انشغلت الأم فانصرف الأبناء نحو الفضائيات وأجهزة الحاسوب
اختصاصيون يعتبرون الرفاهية سببا في الجفاف العاطفي بالمجتمع
الجفاف العاطفي نقص في شبكة العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين الأفراد
يرى البعض أن المجتمع يعاني من الجفاف العاطفي الذي يسود العلاقات بين الأفراد والأسر، بل إن هناك من يصفه بأنه تصحر عاطفي، ويعيده إلى عدة أسباب وترى فاطمة عبدالله (تربوية وكاتبة) أن أحد أسباب ذلك إن لم يكن أقواها الرفاهية والترف، حيث تستقل كل أسرة، بل كل فرد بكافة احتياجاته.. والأسر الصغيرة بدورها استقلت لتختفي الأسر الممتدة، الأمر الذي حرم الصغار والكبار من رعاية وحنان الأجداد والأعمام والأخوال..وسواهم.
وتضيف "ومما زاد الطين بلة خروج الأم وترك صغيرها في كنف خادمة تقوم بأدوارها المنزلية كافة، مما شكل فراغا على كافة المستويات، وكان لهذا الفراغ نتائج وخيمة، مما أدى إلى انصراف الكثيرين نحو الفضائيات وأجهزة الحاسوب، وبالتالي قل التفاعل البشري، وضاقت النفوس، وعبست الوجوه".
وتقول "لابد أن نعترف أن مجتمعنا يعاني من الجفاف العاطفي، إن لم يكن التصحر العاطفي.. فيما غابت اللمسة الحانية والبسمة الصافية".
وقالت فاطمة إن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم علمتنا أن حسن الخلق هو السبيل الوحيد لعمارة الأرض والسعادة فيها، وأشارت إلى ضرورة التمثل بخلقه عليه الصلاة والسلام، وضربت أمثلة للطرق المعززة للتواصل داخل الأسرة الواحدة، مثل تبادل القصص والطرائف، أو مشاهدة أحد البرامج، وذلك لإشباع حاجات صغارنا إلى الحب والأمان وحفظهم من الضياع.
ويؤكد أستاذ علم النفس في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة الدكتور هشام عبد الله أن مشكلة الجفاف العاطفي من المشكلات النفسية والاجتماعية التي تتزايد بشكل واضح في المجتمعات العربية، ويعرف الجفاف العاطفي بأنه نقص حاد في شبكة العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين الأفراد، مما يؤدي إلى فقر في التواصل الاجتماعي والإنساني.
ويرى الدكتور هشام أن الجفاف العاطفي ظاهرة اجتماعية سلبية يعاني منها كافة أفراد المجتمع، وخاصة فئة الأطفال والمراهقين، ويصنفه إلى عدة أنواع وفقا لشدته والمجال الاجتماعي الذي يحدث فيه، فهناك الجفاف العاطفي الحاد، ويعني افتقار الفرد الشديد للعلاقات الاجتماعية والتواصل الاجتماعي الإيجابي مع وبين الآخرين، وكذلك يوجد الجفاف العاطفي الخفيف، وهو افتقار الفرد لجانب من جوانب العلاقات الاجتماعية بدرجة بسيطة أو متوسطة.
وفيما يتعلق بأنواع الجفاف العاطفي وفقا للمجال الذي يحدث فيه يقول "يوجد الجفاف العاطفي الأسري بدءا بالعلاقة بين الوالدين، والعلاقة بين الوالدين والأبناء، والعلاقة بين الأبناء أنفسهم، ويعد هذا النوع من أخطر المجالات،حيث إن الأسرة تمثل خط الدفاع الأول في وجه الانحرافات والاضطرابات النفسية والسلوكية، وهي التي تشبع حاجات الأبناء إلى الأمن والطمأنينة، وتبعث فيهم مشاعر الأمل والتفاؤل والثقة بالنفس".
ويشير إلى نوع آخر من الجفاف العاطفي وهو الذي يحدث في محيط العمل بين الزملاء، بسبب الصراعات على السلطات والمصالح والأدوار الوظيفية والغيرة المهنية، وهنالك كذلك الجفاف العاطفي بين الأصدقاء الذي يحدث بسبب نقص القدرة على الفهم المشترك والتقدير بينهم.
ويذكر الدكتور هشام جملة من المسببات فيقول"البداية تكون في الأسرة، فقد يلجأ بعض الآباء إلى ممارسة أساليب تنشئة غير سوية، تتولد عنها مشاعر القلق والتوتر والعدائية لدى الأبناء مثل أساليب الإهمال والعقاب البدني والقسوة والتفرقة، أو التدليل والحماية الزائدة، وعدم إتاحة الفرصة للأبناء للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم، وعدم إشباع حاجاتهم النفسية والاجتماعية بما يسمى التربية العاطفية، يضاف إلى ذلك انشغال كل فرد من أفراد الأسرة بأموره الشخصية، وضعف التواصل الاجتماعي والعاطفي بين أفراد الأسرة، وعدم وجود أهداف مشتركة، مما جعل البعض يشبه الإقامة في هذه الأسر التي تعاني الجفاف العاطفي بالإقامة الفندقية.
ويلخص الدكتور هشام أسباب ذلك الجفاف العاطفي في سيطرة النواحي المادية على مجريات الحياة، وزيادة الضغوط النفسية، وعدم القدرة على مواجهتها والتعامل معها، وكذلك نقص المهارات الإيجابية بين الأفراد كالذكاء الاجتماعي، مما ينعكس على العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، وفقر التواصل الإنساني داخل الأسرة.
منقوووووووووووووول