متن الاصول الثلاثة للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه
اعلم رحمك الله ـ أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل :
الأولى : العلم وهو معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة .
الثانية : العمل به
الثالثة : الدعوة إليه
الرابعة : الصبر على الأذى فيه
والدليل قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (وَالْعَصْرِ) (العصر:1) (إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) (العصر:2) (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)(العصر:3) [ سورة العصر ] .
قال الشافعي ـ رحمه الله تعالى " لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم "
وقال البخاري رحمه الله تعالى ـ : باب العلم قبل القول والعمل والدليل قوله تعالى (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك)(محمد: من الآية19) فبدأ بالعلم قبل القول والعمل .
اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم هذه الثلاث المسائل والعمل بهن :
الأولى : أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً بل أرسل إلينا رسولاً فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار . والدليل قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً) (المزمل:15) (فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً) (المزمل:16)
الثانية : أن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته لا ملك مقرب ولا نبي مرسل والدليل قوله تعالى (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً) (الجـن:18).
الثالثة : أن من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب
والدليل قوله تعالى ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة:22)
اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله وحده مخلصاً له الدين وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها كما قال تعالى(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذريات:56) ومعنى يعبدون يوحدون وأعظم ما أمر الله به التوحيد وهو إفراد الله بالعبادة وأعظم ما نهى عنه الشرط وهو دعوة غيره معه
والدليل قوله تعالى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً )(النساء: من الآية36) فإذا قيل لك ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها فقل معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمداً صلى الله عليه وسلم فإذا قيل لك من ربك فقل ربي الله الذي رباني وربي جميع العالمين بنعمه وهو معبودي ليس لي معبود سواه
والدليل قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الفاتحة:2) وكل ما سوى الله عالم وأنا واحد من ذلك العالم
فإذا قيل لك :بم عرفت ربك فقال بآياته ومخلوقاته ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر ومن مخلوقاته السموات السبع والأرضون السبع ومن فيهن وما بينهما .
والدليل قوله تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (فصلت:37) وقوله تعالى (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (لأعراف:54) والرب هو المعبود.
والدليل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:21) (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:22)
قال ابن كثير رحمه الله تعالى " الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة "
وأنواع العبادة التي أمر الله بها مثل الإسلام والإيمان والإحسان ومنه الدعاء والخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة والخشوع والخشية والإنابة والاستعانة والاستعاذة والاستغاثة والذبح والنذر وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها كلها لله تعالى والدليل قوله تعالى (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً) (الجـن:18)
فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر
والدليل قوله تعالى (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (المؤمنون:117) "
وفي الحديث الدعاء مخ العبادة "
والدليل قوله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر:60)
ودليل الخوف قوله تعالى ( فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(آل عمران: من الآية175) ودليل الرجاء قوله تعالى (ٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(الكهف: من الآية110)
ودليل التوكل قوله تعالى (َعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(المائدة: من الآية23) وقوله ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه)(الطلاق: من الآية3)
ودليل الرغبة والرهبة والخشوع قوله تعالى ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)(الانبياء: من الآية90)
ودليل الخشية قوله تعالى ( فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي)(البقرة: من الآية150) ودليل الإنابة قوله تعالى ( وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَه)(الزمر: من الآية54) ودليل الاستعانة قوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة:5) وفي الحديث " إذا استعنت فاستعن بالله " ودليل الاستعاذة قوله تعالى ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) (الناس:1)
ودليل الاستغاثة قوله تعالى (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ )(لأنفال: من الآية9)
ودليل الذبح قوله تعالى ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162) (لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:163) ومن السنة : " لعن الله من ذبح لغير الله "
ودليل النذر قوله تعالى ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) (الانسان:7) .
الأصل الثاني : معرفة دين الإسلام بالأدلة وهو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله وهو ثلاث مراتب
الإسلام والإيمان والإحسان وكل مرتبة لها أركان فأركان الإسلام خمسة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام فدليل الشهادة قوله تعالى ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران:18) ومعناها لا معبود بحق إلا الله ( لا إله ) نافياً جميع ما يعبد من دون الله ( إلا الله ) مثبتاً العبادة لله وحده لا شريك له في عبادته كما أنه ليس له شريك في ملكه وتفسيرها الذي يوضحها قوله تعالى ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) (الزخرف:26) ( إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) (الزخرف:27) (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الزخرف:28)
وقوله تعالى (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران:64)
ودليل شهادة أن محمد رسول الله قوله تعالى ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة:128)
ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما عنه نهى وزجر وأن لا يبعد الله إلا بما شرع
ودليل الصلاة والزكاة وتفسير التوحيد قوله تعالى ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة:5)
ودليل الصيام قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183)
ودليل الحج قوله تعالى ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)(آل عمران: من الآية97) .
المرتبة الثانية : الإيمان وهو بضع وسبعون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان وأركانه ستة أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره والدليل على هذه الأركان الستة قوله تعالى (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ )(البقرة: من الآية177) ودليل القدر قوله تعالى (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر:49) .
المرتبة الثالثة : الإحسان ركن واحد وهو " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " والدليل قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل:128) وقوله تعالى (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) (الشعراء:217) (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ) (الشعراء:218) (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) (الشعراء:219) (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (الشعراء:220) وقوله تعالى (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ )(يونس: من الآية61)
والدليل من السنة حديث جبرئيل عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلي النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلي ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال " أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " فقال صدقت فعجبنا له يسأله ويصدقه قال فأخبرني عن الإيمان قال " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره " قال صدقت قال فأخبرني عن الإحسان قال " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " قال فأخبرني عن الساعة قال " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " قال فأخبرني عن أمارتها قال " أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان " قال فمضى فلبثنا مليا فقال " يا عمر أتدري من السائل " قلت الله ورسوله أعلم قال " هذا جبرئيل أتاكم يعلمكم أمر دينكم " .
الأصل الثالث : معرفة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم وهاشم من قريش وقريش من العرب والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام وله من العمر ثلاث وستون منها أربعون قبل النبوة وثلاث وعشرون نبياً رسولاً نبي بـ ( أقرأ ) وأرسل بـ ( المدثر ) وبلده مكة بعثه الله بالنذارة عن الشرك ويدعو إلي التوحيد والدليل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (المدثر:1) (قُمْ فَأَنْذِرْ) (المدثر:2) (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) (المدثر:3) (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) (المدثر:4) (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (المدثر:5) (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) (المدثر:6) (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) (المدثر:7)
ومعنى (قُمْ فَأَنْذِرْ) ينذر عن الشرك ويدعو إلي التوحيد (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) عظمه بالتوحيد (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) أي طهر أعمالك عن الشرك (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) الرجز : الأصنام وهجرها تركها وأهلها والبراءة منها وأهلها أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلي التوحيد وبعد العشر عرج به إلي السماء وفرضت عليه الصلوات الخمس وصلى في مكة ثلاث سنين وبعدها أمر بالهجرة إلي المدينة .
والهجرة الانتقال من بلد الشرك إلي بلد الإسلام وهي فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلي بلد الإسلام وهي باقية إلي أن تقوم الساعة والدليل قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء:97) ( إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) (النساء:98) (فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً) (النساء:99) وقوله تعالى ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) (العنكبوت:56)
قال البغوي رحمه الله " سبب نزول هذه الآية في المسلمين الذين في مكة لم يهاجروا ناداهم الله باسم الإيمان "
والدليل على الهجرة من السنة قوله صلى الله عليه وسلم " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها "
فلما استقر بالمدينة أمر ببقية شرائع الإسلام مثل الزكاة والصوم والحج والجهاد والأذان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من شرائع الإسلام أخذ على هذا عشر سنين وبعدها توفي
صلاة الله وسلامه عليه ودينه باق وهذا دينه لا خير إلا دل الأمة عليه ولا شر إلا حذرها منه والخير الذي دلها عليه التوحيد وجميع ما يجبه الله ويرضاه والشر الذي حذرها منه الشرك وجميع ما يكرهه الله ويأباه بعثه الله إلي الناس كافة وافترض طاعته على جميع الثقلين الجن والإنس.
والدليل قوله تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً)(لأعراف: من الآية158) وأكمل الله به الدين.
والدليل قوله تعالى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً)(المائدة: من الآية3) والدليل على موته صلى الله عليه وسلم قوله تعالى (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (الزمر:30) ( ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (الزمر:31) والناس إذا ماتوا يبعثون.
والدليل قوله تعالى (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) (طـه:55) وقوله تعالى (وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً) (نوح:17) (ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً) (نوح:18) وبعد البحث محاسبون ومجزيون بأعمالهم . والدليل قوله تعالى ( وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) (لنجم:31) ومن كذب بالبعث كفر والدليل قوله تعالى (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (التغابن:7)
وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين والدليل قوله تعالى (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )(النساء: من الآية165) وأولهم نوح عليه السلام وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم وهو خاتم النبيين والدليل على أن أولهم نوح عليه السلام قوله تعالى (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِه)(النساء: من الآية163) وكل أمة بعث الله إليها رسولاً من نوح إلي محمد يأمرهم بعبادة الله وحده وينهاهم عن عبادة الطاغوت والدليل قوله تعالى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ )(النحل: من الآية36) وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله
قال ابن القيم رحمه الله تعالى " الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع " والطواغيت كثيرون ورؤوسهم خمسة إبليس لعنه الله ومن عبد وهو ارض ومن دعا الناس إلي عبادة نفسه ومن ادعى شيئاً من علم الغيب ومن حكم بغير ما أنزل الله والدليل قوله تعالى (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:256) وهذا هو معنى ( لا إله إلا الله )
وفي الحديث " رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله " والله أعـلــم .