صدّقوا أو لا تصدّقوا، بعض "الإخوان العرب" يقترحون حلا عجيبا وغريبا لتسوية الأزمة الدموية بين الأشقاء الفرقاء في سوريا، ولذلك يدعون إلى "تسليح السوريين"، ولم يحدّد هؤلاء إن كان هذا المقترح هو دعوة للحل السلمي، أم أنه تحريض صريح على الحرب الأهلية؟
من دعوة أطراف في الجامعة العربية إلى "التدخل العسكري" لحسم الصراع في سوريا، إلى الدعوة لتسليح المدنيين لمقاتلة بعضهم البعض، يعرف الوضع في سوريا الشقيقة، انحرافا وانزلاقا خطيرين، يصبّان في مستنقع التعفين، وبدل التكتل لفرض حلّ سلمي وعزل المتسببين والمتورطين في القتل والتقتيل والفتنة، فإن بعض العرب "الأشاوس" يصرّون على الدفع نحو الهاوية والعياذ بالله.
الشيخ البوطي قالها بالفم المليان: يا أيها السوريون وأيها العرب لا تعتصموا بحبل ليفي.. وليفي هو برنارد، الفيلسوف الصهيوني، الذي سمّاه الملاحظون بـ"عرّاب الثورات العربية"، وهو ذلك الصديق الحميم للرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، وهو ذلك "الشبح" الذي طار إلى أفغانستان، وكلما مرّ حلّ الخراب، إلى أن طاف بتونس ومصر وليبيا، متجوّلا وسط "الثوار" والمقاتلين!
لم يخلُ مؤتمر "أصدقاء سوريا" المنعقد بتونس، من خلافات ونزاعات، سرعان ما تطوّرت إلى تصفية حسابات وانسحابات وتشابك بالألسن وتنابز بالألقاب، وهذا ليس بجديد على "مجموعة عربية" اتفقت على أن لا تتفق إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، وقد تنازع "الإخوة العرب" في الاجتماع الأخير لوزراء خارجية الجامعة العربية، حول الدعوة إلى "التدخل العسكري" في سوريا!
من العيب والعار، أن يسلّم العرب، تارة رقبة العراق، وتارة أخرى رقبة ليبيا، واليوم يريدون تقديم رقبة سوريا كأضحية لـ"الربيع العربي"، الذي مازال حكماء ونبهاء يؤكدون أنه حقّ يُراد به باطل!
من الطبيعي، أن لسان حال "العُربان" أن يردّد عبارات وتحذيرات: لا تعتصموا بحبل ليفي، ولا تعتصموا بحبل "عرب" لا يحملون من صفات العرب سوى الإسم، ولا تعتصموا بحبل "جامعة عربية" يتواطأ أعضاء فيها في بيع القضايا، ولا تعتصموا بحبل مؤتمر "أصدقاء ليبيا" الذي قسّم الليبيين، ولا تعتصموا أيضا بحبل مؤتمر "أصدقاء سوريا" الذي يُريد تسليح السوريين لتفتيت سوريا!
سواء تعلق الأمر بالعراق أو تونس أو ليبيا أو مصر أو سوريا، فإن الأفيد والأبقى، هو البحث عن أصدقاء العرب من داخل العرب، بعيدا عن الغرب، وبعيدا عن هؤلاء "الأصدقاء" الوهميين والافتراضيين والموسميين، الذين لا يظهرون إلاّ في الظروف المشبوهة والموسومة بالاستغلال والمزاجية وصناعة الفوضى!
كم هو مؤسف ومذلّ حال بقايا العرب، عندما يتعلق الأمر بمصالح ومصير العرب، وقد تحوّلت سوريا مثلما تحوّلت قبلها العراق، ثم ليبيا، إلى "ميدان حرب"، و"مخبر تجارب"، لتجريب الأسلحة وتسويقها، والتخلص من كسادها وتفريغ المخازن، ثم بيع الأدوية والأعضاء الاصطناعية للجرحى والمعطوبين، وبيع الدقيق وحليب الأطفال للمنكوبين والمتحاربين!
أيها العرب: كفى لعبا وتلاعبا، كفى فتنة، كفى تمزقا وتشرذما، كفى تناحرا، كفى بهدلة، وكفى مؤتمرات لا تسمن ولا تغني من جوع، كفى استنجادا بالغرب، وكفى انبطاحا واستسلاما.. وكفى المؤمنين شرّ القتال!