سيرة عمر ابن الخطاب جزء 8 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية

قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية تعرض فيه تاريخ الأمم السابقة ( قصص الأنبياء ) و تاريخ أمتنا من عهد الرسول صلى الله عليه و سلم ... الوقوف على الحضارة الإسلامية، و كذا تراجم الدعاة، المشائخ و العلماء

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

سيرة عمر ابن الخطاب جزء 8

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-07-27, 17:44   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
إكرام ملاك
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية إكرام ملاك
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز أحسن عضو لسنة 2013 المرتبة الاولى وسام المرتبة الثالثة 
إحصائية العضو










افتراضي سيرة عمر ابن الخطاب جزء 8

الجزء 8

وقد ثبت عن عمر أنه كان شديد التسامح مع أهل الذمة، حيث كان يعفيهم من الجزية عندما يعجزون عن تسديدها، فقد ذكر أبو عبيد في كتاب الأموال: أن عمر – رضي الله عنه – مر بباب قوم وعليه سائل يسأل – شيخ كبير ضرير البصر – فضرب عضده من خلفه وقال من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال يهودي، قال فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن، قال: فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل( )، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه فو الله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه( )، وقد كتب إلى عماله معمّماً عليهم هذا الأمر( ) وهذه الأفعال تدل على عدالة الإسلام وحرص الفاروق أن تقوم دولته على العدالة والرفق برعاياها ولو كانوا من غير المسلمين، وقد بقيت الحرية الدينية معلماً بارزاً في عصر الخلافة الراشدة، مكفولة من قبل الدولة، ومصانه بأحكام التشريع الرباني.

2- حرية التنقل أو حرية الغدو والرواح:
حرص الفاروق على هذه الحرية حرصاً شديداً ولكنه قيدها في بعض الحالات الاستثنائية التي استدعت ضرورة لذلك، أما الحالات الاستثنائية التي جرى فيها تقييد حرية التنقل أو حرية المأوى فهي قليلة جداً، ويكفينا أن نشير إلى الحالتين نظراً لأهميتها:
أ‌- أمسك عمر كبار الصحابة في المدينة ومنعهم من الذهاب إلى الأقطار المفتوحة إلا بإذن منه أو لمهمة رسمية كتعيين بعضهم ولاة أو قادة للجيوش وذلك حتى يتمكن من أخذ مشورتهم والرجوع إليها فيما يصادفه من مشاكل في الحكم ويحول في الوقت نفسه دون وقوع أية فتنة أو انقسام في صفوف المسلمين في حال خروجهم للأمصار واستقرارهم فيها( )، فقد كان من حكمته السياسية ومعرفته الدقيقة لطبائع الناس ونفسيتهم، أنه حصر كبار الصحابة في المدينة، وقال: أخوف ما أخاف على هذه الأمة انتشاركم في البلاد( )، وكان يعتقد أنه إذا كان التساهل في هذا الشأن، نجمت الفتنة في البلاد المفتوحة، والتفَّ الناس حول الشخصيات المرموقة، وثارت حولها الشبهات، وكثرت القيادات والرايات، وكان من أسباب الفوضى( )، لقد خشي عمر رضي الله عنه: من تعدد مراكز القوى السياسية والدينية داخل الدولة الإسلامية، حيث يصبح لشخص هذا الصحابي الجليل أو ذاك هالة من الإجلال والاحترام على رأيه، ترقى به إلى مستوى القرار الصادر من السلطة العامة، وتجنباً لتعدد مراكز القوى، وتشتت السلطة، فقد رأى عمر إبقاء كبار الصحابة، داخل المدينة يشاركونه في صناعة القرار، ويتجنبون فوضى الاجتهاد الفردي، ولولا هذا السند الشرعي لكان القرار الصادر عن عمر – رضي الله عنه – غير مجد ولا ملزم لافتقاده لسببه الشرعي الذي يسوغه؛ إذ التصرف على الرعية منوط بالمصلحة( ).
ب‌- وأما الحالة الثانية فقد حصلت عندما أمر عمر بإجلاء نصارى نجران ويهود خيبر من قلب البلاد العربية إلى العراق والشام وسبب ذلك أن يهود خيبر ونصارى نجران لم يلتزموا بالعهود والشروط التي أبرموها مع رسول الله  وجددوها مع الصديق، فقد كانت مقرات يهود خيبر ونصارى نجران أوكاراً للدسائس والمكر فكان لا بد من إزالة تلك القلاع الشيطانية، وإضعاف قواتهم، أما بقية النصارى واليهود، كأفراد فقد عاشوا في المجتمع المدني يتمتعون بكافة حقوقهم، روى البيهقي في سننه وعبد الرزاق بن همام الصنعاني في مصنفه عن ابن المسيب وابن شهاب: أن رسول الله –- قال: لا يجتمع دينان في جزيرة العرب. قال مالك، قال ابن شهاب: ففحص عن ذلك عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – حتى أتاه الثلج واليقين عن رسول الله  أنه قال: لا يجتمع دينان في جزيرة العرب، فأجلى يهود خيبر. قال مالك: قد أجلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يهود نجران وفدك( ).
لقد كانت نبوة النبي  بالنسبة للصحابة يقيناً ولذلك لم يستطع اليهود
ولا نصارى نجران أن يلتزموا بعهودهم مع المسلمين لشدة عداوتهم وبغضهم وحسدهم للإسلام والمسلمين، فاليهود في خيبر كان من أسباب إجلائهم ما رواه ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: لما فدع( ) أهل خيبر عبد الله بن عمر قام عمر خطيباً فقال: إن رسول الله –  – عامل يهود خيبر على أموالهم وقال: نقركم ما أقركم الله، وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك فعدي عليه من الليل، ففدعت يداه ورجلاه وليس لنا هناك عدو غيره هم عدونا وتهمتنا وقد رأيت إجلاءهم فلما أجمع عمر على ذلك أتاه أحد بني الحقيق فقال: يا أمير المؤمنين أتخرجنا وقد أقرنا – محمد  – وعاملنا على الأموال وشرط ذلك لنا؟ فقال عمر: أظننت أني نسيت قول رسول الله –  -: كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك( )، ليلة بعد ليلة؟ فقال: كان ذلك هزيلة من أبي القاسم فقال: كذبت ياعدو الله. فأجلاهم عمر، وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالاً وإبلاً وعروضاً من أقتاب وحبال وغير ذلك( ) لقد غدر اليهود ونقضوا عهودهم، فكان طبيعياً أن يخرجوا من جزيرة العرب تنفيذاً لوصية رسول الله فأجلاهم عمر إلى تيماء وأريحا، وأما نصارى نجران فلم يلتزموا بالشروط والعهود التي أبرموها مع رسول الله ، وجددوها مع الصديق؛فأخلوا ببعضها وأكلوا الربا وتعاملوا به، فأجلاهم الفاروق من نجران إلى العراق وكتب لهم: أما بعد .. فمن وقع به من أمراء الشام أو العراق فليوسعهم خريب الأرض( )، وما اعتملوا من شيء فهو لهم لوجه الله وعقب من أرضهم (( فأتوا العراق فاتخذوا النجرانية وهي قرية بالكوفة( )، وذكر أبو يوسف أن الفاروق خاف من النصارى على المسلمين( )، وبذلك تتجلى سياسة الفاروق فيما فعل من إخراجهم بعد توفر أسباب أخرى إضافة إلى وصية رسول الله ، ويتجلى فقه الفاروق في توجيه الضربات المركزة إلى مقرات اليهود في خيبر، والنصارى في نجران بعد أن وجد المبررات اللازمة لإخراجهم من جزيرة العرب بدون ظلم أو عسف أو جور، وهكذا منع أوكار الدسائس والمكر من أن تأخذ نفساً طويلاً للتخطيط من أجل القضاء على دولة الإسلام الفتية.

3- حق الأمن، وحرمة المسكن، وحرية الملكية:
إن الإسلام أقر حق الأمن في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، قال تعالى: فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ  (البقرة، آية:193). وقال أيضاً:  فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ  (البقرة، آية194). وقد عرف الإسلام أيضاً حق الحياة الذي هو أوسع من حق الأمن، لأن هذا الأخير يتضمن فعلاً سلبياً من جانب الدولة يعبر عنه بالامتناع عن الاعتداء أو التهديد في حين أن حق الحياة يتضمن علاوة على ذلك فعلاً إيجابياً وهو حماية الإنسان ودمه من أي اعتداء أو تهديد ويجعل هذه الحماية مسؤولية عامة ملقاة على عاتق الناس كافة، لأن الاعتداء بدون حق على أحدهم هو بمثابة الاعتداء عليهم جميعاً( )، قال تعالى:  مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا  (المائدة،آية:32). ومن المنطلق القرآني والممارسة النبوية تكفل الفاروق في عهده للأفراد بحق الأمن وحق الحياة وسهر على تأمينهما وصيانتهما من أي عبث أو تطاول وكان الفاروق رضي الله عنه يقول: (إني لم أستعمل عليكم عمالي ليضربوا أبشاركم ويشتموا أعراضكم ويأخذوا أموالكم، ولكن استعملتهم ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم فمن ظلمه عامله بمظلمة فليرفعها إليَّ حتى أقصه منه( )، وجاء عن عمر أيضاً قوله: ليس الرجل بمأمون على نفسه أن أجعته أو أخفته أو حبسته أن يقر على نفسه( )، وقوله هذا يدل على عدم جواز الحصول على الإقرار والاعتراف من مشتبه به في جريمة تحت الضغط أو التهديد سواء أكانت الوسيلة المستعملة بذلك مادية (كحرمانه من عطائه أو مصادرة أمواله) أو معنوية (كاللجوء إلى تهديده أم تخويفه بأي نوع من العقاب) وجاء في كتابه لأبي موسى الأشعري بصفته قاضياً: واجعل للمدعي حقاً غائباً أو بينة أمداً ينتهي إليه فإن أحضر بينته أخذت له بحقه وإلا وجهت عليه القضاء فإن ذلك أنفى للشك)( ) وهذا القول يدل على أن حق الدفاع كان محترماً ومصاناً( )، وفيما يتعلق بحرمة المسكن، فإن الله سبحانه حرم دخول البيوت والمساكن بغير موافقة أهلها أو بغير الطريقة المألوفة لدخولها، فقال سبحانه بهذا الشأن لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(27) 0فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ  (النور، آية: 27-28).
وقال أيضاً وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا  (البقرة: 189)، كما قال:
ولا تَجسَّسُوا  وقد كانت حرمة المسكن مكفولة ومصانة في عهد الفاروق وعصر الخلفاء الراشدين( )، وأما حرية الملكية فقد كانت مكفولة ومصانة في عصر الراشدين ضمن أبعد الحدود التي تقرها الشريعة الإسلامية في هذا المجال فحين اضطر عمر رضي الله عنه، لأسباب سياسية وحربية بإجلاء نصارى نجران ويهود خيبر من قلب شبه الجزيرة العربية، إلى العراق والشام أمر بإعطائهم أرضاً كأرضهم في الأماكن التي انتقلوا إليها احتراماً منه وإقراراً لحق الملكية الفردية الذي يكفله الإسلام لأهل الذمة مثلما يكفله للمسلمين( )، وعندما اضطر عمر إلى نزع ملكية بعض الدور من أجل العمل على توسيع المسجد الحرام في مكة، ولم يكن دفعه للتعويض العادل إلا اعترافاً منه وإقراراً بحق الملكية الفردية التي لا يجوز مصادرتها حتى في حالة الضرورة إلا بعد إنصاف أصحابها( )، وحرية الملكية لم تكن في عهد الراشدين مطلقة وإنما هي مقيدة بالحدود الشرعية وبمراعاة المصلحة العامة، فقد روي أن بلالاً بن الحارث المزني جاء إلى رسول الله  يطلب منه أن يستقطعه أرضاً، فأقطعه أرضاً طويلة عريضة، فلما آلت الخلافة إلى عمر رضي الله عنه، قال له: يا بلال، إنك استقطعت رسول الله  أرضاً طويلة عريضة فقطعها لك، وإن رسول الله  لم يكن يمنع شيئاً يسأله، وأنت لا تطيق ما في يدك فقال أجل: فقال عمر: فانظر ما قويت عليه منها فأمسكه، وما لم تطق وما لم تقو عليه فادفعه إلينا نقسمه بين المسلمين، فقال لا أفعل والله شيئاً أقطعنيه رسول الله ، فقال عمر: والله لتفعلن، فأخذ عمر ما عجز عن عمارته فقسمه بين المسلمين( ) وهنا يدل على أن الملكية الفردية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمصلحة الجماعة فإن أحسن المالك القيام بما يتطلبه معنى الاستخلاف في الرعاية والاستثمار فليس لأحد أن ينازعه ملكه، وإلا فإن لولي الأمر أن يتصرف بما يحول دون إهماله( ).

4- حرية الرأي:
كفل الإسلام للفرد حرية الرأي كفالة تامة، وقد كانت هذه الحرية مؤمنة ومصانة في عهد الخلفاء الراشدين، فكان عمر رضي الله عنه يترك الناس يبدون آراءهم السديدة ولا يقيدهم ولا يمنعهم من الإفصاح عما تكنه صدورهم( )، ويترك لهم فرصة الاجتهاد في المسائل التي لا نص فيها، فعن عمر أنه لقي رجلاً فقال: ما صنعت؟ قال؟ قضى علي وزيد بكذا قال: لو كنت أنا لقضيت بكذا، قال: فما منعك والأمر إليك؟ قال: لو كنت أردك إلى كتاب الله أو إلى سنة نبيه  لفعلت، ولكني أردك إلى رأي، والرأي مشترك ما قال علي وزيد( )، وهكذا ترك الفاروق الحرية للصحابة يبدون آراءهم في المسائل الاجتهادية ولم يمنعهم من الاجتهاد ولم يحملهم على رأي معين( )، وكان النقد أو النصح للحاكم في عهد الفاروق والخلفاء الراشدين مفتوحاً على مصراعيه، فقد قام الفاروق رضي الله عنه يخطب فقال: أيها الناس من رأى منكم فيّ اعوجاجاً فليقومه، فقام له رجل وقال: والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا، فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من يقوم اعوجاج عمر بسيفه( )، وقد جاء في خطبة عمر لما تولى الخلافة: أعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحضاري النصيحة( )، واعتبر الفاروق ممارسة الحرية السياسية البناءة (النصيحة) تعد واجباً على الرعية ومن حق الحاكم أن يطالب بها: أيها الرعية إن لنا عليكم حقاً: النصيحة بالغيب والمعاونة على الخير( )، وكان يرى أن من حق أي فرد في الأمة أن يراقبه ويقوم اعوجاجه ولو بحد السيف إن هو حاد عن الطريق، فقال: أيها الناس من رأى منكم فيّ اعوجاجاً فليقومه( )، وكان يقول: أحب الناس إليّ من رفع إليّ عيوبي( )، وقال أيضاً: إني أخاف أن أخطئ فلا يردني أحد منكم تهيباً مني( )، وجاءه يوماً رجل فقال له على رؤوس الأشهاد: اتق الله يا عمر: فغضب بعض الحاضرين من قوله وأرادوا أن يسكتوه عن الكلام، فقال لهم عمر: لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نسمعها( )، ووقف ذات يوم يخطب في الناس فما كاد يقول: (أيها الناس اسمعوا وأطيعوا) حتى قاطعه أحدهم قائلاً: لا سمع ولا طاعة يا عمر، فقال عمر بهدوء: لم يا عبد الله؟ قال: لأن كلاً منا أصابه قميص واحد من القماش لستر عورته. فقال له عمر: مكانك، ثم نادى ولده عبد الله بن عمر، فشرح عبد الله أنه قد أعطى أباه نصيبه من القماش ليكمل به ثوبه، فاقتنع الصحابة وقال الرجل في احترام وخشوع: الآن السمع والطاعة يا أمير المؤمنين( ) وخطب ذات يوم، فقال: لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية، وإن كانت بنت ذي القصة –يعني يزيد بن الحصين- فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال، فقالت امرأة معترضة على ذلك: ما ذاك لك قال: ولم؟ قالت: لأن الله تعالى قال:  وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا(20)  (النساء،آية:20). فقال عمر: امرأة أصابت ورجل أخطأ( )، وجاء في رواية: أنه قال: اللهم غفراً كل إنسان أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر فقال: أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربع مئة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب وطابت به نفسه فليفعل( ) وليست حرية الرأي مطلقة في نظر الشريعة فليس للإنسان أن يفصح في كل ما يشاء، بل هي مقيدة بعدم مضرة الآخرين بإبداء الرأي، سواء كان الضرر عاماً أو خاصاً، ومما منعه عمر رضي الله عنه وحظره وقيده.

أ‌) الآراء الضالة المضلة في الدين واتباع المتشابهات: ومن ذلك قصة النبطي الذي أنكر القدر بالشام( ) فقد اعترض على عمر –رضي الله عنه- وهو يخطب بالشام حينما قال عمر: ومن يضلل الله فلا هادي له، فاعترض النبطي منكراً للقدر، قائلاً: إن الله لا يضل أحداً! فهدده عمر بالقتل إن أظهر مقولته القدرية مرة أخرى( )، وعن السائب بن يزيد أنه قال: أتى رجل عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- فقال: يا أمير المؤمنين:  وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا(1) فَالْحَامِلاَتِ وِقْرًا(2)  (الذاريات،آية:21) فقال عمر –رضي الله عنه- أنت هو؟ فقام إليه وحسر( )، عن ذراعيه، فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته، فقال: والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقاً لضربت رأسك، ألبسوه ثيابه، واحملوه على قِتْب( )، ثم اخرجوا حتى تقدموا به بلاده، ثم ليقم خطيباً ثم ليقل: إن صبيغاً( )،ابتغى العلم فأخطأه، فلم يزل وضيعاً في قومه حتى هلك( ).

ب) والوقوع في أعراض الناس بدعوى الحرية:
وقد حبس عمر –رضي الله عنه- الحطيئة( ) من أجل هجائه الزبرقان بن بدر( ) بقوله:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي( )
لأنه شبهه بالنساء في أنهن يطعمن ويسقين ويكسين( ) وقد توعد عمر الحطيئة بقطع لسانه إذا تمادى في هجو المسلمين ونهش أعراضهم، وقد استعطفه الحطيئة وهو في سجنه بشعر منه قوله:

ماذا أقول لأفراخ بذي مرخ
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة
أنت الأمير الذي من بعد صاحبه
زغب الحواصل لا ماء ولا شجر فاغفر عليك سـلام الله يا عمر
ألقى إليك مقاليد النهى البشـر

فرق له قلب عمر وخلى سبيله، وأخذ عليه ألا يهجو أحداً من المسلمين( )، وقد ورد أن الفاروق اشترى أعراض المسلمين من الحطيئة بمبلغ ثلاثة آلاف درهم حتى قال ذلك الشاعر:

أخذت أطراف الكلام فلم تدع
ومنعتني عرض البخيل فلم يخف
شتما يضر ولا مديحاً ينفع
شتمي وأصبح آمنا لا يفزع( )

