لا يجوز الخروج عن فقه السلف - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الفقه و أصوله

قسم الفقه و أصوله تعرض فيه جميع ما يتعلق بالمسائل الفقهية أو الأصولية و تندرج تحتها المقاصد الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

لا يجوز الخروج عن فقه السلف

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2013-01-02, 00:04   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
توفيق43
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية توفيق43
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي لا يجوز الخروج عن فقه السلف

لا يجوز الخروج عن فقه السلف


يقول الله عز وجل:﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(1)
يقول المولى سبحانه وتعالى:﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ(2)
يقول من له الخلق والأمر: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا {174} فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا(3)
ويقول رب العزة جلت قدرته: ﴿قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ {15} يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم (4)
يقول الــرسول e : «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لا يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ»(5)
"لا يجوز الخروج عن فقه السلف" هذه الجملة يرددها المتسلفون بالليل والنهار! ويمكن القول أنها سبب تحجرهم وتزمتهم وانغلاقهم ونمطيتهم ودوغمائيتهم!!
نعم نقول هذا ونحن واثقون تماما مما نقول، هذه الجملة هي السبب في ذلك كله!
ولكن من العدل أن نقول: إنها سبب فقط ، أما الذي فعل بهم ما فعل فهي عقولهم المتحجرة التي استهواها الفكر النمطي الدوغمائي التبسيطي.
إنهم يقولونها هكذا "مطلقا"، ويريدونها أن تكون كذلك، وتبقى كذلك، وتفهم كذلك!
إن الذي لا يجوز الخروج عنه مطلقا ليس فقه السلف الصالح ، وإنما النوران الذان جاءانا من الله سبحانه وتعالى!
ـ كتاب الله عز وجل، وسنة رسولهe.
نعم كتاب الله وسنة رسوله المصطفىe لا يجوز الخروج عنهما مطلقا بأي حال من الأحوال ، أما فقه السلف الصالح فهو جهد بشري فيه الصواب وفيه الخطأ، فنتبعهم ـ رضوان الله عليهم ـ فيما أصابوا فيه ، ونخالفهم فيما أخطأوا فيه!
وليس هذا فقط وإنما يجوز الخروج على فقهم رضي الله عنهم أجمعين في كثير من المسائل والأمور والقضايا التي أصابوا فيها إذا كانت لا علاقة لها بأصول الدين وثوابته وقطعياته، وإنما لها علاقة بالشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية… الخ!
ولا يظنن بنا أحد أننا لا نحب السلف الصالح أو لا نتبعهم أو لا نقتدي بهم… نعوذ بالله السميع العليم من ذلك، ولكن عملا بقول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِمَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ {159} إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(2)
نقول بتوفيق من الله وعونه: إن فقه السلف الصالح منه ما "لا يجوز"الخروج عنه، ومنه ما "يجوز" وما "يجب" الخروج عنه!

ما لا يجوز الخروج عنه:

أولا: كل ما له علاقة بالعقيدة
ثانيا: كل ما له علاقة بالشعائر التعبدية
ثالثا: كل ما له علاقة بالثوابت الخاصة والعامة
رابعا: كل ما له علاقة بالأخلاق الخاصة والعامة
نعم ما كان له علاقة بهذه الأربعة لا يجوز الخروج عليه، أما ما عداها من المسائل: جانب السياسة والاقتصاد والاجتماع ، بكلمة جامعة جانب الثقافة والمدنية والحضارة، هنا في هذا الجانب الأمور تختلف فأحيانا يكون الخروج عن فقه السلف الصالح واجبا!!
إذا كان مصطلح "الفقه الإسلامي" كما أجمع على تعريفه علماء المسلمين قاطبة هو: الأحكام التطبيقية العملية التفصيلية المستنبطة من الأدلة الشرعية الجزئية، وإذا كان من المجمع عليه أن هذه الأحكام تتغير وتتبدل بتغير الزمان والمكان والناس والأحوال والأوضاع، فكيف تأتى وتسنى لهؤلاء المتحجرين أن يكذبوا على الناس بقولهم: "لا يجوز الخروج عن فقه السلف" وقد تغير كل شيء وبيننا وبين السلف الصالح أكثر من ثلاثون جيلا!!
مرة أخرى ـ قطعا لأي التباسٍ وسوء فهمٍنقول: إن حياة المسلمين تنقسم إلى قسمين اثنين لا ثالث لهما:
القسم الأول: "العبادة والـعبوديـة" (الدين)
القسم الثاني: "الخلافة والاستخلاف" (الدنيا)
والمسلم مكلف من الله تعالى في القسمين معا، والتكليف هو عين الدين، والشريعة الإسلامية هي التي تحكم وتوجه المسلمين في الجانب والقسم الأول، كما أنها هي ذاتها التي تقوم بنفس الدور ـ الحكم والتوجيه ـ في الجانب والقسم الثاني. ولكن طريقة وأسلوب حكمها وتوجيهها للقسم الثاني يختلف عن طريقة وأسلوب القسم الأول.
في الأول يكون التوقيف وفي الثاني يكون التوفيق.
ولهذا نقول: إن الذي لا يجوز الخروج عليه ليس"عين" الفقه ـ فقه السلف ـ وإنما روح ذلك الفقه.
وكم يؤسفنا ويؤلمنا أن نقول: السلفية خرجت عن روح ذلك الفقه منذ زمن طويل!!
ولهذا السبب أصبح الفقه لدى السلفية مغلفا ومحاطا بعدوين لدودين من أعداء الشريعة الإسلامية ألا وهما "النمطية" و "الدوغمائية"!
أقول إنهما عدوان لدودان للشريعة الإسلامية لأنهما قبحهما الله متى أحاطا بأهلها أفقداهم روحها وليونتها وحكمها وتوجيهها للواقع الذي هو في تغير مستمر!
ولنا أن نسأل أو نتساءل: ما هو روح فقه السلف الصالح رضوان الله عليهم؟
الجواب: إنه أيها السادة الأفاضل روح مـركب مـن ثـلاثة فصول:
الفصل الأول: فهم للواقع كامل وواضح ودقيق لا لبس فيه ولا التباس.
الفصل الثاني: استنباط أحكام تطبيقية عملية تفصيلية لذات الواقع الحاضر والمعاش من الكتاب والسنة.
الفصل الثالث: التحكم الكامل أو على الأقل شبه الكامل في الواقع الآني والمعاش بواسطة الأحكام المستنبطة من أدلة الكتاب والسنة.
فأين هي السلفية من هذا الروح المبارك؟!
قلنا السلفية خرجت منذ زمن طويل عن روح فقه السلف الصالح وبقيت تستميت في تمسكها بجسد وهيكل ذلك الفقه رغم أن الكثير منه قد فارقته الحياة منذ أمد بعيد!!
وحتى لا يفهمنا أنصار السلفية بطريقة مقلوبة أو مغلوطة نقول لهم: كلامنا دائما في قسم وجانب الخلافة والاستخلاف، جانب العادة، جانب الدنيا، جانب السياسة والاقتصاد والاجتماع، جانب الثقافة والمدنية والحضارة!
أقول هذا وأكرر أنني قلت الكثير من فقه السلف ولم أقل الكل! لا زال هناك من وفي فقه السلف الكثير أيضا لم تفارقه الحياة، ما زال صالحا وقابلا للتطبيق في عصرنا هذا.
وبما أن الأمر كذلك نقول:
في شرع الله توجد مشروعية سياسية توافق الكتاب والسنة، وهي أفضل وأقوى مشروعية يحبها الله لعباده ويرضاها لهم، كما أن رسول الله e عمل بكل طاقته من أجل ترسيخها في المجتمع والدولة ـ مجتمع ودولة المسلمين.
هذه المشروعية هي "المشروعية الدستورية التعاقدية". وكما يكون في الشرع جائزا ومشروعا للمضطر الذي لم يبق بينه وبين الهلاك إلا خطوة واحدة أن يأكل لحم الخنزير إذا لم يكن من ذلك بد، كذلك أجاز كتاب الله وسنة رسـول الله e للمسلمين أن يقبلوا ويرضوا بالمشروعية السياسية الثانية في حالة الضرورة القصوى إذا لم يكن من ذلك بد.
هذه المشروعية السياسية الثانية التي تخالف كتاب الله وتخالف سنة رسوله المصطفىe وإنما جاز للسلف الصالح أن يقبلوا ويرضوا بها بعد الفتنة الكبرى هي مشروعية "الشوكة والتغلب والقهر"
نعم هي مشروعية سياسية يمقتها الله ويمقتها رسول الله e، ولكن لم يكن أمام فقهاء السلف الصالح في منتصف القرن الأول ـ وبعد أن أطلت على المسلمين الفتنة الكبرى بقرنيها وأراقت من الدماء الكثيرـ من خيار سوى أن يقبلوا بها كما يقبل المسلم بأكل لحم الخنزير وقت الضرورة القصوى
وهكذا فمنذ وقعتي "الجمـل" و فين" ومنذ النهاية المأساوية لسبط النبي e الحسين بن علي ولعبد الله بن الزبير، ومنذ أن تنازل سبط النبي الثاني الحسن بن علي رضي الله عنهما عن الخلافة طواعية، وفقهاء وعلماء المسلمين يُقَعِّدُونَ وَيُؤَصِّلُونَ لفقه مشروعية الشوكة والتغلب، ومع مرور الزمان وطيلة ثلاثة عشر قرنا لم تكن هناك مشروعية سياسية سواها!!
لقد نشأ في هذه المدة الزمانية الطويلة فقه هو أبعد ما يكون عن مقاصـد الشريعـة الإسلامية ومراد الله لعباده ـ ولكنه فقه الضرورة ـ وهو صحيح وصالح لذلك الزمان ! إنه الفقه السلطاني الذي يقبل ويرضى بمشروعية "الشوكة والتغلب والقهر" تحت ذريعة درء الفتنـة وحقن دماء المسلمين!
إنه الفقه الذي أعطى المشروعية السياسية للدكتاتورية والاستبداد طيلة ثلاثة عشر قرنا من الزمان!
نعود ونقول إن الفقهاء والمحدثين والأصوليين كان لهم عذرهم في الماضي، لأنه حينما يكون أمام الفقهاء "خياران" إما القبول والرضا بالدكتاتورية والاستبداد، وإما السقوط في دوامة الفتنة وإراقة دماء المسلمين، فإنه من الطبيعي جدا ومن المعقول ومن الشرع أيضا أن يفضلوا الأولى على الثانية!
وبقي هذا الفقه ـ الفقه السلطاني ـ وهذه المشروعية السياسية ـ مشروعية القهر والشوكة والتغلب ـ هما المسيطران والمهيمنان على حياة المسلمين السياسية طيلة هذه المدة الطويلة من الزمان ـ ثلاثة عشر قرنا ـ إلى أن سقطت الخلافة العثمانية عام 1924 ميلادية.
وبعد هذا التاريخ بأربع سنوات فقط نشأت أول حركة سياسية معتدلة تطالب بأمرين اثنين:
الأول: أن تكون الشريعة الإسلامية هي المرجعية العليا للتشريع والتقنين في حياة المسلمين السياسية، وأي مرجعية أخرى لابد أن تكون دونها وتحت سيادتها.
الثاني: الانتقال والتحول من مشروعية "الشوكة والقهر والتغلب" إلى المشروعية الدستورية التعاقدية.
ولا أريد أن أذكر ما وقع وما حدث طيلة ثمانين عاما من الدهر، إذ وقعت وحدثت أمور وأشياء كثيرة كلها معروفة بل وموثقة لدى الخبراء والمحللين والأكاديميينوالمؤرخين والمراقبين.
كان لابد لهذه الأمور والأحداث أن تقع حتى يقبل المسلمون قاعدة وقمة ، مجتمعا ودولة، حكاما ومحكومين، بالانتقال والتحول إلى المشروعية الدستورية التعاقدية في الحياة السياسية!
وليس هذا فحسب، بل في عصرنا الحاضر انضاف إلى قاعدة المسلمين وقمتهم عنصر ثالث، ألا وهو المجتمع الدولي، والكل يطالب بالانتقال والتحول إلى المشروعية الدستورية التعاقدية، ولم يعد هناك من يعارض ويستميت في المعارضة سوى السلفية المتحجرة!!
وحجتهم في ذلك ـ أي في المعارضة ـ شبهتان اثنتان:
الأولى : التاريخ الإسلامي الطويل لم يعرف هذا النوع من المشروعية، ولا هذا النوع من الفقه، وإنما الذي عرف هو الفقه السلطاني ومشروعية الشوكة والقهر والتغلب فقط، وهما اللذان سيطرا وهيمنا في الماضي البعيد والقريب أيضا، وبما أن السلفية المتحجرة شغوفة أشد ما يكون الشغف بكل ما له علاقة بالماضي، فلا يمكن لها أن تضحي بالفقه السلطاني ومشروعية القهر والتغلب والشوكة، وهما رمزان بارزان من رموز الماضي!!
الثانية: وهذه شبهة كبيرة وثقيلة على عقول وقلوب وعواطف المتحجرين!
إن الانتقال من المشروعية التي شبهناها بجواز أكل لحم الخنزير للمضطر المشرف على الهلاك إلى المشروعية التي يحبها الله ورسوله للمسلمين، والتي فيها عز وشرف ونهضة المسلمين ورقيهم، وكذلك فيها استقرارهم وأمنهم وازدهارهم ، ولا يمكنهم أن يرفعوا رؤوسهم بين الأمم إلا بها؛ هذه المشروعية السياسية لا يمكن الانتقال والتحول إليها إلا بـ"آليات العصر"، وكل هذه الآليات يرى فيها المتسلفون المتحجرون بدعا منكرة!!
هذه الآليات نذكر منها ما لا يمكن الاستغناء عنه، وبدونه لا يمكن لهذا التحول والانتقال أن يتم!
وهي آليات سبع، وفي كل واحدة منها يرى المتسلفون المتحجرون بدعا منكرة كما سبق وأن قلنا.

الآلية الأولى الديمقراطية

ورغم أنها وسيلة من الوسائل وآلية من الآليات فقط، يمكن للمسلمين أن لا يأخذوها حرفيا كما نشأت في الغرب ـ لا توجد قوة على وجه الأرض تستطيع أن تجبر المسلمين وترغمهم على الأخذ بالآلية الديمقراطية حرفيا وبالأسلوب والطريقة التي نشأت بها في الغرب الأوروبي ـ بل من الواجب المفروض أن يتعاملوا معها بالأسلوب والطريقة والمنهاج الذي تعامل به السلف الصالح مع كثير من الآليات والمصطلحات والثقافات والمدنيات والحضارات والعلوم التي كانت سائدة في عصرهم!
هذا المنهاج الذي قام السلف الصالح بتفعيله وتشغيله في مثل هذه الأمور ـ التعامل مع كل ما له علاقة بالجانب الثاني من الحياة، جانب الخلافة والاستخلاف ـ ما هي ملامحه أو بالأحرى ما هي أركانه؟
إنه ـ منهاج التعامل مع الثقافات والمدنيات والحضارات والمصطلحات والعلوم الكونية والآليات العملية التطبيقية المختلفة التي يستطيع المسلمون بواسطتها أن يحولوا كثيرا من مبادئ وقيم دينهم إلى واقع مجسد وملموس ـ بني على أركان ثلاثة:
الأول: الانتقاء
الثاني : الوزن والفحص والمحص
الثالث: الصياغة والبلورة والتطوير
فأول ما يفرضه الإسلام على المتدينين به والمتمسكين بأصوله وأركانه عندما يجدون أنفسهم واقفين وجها لوجه تجاه آلية من هذه الآليات ليس الرفض المطلق، ولا الجمود، ولا الهروب إلى الوراء، ولا الاندفاع إلى الأمام، بدون بصيرة ولا ضوابط!!
لا؛ليس هذا ما يفرضه الإسلام العظيم على أتباعه، وحاشه أن يفرض عليهم شيئا من هذا، فهذه الأربعة تدل على شيء واحد؛ إنها تعني التنصل من تحمل المسؤولية، وهذا ليس من الإسلام في شيء، وإنما أول ما يفرضه الإسلام في مثل هذه الحالات الانتقاء على بصيرة.
إن الديمقراطية ليست دينا حتى يقوم المسلمون برفضها مطلقا، كما أنها ليست وحيا من الله حتى يقوموا بقبولها وتبنيها مطلقا أيضا.
إنها مجموعة من الآليات صالحة ونافعة في الشطر الأعظم منها، توصلت البشرية إليها بعد جهد جهيد، ونضال مرير وقاس، تمكنها من الخلاص و الشفاء من أمراض الماضي، ومن كوارث الماضي، ومن الوباء الماضي ـالقاتل والمدمرـ والذي يتمثل أساسا في الدكتاتورية والاستبداد، الذي يستند بدوره إلى مشروعية الشوكة والقهر والتغلب التي نظر وقعد وأصل لها الفقه السلطاني ـ وهو جزء من فقه السلف الصالح، ولكنه فقه الضرورة، وحكم الضرورة يزول بزوالها!
الديمقراطية مجموعة من الآليات صالحة ونافعة، وحاقنة للدماء وجالبة للأمن والاستقرار، توصلت البشرية إليها بعد جهد جهيد، ونضال شاق ومرير!
قلنا "صالحة ونافعة" في الشطر الأعظم منها،ولم نقل في جميع أجزائها بدون استثناء.‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍
وهذا الجانب ـ الصالح والنافع والأعظم ـ من الديمقراطية الذي بواسطته يمكن للمسلمين أن يحقنوا دماءهم، ويجلبوا الأمن والاستقرار لأوطانهم ، ويتداولوا بواسطته على السلطة والحكم سلميا، ما حكمه من الناحية الشرعية؟
الجواب: حكمه أيها السادة الأفاضل حكم الآيات الكونية التي يظهرها الله سبحانه وتعالى للبشرية جمعاء ـ وليس للمسلمين فقط ـ من حين إلى حين، ومن جيل إلى جيل، ومن عصر إلى عصر، هكذا على الدوام بدون انقطاع ، ويوم تتوقف هذه الآيات الكونية عن الظهور والبروز لا يعني ذلك سوى شيء واحد ؛ إنه نهاية هذه الحياة الدنيا!
نعم أول ما يدعو إليه "المنهاج" ـ منهاج الإسلام العظيم ـ في هذه الحالة هو الانتقاء.
هذا الجانب من الديمقراطية ننتقيه ـ أي نختاره ونأخذ به ـ ونحن على بصيرة من أمرنا.
ثم ننتقل إلى الركن الثاني، ركن الوزن والفحص والمحص، فرغم أننا قد انتقينا هذا الجانب وأخذنا به، فإنه لا يعني ذلك أننا قد قمنا بكل ما يجب علينا القيام به!
لا؛ وإنما نخضع هذا الجانب الصالح والنافع من الديمقراطية ـ وهو جانب كبير وعريض وطويل وفيه ما هو عمودي وما هو أفقي، وهو يتميز في عمومه وكلياته بكونه فضفاضا جدا ـ إلى ميزان نعتز به كثيرا، ولا نخالفه أبدا؛ إنه ميزان الوحي، ميزان الكتاب والسنة، به نزن ما انتقيناه، وعلى ضوئه ونوره يفحص، وعلى ناره وحرارته يمحص .
وهذا هو "عين" فقه السلف الصالح ـ رضي الله عنهم ـ الذي يوجه منطقهم وموقفهم وقراراتهم وسلوكياتهم وواقعهم وحالهم .
كما أن هذا الفقه ناتج عن روح؛ هو روح فقه السلف الصالح، الذي أصبغ على حياتهم الحياة!
وبدونه يكون المرء ميتا وهو حي!
وبعد هذا ينتقل المسلمون إلى العمل الجاد والدؤوبوالمتواصل على الدوام، إنه عمل شاق وصعب ومسئول ولكنه ممكن، وممكن جدا!
في هذه المرحلة، وهذا الطور الثالث، تبدأ عملية الصياغة والبلورة والتطوير.
على المسلمين أن يقوموا بصياغة الديمقراطية بطريقة وكيفية تناسب وتتناسب مع دينهم وثقافتهم ومدنيتهم وحضارتهم وتاريخهم وتراثهم وأصالتهم وأعرافهم وعاداتهم وتقاليدهم.
هذا من ناحية الصياغة، وكما يبدو فالغالب هنا هو جانب الأصالة، وبما أن الإنسان لا يمكن أن يكون أصيلا فقط،لأنه إذا اعتمد على جانب الأصالة ـ الذي يعني التراث والماضي ـ فقط ، وأهمل جانب العصر والمعاصرة، جانب الحديث والتحديث ـ الحداثة ـ، فسوف يتحول إلى سلفي متحجر!!
ولكي يتجنب المسلمون في أمرهم هذا ـ الذي هو صياغة الديمقراطية ـ الانزلاق الخطير،الذي هو السقوط في شباك التسلف والتحجر، عليهم أن يبلوروا ويطوروا، وهذا لا يتأتى ويتسنى لهم إلا إذا وازنوا بين الأصالة والمعاصرة، أي أن يأخذوا من التراث ما يجب عليهم الأخذ به، ويأخذوا من الحداثة ما يجب عليهم الأخذ به.
نعم ليس هناك ما يمنع المسلمين من القيام بإضافة آليات أخرى جديدة تماما ، يمكن اختراعها الآن في هذه اللحظة التي نعيشها، وبها وبغيرها من المصطلحات والمفاهيم والتوافقات يمكنهم أن يبلوروا الديمقراطية!
ومن يدري فربما جاء وقت تفوقت فيه ديمقراطية العرب والمسلمين على أختها في الغرب الأوروبي المسيحي!!
نعود مرة أخرى ونقول للتذكير: لا يمكن التحول والانتقال إلى "المشروعية الدستورية التعاقدية" والتي سعى الرسول e إلى ترسيخها في المجتمع الإسلامي، وهي أول شيء بدأ به حين قدومه e إلى المدينة المنورة، حيث كتب وثيقةً (7) (دستوراً) فيها حقوق المسلمين وواجباتهم، وفيها أيضا حقوق غير المسلمين (اليهود) وواجباتهم، كما أن فيهـا حقوق الحاكم على المحكوم وواجبات الأول تجاه الثاني، كما أن فيها حقوق المحكوم على الحاكم وواجبات بعضهم تجاه بعض أيضا.
هذه المشروعية ـ الدستورية التعاقدية ـ لا يمكن الانتقال إليها ـ وهو انتقال إلى الأصل المشروع ـ بدون آليات العصر!
وهي سبع آليات ـ على الأقل ـ وفي كل واحدة من هذه الآليات يرى السلفيون المتحجرون بدعة منكرة!!
وهذا هو السبب الذي يجعلهم يخالفون البشرية جمعاء، ومن بينهم المسلمين، من شرقهم إلى غربهم، ولا يوافقون على هذا التحول ولا يسلمون بهذا الانتقال!!
وهذه الرؤية التي يراها السلفيون ليست من الإسلام في شيء وإنما هي رؤية جاهلية محضة!!
هي رؤية جاهلية محضة لأنهم يرون في الديمقراطية كفرا أو على الأقل بدعة منكرة.
وهذا المجال الذي تشتغل فيها الديمقراطية ـ أي المجال الثاني من حياة المسلمين، الذي هو مجال "الخلافة والاستخلاف"، المجال الدنيوي العادي ـ ليس مجال الكفر أو البدعة؛ وإنما مجالها هو المجال الأول من حياة المسلمين الذي هو مجال "العبادة والعبودية"، المجال الديني الشعائري التعبدي!!!
ومن شاء أن يتعجب، أو بالأحرى ان يتسلى ويتفكه، فليقرأ ما كتبه محمد الفيزازي في رده على الشيخ يوسف القرضاوي، حيث أجاز هذا الأخير الأخذ بالديمقراطية، بينما يعتبرها الأول من أمهات الكفر!!
لقد تكلمنا على الآلية الأولى التي هي الديمقراطية وبينا واجب المسلمين تجاهها، وكان بإمكاننا أن ندرج الآليات الست الباقية ضمنها، فهي بمثابة بنات للديمقراطية ـ أي علاقة هذه الآليات الست هي علاقة البنات بأمهن.
من كتاب: "السلفية المتحجرة ذات البدع المتفجرة" ص: 163ـ172








 


رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
الجروح, الشلف, خدوش


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 06:11

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc