لاشك أن صورة المعلم بين الأمس واليوم اختلفت كثيرًا، وأن كل المعايير والامتيازات التي كانت تجير لصالح المعلم، سحبت منه اليوم، ولن نسرد بكائية وننظم مرثية على صورة المعلم القديمة، ولكن الذي يتفق عليه الجميع هو أن الصورة الكلاسيكية للمعلم قد توارت، والتي تصوره (بأنه الشخص الذي يدفع عن طلابه غشاوة الجهل ويزودهم (بسلاح) العلم وهو من يقتعد كرسي الهيبة والوقار، والمصدر الوحيد للمعرفة وسط بحور الظلام).
ومن متعلقات الصورة القديمة التي علاها الغبار، القصيدة العصماء لشوقي في المعلم، والتي يعرفها الجميع، والتي أصبحت نكتة قديمة سمجة الآن.! فمن هو المعلم حتى يقف له الطلاب؟ لابد من محاكمة شوقي وفتح محضر تحقيق له، لأنه كسر قوانين التربية والتعليم التي تجرم وتحرم إيقاف الطلاب أيا كان السبب..
عمومًا الكل يشعر بما وصل إليه الحال بصورة المعلم ولابد من دراسة عاجلة، ووضع حلول ومقترحات لمعالجة الأمر، وأحذر الوزارة من أن الطلاب قد اقتربوا من أن يتحولوا إلى غيلان تلتهم المعلم، بلا رحمة أو شفقة، عندها لا تلوم الوزارة إلا نفسها..
وحتى لا أكتفي بالتنظير ولا أكون (ظاهرة صوتية)، كما قال أحد المفكرين (العرب) عن العرب، فسأقدم حلولاً عملية لهذه المشكلة، وأدلي بدلوي وأنا ابن الميدان ولست ابن المكاتب والمصاطب:
وأول خطوة: إيجاد قسم في وزارة التربية والتعليم، مهمته تحسين صورة المعلم في عيون المجتمع، ففي وزارة الخارجية الأمريكية يوجد قسم خاص مهمته فقط تحسين صورة أمريكا في العالم، ومع الفارق طبعا بين المعلم وأمريكا، فلا بأس من المحاولة والتجريب. وليكن الإعلام هو وسيلة الوزارة، مشكلة الوزارة- وعلى مسؤوليتي - أنها أهملت الإعلام تماما، فلم تصنع لها فضاء تعليميًا تربويًا خاصًا بها.. وبذا خسرت الجولة، رغم كل ما تبذل.
إذن علينا أن نبدأ بحملة عاجلة لتحسين صورة المعلم.تكون أقوى من حملات شركات الاتصالات، تدخل كل بيت وتدق كل نافذة وتطارد الناس عند الإشارات، وفي المجمعات والأسواق، ومن أبرز محاور هذه الحملة بث المواد الدعائية والإعلانية التي واتتني بعض أفكارها الإبداعية وإليكموها مع التنويه بأن (جميع الحقوق الفكرية محفوظة):
- تصوير معلمين وهم ذاهبون إلى مدارسهم صباحًا يعلوهم النشاط وتجللهم الحيوية وتبدو أسنانهم اللؤلوية البيضاء، وعند السؤال عن سر هذه السعادة يقولون لك إنهم ذاهبون إلى المدرسة!!
- وجود فقرة قصيرة تبث دوريا في كل القنوات وفي كل المطبوعات بعنوان: إنجازات معلم، يتم فيها الحديث عن إنجازات (س) من المعلمين و(ص) من المعلمات ولا نعني بالإنجازات ما تعورف عليه من اجتراح معجزة في التعليم، أو الفوز بمسابقة لا يعلم عنها أحد، بل كل عمل المعلم من الألف إلى الياء يعد إنجازا، فمثلاً تنشر الوزارة وتحت بند (إنجازات معلم) و بلغة الأرقام- حتى لا تكون لغة خطابية وإنشائية فقط – ما يلي:
1- قام المعلم (س) بالوقوف هذا العام ما يعادل 300 ساعة وهو يؤدي مهمته الإنسانية داخل الفصول.
2- قامت المعلمة (ص) بتصحيح 5000 آلاف ورقة اختبار طوال العام ورفع طلبها لتدخل موسوعة جينس للأرقام القياسية بعد إذن الوزارة طبعًا.
3- قام المعلم (س1) بعملية فدائية وفض اشتباكًا في الساحة بين مجموعة من الطلاب نقل على أثرها للمستشفى وقد زاره مدير التعليم ومنحه نوط الشجاعة من الدرجة الأولى .
4- قامت المعلمة (ص1) بقيادة المدرسة في غياب المديرة ووكيلاتها، وأبلت بلاء حسنًا انعكس على نفسية الطالبات، مما دعاهن إلى الطلب بأن تتولى هي قيادة المدرسة بدلاً من المديرة الحالية، واستدعيت المعلمة لمكتب إدارة التعليم لتكريمها بطريقتهم الخاصة.
وغيرها من الأخبار المحفزة من المعلمين المجاهيل والمعلومين.
- تصوير معلم كهل وقد أحاط به مجموعة من الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعة الشباب وهو فخور بهم ويردد (هؤلاء طلابي).
- إخفاء التعاميم التي تزجر المعلم وتأمره، وتهدده وتتوعده..وتداولها في أضيق نطاق ويكتب عليها سري للغاية..وعدم فضحه على رؤوس الخلائق.
- فكرة برنامج قصير بعنوان المعلم في حياتهم يتم استضافة مجموعة من البارزين في المجتمع وأصحاب المناصب والسلطة وهوامير وهامورات الأسهم، ليتحدثوا عن دور المعلم، وأن هذا النجاح كله تم بعد الله بفضل توجيه وتربية معلميهم السابقين.
- تكوين لوبي من المعلمين النشطاء والمعلمات النشيطات، مهمته متابعة كل ما ينشر من الصور السلبية للمعلمين والمعلمات، في المطبوعات أو يبث في الفضائيات، وتولي الرد عليه بطريقة مكثفة ومنظمة، بشكل يوحي بأن كل المجتمع متضامن مع المعلم وأن هذه الصورة السلبية - من عنف لفظي أو جسدي ضد الطلاب أو تقصير في أداء المهمة - إن وجدت فلها أسبابها ومبرراتها ولا تمثل كل المعلمين الشرفاء..وغيرها كثير من المقترحات.
ومثلما تلمع الوزارة نفسها، ليل نهار وصباح مساء، في الصحف والمجلات ومواقع الإنترنت، رغم كل عيوبها وعوارها، ومثلما تصفق لنفسها وتهلل وتطبل وتصدق ذلك، يجب أن تلمع صورة المعلم، وتعيد البريق لابنها المسكين، الذي تركته يتشرذم في صحاري الطلاب والتعاميم والمناوبة وسجلات التحضير، بلا بواكي له، فلابد لها أخيرًا من أن تؤويه وتكتنفه وتعترف به ابنًا شرعيًا لها.
إذن سنبشر الوزارة بعصر جديد هو عصر المعلم...