5- رأي عمر في الزواج بالكتابيات:
لما علم عمر رضي الله عنه أن حذيفة بن اليمان تزوج يهودية كتب إليه: خل سبيلها، فكتب إليه حذيفة: أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها؟ فقال لا أزعم أنها حرام، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن: وفي رواية إني أخشى أن تدعوا المسلمات وتنكحوا المومسات( ).
قال أبو زهرة: (يجب أن نقرر هنا أن الأولى للمسلم ألا يتزوج إلا مسلمة لتمام الألفة من كل وجه ولقد كان عمر –رضي الله عنه- ينهى عن الزواج بالكتابيات إلا لغرض سام كارتباط سياسي يقصد به جمع القلوب وتأليفها أو نحو
ذلك ...) ( ).
لقد بين المولى عز وجل في كتابه بأن الزواج بالمؤمنة ولو كانت أمة أولى من الزواج بالمشركة ولو كانت حرة قال تعالى:  وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلاَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(221)  (البقرة،آية:221)، ففي هذه الآيات الكريمة ينهى الحق سبحانه وتعالى عن الزواج بالمشركات حتى يؤمن بالله ويصدقن نبيه، وحكم بأفضلية الأمة المؤمنة بالله ورسوله -وإن كانت سوداء رقيقة الحال- على المشركة الحرة وإن كانت ذات جمال وحسب ومال، ويمنع في المقابل المؤمنات من الزواج بالمشركين ولو كان المشرك أحسن من المؤمن في جماله وماله وحسبه( )، وإذا كان الزواج بالمشركة حراماً بنص هذه الآية فإن الزواج بالكتابية جائز بنص آخر وهو قوله تعالى:
 وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ (المائدة،آية:5) وهو نص مخصص للعموم في النص الأول، هذا هو رأي الجمهور( )، إلا أنهم قالوا إن الزواج بالمسلمة أفضل، هذا فيما إذا لم تكن هنالك مفاسد تلحق الزوج أو الأبناء أو المجتمع المسلم، أما إن وجدت مفاسد فإن الحكم هو المنع، وهذا ماذهب إليه بعض العلماء المعاصرين( )، وهو رأي سبق إليه عمر بن الخطاب: إذ هو أول من منع الزواج بالكتابيات مستنداً في ذلك إلى حجتين:
أ‌- لأنه يؤدي إلى كساد الفتيات المسلمات وتعنيسهن.
ب‌- لأن الكتابية تفسد أخلاق الأولاد المسلمين ودينهم وهما حجتان كافيتان في هذا المنع، إلا أنه إذا نظرنا إلى عصرنا فإننا سنجد مفاسد أخرى كثيرة استجدت تجعل هذا المنع أشد( )، وقد أورد الأستاذ جميل محمد مبارك مجموعة من هذه المفاسد منها:
أ‌- قد تكون للزوجة من أهل الكتاب مهمة التجسس على المسلمين.
ب‌- دخول عادات الكفار إلى بلاد المسلمين.
ت‌- تعرض المسلم للتجنس بجنسية الكفار.
ث‌- جهل المسلمين المتزوجين بالكتابيات مما يجعلهم عجينة سهلة التشكيل في يد الكتابيات.
ج‌- شعور المتزوجين بالكتابيات بالنقص وهو أمر أدى إليه الجهل بدين الله( ).

وهي مفاسد كافية للاستدلال على حرمة الزواج بالكتابية في عصرنا.
إن القيود التي وضعها عمر على الزواج بالكتابيات تنسجم مع المصالح الكبرى للدولة والأهداف العظمى للمجتمعات الإسلامية، فقد عرفت الأمم الواعية ما في زواج أبنائها بالأجنبيات من المضار، وما يجلبه هذا الزواج من أخطار تعيب الوطن عفواً أو قصداً، فوضعت لذلك قيوداً وبالذات للذين يمثلونها في المجالات العامة، وهو احتياط له مبرراته الوجيهة، فالزوجة تعرف الكثير من أسرار زوجها إن لم تكن تعرفها كلها، على قدر ما بينهم من مودة وانسجام، ولقد كان لهذه الناحية من اهتمام عمر رضي الله عنه مقام الأستاذية الحازمة الحاسبة لكل من جاء بعده كحاكم على مر الزمان، إن الزواج من الكتابيات فيه مفاسد عظيمة، فإنهن دخيلات علينا ويخالفننا في كل شيء، وأكثرهن يبقين على دينهن، فلا يتذوقن حلاوة الإسلام وما فيه من وفاء وتقدير للزوج، قدر عمر كل ذلك بفهمه لدينه، وبصائب تقديره، لطبائع البشر، وبحسن معرفته لما ينفع المسلمين وما يضرهم، فأصدر فيه أوامره وعلى الفور وفي حسم( ) لقد كانت الحرية في العهد الراشدي مصونة ومكفولة ولها حدودها وقيودها ولذلك ازدهر المجتمع وتقدم في مدار الرقي، فالحرية حق أساسي للفرد والمجتمع، يتمتع بها في تحقيق ذاته وإبراز قدراته، وسلب الحرية من المجتمع سلب لأهم مقوماته فهو أشبه بالأموات.
إن الحرية في الإسلام إشعاع داخلي ملأ جنبات النفس الإنسانية بارتباطها بالله، فارتفع الإنسان بهذا الارتباط إلى درجة السمو والرفعة، فأصبحت النفس تواقة لفعل الصالحات والمسارعة في الخيرات ابتغاء رب الأرض والسماوات، فالحرية في المجتمع الإسلامي دعامة من دعائمه تحققت في المجتمع الراشدي في أبهى صور انعكست أنوارها على صفحات الزمان( ).

ثامناً: نفقات الخليفة، والبدء بالتاريخ الهجري ولقب أمير المؤمنين:

1- نفقات الخليفة:
لما كانت الخلافة دينا وقربة يتقرب بها إلى الله تعالى، فإن من يتولاها ويحسن فيها فإنه يرجى له مثوبته، وجزاؤه عند الله سبحانه وتعالى، فإنه يجازي المحسن، بإحسانه، والمسيء بإساءته( )، قال تعالى:  فَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ(94)  (الأنبياء،آية:94) ذلك بالنسبة للجزاء الأخروي، وأما بالنسبة للجزاء الدنيوي فإن الخليفة الذي يحجز منافعه الصالحة للأمة، ويعمل على أداء الواجب نحوها يستحق عوضاً على ذلك، إذ أن المنافع إذا حجزت قوبلت بعوضين( )، فالقاعدة الفقهية أن كل محبوس لمنفعة غيره يلزمه نفقته، كمفت وقاض ووال( )، وأخذ العوض على تولي الأعمال مشروع بإعطاء النبي  العمال( ) لمن ولاه عملاً( ) ولما ولي عمر بن الخطاب أمر المسلمين بعد
أبي بكر مكث زماناً، لا يأكل من بيت المال شيئاً حتى دخلت عليه في ذلك خصاصة، لم يعد يكفيه ما يربحه من تجارته، لأنه اشتغل عنها بأمور الرعية، فأرسل إلى أصحاب رسول الله فاستشارهم في ذلك فقال: قد شغلت نفسي في هذا الأمر فما يصلح لي فيه؟ فقال عثمان بن عفان: كل وأطعم، وقال ذلك سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل( )، وقال عمر لعلي: ما تقول أنت في ذلك؟ قال: غداء وعشاء، فأخذ عمر بذلك، وقد بين عمر حظه من بيت المال فقال: إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة قيم اليتيم، إن استغنيت عنه تركت، وإن افتقرت إليه أكلت بالمعروف( )، وجاء في رواية أن عمر خرج على جماعة من الصحابة فسألهم
ما ترونه يحل لي من مال الله؟ أو قال: من هذا المال؟ فقالوا: أمير المؤمنين أعلم بذلك منا، قال إن شئتم أخبرتكم ما أستحل منه، ما أحج وأعتمر عليه من الظهر، وحلتي في الشتاء وحلتي في الصيف، وقوت عيالي شبعهم، وسهمي في المسلمين، فإنما أنا رجل من المسلمين، قال معمر: وإنما كان الذي يحج عليه ويعتمر بعيراً واحداً( )، وقد ضرب الخليفة الراشد الفاروق للحكام أروع الأمثلة في أداء الأمانة فيما تحت أيديهم، فقد روى أبو داود عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: ذكر عمر بن الخطاب يوماً الفيء فقال: ما أنا بأحق بهذا الفيء منكم، وما أحد منا بأحق به من أحد، إلا أنا على منازلنا من كتاب الله عز وجل وقسم رسول الله  فالرجل وقدمه، والرجل وبلاؤه، والرجل وعياله، والرجل وحاجته( )، وعن الربيع بن زياد الحارثي أنه وفد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأعجبته هيئته ونحوه، فقال: يا أمير المؤمنين إن أحق الناس بطعام لين، ومركب لين، وملبس لين لأنت -وكان أكل طعاماً غليظاً- فرفع عمر جريدة كانت معه فضرب بها رأسه، ثم قال: أما والله ما أراك أردت بها الله، ما أردت بها إلا مقاربتي، وإن كنت لعلّها: لأحسب أن فيك خيراً، ويحك هل تدري مثلي ومثل هؤلاء؟ قال: وما مثلك ومثلهم، قال مثل قوم سافروا فدفعوا نفقاتهم إلى رجل منهم، فقالوا: أنفق علينا، فهل يحل له أن يستأثر منها بشيء؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، قال فذلك مثلي ومثلهم( )، وقد استنبط الفقهاء من خلال الهدى النبوي والعهد الراشدي مجموعة من الأحكام تتعلق بنفقات الخليفة منها:
أ‌- أنه يجوز للخليفة أن يأخذ عوضاً عن عمله، وقد نص النووي( )، وابن العربي( )، والبهوتي( )، وابن مفلح( ) على جواز ذلك.
ب‌- وأن الخليفتين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قد أخذا رزقاً على ذلك.
ث- وأن أخذ الرزق هو مقابل انشغالهما في أمور المسلمين كما قاله
أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
ت‌- وأن الخليفة له أن يأخذ ذلك سواء كان بحاجة إليه أولا، ويرى ابن المنير( )، أن الأفضل له أن يأخذ، لأنه لو أخذ كان أعون في عمله مما لو ترك، لأنه بذلك يكون مستشعراً بأن العمل واجب عليه( ).

