: في أنه لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا صلاح
إ
لاّ بأن يكون الله هو إلهه وفاطره وحده وهو معبوده وغاية مطلوبه
وأحب إليه من كل ما سـواه
ص: 52









رد مع اقتباس
قديم 2013-05-09, 22:45   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
تصفية وتربية
مشرفة القسم الاسلامي للنّساء
 
الصورة الرمزية تصفية وتربية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي يُتبع .. إن شـــاء الله ..

نقل رحمه الله عن الرازي قوله:
لقد تأمّلتُ الطُرق الكلاميـة والمناهِج الفلسفية، فما رأيتُها تَشفِي عليلاً ولا تَروي غليلاً ورأيتُ أقربَ الطرقِ طريقة القرآن: أقرأ في الإثبـات: ﴿الرَّ‌حْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْ‌شِ اسْتَوَىٰ[طه: 5]، ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْ‌فَعُهُ[فاطِر: 10]، وأقرأ في النفي: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ[الشـورى: 11]، ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا
[طه: 110] ومن جرّب مِثل تجربتي عرف مِثل معرفتي[1].
[1]: قال الإمام الرازي ذلك في وصيّة له قبل أن يمُوت


الباب السّابِع: في أن القرآن مُتضمّن لأدويـة القلب
وعلاجه من جميع الأمـراض
ص: 54









رد مع اقتباس
قديم 2013-05-10, 13:47   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
تصفية وتربية
مشرفة القسم الاسلامي للنّساء
 
الصورة الرمزية تصفية وتربية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي يُتبع .. إن شـــاء الله ..

قال رحمه الله:
ولهذا كان غضّ البصـر عن المحارم يوجب ثلاث فوائِـد عظيمـة الخطر جليلـة القدر:
إحداها: حلاوة الإيمـان ولذّتـه التي هي أحلى وأطيَبُ وألـذ ممّا صرف بصره وتركه لله تعالى فإن من ترك شيئًا لله عوّضه الله عز وجل خيرًا منه والنّفسُ مولعة بِحُبّ النّظر إلى الصـور الجميلـة والعيْن رائِد القلب. فيبعثُ رائِده لنظر ما هنـاك، فإذا أخبره بِحُسن المنظُور إليـه وجمالـه تحرّك اِشتيـاقًا إليـه وكثيرًا ما يَتعَب ويُتعِب رسـولـه ورائِده كما قِيل:
وَكُنْتَ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائِدًا ** لِقَلْبِكَ يَوْمًـا أَتْعَبَتْكَ المَنَاظِرُ
رَاَيْتَ الذّي لاَ كُلَّهُ أَنْتَ قَادِرٌ ** عَلَيْهِ وَلاَ عَنْ بَعْضِهِ أَنْتَ صَابِرُ

