كيفية إدارة الوساطة
لقد فرضت الوساطة على الكثير من المتقاضين كوسيلة تتمتع بامتياز تلقائي لتسوية النزاعات ، كضرورة لتحديد السلم الاجتماعي، ومن هنا يمكن تعريفها بأنها عملية منظمة، تتم من خلال اجتماع خاص وسري بين أطراف النزاع ودفاعهم، تحت قيادة شخص محايد ، مؤهل يقوم بتسهيل الطريق على أطراف النزاع، وإيصالهم إلى اتفاق مقبول من الطرفين، من خلال شرحه لهم المكاسب، التي يمكن أن يحققوها بالوصول إلى حل عن طريق الاتفاق بدلا من اللجوء إلى القضاء .
فالوسيط لا يبحث مع الأطراف الأدلة الموجودة لديهم بتفصيل، ولا قانونية هذه الأدلة، ولا يتقيد بآجال أو إجراءات معينة أو وسائل إثبات خاصة ,وإنما يقوم بدفع الأطراف لصنع القرار بأنفسهم ، وفي جلسة يلتزمون خلالها بالحفاظ على السرية إذا ما فشلت محاولة الصلح هادفا من وراء ذلك إيجاد توافق لارادة الأطراف .
ويمكن أن نشبه دور الوسيط بالدور الذي يقوم به المايسترو ، فهو يوجه الأسئلة التي يراها ضرورية، ويطلب من الأطراف توضيح بعض الجزئيات التي يراها ضرورية أو غامضة، ويقوم بإقناع الأطراف بالتنازلات الممكنة ، والتوفيق بينهما لتقريب وجهات النظر، ودفعهما إلى صنع القرار بأنفسهما بشكل ودي يرتضيانه .
ومن اجل الوصول إلى هذا الحل ، فان الوسيط يقوم بعقد جلسات مع الأطراف المتنازعة ، في جلسة مشتركة يحضرانها ، وجلسات انفرادية مع كل طرف على حدة ، وبمحضر دفاعه.
وهكذا ففي الجلسة الأولى التي يحضرها الأطراف المتنازعة ودفاعهم ، يقوم الوسيط بإلقاء عرض يوضح فيه مهمته، ويوجه الأطراف إلى ضرورة التعامل مع النزاع ، الذي يتوسط فيه بنوع من الجدية ، والصراحة أثناء تقديم كل واحد منهم لوجهة نظره ،وتقديم بعض التنازلات للوصول إلى حل متفق عليه ، لان من شان ذلك الحفاظ على استمرار العلاقة بينهما ،
كما يذكر الأطراف بالوقت الذي يستغرقه حل النزاع أمام القضاء والتكاليف القضائية المرتفعة، وما يمكن أن يخلفه النزاع من عداوة دائمة بينهم..
بعد هذا العرض يعطي الوسيط الكلمة للطرف المدعي، لبسط النزاع بشكل مختصر، والإدلاء بالوثائق التي يتوفر عليها، وتحديد طلباته تم يعطي في نفس الجلسة الكلمة للمدعى عليه ، لإبداء وجهة نظره حول الدعوى ، ويتدخل الوسيط في النقاش عندما يكون هناك اختلاف في وجهات النظر، تم يعلن عن رفع الجلسة الجماعية ، لتبدأ بذلك الجلسة الثانية ، التي ينفرد فيها بكل طرف في النزاع ، حيت يبدأ الحديث مع المدعي ودفاعه ، ويطلب من المدعي حصر طلباته النهائية ، التي يراها مقنعة بالنسبة للطرف الثاني ، الذي سيتم عرضها عليه في جلسة على انفراد، تم يقوم بالاستماع إلى كل طرف ، ويسجل تنازلاته عن جزء من العـروض المقدمة ، ويقوم بإبلاغ هذه التنازلات لكل طرف على حدة وبشكل منفرد ، بمحضر دفاعه إلى حين التوصل إلى الاتفاق المرضي للأطراف ، أو فشل المهمة التي يقوم بها ويطلع الوسيط الأطراف في الجلسة الأخيرة ، على مهمته ، والدور الذي قام به ، والنتيجة التي توصل إليها الأطراف ، وتتوج هذه المرحلة في حالة نجاح الوساطة بتحرير الوسيط بالتوقيع عليه عقد الاتفاق ومن طرف المتنازعين ، يتلوه تقديم التشكرات والتهاني للأطراف في هذه الجلسة ..