2- بدء التاريخ:
يعد التاريخ بالهجرة تطوراً له خطره في النواحي الحضارية، وكان أول من وضع التاريخ بالهجرة عمر، ويحكى في سبب ذلك عدة روايات، فقد جاء عن ميمون بن مهران أنه قال: دُفع إلى عمر رضي الله عنه صَكٌ محله في شعبان، فقال عمر: شعبان هذا الذي مضى أو الذي هو آت أو الذي نحن فيه، ثم جمع أصحاب رسول الله  فقال لهم: ضعوا للناس شيئاً يعرفونه، فقال قائل: اكتبوا على تاريخ الروم فقيل: إنه يطول وإنهم يكتبون من عند ذي القرنين، فقال قائل: اكتبوا تاريخ الفرس قالوا: كلما قام ملك طرح ما كان قبله، فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام رسول الله بالمدينة فوجدوه أقام عشرة سنين فكتب أو كتب التاريخ على هجرة رسول الله ( )، وعن عثمان بن عبيد الله( )، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: جمع عمر بن الخطاب المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم فقال: متى نكتب التاريخ؟ فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: منذ خرج النبي  من أرض الشرك، يعني من يوم هاجر، قال: فكتب ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه( )، وعن ابن المسيب قال: أول من كتب التاريخ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسنتين ونصف من خلافته، فكتب لست عشرة من المحرم بمشورة على بن أبي طالب رضي الله عنه( )، وقال أبو الزناد( ): استشار عمر في التاريخ فأجمعوا على الهجرة( )، وروى ابن حجر في سبب جعلهم بداية التاريخ في شهر محرم وليس في ربيع الأول الشهر الذي تمت فيه هجرة النبي  أن الصحابة الذين أشاروا على عمر وجدوا أن الأمور التي يمكن أن يؤرخ بها أربعة، هي مولده ومبعثه وهجرته ووفاته، ووجدوا أن المولد والمبعث لا يخلو من النزاع في تعيين سنة حدوثه، وأعرضوا عن التأريخ بوفاته لما يثيره من الحزن والأسى عند المسلمين، فلم يبق إلا الهجرة، وإنما أخروه من ربيع الأول إلى المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان من المحرم، إذ وقعت بيعة العقبة الثانية في ذي الحجة، وهي مقدمة الهجرة، فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هو هلال محرم، فناسب أن يُجعل مبتدأ.. ثم قال ابن حجر: وهذا أنسب ما وقعت عليه من مناسبة الابتداء بالمحرم( ).
وبهذا الحدث الإداري المتميز أسهم الفاروق في إحداث وحدة شاملة بكل ما تحمله الكلمة من معنى في شبه الجزيرة، حيث ظهرت وحدة العقيدة بوجود دين واحد، ووحدة الأمة بإزالة الفوارق، ووحدة الاتجاه باتخاذ تاريخ واحد، فاستطاع أن يواجه عدوه وهو واثق من النصر( ).

3- لقب أمير المؤمنين:
لما مات أبو بكر رضي الله عنه وكان يدعى خليفة رسول الله  فقال المسلمون: من جاء بعد عمر قيل له: خليفة خليفة رسول الله  فيطول هذا، ولكن أجمعوا على اسم تدعون به الخليفة، يُدْعى به من بعده من الخلفاء، فقال بعض أصحاب رسول الله : نحن المؤمنون وعمر أميرنا، فدعي عمر أمير المؤمنين فهو أول من سمي بذلك( )، وعن ابن شهاب: أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه سأل
أبا بكر ابن سليمان بن أبي خيثمة( )، لم كان أبو بكر رضي الله عنه يكتب من
أبي بكر خليفة رسول الله ؟ ثم كان عمر رضي الله عنه يكتب بعده: من عمر بن الخطاب خليفة أبي بكر ومن أول من كتب أمير المؤمنين فقال: حدثتني جدتي الشفاء( )، وكانت من المهاجرات الأول، وكان عمر إذا دخل السوق دخل عليها قال: كتب عمر بن الخطاب إلى عامل بالعراق( )، أن ابعث إلي برجلين جلدين نبيلين، أسألهما عن العراق وأهله، فبعث إليه صاحب العراقين بلبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم، فقدما المدينة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد فوجدا عمرو بن العاص، فقالا له: (ياعمرو استأذن لنا على أمير المؤمنين، فدخل عمرو فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال له عمر: ما بدا لك في هذا الاسم يا بن العاص؟ لتخرجن مما قلت: قال: نعم، قدم لبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم فقالا: استأذن لنا على أمير المؤمنين فقلت: أنتما والله أصبتما اسمه، إنه أمير ونحن المؤمنون، فجرى الكتاب من ذلك اليوم( )، وفي رواية: أن عمر رضي الله عنه قال: أنتم المؤمنون وأنا أميركم فهو سمى نفسه( )، وبذاك يكون عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أول من سمي بأمير المؤمنين
وأنه لم يسبق إليه، وإذا نظر الباحث في كلام أصحاب النبي  رأى أن جميعهم قد اتفقوا على تسميته بهذا الاسم وسار له في جميع الأقطار في حال ولايته( ).

المبحث الثاني: صفات الفاروق، وحياته مع أسرته، واحترامه لأهل البيت:

أولاً: أهم صفات الفاروق:
إن مفتاح شخصية الفاروق إيمانه بالله تعالى والاستعداد لليوم الآخر وكان هذا الإيمان سبباً في التوازن المدهش والخلاّب في شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولذلك لم تطغ قوته على عدالته، وسلطانه على رحمته، ولا غناه على تواضعه وأصبح مستحقاً لتأييد الله وعونه، فقد حقق شروط كلمة التوحيد، من العلم واليقين، والقبول، والانقياد، والإخلاص والمحبة وكان على فهم صحيح لحقيقة الإيمان وكلمة التوحيد فظهرت آثار إيمانه العميق في حياته والتي من أهمها:

1- شدة خوفه من الله تعالى بمحاسبته لنفسه:
كان رضي الله عنه يقول: أكثروا من ذكر النار، فإن حرّها شديد، وقعرها بعيد، ومقامها حديد( )، وجاء ذات يوم أعرابي، فوقف عنده وقال:
يا عمر الخير جزيت الجنة
جهِّز بُنيَّاتي وأمهنَّه

أقسـم باللـه لتـفعـلـنه
قال: فإن لم أفعل ماذا يكون يا أعرابي؟ قال:
أقسـم أنـي سـوف أمضـينه
قال: فإن مضيت ماذا يكون يا أعرابي؟ قال:
والله عن حالي لتسألنه
والواقف المسئول بينهنّه
ثمّ تكون المسألات ثمّه
إما إلى نار وإما جنة

فبكى عمر حتى اخضلت لحيته بدموعه، ثم قال: يا غلام أعطه قميصي هذا لذلك اليوم، لا لشعره، والله ما أملك قميصاً غيره( )، وهكذا بكى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بكاءً شديداً تأثراً بشعر ذلك الأعرابي الذي ذكّره بموقف الحساب يوم القيامة، مع أنه لا يذكر أنه ظلم أحداً من الناس، ولكنه لعظيم خشيته وشدة خوفه من الله تعالى تنهمر دموعه أمام كل من يذكّره بيوم القيامة( )، وكان رضي الله عنه من شدة خوفه من الله تعالى يحاسب نفسه حساباً عسيراً، فإذا خيل إليه أنه أخطأ في حق أحد طلبه، وأمره بأن يقتص منه، فكان يقبل على الناس يسألهم عن حاجاتهم، فإذا أفضوا إليه بها قضاها، ولكنه ينهاهم عن أن يشغلوه بالشكاوى الخاصة إذا تفرغ لأمر عام، فذات يوم كان مشغولاً ببعض الأمور العامة( )، فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، انطلق معي فأعني على فلان، فإنه ظلمني، فرفع عمر الدرة، فخفق بها رأس الرجل، وقال: تتركون عمر وهو مقبل عليكم، حتى إذا اشتغل بأمور المسلمين أتيتموه، فانصرف الرجل متذمراً، فقال عمر علَيَّ بالرجل: فلما أعادوه ألقى عمر بالدرة إليه، وقال، أمسك الدرة، واخفقني كما خفقتك قال الرجل: لا يا أمير المؤمنين، أدعها لله ولك قال عمر: ليس كذلك: إما أن تدعها لله وإرادة ما عنده من الثواب، أو تردها عليّ، فأعلم ذلك، فقال الرجل: أدعها لله يا أمير المؤمنين، وانصرف الرجل، أما عمر فقد مشى حتى دخل بيته( ) ومعه بعض الناس منهم الأحنف بن قيس الذي حدثنا عمّا رأى: ... فافتتح الصلاة فصلى ركعتين ثم جلس، فقال: يا ابن الخطاب كنت وضيعاً فرفعك الله، وكنت ضالاً فهداك الله، وكنت ذليلاً فأعزك الله، ثم حملك على رقاب المسلمين، فجاء رجل يستعديك، فضربته، ما تقول لربك غداً إذا أتيته؟ فجعل يعاتب نفسه معاتبة ظننت أنه خير أهل الأرض( )، وعن إياس بن سلمة عن أبيه قال: مر عمر رضي الله عنه وأنا في السوق، وهو مار في حاجة، ومعه الدرة، فقال: هكذا أمِطْ( ) عن الطريق يا سلمة، قال: ثم خفقني بها خفقة فما أصاب إلا طرف ثوبي، فأمطت عن الطريق، فسكت عني حتى كان في العام المقبل، فلقيني في السوق، فقال: يا سلمة أردت الحج العام؟ قلت نعم يا أمير المؤمنين، فأخذ بيدي، فما فارقت يدي يده حتى دخل بيته، فأخرج كيساً في ست مائة درهم فقال: يا سلمة استعن بهذه واعلم أنها من الخفقة التي خفقتك عام أول، قلت والله يا أمير المؤمنين، ما ذكرتها حتى ذكرتنيها قال: والله ما نسيتها بعد( )، وكان رضي الله عنه يقول في محاسبة النفس ومراقبتها: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا، وتهيئوا للعرض الأكبر  يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ(18)  ( )، وكان من شدة خشيته لله ومحاسبته لنفسه يقول: لو مات جدْي بطف( ) الفرات لخشيت أن يحاسب الله به عمر( )، وعن علي رضي الله عنه قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على قتب يعدو، فقلت: يا أمير المؤمنين أين تذهب؟ قال: بعير ندَّ( ) من إبل الصدقة أطلبه فقلت: أذللت الخلفاء بعدك، فقال يا أبا الحسن لا تلمني فوالذي



................يتبع








 


رد مع اقتباس
قديم 2012-07-27, 17:48   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
إكرام ملاك
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية إكرام ملاك
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز أحسن عضو لسنة 2013 المرتبة الاولى وسام المرتبة الثالثة 
إحصائية العضو










افتراضي

الجزء 9


بعث محمداً بالنبوة لو أن عناقاً( ) أخذت بشاطئ الفرات لأخذ بها عمر يوم القيامة( )، وعن أبي سلامة قال: انتهيت إلى عمر وهو يضرب رجالاً ونساء في الحرم على حوض يتوضئون منه، حتى فرق بينهم، ثم قال: يا فلان، قلت: لبيك، قال لا لبيك ولا سعديك، ألم آمرك أن تتخذ حياضاً للرجال وحياضاً للنساء، قال: ثم اندفع فلقيه علي رضي الله عنه فقال: أخاف أن أكون هلكت قال: وما أهلكك؟ قال ضربت رجالاً ونساءً في حرم الله –عز وجل- قال: يا أمير المؤمنين أنت راع من الرعاة، فإن كنت على نصح وإصلاح فلن يعاقبك الله، وإن كنت ضربتهم على غش فأنت الظالم( )، وعن الحسن البصري أنه قال: بينما عمر رضي الله عنه يجول في سكك المدينة إذ عرضت له هذه الآية  وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ  فانطلق إلى أبي بن كعب فدخل عليه بيته وهو جالس على وسادة فانتزعها أبي من تحته وقال: دونكها يا أمير المؤمنين قال: فنبذها برجله وجلس، فقرأ عليه هذه الآية وقال: أخشى أن أكون أنا صاحب الآية، أوذي المؤمنين، قال: لا تستطيع إلا أن تعاهد رعيتك، فتأمر وتنهى فقال عمر: قد قلت والله أعلم( )، وكان عمر رضي الله عنه ربما توقد النار ثم يدلي يده فيها، ثم يقول: ابن الخطاب هل لك على هذا صبر( ).
وعندما بعث سعد بن أبي وقاص أيام القادسية إلى عمر رضي الله عنه بقباء كسرى، وسيفه ومنطقته، وسراويله، وقميصه، وتاجه، وخفيه، نظر عمر في وجوه القوم فكان أجسمهم وأمدهم قامة سراقة بن جعثم المدلجي، فقال: يا سراقة قم فالبس فقام فلبس وطمع فيه، فقال له عمر: أدبر فأدبر ثم قال: أقبل فأقبل ثم قال: بخ بخ، أعرابي من بني مدلج عليه قباء كسرى، وسراويله، وسيفه، ومنطقته، وتاجه، وخفاه، رب يوم يا سراقة بن مالك لو كان عليك فيه من متاع كسرى كان شرفاً لك ولقومك انزع فنزع سراقة، فقال عمر، إنك منعت هذا رسولك ونبيك وكان أحب إليك مني وأكرم عليك مني، ومنعته أبا بكر وكان أحب إليك مني، وأكرم عليك مني، ثم أعطيتنيه فأعوذ بك أن تكون أعطيتنيه لتمكر بي ثم بكى حتى رحمه من عنده ثم قال لعبد الرحمن: أقسمت عليك لما بعته ثم قسمته قبل أن تمسي( ) ومواقفه في هذا الباب كثيرة جداً.

1- زهده:
فهم عمر رضي الله عنه من خلال معايشته للقرآن الكريم، ومصاحبته للنبي الأمين  ومن تفكره في هذه الحياة بأن الدنيا دار اختبار وابتلاء وعليه فإنها مزرعة للآخرة، ولذلك تحرّر من سيطرة الدنيا بزخارفها، وزينتها، وبريقها وخضع وانقاد وأسلم نفسه لربه ظاهراً وباطناً، وكان وصل إلى حقائق استقرت في قلبه ساعدته على الزهد في هذه الدنيا ومن هذه الحقائق:
أ- اليقين التام بأننا في هذه الدنيا أشبه بالغرباء، أو عابري سبيل كما قال النبي : كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل( ).
ب- وأن هذه الدنيا لا وزن لها ولا قيمة عند رب العزة إلا ما كان منها طاعة لله -تبارك وتعالى- إذ يقول النبي  لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء( )، (الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، أو عالماً، أو متعلماً) ( ).
ج- وأن عمرها قد قارب على الانتهاء، إذ يقول  بعثتُ أنا والساعة كهاتين بالسبّابة والوسطى( ).
د- وأن الآخرة هي الباقية، وهي دار القرار، كما قال مؤمن آل فرعون: يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الأخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ(39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ(40)  (غافر،آية:39، 40) ( )، كانت الحقائق قد استقرت في قلب عمر فترفع رضي الله عنه عن الدنيا وحطامها وزهد فيها وإليك شيئاً من مواقفه التي تدل على زهده في هذه الفانية، فعن
أبي الأشهب( ) قال: مرّ عمر رضي الله عنه على مزبلة فاحتبس عندها، فكأن أصحابه تأذوا بها، فقال: هذه دنياكم التي تحرصون عليها، وتبكون عليها( ).
وعن سالم بن عبد الله: أن عمر بن الخطاب كان يقول: والله ما نعبأ بلذات العيش أن نأمر بصغار المعزى أن تسمط( ) لنا، ونأمر بلباب( ) الخبز فيخبز لنا، ونأمر بالزبيب فينبذ لنا في الأسعان( ) حتى إذا صار مثل عين اليعقوب( )، أكلنا هذا وشربنا هذا، ولكنا نريد أن نستبقي طيباتنا، لأنا سمعنا الله يقول:  أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا  (الأحقاف،آية:20)، وعن أبي عمران الجوني قال: قال عمر بن الخطاب لنحن أعلم بلين الطعام من كثير من آكليه، ولكنا ندعه ليوم  يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ
حَمْلَهَا  (الحج،آية:2)، وقد قال عمر رضي الله عنه: نظرت في هذا الأمر، فجعلت إن أردت الدنيا أضرّ بالآخرة، وإن أردت الآخرة أضر بالدنيا، فإذا كان الأمر هكذا، فأضر بالفانية( )، وقد خطب رضي الله عنه الناس، وهو خليفة، وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة( )، وطاف ببيت الله الحرام وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة، إحداهن بأدم أحمر( )، وأبطأ على الناس يوم الجمعة، ثم خرج فاعتذر إليهم في احتباسه، وقال: إنما حبسني غسل ثوبي هذا، كان يغسل، ولم يكن لي ثوب غيره( )، وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه حاجاً من المدينة إلى مكة، إلى أن رجعنا، فما ضرب له فسطاطاً( )، ولا خباء، كان يلقى الكساء( ) والنطع( )، على الشجرة فيستظل تحته( )، هذا هو أمير المؤمنين الذي يسوس رعية من المشرق والمغرب يجلس على التراب وتحته رداءٌ كأنه أدنى الرعية، أو من عامّة الناس، ودخلت عليه مرة حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها وقد رأت ما هو فيه من شدة العيش والزهد الظاهر عليه فقالت: إن الله أكثر من الخير، وأوسع عليك من الرزق، فلو أكلت طعاماً أطيب من ذلك، ولبست ثياباً ألين من ثوبك؟ قال: سأخصمك إلى نفسك( )، فذكر أمر رسول الله  وما كان يلقى من شدة العيش، فلم يزل يُذكرها ما كان فيه رسول الله  وكانت معه حتى أبكاها، ثم قال: إنه كان لي صاحبان سلكا طريقاً، فإن سلكت الشديد، لعلي أن أدرك معهما عيشهما الرخي( ).
لقد بسطت الدنيا بين يدي عمر رضي الله عنه وتحت قدميه، وفتحت بلاد الدنيا في عهده، وأقبلت إليه الدنيا راغمة، فما طرف لها بعين، ولا اهتز لها قلبه، بل كان كل سعادته، في إعزاز دين الله، وخضد شوكة المشركين، فكان الزهد صفة بارزة في شخصية الفاروق( )، يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: والله ما كان عمر بن الخطاب بأقدامنا هجرة، وقد عرفت بأي شيء فضلنا، كان أزهدنا في الدنيا( ).

2- ورعه:
ومما يدل على ورعه رضي الله عنه ما أخرجه أبو زيد عمر بن شبة من خبر معدان بن أبي طلحة اليعمري أنه قدم على عمر رضي الله عنه بقطائف وطعام، فأمر به فقسم، ثم قال: اللهم إنك تعلم أني لم أرزقهم ولن أستأثر عليهم إلا أن أضع يدي في طعامهم، وقد خفت أن تجعله ناراً في بطن عمر، قال معدان: ثم لم أبرح حتى رأيته اتخذ صحفة من خالص ماله فجعلها بينه وبين جفان العامة، فأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يرغب في أن يأكل مع عامة المسلمين لما في ذلك من المصالح الاجتماعية، ولكنه يتحرج من أن يأكل من طعام صنع من مال المسلمين العام، فيأمر بإحضار طعام خاص له من خالص ماله، وهذا مثال رفيع في العفة والورع إذ أن الأكل من مال المسلمين العام معهم ليس فيه شبهة تحريم لأنه منهم ولكنه قد أعف نفسه من ذلك ابتغاء مما عند الله تعالى، ولشدة خوفه من الله تعالى خشي أن يكون ذلك من الشبهات فحمى نفسه منه( )، وعن عبد الرحمن بن نجيح قال: نزلت على عمر رضي الله عنه، فكانت له ناقة يحلبها، فانطلق غلامه ذات يوم فسقاه لبنا أنكره، فقال: ويحك من أين هذا اللبن لك؟ قال: يا أمير المؤمنين إن الناقة انفلت عليها ولدها فشربها، فخليت لك ناقة من مال الله، فقال ويحك تسقيني ناراً، واستحل ذلك اللبن من بعض الناس، فقيل هو لك حلال يا أمير المؤمنين ولحمها( )، فهذا مثل من ورع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، حيث خشي من عذاب الله جل وعلا لما شرب ذلك اللبن مع أنه لم يتعمد ذلك، ولم تطمئن نفسه إلا بعد أن استحل ذلك من بعض كبار الصحابة رضي الله عنهم الذي يمثلون المسلمين في ذلك الأمر، وهذا الخبر وأمثاله يدل على أن ذكر الآخرة بما فيها من حساب ونعيم أو شقاء أخذ بمجامع عمر وملأ عليه تفكيره، حتى أصبح ذلك موجهاً لسلوكه في هذه الحياة( )، لقد كان عمر رضي الله عنه شديد الورع، وقد بلغ به الورع فيما يحق له ولا يحق، أنه مرض يوماً، فوصفوا له العسل دواء، وكان في بيت المال عسل جاء من بعض البلاد المفتوحة، فلم يتداو عمر بالعسل كما نصحة الأطباء، حتى جمع الناس، وصعد المنبر واستأذن الناس: إن أذنتم لي، وإلا فهو علي حرام، فبكى الناس إشفاقاً عليه وأذنوا له جميعاً، ومضى بعضهم يقول لبعض، لله درك يا عمر! لقد أتعبت الخلفاء بعدك( ).