فإذا كفّ الرّائِد عن الكشفِ والمُطالعة استراح القلبُ من كلفة الطّلبِ والإرادة، فمن أطلق لحظاته [1] دامت حَسراته. فإن النّظر يُولد المحبّة؛ فتبدأ علاقة يتعلّق بها القلب بالمنظور إليه ثمّ تقوى فتصير صبـابـة ينصب إليـه القلب بِكُلّيته، ثمّ تقوى فتصير غرامًـا يلزم القلب، كلزُوم الغَريم الذّي لا يُفارِق غريمه ثمّ تقوى فتصيرُ عِشقًا، وهو الحبّ المفرط ثم تقوى فتصير شغفًا، وهو الحبّ الذي قد وصل إلى شِغافِ القلب وداخله، ثمّ يقوى فيصير تتيّمًا، والتتيم التعبّد. ومنه تيمـه الحبّ إذا عبده وتيم الله عبد الله.
فيصير القلب عبدًا لمن لا يصلح أن يكون هو عبْدًا لـه، وهذا كلّه جنايـة النّظر فحينئِذٍ يقعُ القلب في الأسـر فيصِير أسيرًا بعد أن كان ملكًا. ومسجونًا بعد أن كان مطلقًا. يتظلّم من الطَرفِ ويشكوه، والطَرفُ يقول: أنـا رائِدُكَ ورسـولُكَ وأنتَ بعثتني وهذا إنّمـا تُبتَلَى به القلوب الفارغـة من حُـبّ الله والإخلاص لـه، فإن القلب لا بدّ لـه من التعلّقِ بمحبُوبٍ فمن لم يكن الله وحده محبوبـه وإلهه ومعبُودَه فلا بدّ أن يتعبّد قلبه لغيْره.
قال تعالى عن يوسف الصدّيق عليه السلام: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ [يـوسف: 24]، فامرأة العزيـز لمّا كانت مُشرِكة وقعت فيمـا وقعت فيه مع كونها ذات زوْج، ويوسف عليه السّلام لمّا كان مُخلِصًا لله تعالى نَجَا من ذلك مع كونه شـابًـا عزبًـا غَريبًـا مملوكًا.
الفائِدة الثّانيـة في غضّ البَصر: نور القَلبِ وصحّة الفراسة.
قال أبو شجاع الكرماني: "من عمّر ظاهره باتبـاع السُّنّةِ وباطنه بدوام المُراقبة وكفّ نفسـه عن الشهوات وغضّ بصره عن المحارِمِ، واعتاد أكل الحلال لم تُخطِئ لـه فراسة" [2].
وقد ذكر الله سبحانه قصّة قومِ لـوط وما ابتُلوا بـه ثمّ قال بعد ذلك: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ [الحِجر: 75] وهم المُتفرّسـون الذين سلِموا من النّظر المُحرّم والفاحِشـة.
وقال تعالى عقيب أمر للمؤمنين بِغض أبصارِهم وحِفظِ فروجهم: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَأوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [النّـور: 35].
وسرّ هذا الخبر: أن الجزاء من جِنسِ العمل؛ فمن غضّ بصره عمّا حرّم الله عزّ وجل عليه عوّضه الله تعالى من جِنسِه ما هو خَيْرٌ منه. فكما أمسكَ نور بصره على المُحرّمات أطلق الله بصيرته وقلبه فرأى بـه ما لم يره من أطلق بصره ولم يغضّه عن مُحارِمِ الله تعالى. وهذا أمـر يُحِسّه الإنسـان من نفسِه؛ فإنّ القلب كالمرأة والهوى كالصّدإ فيها. فإذا خلُصتِ المرآة من الصّدإِ انطبعت فيها صور الحائِقِ كما هي عليـه. وإذا صدئت لم تنطبع فيها صور المعلومـات فيكون عِلمُه وكلامُه من باب الخرص [3] والظّنون.
الفائِدة الثّالِثـة: قوّة القلبِ وثباتُـه وشجاعته؛ فيُعطيه الله تعالى بقوّته سُلطان النّصرة كما أعطاه بِنوره سُلطان الحُجّة فيجمع لـه بين السّلطانين ويهرب الشّيْطان منه، كما في الأثر: إنّ الذّي يُخالِف هواه يفرق [4] الشيطان من ظلّه [5]، ولِهذا يوجد في المتّبع هواه من ذلّ النّفسِ وضعتها ومهانتها ما جعله الله لمن عصاه؛ فإنّه سُبحانه جعل العزّ لمن أطاعه والذّل لمن عصاه. قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافِقون: 8]، وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 139]، وقال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ [فاطِـر: 10]، أي: من كان يطلب العزّة بطاعة الله: بالكلِم الطيّب والعمل الصّالِح.
وقال بعض السّلف: "النّاس يطلبون العزّ بأبواب المُلوكِ ولا يجدونـه إلاّ في طاعة الله"

[1]: أي نظراته بعينيه إلى ما يحِل لـه.
[2]: أخرجه أبو نَعيم في الحلية
(237/10) بإسناده عن شاه الكرماني بن شجاع وكُنيته أبو الفوارس.
[3]: معنى الخرص هنا الباطل.
[4] بمعني يخاف.
[5]: أخرجه أبو نَعيم في الحلية (365/2) من قول مالك بن دينار ولفظه: "من غلّب شهوة الحياة الدنيا فذلك الذّي يفرق الشيطان من ظلّه" وإسناده حسن، ونقله السيوطي في الدرر المنثور (560/3) فقال: وأخرج الحكيم في نوادِر الأصول عن أبي الجوزاء قال: قرأت في الثّورة ... فذكره نحوه.


الباب الثّامِن: في زكاة القلب
ص: [56-58]










رد مع اقتباس
قديم 2013-05-10, 14:41   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
محطم العمالقة
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية محطم العمالقة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بـــــــــــوركت يــا أخي










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
(إِغَاثَةُ, مَصَائِدِ, مِنْ, اللّهْفَانِ, الشَّيْطَانِ)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 01:44

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc