وإذا كان هذا الفكر الباطل يتبجح برفع راية الدين ، فإن من الواجب أن نُعَرِّي هذا الفكر ، ونجرِّد الحق من الباطل الذي قد يظن بعض الناس أنه منه ، وهو منه براء .. ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة .
إننا مطالبون ببيان خطر الغلو في الدين حفاظاً على أمن المجتمع، ومطالبون كذلك ببيان خطر الدعوات التي تتخذ من هذه الأعمال ذريعة إلى الطعن في ولاة الأمر والتأليب عليهم، أو التشكيك في النهج الديني الذي تسير عليه هذه البلاد، أو الطعن في الدين واتهام أهله، أو التشكيك في مؤسسات المجتمع الدينية والدعوية والتربوية ، أو تقديم الأنموذج الغربي المتحرر من أحكام الدين طريقاً لعلاج مشاكل الأمة ، وكأن الدين هو سبب هذه المشاكل، ومن ثم فلا يصلح منهاجاً للأمة !!! .
وقد رأى كل منصف كيف تعالت الأصوات ، وتوالت الكلمات من علمائنا ودعاتنا ومفكرينا وكل من له علاقة بالدين في هذه البلاد على إنكار هذا العمل والبراءة منه .
ومن ثم فإنه لا يسوغ لنا أن ننجرف وراء من يتهم بلادنا أو ديننا أو مناهجنا الدينية والدعوية التي تربى عليها الملايين ، أو يعمم هذا الحكم على جميع المتدينين .
إن مثل هذا التعميم في الحقيقة إنما يعطي انطباعاً عن السطحية في الفهم ، والتعسف وعدم الموضوعية في الحكم .
فلو أن رجلاً جاهلاً تطبب ، فلبس البزة البيضاء ، وتقلّد السماعة ، ثم بدأ يمارس مهنة الطب ، فتسبب في موت بعض الناس . هل يسوغ لإنسان أن يتهم مهنة الطب ، أو يعمم هذا الحكم على سائر الأطباء ؟ . بالطبع لا .
وكذلك .. فإن من الخطأ الفادح وعدم الموضوعية أن تستغل هذه الأحداث بطريقة تصفية الحسابات مع هذا الطرف أو ذاك , بعيداً عن التماس الحق الذي ينشده كل إنسان غيور على هذا الوطن وأمنه .
إن خلط الأوراق ، وتوسيع دوائر الاتهام لا يليق أن يصدر ممن يتمتع بأدنى حس ديني ووطني ، إذ هو لا يخدم المصلحة الوطنية ، بل إنه يثير الاستفزاز ، ويكرّس الشعور بالعدوان ، ويساهم في زيادة وقود الفتنة .
وعلينا أن نستثمر هذا الحدث في توحيد الصف ، وجمع الكلمة على الحق ، وقطع الطريق على كل متربص ينتهز هذه الأحداث لكي يتطاول على ثوابت الأمة ، أو يملي علينا ما يميل إليه هواه المنحرف .
ولنتسلح دائماً بضبط النفس والعدل ، فإن الكلمة - ولاسيما في مثل هذه الأحداث - أمانة كبرى ، ومسؤلية عظمى , ورب كلمة تهوي بصاحبها في النار ، وبئس القرار .
نسأل الله أن يرينا وولاة أمورنا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .
كيف نتعامل مع هذه الفئة ؟ :
من المتفق عليه أنه مهما كان لدينا من دقة التحليل وصحة التشخيص للمرض ، فإن المريض لن ينقطع ألمه ، ويتوقف أنينه ، ما لم يدخل في البرنامج علاجي المناسب .
لا بد من برنامج علاج عملي لهذا الواقع المرير الذي نتجرع غصصه يوماً بعد يوم .. وإلا فما معنى أن نستغرق في تشخيص الداء ، وبيان مكمن البلاء ، ثم نتوقف دون وصف الدواء وتناوله !!! .
وقد طرح في هذا الموضوع ولا يزال يطرح العديد من الوسائل التي يمكن أن يقوم بها الأفراد أو الأسر أو الدولة ومؤسساتها في سبيل التصدي لهذه الفئة وأعمالها .
ولكن ههنا تساؤل عن أنسب الوسائل في التعامل مع هذه الفئة والأشخاص المنتمين إليها على وجه الخصوص .
فنقول : القاعدة العامة في التعامل مع هذه الفئة أن لا بد من توافر أمرين لا غنى بأحدهما عن الآخر ، أحدهما : قوة السلطان ، والآخر : قوة الحجة والبيان .
قوة السلطان .. لأن الواقع من منهج هذه الفئة هو الخروج على سلطة ولي الأمر بحمل السلاح ، وانتهاج القوة والعنف . الأمر الذي يستدعي وجود قوة مضادة تكف هذه الفئة عن تسلطها وخروجها . ولهذا أوجب الله على المسلمين قتال الطائفة الباغية من المسلمين ، فقال تعالى : (فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) ، مع أنه سبحانه أثبت لهذه الطائفة الباغية الأخوة الإيمانية فقال تعالى : (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) .