3- تواضعه:
عن عبد الله بن عباس قال: كان للعباس ميزاب على طريق عمر فلبس عمر ثيابه يوم الجمعة وقد كان ذبح للعباس فرخان فلما وافى الميزاب صُبّ ماء بدم الفرخين فأصاب عمر، فأمر عمر بقلعه، ثم رجع عمر فطرح ثيابه ولبس ثياباً غير ثيابه، ثم جاء فصلى بالناس فأتاه العباس فقال: والله إنه للموضع الذي وضعه رسول الله  فقال عمر للعباس: وأنا أعزم عليك لما صعدت على ظهري حتى تضعه في الموضع الذي وضعه رسول الله ، ففعل ذلك العباس( )، وعن الحسن البصري قال: خرج عمر رضي الله عنه في يوم حارّ واضعاً رداءه على رأسه، فمرَّ به غلام على حمار، فقال: يا غلام، احملني معك، فوثب الغلام عن الحمار، وقال: اركب
يا أمير المؤمنين، قال: لا، اركب وأركب أنا خلفك، تريد تحملني على المكان الوطئ، وتركب أنت على الموضع الخشن، فركب خلف الغلام، فدخل المدينة، وهو خلفه والناس ينظرون إليه( )، وعن سنان بن سلمة الهذلي قال: خرجت مع الغلمان ونحن نلتقط البلح، فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعه الدِّرَّة، فلما رآه الغلمان تفرقوا في النخل، قال: وقمت وفي إزاري شيء قد لقطته، فقلت:
يا أمير المؤمنين، هذا ما تلقي الريح، قال: فنظر إليه في إزاري فلم يضربني، فقلت: يا أمير المؤمنين، الغلمان الآن بين يديَّ، وسيأخذون ما معي، قال كلا، امش قال فجاء معي إلى أهلي( ).
وقدم على عمر بن الخطاب وفد من العراق فيهم الأحنف بن قيس في يوم صائف شديد الحر، وعمر معتجر (معمم) بعباءة يهنأ بعيراً من إبل الصدقة (أي يطليه بالقطران) فقال: يا أحنف ضع ثيابك، وهلم، فأعن أمير المؤمنين على هذا البعير فإنه إبل الصدقة، فيه حق اليتيم، والأرملة، والمسكين، فقال رجل من القوم: يغفر الله لك يا أمير المؤمنين فهلا تأمر عبداً من عبيد الصدقة فيكفيك؟ فقال عمر: وأي عبد هو أعبد مني، ومن الأحنف؟ إنه من ولي أمر المسلمين يجب عليه لهم ما يجب على العبد لسيده في النصيحة، وأداء الأمانة( )، وعن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عاتقه قربة ماء فقلت:
يا أمير المؤمنين، لا ينبغي لك هذا، فقال: لما أتاني الوفود سامعين مطيعين، دخلت نفسي نخوة، فأردت أن أكسرها( )، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت عمر بن الخطاب يوماً، وخرجت معه حتى دخل حائطاً، فسمعته يقول: وبيني وبينه جدار، وهو في جوف الحائط: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخ، والله بنيّ الخطاب، لتتقين الله، أو ليعذبنك( )، وعن جبير بن نفير: أن نفراً قالوا لعمر بن الخطاب: ما رأينا رجلاً أقضى بالقسط، ولا أقول للحق ولا أشدَّ على المنافقين منك يا أمير المؤمنين، فأنت خير الناس بعد رسول الله، فقال عوف بن مالك( ) : كذبتم – والله – لقد رأينا بعد رسول الله ، فقال: من هو؟ فقال: أبو بكر فقال عمر: صدق عوف، وكذبتم، والله لقد كان أبو بكر أطيب من ريح المسك، وأنا أضل من بعير أهلي – يعني قبل أن يسلم – لأن أبا بكر أسلم قبله بست سنين( ).
وهذا يدل على تواضع عمر وتقديره للفضلاء ولا يقتصر على الأحياء منهم، ولكنه يعم منهم الموتى كذلك، فلا يرضى أن ينكر فضلهم أو يغفل ذكراهم، ويظل يذكرهم بالخير في كل موقف، ويحمل الناس على احترام هذا المعنى النبيل وعدم نسيان ما قدموه من جلائل الأعمال، فيبقى العمل النافع متواصل الحلقات يحمله رجال من رجال إلى رجال، فلا ينسى العمل الطيب بغياب صاحبه أو وفاته وفي هذا وفاء وفيه إيمان( ).
إن عمر رضي الله عنه لا يقر إغفال فضل من سبقه في هذا المقام ولا يرضى أن تذهب أفضال السابقين أدراج النسيان. إن الأمة التي تنسى أو تغفل ذكر من خدموها، أمة مقضي عليها بالتبار، أليس من الخير أن يربي الناس على هذه الخلال السامية؟ لقد تربى عمر على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام فعلّماه ما تعجز عنه كتب التربية والأخلاق قديمها وحديثها، وما يزال كتاب الله بين أيدينا وما تزال سنة رسول الله  محفوظة لدينا وفيها علم وتربية وأخلاق بما
لا يقاس عليه( ).

4- حلمه:
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس( )، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته، كهولا كانوا أو شبانا، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي هل لك أو قال: لك وجه عند الأمير، فاستأذن لي عليه قال: سأستأذن لك عليه قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة، فأذن له عمر، فلما دخل عليه قال: إيه، أو هي يا بن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل( )، ولا تحكم فينا بالعدل، فغضب عمر حتى هم أن يوقع به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه: خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ  (الأعراف: 199). وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله( )، فعندما سمع رضي الله عنه الآية الكريمة هدأت ثائرته، وأعرض عن الرجل الذي أساء إليه في خلقه عندما اتهمه بالبخل، وفي دينه عندما اتهمه بالجور في القسم، وتلك التي يهتم لها عمر وينصب، ومن منا يملك نفسه عند الغضب؟ وخاصة إذا كان للغضب ما يحمل عليه، كثيرون لا أظن ولا قليلون، متى نتجمل بهذه التعاليم لنكون مثلاً قرآنياً نتحرك وفق ما نقرأ في كتاب الله الكريم؟ متى يكون خلقنا القرآن( )؟ وعندما خطب عمر بالجابية في الشام تحدث عن الأموال وكيفية القسمة وعن أمور ذكر منها… وإني أعتذر إليكم عن خالد بن الوليد فإني أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين فأعطى ذا البأس، وذا الشرف، وذا اللسان فنزعته وأمرت أبا عبيدة بن الجراح، فقام أبو عمرو بن حفص بن المغيرة( )، فقال: والله ما اعتذرت يا عمر، ولقد نزعت عاملاً استعمله رسول الله  وأغمدت سيفاً سله رسول الله  ووضعت أمراً نصبه رسول الله ، وقطعت رحماً، وحسدت ابن العم. فقال عمر رضي الله عنه: إنك قريب القرابة، حديث السن، تغضب في ابن عمك( ).
هذه بعض صفاته التي كانت ثماراً لتوحيده وإيمانه بالله واستعداده للقدوم على الله تعالى وقد تحدث العلماء والباحثون عن صفاته الشخصية والتي من أهمها: القوة الدينية، والشجاعة، والإيمان القوي، والعدل، والعلم، والخبرة، وسعة الإطلاع، والهيبة وقوة الشخصية، والفراسة والفطنة وبعد النظر والكرم، والقدوة الحسنة، والرحمة، والشدة والحزم، والغلظة، والتقوى والورع، وتكلموا عن سمات السلوك القيادي عند الخليفة عمر بن الخطاب والتي من أهمها؛ سماع النقد، والقدرة على تفعيل الناس وإيجاد العمل، والمشاركة في اتخاذ القرارات بالشورى، والقدرة على إحداث التغيير والتقلب في المواقف الطارئة، وشدة مراقبته للولاة والأمراء وفي ثنايا البحث سوف يلاحظ القارئ الكريم هذه الصفات وأكثر ولا أريد حصرها في هذا المبحث خوفاً من التكرار.

ثانياً: حياته مع أسرته:
قال عمر رضي الله عنه: إن الناس ليؤدون إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله، وإن الإمام إذا رتع رتعت الرعية( )، ولذلك كان رضي الله عنه شديداً في محاسبة نفسه وأهله، فقد كان يعلم أن الأبصار مشرئبة نحوه وطامحة إليه، وأنه لا جدوى إن قسا على نفسه ورتع أهله فحوسب عنهم في الآخرة، ولم ترحمه ألسنة الخلائق في الدنيا فكان عمر إذا نهى الناس عن شيء تقدم إلى أهله فقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم كما ينظر الطير إلى اللحم فإن وقعتهم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وإني والله لا أوتى برجل وقع فيما نهيت الناس عنه إلا أضعفت له العذاب، لمكانه مني، فمن شاء منكم أن يتقدم، ومن شاء منكم أن يتأخر( ) وكان شديد المراقبة والمتابعة لتصرفات أولاده وأزواجه وأقاربه وهذه بعض المواقف:

1- المرافق العامة:
منع عمر رضي الله عنه أهله من الاستفادة من المرافق العامة التي رصدتها الدولة لفئة من الناس، خوفاً من أن يحابي أهله به، قال عبد الله بن عمر: اشتريت إبلاً أنجعتها الحمى فلما سمنت قدمت بها، قال: فدخل عمر السوق فرأى إبلاً سماناً، فقال: لمن هذه الإبل؟ قيل: لعبد الله بن عمر، قال، فجعل يقول: يا عبد الله بن عمر بخ … بخ … ابن أمير المؤمنين، قال: ما هذه الإبل؟ قال، قلت: إبل اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى ابتغى ما يبتغي المسلمون، قال: فقال: فيقولون ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، يا عبد الله بن عمر اغد إلى رأس مالك، واجعل باقيه في بيت مال المسلمين( ).

2- محاسبته لابنه عبد الله لما اشترى فيء جلولاء:
قال عبد الله بن عمر: شهدت جلولاء – إحدى المعارك ببلاد فارس – فابتعت من المغنم بأربعين ألفاً، فلما قدمت على عمر قال: أرأيت لو عرضت على النار فقيل لك: افتده، أكنت مفتدياً به؟ قلت والله ما من شيء يؤذي بك إلا كنت مفتدياً بك منه، قال: كأني شاهد الناس حين تبايعوا فقالوا: عبد الله بن عمر صاحب رسول الله ، وابن أمير المؤمنين وأحب الناس إليه، وأنت كذلك فكان أن يرخصوا عليك أحب إليهم من أن يغلوا عليك، وإني قاسم مسؤول وأنا معطيك أكثر ما ربح تاجر من قريش، لك ربح الدرهم درهم، قال: ثم دعا التجار فابتاعوه منه بأربعمائة ألف درهم، فدفع إلي ثمانين ألفاً وبعث بالباقي إلى سعد بن أبي وقاص ليقسمه( ).

