إذا ما اقترب طائر مفترس من عش البط أو الحجل تظاهرت الاناث كما لو أن جناحها مجروح فتطير قليلاًثم تسقط،تحاول أن تجذب نظر المهاجم بعيداً عن العش والصغار
حتى إذا كانت على مسافة آمنة من عشها طارت وابتعدت وعادة ما تنجح في الهرب ولكن في أحيان أخرى يتمكن المهاجم من اصطيادها وافتراسها وهناك من الطيور تحذر رفاقها إذا ما أقبل عليهم صقر مفترس بواسطة صفير مميز وهي حين تفعل هذا تجذب الانتباه إليها وتخاطر بأن يكتشفها الصقر ويقتلها.
هذه بعض الأمثلة للسلوك الغيري في عالم الحيوان فماذا عن حياة الانسان؟
سؤال أطرحه في عالم يبدو وهو ينفجر من العنف والظلم وعدم المساواة ووحشية الإنسان في معاملة الانسان.
سؤال أطرحه في وقت نحن بأمس الحاجة فيه الى ما يسمى الغيرية ، هذا الشعور والسلوك الذي نراه- والحمد لله- في مجتمعنا بأكثر من صورة.
فهذا شاب ينهض من مقعده في الباص ليجلس شيخاً أو امرأة وتلك طفلة تسرع لتساعد إنساناً ضريراً بعبور الشارع وصبية لم يهن عليها بكاء طفل لأجل نقود أضاعها، فتعطيه ما أضاع وتقبله بكل حبّ وصدق.
صور كثيرة نراها وآخر هذه الصور ما حدث معي شخصياً حين أسعفت وزوجي طفلتي لحرق أصابها في يدها ولمست هذا الشعور الغيري بدءاً من سائق التكسي الذي أسعفها وأصرّ على البقاء معنا وتقديم المساعدة بكل أشكالها مروراً بالموظف الذي ينظم الدخول والخروج عند باب مشفى المجتهد والمواطنين الذين سارعوا للإشارة الى القسم الخاص لمعالجة الحروق انتهاء بأطباء يبذلون كل ما بوسعهم لانقاذ المسعف لا طمعاً بالمال( ولاسيما إننا في مشفى حكومي) إنما الضمير الحي والشعور بالغيرية.
يقول د. فاخر عاقل في إحدى مقالاته عن الانسانية والغيرية:
.. إن جوهر إنسانية الانسان ضمير حي ذكي واع ، والغيرية ليست ميلاً طارئاً على النفس ولا دخيلاً عليها بل إن الانسان غيري بطبعه تماماً كما هو أناني بطبعه ولكن بعض الناس يغلبون أنانيتهم على غيرتهم لدرجة تفقدهم مثاليتهم وبالتالي إنسانيتهم»
.
ويتصل بهذه الغيرية مفهوم اجتماعي هام هو مفهوم التعاون والتكامل والتراحم بدلاً من التنافس والتضارب والتزاحم، إن الانسان الحق إنسان يتمتع بروح رياضية، ولا يزاحم غيره إلا مزاحمة شريفة عادلة ويتعاون مع غيره كلما كان ذلك ممكنا.
كيف نحارب الأنانية
الانسان أناني بطبعه.. وهو قول فيه شيء كثير من الصحة ولكنه ليس صحيحاً كل الصحة، وقد نلتقي في حياتنا اليومية ممن يتصف سلوكهم بالأنانية والاهتمام بالذات(عداء الأخوة وتنافس الاصدقاء، صراع زملاء العمل إلى حدّ إيقاع أبلغ الأضرار ببعضهم بعضاً) لكن نلتقي أيضاً بمن يتصف سلوكهم بالتعاطف والمساعدة والمشاركة في أوجه النشاط التي تعمل على تقليل الظلم الاجتماعي وتحقيق العدالة.
وجد الباحثون في تجاربهم (كتاب عش مع الآخرين، تأليف بول مس ونانسي ايزنبرج) إن من أهم العوامل التي تؤدي الى تنمية السلوك الاجتماعي الايجابي لدى الطفل قيام الوالدين بالسلوك الاجتماعي الايجابي باعتبارهما نموذجاً يحتذي به الطفل وبالمثل يستطيع المربون ورجال الدين ان يعملوا على تنمية السلوك الاجتماعي الايجابي للاطفال فهم يستطيعون أن يدعموا هذا السلوك حينما يحدث وأن يكونوا نماذج للعطف والكرم.
وكما أن التلفزيون يساعد على اكتساب السلوك العدواني عند الطفل، كذلك يساعد على اكتساب السلوك الغيري (وها هو عبود الشامي في مسلسل رجال العز يدافع عن الأرض والعرض برجولة وشهامة، وهو محط إعجاب كل الأطفال الذين يتابعون المسلسل ويتمنون أن يكبروا ويصبحوا مثله).
أخيراً أقول: بالحب ندعم هذا السلوك الاجتماعي الايجابي..... فمن يحب غيره يعطه.. يضحي في سبيله.
رويدة سليمان