3- منع جرِّ المنافع بسبب صلة القربى به:
عن أسلم قال: خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري وهو أمير البصرة فرحب بهما وسهل وقال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى، هاهنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين وأسلفكماه فتبيعان به متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة، فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون لكما الربح، ففعلاً، وكتب إلى عمر أن يأخذ منهما المال. فلما قدما على عمر قال: أكل الجيش أسلف كما أسلفكما؟ فقالا: لا.فقال عمر: أديا المال وربحه، فأما عبد الله فسكت، وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين، لو هلك المال أو نقص لضّمناه. فقال: أديا المال. فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله. فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضاً ((شركة))( ). فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف ربح المال. قالوا: هو أول قراض في الإسلام.

4- تفضيل أسامة بن زيد على عبد الله بن عمر رضي الله عنهم في العطاء:
كان عمر رضي الله عنه يقسم المال ويفضل بين الناس على السابقة والنسب ففرض لأسامة بن زيد رضي الله عنه أربعة آلاف، وفرض لعبد الله بن عمر رضي الله عنه ثلاثة آلاف، فقال: يا أبت فرضت لأُسامة بن زيد أربعة آلاف، وفرضت لي ثلاثة آلاف؟ فما كان لأبيه من الفضل مالم يكن لك! وما كان له من الفضل مالم يكن لي! فقال عمر: إن أباه كان أحب إلى رسول الله  من أبيك، وهو كان أحب إلى رسول الله  منك( )!!

5- أنفقت عليك شهراً:
قال عاصم بن عمر: أرسل إليّ عمر يرفأ (مولاه) فأتيته – وهو جالسٌ في المسجد فحمد الله عز وجل – وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإني لم أكن أرى شيئاً من هذا المال يحل لي قبل أن أليه إلا بحقه، ثم ما كان أحرم علي منه حين وليته، فعاد أمانتي، وإني كنت أنفقت عليك من مال الله شهراً، فلست بزائدك عليه، وإني أعطيت ثمرك بالعالية منحة، فخذ ثمنه، ثم ائت رجلاً من تجار قومك فكن إلى جانبه، فإذا ابتاع شيئاً فاستشركه وأنفق عليك وعلى أهلك قال: فذهبت ففعلت( ).

6- خذه يا معيقيب فاجعله في بيت المال:
قال معيقيب: أرسل إليَّ عمر رضي الله عنه مع الظهيرة، فإذا هو في بيت يطالب ابنه عاصماً … فقال لي: اتدري ما صنع هذا؟ إنه انطلق إلى العراق فأخبرهم أنه ابن أمير المؤمنين، فانتفقهم ((سألهم النفقة))، فأعطوه آنية وفضة ومتاعاً، وسيفاً محلى. فقال: عاصم: ما فعلتُ، إنما قدمت على ناس من قومي، فأعطوني هذا. فقال عمر: خذه يا معيقيب، فاجعله في بيت المال( ).
فهذا مثل من التحري في المال الذي يكتسبه الإنسان عن طريق جاهه، ومنصبه، فحيث شعر أمير المؤمنين عمر بأنّ ابنه عاصماً قد اكتسب هذا المال لكونه ابن أمير المؤمنين تحرج في إبقاء ذلك المال عنده لكونه اكتسبه بغير جهده الخاص فدخل ذلك في مجال الشبهات( ).

7- عاتكة زوجة عمر والمسك:
قدم على عمر رضي الله عنه مسك وعنبر من البحرين فقال عمر: والله لوددت أني وجدت امرأة حسنة الوزن تَزِنُ لي هذا الطيب حتى أقسمه بين المسلمين، فقالت له امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل: أنا جيدة الوزن فهلمّ أزن لك، قال: لا، قالت: لم؟ قال: إني أخشى أن تأخذيه فتجعليه هكذا وأدخل أصابعه في صدغيه – وتمسحي به عنقك، فأصيب فضلاً على المسلمين( )، فهذا مثل من ورع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه واحتياطه البالغ لأمر دينه، فقد أبى على امرأته أن تتولى قسمة ذلك الطيب حتى لا تمسح عنقها منه فيكون قد أصاب شيئاً من مال المسلمين، وهذه الدقة المتناهية في ملاحظة الاحتمالات لأوليائه السابقين إلى الخيرات، وفرقان يفرقون به بين الحلال والحرام والحق والباطل، بينما تفوت هذه الملاحظات على الذين لم يشغلوا تفكيرهم بحماية أنفسهم من المخالفات( ).

8- رفضه هدية لزوجته:
قال ابن عمر: أهدى أبو موسى الأشعري لامرأة عمر عاتكة بنت زيد طنفسة، أراها تكون ذراعاً وشبراً، فرآها عمر عندها، فقال: أنَّى لك هذه؟ فقالت: أهداها لي أبو موسى الأشعري، فأخذها عمر رضي الله عنه فضرب بها رأسها، حتى نفض رأسها( )، ثم قال علي بأبي موسى وأتعبوه فأتى به، وقد أتعب وهو يقول: لا تعجل علي يا أمير المؤمنين فقال عمر: ما يحملك على أن تهدي لنسائي؟ ثم أخذها عمر فضرب بها فوق رأسه وقال: خذها فلا حاجة لنا فيها( )، وكان رضي الله عنه يمنع أزواجه في التدخل في شؤون الدولة، فعندما كتب عمر رضي الله عنه على بعض عماله، فكلمته امرأته فيه فقالت: يا أمير المؤمنين فيم وجدت عليه؟ قال: يا عدوة الله وفيم أنت وهذا؟ إنما أنت لعبة يلعب بك ثم تتركين، وفي رواية: فأقبلي على مغزلك ولا تعرضي فيما ليس من شأنك( ).

9- هدية ملكة الروم لزوجته أم كلثوم:
ذكر الأستاذ الخضري في محاضراته، أنه – لما ترك ملك الروم الغزو وكاتب عمر وقاربه وسير إليه عمر الرسل مع البريد بعثت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب إلى ملكة الروم بطيب ومشارب وأحناش من أحناش النساء ودسته إلى البريد فأبلغه لها فأخذ منه وجاءت امرأة قيصر وجمعت نساءها وقالت: هذه هدية امرأة ملك العرب وبنت نبيهم وكاتبتها وأهدت لها وفيما أهدت لها عقد فاخر، فلما انتهى به البريد إليه أمر بإمساكه ودعا الصلاة جامعة، فاجتمعوا فصلى بهم ركعتين وقال: إنه لا خير في أمر أبرم عن غير شورى من أموري. قولوا في هدية أهدتها أم كلثوم لامرأة ملك الروم فقال قائلون: هو له بالذي لها: وليست امرأة الملك بذمة فتصانع به ولا تحت يديك فتبقيك. وقال آخرون قد كنا نهدي الثياب لنستثيب ونبعث بها لتباع ولنصيب شيئاً، فقال: ولكن الرسول رسول المسلمين والبريد بريدهم والمسلمون عظموها في صدرها فأمر بردها إلى بيت المال ورد عليها بقدر نفقتها( ).

10- أم سليط أحق به:
عن ثعلبة بن أبي مالك أنه قال: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم مروطاً بين نساء أهل المدينة، فبقي منها مرطٌ جيد فقال له بعض من عنده: يا أمير المؤمنين، أعط هذا بنت رسول الله  التي عندك – يريدون أم كلثوم بنت علي – فقال عمر: أم سليط أحق به - وأم سليط من نساء الأنصار ممن بايع رسول الله- قال عمر: فإنها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد( ).

11- غششت أباك ونصحت أقرباءك :
جيء إلى عمر رضي الله عنه بمال، فبلغ ذلك حفصة أم المؤمنين، فقالت: يا أمير المؤمنين، حق أقربائك من هذا المال، قد أوصى الله عز وجل بالأقربين من هذا المال، فقال: يا بنية حق أقربائي في مالي، وأما هذا ففي سداد المسلمين، غششت أباك ونصحت أقرباءك. قومي( ).

12- أردت أن ألقى الله ملكاً خائناً:
قدم صهرٌ لعمر عليه فطلب أن يعطيه عمر من بيت المال فانتهره عمر وقال: أردت أن ألقى الله ملكاً خائناً: فلما كان بعد ذلك أعطاه من صُلب ماله عشرة آلاف درهم( ).

هذه بعض المواقف التي تدل على ترفع عمر عن الأموال العامة ومنع أقربائه وأهله من الاستفادة من سلطانه ومكانته، ولو أن عمر أرخى العنان لنفسه أو لأهل بيته لرتعوا ولرتع من بعدهم وكان مال الله تعالى حبساً على أولياء الأمور. ومن القواعد الطبيعية المؤيدة بالمشاهد أن الحاكم إذا امتدت يده إلى مال الدولة اتسع الفتق على الراتق واختل بيت المال أو مالية الحكومة وسرى الخلل إلى جميع فروع المصالح وجهر المستسر بالخيانة وانحل النظام، ومن المعلوم أن الإنسان إذا كان ذا قناعة وعفة عن مال الناس زاهداً في حقوقهم دعاهم ذلك إلى محبته والرغبة فيه وإذا كان حاكما حدبوا عليه وأخلصوا في طاعته وكان أكرم عليهم من أنفسهم( ).
ومن خلال حياته مع أسرته وأقربائه يظهر لنا مَعْلمٌ من معالم الفاروق في ممارسة منصب الخلافة وهي القدوة الحسنة في حياته الخاصة والعامة، حتى قال في حقه علي بن أبي طالب: عففت فعفت رعيتك ولو رتعت لرتعوا، وكان لالتزامه بما يدعو إليه، ومحاسبته نفسه وأهل بيته أكثر مما يحاسب به ولاته وعماله الأثر الكبير في زيادة هيبته في النفوس وتصديق الخاصة والعامة له( ).
هذا هو عمر الخليفة الراشد الذي بلغ الذروة في القدوة رباه الإسلام، فملأ الإيمان بالله شغاف قلبه، إنه الإيمان العميق، الذي صنع منه قدوة للأجيال، ويبقى الإيمان بالله والتربية على تعاليم هذا الدين سبباً عظيماً في جعل الحاكم قدوة في أروع ما تكون القدوة من هنا إلى يوم القيامة( ).

ثالثاً: احترامه ومحبته لأهل البيت:
لا شك أن لأهل بيت النبي  منزلة رفيعة ودرجة عالية من الاحترام والتقدير عند أهل السنة والجماعة حيث يرعون حقوق آل البيت التي شرعها الله لهم، فيحبونهم ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله  التي قالها يوم غدير خم: أذكركم الله في أهل بيتي( )، فهم أسعد الناس بالأخذ بهذه الوصية، وتطبيقها، فيتبرؤون من طريقة الروافض الذين غلوا في بعض أهل البيت، غلوا مفرطاً، وطريقة النواصب الذين يؤذونهم ويبغضونهم، فأهل السنة متفقون على وجوب محبة أهل البيت وتحريم إيذائهم أو الإساءة إليهم بقول و فعل( )، وهذا الفاروق رضي الله عنه يوضح لنا معتقد أهل السنة في أهل البيت من خلال تصرفاته ومواقفه معهم.

الفصل الرابع
المؤسسة المالية والقضائية وتطويرها في عهد عمر رضي الله عنه

المبحث الأول: المؤسسة المالية:

أولاً: مصادر دخل الدولة في عهد عمر رضي الله عنه:
نظر المسلمون في العصر الراشدي إلى المال بكل أشكاله وأنواعه بأنه مال الله، وبأن الإنسان مستخلف فيه، يتصرف فيه بالشروط التي وضعها المولى عز وجل، والقرآن الكريم يؤكد هذه الحقيقة في كل أمر يتعلق بالمال وإنفاقه فيقول: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ  (الحديد،آية:7)،  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ  (البقرة،آية:254)، وقوله تعالى يتحدث عن البر وهو جماع الخير
 وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ  (البقرة،آية:137) وإيتاء المال اعتراف من المسلم -ابتداء- بأن المال الذي في يده هو رزق الله له:وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ  لأنه خلقه هو، ومن هذا الاعتراف بنعمة الرزق انبثق البر بعباد الله( )، وعلى هذا الأساس الإيماني نظر الفاروق إلى مال الدولة التي توسعت مواردها في عصره، حيث فتحت الدولة بلداناً واسعة، وخضعت لحكمها شعوب كثيرة، فنظم علاقة الدولة مع هذه الشعوب، فمنهم من دخل في حكم الدولة صلحاً، ومنهم من دخل في حكمها كرهاً، وتبعاً للفتح آلت إليها أرض غلبت عليها عنوة (بقوة السلاح)، وأراضٍ صالح أصحابها، وأرضٌ جلا عنها مالكوها أو كانت ملكاً لحكام البلاد السابقين ورجالهم، ومن شعوب هذه البلاد كتابيون (أهل كتاب كاليهود والنصارى) نظم الفاروق طريقة التعامل معهم وفق شرع الله المحكم، وقد قام عمر رضي الله عنه بتطوير النظام المالي في دولته سواء في الموارد أو الإنفاقات أو ترتيب حقوق الناس من خلال نظام الدواوين، وقد أخذت موارد الدولة تزداد في عصر عمر رضي الله عنه، وشرع في تطويرها، ورتب لها عمالاً للإشراف عليها فكانت أهم مصادر الثروة في عهده: الزكاة، والغنائم، والفيء، والجزية، والخراج، وعشور التجار، فعمل الفاروق على تطوير هذه المصادر واجتهد في قضايا وفق مقاصد الشريعة التي وضعت لمصالح العباد، فقد أخذت الدولة تستجد فيها ظروف لم تكن موجودة في عهد رسول الله ( )، وكان عمر رضي الله عنه منفذاً للكتاب والسنة تنفيذا عبقرياً، لا يستأثر بالأمر دون المسلمين، ولا يستبد بالرأي في شأن من الشئون، فإذا نزل به أمر جمع المسلمين يستشيرهم ويعمل بآرائهم( )، وأما أهم مصادر الثروة في عهد الفاروق فهي الآتي:

1- الزكاة:
هي الركن الاجتماعي البارز في أركان الإسلام، وأول تشريع سماوي إسلامي، فرض في أموال أغنياء المسلمين، لتؤخذ منهم، وترد إلى الفقراء، بحسب أنصبتها المعروفة في الزروع والثمار، والذهب والفضة وعروض التجار والماشية، ليكون هناك نوع من التضامن والتكافل الاجتماعي، والمحبة والألفة بين الأغنياء والفقراء، فالزكاة تكليف يتصل بالمال، والمال كما يقولون عصب الحياة، فمن الناس سعيد بالمال ومنهم شقي به، وهذه سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ونظراً لما للمال من أثر في حياة الناس فقد عني الإسلام بأمره أشد العناية، واهتم بالزكاة غاية الاهتمام ووضع لها نظاماً دقيقاً حكيماً رحيماً، يؤلف بين القلوب( )، ولذلك سار الفاروق على نهج رسول الله  وأبي بكر، فقام بتنظيم مؤسسة الزكاة، وتطويرها، فأرسل المصدّقين لجمع الزكاة في أرجاء الدولة الإسلامية بعد أن أسلم الكثير من سكان البلاد المفتوحة، وكان العدل في جباية الأموال، صفة الخلافة الراشدة دون الإخلال بحقوق بيت المال، وقد أنكر الفاروق على عامل من عمال الزكاة أخذه لشاة كثيرة اللبن ذات ضرع عظيم قائلاً: ما أعطى هذه أهلها وهم طائعون، لا تفتنوا الناس( )، وقد جاء ناس من أهل الشام إلى عمر، فقالوا: إنا قد أصبنا أموالاً وخيلاً ورقيقاً نحب أن يكون لنا فيها زكاة وطهور قال عمر: ما فعله صاحباي قبلي فأفعله، واستشار أصحاب رسول الله ، وفيهم عليُّ، فقال عليّ: هو حسن، إن لم يكن جزية راتبة يؤخذون بها بعدك( )، وقد ذكر الدكتور أكرم ضياء العمري: أن الصحابة اقترحوا على عمر فرض الزكاة على الرقيق والخيل بعد ما توسعت ملكية الرقيق والخيل في أيدي المسلمين، فعدّ عمر الرقيق والخيل من أموال التجارة وفرض على الرقيق الصبيان والكبار ديناراً (عشرة دراهم) وعلى الخيل العربية عشرة دراهم وعلى البراذين (الخيل غير العربية) خمسة دراهم، ويفهم أنه لم يفرض الزكاة في رقيق الخدمة والخيل المعدة للجهاد لأنها ليست من عروض التجارة، بل إنه عوض من يدفع زكاتهما كل شهرين جربين (حوالي 209 كيلو غرام من القمح) وهو أكثر قيمة في الزكاة وذلك لحديث رسول الله : ليس على المسلم في فرسه ولا عبده




.........يتبع









رد مع اقتباس
قديم 2012-07-28, 00:26   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
hocine2007347
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hocine2007347
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيكم جوزيتم الجنة










رد مع اقتباس
قديم 2012-07-28, 03:35   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
hiba-2012-
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hiba-2012-
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله خيرا









رد مع اقتباس
قديم 2012-08-09, 08:09   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
إكرام ملاك
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية إكرام ملاك
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز أحسن عضو لسنة 2013 المرتبة الاولى وسام المرتبة الثالثة 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة hocine2007347 مشاهدة المشاركة
بارك الله فيكم جوزيتم الجنة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة hiba-2012- مشاهدة المشاركة
جزاك الله خيرا

وفيكما بركة

تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام









رد مع اقتباس
قديم 2012-08-09, 11:59   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
نهاد23
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي

سلمت يداااااااااااااااااااااااااااااااااااااااك










رد مع اقتباس
قديم 2012-08-09, 16:34   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
إكرام ملاك
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية إكرام ملاك
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز أحسن عضو لسنة 2013 المرتبة الاولى وسام المرتبة الثالثة 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نهاد23 مشاهدة المشاركة
سلمت يداااااااااااااااااااااااااااااااااااااااك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مشكورة اخيتي

تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام









رد مع اقتباس
قديم 2012-08-10, 03:08   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
عاشق التاريخ
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا بارك الله فيك على هذه المعلومات المفيدة










رد مع اقتباس
قديم 2012-08-10, 07:17   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
إكرام ملاك
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية إكرام ملاك
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز أحسن عضو لسنة 2013 المرتبة الاولى وسام المرتبة الثالثة 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة wal مشاهدة المشاركة
شكرا بارك الله فيك على هذه المعلومات المفيدة
وفيك بركة ان شاء الله

موفق يا رب









رد مع اقتباس
قديم 2012-08-10, 10:33   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
لزرق
خبير الشؤون الإدارية في منتدى انشغالات الأسرة التربوية
 
الصورة الرمزية لزرق
 

 

 
الأوسمة
موضوع مميز وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










افتراضي

Mbc منتدى الجلفة










رد مع اقتباس
قديم 2012-08-10, 19:00   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
إكرام ملاك
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية إكرام ملاك
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز أحسن عضو لسنة 2013 المرتبة الاولى وسام المرتبة الثالثة 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لزرق مشاهدة المشاركة
Mbc منتدى الجلفة
مشكوراخي على المرور والرد

هدا شيء بسيط نرد به على قناة mbc









رد مع اقتباس
قديم 2012-08-10, 21:25   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
Rachid_ HD
عضو جديد
 
الصورة الرمزية Rachid_ HD
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا أخي على الموضوع الرائع










رد مع اقتباس
قديم 2012-08-11, 12:18   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
إكرام ملاك
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية إكرام ملاك
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز أحسن عضو لسنة 2013 المرتبة الاولى وسام المرتبة الثالثة 
إحصائية العضو










افتراضي

في فائدة الجميع ان شاء الله










رد مع اقتباس
قديم 2012-08-11, 12:41   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
أبو عبد الرحمن الجزائري
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أبو عبد الرحمن الجزائري
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاكم الله خيرا لكن مجرد سؤال من أي مصدر هذه السيرة ..










رد مع اقتباس
قديم 2012-08-11, 12:44   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
إكرام ملاك
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية إكرام ملاك
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز أحسن عضو لسنة 2013 المرتبة الاولى وسام المرتبة الثالثة 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كريم الحنبلي مشاهدة المشاركة
جزاكم الله خيرا لكن مجرد سؤال من أي مصدر هذه السيرة ..
شكرا لسؤالك سأقوم بادراج الكتاب









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الخطاب, شجرة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 18:20

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc