حكم تغيير المنكر باليد لآحاد الرعية - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم النوازل و المناسبات الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

حكم تغيير المنكر باليد لآحاد الرعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-01-02, 14:20   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
azam
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية azam
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

(7) كلام للقرطبي فُهِمَ على غير وجهه


يثير البعض كلامًا للقرطبي رحمه الله قال فيه: ((قال العلماء الأمر بالمعروف باليد على الأمراء وباللسان على العلماء وبالقلب على الضعفاء يعني عوام الناس)) (22) ويستدلون به على أنه لا يجوز لآحاد الرعية تغيير المنكر باليد، ونحن نقول لهم:

أولاً: إنكم لم تفهموا ما نقله القرطبي رحمه الله حق الفهم لأنه استعمل حرف الجر (على) ونحن نستعمل حرف (اللام) بمعنى أنه يقصد أن الذين عليهم وجوباً عينياً تغيير المنكر بأيديهم هم الأمراء أما العامة فليس عليهم من الوجوب مثل ما على الحكام، وكون الواجب على العامة هو التغيير بالقلب لا يعني عدم جواز التغيير باليد واللسان، ونحن لم نقل أكثر من أن الفرد من الرعية له جوازاً تغيير المنكر بيده، وإنما يتعين ذلك عليه في حالات خاصة مثل أن يرى رجلاً يزني بامرأة ولا يراه أحد غيره، ويكون قادراً على التغيير باليد فها هنا يتعين عليه التغيير.

ثانياً: إن هذا الفهم الذي فهمتموه مخالف لكلام للقرطبي قبل هذا القول بقليل يقول فيه: ((أجمع المسلمون فيما ذكر ابن عبد البر أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه وأنه إذا لم يلحقه بتغييره إلا اللوم الذي لا يتعدى إلى الأذى فإن ذلك لا يجب أن يمنعه من تغييره، فإن لم يقدر فبلسانه، فإن لم يقدر فبقلبه، ليس عليه أكثر من ذلك)) (23). فقد جعل التغيير بكل الوسائل واجباً على الحاكم وغيره لكنه شرط لذلك القدرة.

ثالثاً: إن هذا الفهم مخالف لكلام للقرطبي لاحق بهذا الكلام يقول فيه: ((ولو رأى زيد عمراً وقد قصد مال بكر فيجب عليه أن يدفعه عنه إذا لم يكن صاحب المال قادراً عليه ولا راضياً به)) (24).

رابعاً: إننا لو أخذنا بما فهموه من ظاهر كلام القرطبي رحمه الله لما جاز للعامة من غير العلماء أن يغيروا المنكر بألسنتهم أيضًا، ولا يكون لهم إلا الإنكار بالقلب، وهذا الفهم لا يمكن قبوله لمخالفته الصريحة لقوله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) (25).

فهذا الحديث يدل فيما يدل على أن العامة يقومون بنصح الأئمة الأمراء، وماذا يكون نصحهم إن لم يكن أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر باللسان.

وإن هذا الفهم مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) (26).

فانظر إليه قال (ورجل) فدل ذلك على أنه أي رجل من عامة المسلمين، والمقصود أنهم لو قالوا بهذا الفهم الظاهر لكلام القرطبي من أن التغيير باليد للحكام فقط، للزمهم بقية ما في النص من أن التغيير باللسان للعلماء فقط وما أظن أحدًا عنده أدنى بصيرة بالنصوص الشرعية يقول بعد ما سبق من البيان إن العامة ليس لهم الإنكار باللسان.

وعلى ذلك فالمعنى الصحيح لقول القرطبي هو أن تغيير المنكر باليد أوجب على الحكام من غيرهم، وأن التغيير باللسان أوجب على العلماء من غيرهم، وأما التغيير بالقلب فيستوي فيه الجميع. والله أعلم.

خامساً: إنه لو فرض أن القرطبي رحمه الله ذهب إلى هذا الفهم الذي فهموه لكان لنا أن نخالفه رحمه الله ولا نأخذ بقوله حيث كان هو مخالفاً للأحاديث الصحيحة وعمل الصحابة والإجماع الذي نقله هو بنفسه - كما مرّ بنا - على أننا استطعنا - بحمد الله - التوفيق بين كلامه وكلام غيره من العلماء فاستقام الأمر، والحمد لله.


(22) تفسير القرطبي (4/49).

(23) تفسير القرطبي (4/48).

(24) المصدر السابق (4/49).

(25) أخرجه مسلم (55) وأبو داود (4944) والنسائي (7/156) 157) من حديث تميم الداري، وأخرجه الترمذي (1926) والنسائي (7/157) من حديث أبي هريرة، والحديث علقه البخاري في صحيحه كتاب الإيمان باب قول النبي صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة (1/166 فتح) ونقل الحافظ في الفتح (1/167) عن البخاري قوله في تاريخه ((لايصح إلا عن تميم)).

(26) سبق تخريجه ص: 63








 


رد مع اقتباس
قديم 2012-01-02, 14:20   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
azam
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية azam
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


(8) شبهة الضرر الواقع على الغير

يثير البعض قضية الضرر الواقع على الغير من جراء القيام بتغيير المنكر، فيقولون: إن المسلم إذا قام بتغيير المنكر فإن أهله وأقاربه سيتعرضون للأذى من جانب أهل الباطل، فلا يجوز التغيير بناءً على ذلك.

ونحن نقول لهؤلاء: نعم قد ذكر بعض العلماء أنه إن أدى تغييرك المنكر إلى الإضرار بغيرك من المسلمين، فإنه يحرم عليك التغيير.

وفي ذلك يقول الغزالي رحمه الله: ((فإن كان يتعدى الأذى من حسبته إلى أقاربه وجيرانه فليتركها، فإن إيذاء المسلمين محذور، كما أن السكوت على المنكر محذور، نعم إن كان لا ينالهم أذى في مال أو نفس ولكن ينالهم الأذى بالشتم والسب، فهذا فيه نظر ويختلف الأمر فيه بدرجات المنكر في تفاحشها ودرجات الكلام المحذور في نكايته في القلب وقدحه في العرض)) (27).

والمتأمل في الكلام السابق يجد مبناه على قياس المصالح والمفاسد، بمعنى أنه إذا وقع أذى على الغير فإن ذلك مفسدة تمنع التغيير، والنظر الدقيق يقتضي - والله أعلم - أن نوازن بين هذا الأذى وبين ذلك المنكر، فقد نجد من المنكرات العامة ما ينبغي أن يتحمل لتغييره الأذى الذي قد يقع على الغير، وذلك لخطورة ذلك المنكر، ولهذا فإنه لو تترس العدو بطائفة من المسلمين فقد اتفق الفقهاء على أنه متى ما لم يمكن دفع الضرر عن المسلمين إلا بما يفضي إلى قتل أولئك المتترس بهم جاز ذلك كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية (28).

وقد وجدت تقرير هذا الذي ذكرناه عند السيوطي رحمه الله في الأشباه والنظائر حيث قال عند حديثه عن فروض الكفايات: ((ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يختص بأرباب الولايات ولا بالعدل ولا بالحر ولا بالبالغ ولا يسقط بظن أنه لا يفيد أو علم ذلك عادة، ما لم يخف على نفسه أو ماله أو على غيره مفسدة أعظم من ضرر المنكر الواقع)) (29).

فقد اشترط رحمه الله لسقوط التغيير أن يكون الضرر المتوقع وقوعه على نفسه أو ماله أو غيره أعظم من ضرر المنكر المراد تغييره، وهذا - والله أعلم - هو الصواب، ألا ترى لو أن رجلاً قصد رجلاً ليقتله ولم يمكن دفع ذلك إلا بما يؤدي إلى قطع طرف شخص ثالث، أيصح أن يقال إنه يجب ترك الأول يقتل الثاني حتى لا تقطع طرف الثالث؟ لا شك أن الإجابة أن هذا لا يصح وأنه يُتحمل قطع طرف إنسان مسلم في سبيل حفظ حياة مسلم آخر. والله أعلم

ومن ناحية أخرى فإن افتراض أن كل تغيير باليد سيؤدي إلى إلحاق الضرر بالغير هو افتراض غير صحيح بالمرة وهذه نقطة تتعلق بالواقع، ومن مارس هذه الأمور وتعرض للإيذاء في سبيل الله هو أقدر من غيره على معرفة هل يلحق التغيير ضررًا بالغير أم لا، فأولى بهؤلاء المعترضين أن يسألوا أهل الخبرة في ذلك، فهم أدرى بما يتوقع حدوثه من ضرر.


(27) إحياء علوم الدين (2/323).

(28) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميه (10/52).

(29) الأشباه والنظائر ص: 414.









رد مع اقتباس
قديم 2012-01-02, 14:22   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
azam
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية azam
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

(9) شبهة الافتئات على الحاكم في إقامة الحدود

يقول البعض: إن من يقوم بتغيير المنكر بيده إنما يقوم بالافتئات على حق الحاكم، إذ أن الحاكم هو الذي يناط به مهمة إقامة الحدود.

وجواباً على ذلك القول نقول:

قد فرق أهل العلم بين تغيير المنكر وإقامة الحدود وممن فرق بينهما الغزالي رحمه الله حيث قال: ((ليس إلى آحاد الرعية إلا الدفع وهو إعدام المنكر، فما زاد على قدر الإعدام فهو إما عقوبة على جريمة سابقة أو زجر عن لاحق، وذلك إلى الولاة لا إلى الرعية)) (30).

ومن ذلك نفهم أنه يفرق بين إزالة المنكر وبين العقوبة عليه فالأولى تجوز لآحاد الرعية والثانية من خصائص الحكام.

إن من أغراض إقامة الحد في الإسلام تأديب الجاني على ما اقترفت يداه وزجره عن أن يعود إلى ذلك مرة أخرى، وكذلك زجر غيره عن اقتراف هذا الإثم ولأجل ذلك فقد أنيطت هذه المهمة بالحاكم.

أما عملية التغيير فهي مجرد إزالة للمنكر أو دفع له، وهذه يقوم بها الحاكم وغيره، ومن قرأ ما سبق أن أوضحناه من الأدلة على ذلك لا يحتاج معه إلى زيادة بيان والله أعلم (31).


(30) الإحياء (2/331).

(31) ما ذكرناه من أن إقامة الحدود من اختصاص الحكام إنما هو في حالة أن يكون الحكام قائمين بذلك، أما إذا قصر الحكام في إقامة الحدود فإنه يجوز للجماعة المحتسبة من آحاد الرعية أن تقوم بذلك بعد قياس المصالح والمفاسد لأن هذا الأمر واجب على الأمة وينوب عنها الحاكم في ذلك فإن قصر الحاكم رجع الأمر للأمة، قال شيخ الإسلام ابن تيميه في مجموع الفتاوى (34/ 176): ((وكذلك الأمير إذا كان مضيعاً للحدود أو عاجزاً عنها، لم يجب تفويضها إليه مع إمكان إقامتها بدونه والأصل أن هذه الواجبات تقام على أحسن الوجوه فمتى أمكن إقامتها من أمير لم يحتج إلى اثنين، ومتى لم تقم إلا بعدد ومن غير سلطان أقيمت إن لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها، فإنها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...)). وقال الشوكاني في السيل الجرار (4/311) تعليقاً على قول صاحب المتن: ((تجب إقامتها في غير المسجد على الإمام وواليه إن وقع سببها في زمن ومكان يليه))، قال الشوكاني: ((هذا مبني على أن الحدود إلى الأئمة وأنه لا يقيمها غيرهم على من وجبت عليه وليس على هذا أثارة من علم... ولا شك أن الإمام ومن يلي من جهته هم أولى من غيرهم كما قدمنا، وأما أنه (لا) يقيمها إلا الأئمة وأنها ساقطة إذا وقعت في غير زمن إمام أو في غير مكان يليه فباطل، وإسقاط لما أوجبه الله من الحدود في كتابه، والإسلام موجود والكتاب والسنة موجودان، وأهل العلم والصلاح موجودون فكيف تهمل حدود الشرع بمجرد عدم وجود واحد من المسلمين؟)) أ.هـ.
وقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية يعزر ويقيم الحدود (راجع في ذلك البداية والنهاية (14/12، 20).









رد مع اقتباس
قديم 2012-01-02, 14:23   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
azam
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية azam
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

(10) شبهة المنكر الأكبر والمنكر الأصغر

يقول البعض إنه لا يجوز الانشغال بتغيير المنكر الأصغر قبل تغيير المنكر الأكبر وهو عدم الحكم بما أنزل الله، وإن هذا الانشغال بالمنكر الأصغر يعرقل الجهود المبذولة من أجل إزالة المنكر الأكبر، ويقول بعضهم إننا في عصر استضعاف يشبه العصر المكي، وليس لنا أن نقوم بتغيير المنكرات بأيدينا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينشغل بتكسير الأصنام إلا بعد فتح مكة حين أصبحت مكة دار إسلام.

وجواباً على ذلك نقول:

إن كلامكم هذا لا دليل عليه من كتاب أو سنة أو إجماع، وإليكم البيان:

1) أما قولكم لا يجوز تغيير المنكر الأصغر قبل تغيير المنكر الأكبر فجوابه من وجوه:

الوجه الأول: يقول الله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا استَطَعتُم} (التغابن: 16) ومعنى الآية أن الإنسان عليه أن يتقي الله قدر استطاعته أي أنه إن استطاع أن يغير المنكر الأصغر، ولم يستطع تغيير الأكبر فليغير الأصغر لأن ذلك هو الذي في قدرته واستطاعته.

الوجه الثاني: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) (32) وما قيل في الآية السابقة يقال في هذا الحديث، ولذا فقد تقرر عند العلماء أن الميسور لا يسقط بالمعسور (33) فمتى قدر على بعض المأمور به وجب فعله ولا يسقط البعض لعدم القدرة على الكل.

الوجه الثالث: أن هذا الفهم الذي ذكرناه هو الموافق لقول أهل العلم، فقد ذكر الخلال أن الإمام أحمد رحمه الله سئل عن رجل له جار يعمل بالمنكر لا يقوى على أن ينكر عليه، وضعيف يعمل بالمنكر أيضاً يقوى علي هذا الضعيف، أينكر عليه؟ قال: نعم ينكر على هذا الذي يقوى أن ينكر عليه (34).

هذا وقد عنون الخلاَّل لهذه الفتوى بعنوان (باب الرجل يرى المنكر الغليظ فلا يقدر أن ينهى عنه، ويرى منكراً صغيراً يقدر أن ينهى عنه.كيف العمل؟).

الوجه الرابع: أنه لو صح استدلالكم بهذا لكان الذي أخره النبي صلى الله عليه وسلم هو المنكر الأكبر؛ لأن تحطيم الأصنام هو تحطيم لعقيدة الشرك، وهل هناك منكر أكبر من الشرك؟.

الوجه الخامس: ليس صحيحاً أن الانشغال بتغيير المنكر الأصغر يعرقل العمل لتغيير المنكر الأكبر، وكيف يكون ذلك وأصحاب المنكر الأكبر وهم الحكام العلمانيون يعمدون إلى تلك المنكرات الصغيرة في تثبيت أركان حكمهم، فكل تغيير لمنكر يفت في عضد هذا النظام وقد يفقده ركنًا من أركانه - والله أعلم -

2) أما قولكم إننا في عصر استضعاف يشبه العصر المكي، وإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحطم الأصنام إلا بعد التمكين فجوابه من وجوه:

الوجه الأول: أننا مطالبون بآخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم فالدين قد كمل والنعمة قد تمت وقد كان في العهد المكي أحكام نسخت في العهد المدني، فما مات عليه النبي صلى الله عليه وسلم هو الدين إلى يوم الدين، وليس لأحد أن يعطل حكماً ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بدعوى أننا في حال يشبه العصر المكي، وإلا لصح أن يقول البعض لا نزكي ولا نصوم لأن الزكاة والصيام إنما شرعا في العهد المدني.

الوجه الثاني: أنه لا يصح القول بأن الأمة جميعها صارت في عصر استضعاف بمعنى أن لا يكون فيها من يقوى على تغيير المنكر باليد، لأن رسولنا صلى الله عليه وسلم يقول (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة) (35).

وفي حديث جابر بن سمرة: (لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة) (36)، وفي حديث عقبة بن عامر: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك) (37)، فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تزال طائفة من أمته تقاتل في سبيل الله، وأن ذلك لا ينقطع في أمته حتى آخر الزمان.

قال النووي في شرح مسلم (13/67): ((ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء ومنهم محدثون، ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من أهل الخير... وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة؛ فإن هذا الوصف ما زال بحمد الله تعالى من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن ولا يزال حتى يأتي أمر الله المذكور في الحديث)) أ.هـ.

والمقصود أن هذه الطائفة المقاتلة هي طائفة آمرة بالمعروف وناهية عن المنكر واستمرار وجودها في الأمة ينسف فكرة عصر الاستضعاف من أساسها، فلم يبق إلا أن يقال إن الاستضعاف قد يشمل مكانًا دون آخر، وهذا حق ومقتضاه أن ينظر أهل كل بلد في حالهم وقدرتهم، فقد يكون عند قوم من القدرة ما ليس عند آخرين فيجب على القادر ما لا يجب على غير القادر، وحينئذٍ فليس لغير القادر أن ينكر على غيره ممن قدر على إقامة أمر الله فقام به.

قال ابن أبي العز في مقدمة شرح الطحاوية: ((وإن كان العبد عاجزاً عن معرفة بعض ذلك، أو العمل به فلا ينهى عما عجز عنه مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بل حسبه أن يسقط عنه اللوم لعجزه، لكن عليه أن يفرح بقيام غيره به ويرضى بذلك ويود أن يكون قائماً به)) (38).

الوجه الثالث: أن ما يقال من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكسر الأصنام في العهد المكي ليس على إطلاقه، فقد أثبتنا من قبل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد كسر صنماً على الكعبة بمكة قبل الهجرة (39)، والصحيح أنه لم يكسر الأصنام جملة إلا بعد الفتح، ليس لأنه لم يكن يجوز له ذلك بل لعدم قدرته عليه، فإنه لما قدر على تكسير صنم واحد كسره ولما قدر على تكسير كل أصنام الكعبة يوم الفتح فعل ذلك.

الوجه الرابع: أنه قد ثبت من فعل الصحابة رضي الله عنهم ما يدل على أن التغيير بالقوة كان معروفاً قبل عصر التمكين؛ فمن ذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه: (لقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي في البيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا نصلي) (40).

والظاهر أن هذه المقاتلة كانت باليد لا بالسيف، ولكنها على كل حال نوع من التغيير باليد فعله عمر رضي الله عنه ليمكن المسلمين من الصلاة في البيت، وواضح أن ذلك كان بمكة قبل الهجرة.

الوجه الخامس: أن إبراهيم عليه السلام قد حطم أصنام قومه وهو وحيد مستضعف، وهذا استدلال صحيح سواء أقلنا إن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يخالف شرعنا، أو قلنا إنه ليس شرعاً لنا إلا إذا وافق شرعنا فإنه موافق - بحمد الله - لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أقول إننا مطالبون بالاقتداء بإبراهيم عليه السلام حيث قال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِين مَعَهُ} (الممتحنة: 4) ولم يذكر لنا القرآن رسولاً للاقتداء به على وجه التعيين إلا رسولنا محمداً صلى الله عليه وسلم وإبراهيم عليه السلام.

بل إن الإمام ابن حزم يرى أن شريعة إبراهيم هي شريعة محمد صلى الله عليه وسلم حيث يقول: ((وأما شريعة إبراهيم عليه السلام فهي شريعتنا هذه بعينها، ولسنا نقول إن إبراهيم بعث إلى الناس كافة، وإنما نقول إن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة بالشريعة التي بعث الله سبحانه وتعالى بها إبراهيم إلى قومه خاصة دون سائر أهل عصره، وإنما لزمتنا ملة إبراهيم لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم بُعِث بها إلينا، لا لأن إبراهيم عليه السلام بُعِث بها قال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اْتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} (النحل: 123) وقال تعالى: {بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ اْلمُشْرِكِينَ} (البقرة: 135))) (41).


(32) أخرجه البخاري(7288) ومسلم (1337) وابن ماجه (2) والنسائي(5/110) من حديث أبي هريرة.

(33) انظر ايضاح القواعد الفقهية لعبد الله بن سعيد اللحجي ص: 91.

(34) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال ص: 93.

(35) أخرجه بهذا اللفظ مسلم (156، 1923) وأحمد (3/345)، (3/384) وابن حبان (6780 - إحسان) وابن الجارود في المنتقى (1031) من حديث جابر بن عبد الله.

(36) أخرجه مسلم (1922).

(37) أخرجه مسلم (1924).

(38) شرح الطحاوية ص: 16.

(39) انظر الأدلة من السنة النبوية: الحديث السادس

(40) أخرجه بهذا اللفظ ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/270) وابن أبي شبة في أخبار المدينة النبوية (2/226) كلاهما من طريق محمد بن عبيد، قال: أخبرنا اسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول فذكره.
قلت: وهذا إسناد في غاية الصحة فإن محمد بن عبيد هو ابن أبي أمية وهو ثقة من رجال الستة كما في تهذيب التهذيب (6/210) وكذا إسماعيل بن أبي خالد وقيس بن أبي حازم (انظر تهذيب التهذيب 1/185، 4/561).

(41) الإحكام في أصول الأحكام (5/182).









رد مع اقتباس
قديم 2012-01-02, 14:23   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
azam
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية azam
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

(11) شرط القدرة

فإن قال قائل فأين شرط القدرة فإنكم لم تذكروه فيما ذكرتم من الشروط؟ وقد نُقل عن بعض أهل العلم من المعاصرين أنه لا يجوز الإقدام على تغيير المنكر إلا بتوافر شرط القدرة.

قلنا:

معنى القدرة: أن يعلم المغير أن في قدرته أن يغير المنكر، والقدرة بهذا المعنى شرط في الوجوب وليست شرطاً في الصحة ولذلك لم نذكرها فيما ذكرنا من الضوابط.

والدليل على أن القدرة شرط في وجوب تغيير المنكر قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد: (... فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه...) (42) فقوله فإن لم يستطع دليل على أن مناط الوجوب القدرة فمن فقد القدرة سقط عنه الوجوب.

وأما الأدلة على أن القدرة ليست شرطاً في صحة التغيير فكثيرة منها:

1) قوله صلى الله عليه وسلم: (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) (43).

فلا شك أن هذا الرجل لم تبلغ قدرته أن يغير منكر ذلك الحاكم الجائر، ومع ذلك أنكر عليه فكان من نتيجة ذلك أن قُتل في سبيل الله، فعده النبي صلى الله عليه وسلم سيد الشهداء مع حمزة رضي الله عنه.

2) ومنها ما جاء في قصة عاصم بن ثابت لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس نفر من أصحابه إلى عضل والقارة، فخرج عليهم قرابة مائة رام، فأحاطوا بهم فقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلاً، فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر...، فقاتلوهم حتى قتلوا عاصماً في سبعة نفر بالنبل... (44).

قال الشوكاني تعليقاً على هذا الحديث: ((يجوز لمن لا طاقة له بالعدو أن يمتنع من الأسر وأن يستأسر)) (45).

3) ومنها ما ورد في قصة عمرو بن الجموح الذي ((كان رجلاً أعرج شديد العرج وكان له بنون أربعة مثل الأسد يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه وقالوا له: إن الله عز وجل قد عذرك، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بنيَّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك، وقال لبنيه: ما عليكم ألا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة فخرج معه فقتل يوم أحد)) (46).

وعن أبي قتادة قال: ((أتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة - وكانت رجله عرجاء - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، فقتلوه يوم أحد هو وابن أخيه ومولى لهم، فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كأني انظر إليه يمشي برجله هذه صحيحة في الجنة، فأمر رسول الله بهما وبمولاهما فجعلوا في قبر واحد)) (47)

والشاهد من قصة عمرو بن الجموح أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن له في القتال مع كونه أعرج والأعرج معذور بنص القرآن الكريم فهو لا يجب عليه الجهاد، لكنه لما جاهد قبل منه فدل ذلك على أن القدرة شرط في الوجوب لا الصحة.

وإنما ذكرت هذين الدليلين الأخيرين - أي قصة عاصم بن ثابت وقصة عمرو بن الجموح - مع أنهما واردان في شأن الجهاد، لأن حكم الجهاد هنا يعم الأمر بالمعروف النهي عن المنكر إذ هما جنس واحد، وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر في الكافي أن ((العمري العابد سأل مالك بن أنس فقال: يا أبا عبد الله أيسعنا التخلف عن قتال من خرج عن أحكام الله عز وجل وحكم بغيرها فقال مالك: الأمر في ذلك إلى الكثرة والقلة، وقال أبو عمر: جواب مالك هذا وإن كان في جهاد غير المشركين، فإنه يشمل المشركين ويجمع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كأنه يقول من علم أنه إذا بارز العدو قتلوه ولم ينل منهم شيئًا جاز له الانصراف عنهم إلى فئة من المسلمين بما يحاوله فيه، وقول مالك هذا يشبه عندي ما رواه سفيان بن عيينة عن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس قال: من فر من رجلين فقد فر، ومن فر من ثلاثة فلم يفر (48) يعني في القتال قال سفيان فحدثت به ابن شبرمة فقال: هكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) (49).

فقد ظهر من كلام أبي عمر بن عبد البر في توضيح المقصود من كلام مالك وكذا من كلام ابن شبرمة الذي نقله سفيان بن عيينة أن حكم الجهاد هنا يشمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وتأمل قوله: ((جاز له الانصراف...)) فإنه لم يقل وجب عليه الانصراف مما يدل على أن غاية ما في الأمر أنه يسقط عنه الوجوب بينما يبقى جواز التغيير، لأن من جاز له الانصراف جاز له البقاء بل قد يستحب البقاء إذا كان في ذلك مصلحة؛ ككسر جاه الفاسق برؤية أهل الحق وهم يندفعون غير مبالين بالأذى وإن كان المنكر لا يزول بفعلهم.

4) وما دام الأمر كذلك فإنه يصح لنا الاستدلال هنا بما ذكره العلماء من جواز اندفاع الرجل الواحد في صفوف الكفار وإن علم أنه يقتل، فمن ذلك ما ذكر الإمام الدمياطي حيث عقد في كتابه مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق في فضائل الجهاد باباً جعل عنوانه (فضل انغماس الرجل الشجيع أو الجماعة القليلة في العدد الكثير رغبة في الشهادة ونكاية في العدو) وقد أورد فيه جملة من الأدلة منها حديث سلمة بن الأكوع، وفيه من قول سلمة: ((فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر، قال: فإذا أولهم الأخرم الأسدي على إثره أبو قتادة الأنصاري...، قال فأخذت بعنان الأخرم، قال: فولوا مدبرين، قلت: يا أخرم احذرهم لا يقتطعوك حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال: يا سلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق والنار حق فلا تحل بيني وبين الشهادة، قال: فخليته...)) الحديث، وفيه من قوله صلى الله عليه وسلم: (كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة) (50)

قال الدمياطي: ((وفي هذا الحديث الصحيح الثابت أدل دليل على جواز حمل الواحد على الجمع الكثير من العدو وحده وإن غلب على ظنه أنه يقتل إذا كان مخلصًا في طلب الشهادة كما فعل الأخرم الأسدي رضي الله عنه ولم يعب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليه ولم ينه الصحابة عن مثل فعله، بل في الحديث دليل على استحباب هذا الفعل وفضله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مدح أبا قتادة وسلمة على فعلهما كما تقدم مع أن كلاً منهما قد حمل على العدو وحده ولم يتأن إلى أن يلحق به المسلمون)) (51).

وقال الإمام النووي في شرح قصة عمير بن الحمام ((لما رمى التمرات ثم قاتل حتى قتل)) (52) قال: ((فيه جواز الانغماس في الكفار والتعرض للشهادة وهو جائز لا كراهة فيه عند جماهير العلماء)) (53).

ومن هذا يعلم أن اندفاع الرجل المسلم مضحياً بنفسه في سبيل الله جائز في الجهاد وفي الحسبة وإن علم أنه يقتل وإن علم أن المنكر لا يزول ما دام في ذلك مصلحة شرعية ككسر قلوب الكفار والفساق بما يرونه من قوة المسلمين وجرأتهم أو تقوية المسلمين الآخرين وحملهم على التضحية كذلك.

قال القرطبي: ((قال محمد بن الحسن: لو حمل رجل واحد على ألف رجل من المشركين وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو، فإن لم يكن كذلك فهو مكروه لأنه عرض نفسه للتلف في غير منفعة للمسلمين فإن كان قصده تجرئة المسلمين عليهم حتى يصنعوا مثل صنيعه فلا يبعد جوازه، ولأن فيه منفعة للمسلمين على بعض الوجوه وإن كان قصده إرهاب العدو ليعلم صلابة المسلمين في الدين، فلا يبعد جوازه وإذا كان فيه نفع للمسلمين فتلفت النفس لإعزاز دين الله وتوهين الكفر فهو المقام الشريف الذي مدح الله سبحانه وتعالى به المؤمنين في قوله: {إِنَّ اللهَ اْشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} إلى غيرها من آيات المدح التي مدح الله بها من بذل نفسه وعلى ذلك ينبغي أن يكون حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) (54).

وقال القاضي أبو بكر بن العربي: ((فإن خاف على نفسه من تغييره الضرب أو القتل فإن رجا زواله جاز عند أكثر العلماء الاقتحام عند هذا الغرر وإن لم يرج زواله فأي فائدة فيه، والذي عندي أن النية إذا خلصت فليقتحم كيفما كان ولا يبالي)) (55).

وبهذا يعلم صحة ما ذكرناه من أن تغرير المسلم بنفسه في سبيل الله جائز في الجهاد والحسبة، وإن علم أنه يقتل، وإن علم أن المنكر لا يزول ما دام في ذلك مصلحة شرعية ككسر قلوب الكفار والفساق بما يرونه من شجاعة المسلمين أو تقوية المسلمين وحثهم على التضحية في سبيل الله. لكن تبقى معنا نقطة لا بد من إيضاحها وهي حالة ما إذا كان الشخص يعلم أنه لا يقوى على تغيير المنكر، وأنه يعرض نفسه للهلاك دون أي منفعة للمسلمين وهي الحالة التي أشار الإمام محمد بن الحسن إلى كراهتها فيما نقله عنه القرطبي كما مرّ قريباً.

وقال الغزالي: ((... ولكن لو علم أنه لا نكاية لهجومه على الكفار؛ كالأعمى يطرح نفسه على الصف أو العاجز فذلك حرام، داخل تحت عموم آية التهلكة وإنما جاز له الإقدام إذا علم أنه يقاتل إلى أن يقتل، أو علم أنه يكسر قلوب الكفار بمشاهدتهم جراءته واعتقادهم في سائر المسلمين قلة المبالاة وحبهم للشهادة في سبيل الله، فتنكسر بذلك شوكتهم، فكذلك يجوز للمحتسب بل يستحب له أن يعرَّض نفسه للضرب أو القتل إذا كان لحسبته تأثير في رفع المنكر أو في كسره جاه الفاسق أو في تقوية قلوب أهل الدين، وأما إن رأى فاسقاً متغلباً وعنده سيف وبيده قدح وعلم أنه لو أنكر عليه لشرب القدح وضرب رقبته، فهذا مما لا أرى للحسبة فيه وجهاً وهو عين الهلاك)) (56).

ولا شك أن المنع من التغيير هنا مبني على أن التغرير بالنفس لا يقابله أي منفعة للمسلمين، أما ما كان فيه نفع للمسلمين ولو بمجرد تجرئة قلوب أهل الإيمان فإن جواز التغيير، بل استحبابه هو الأصل الذي ينبغي ألا ينازع فيه.

ولا شك أيضاً في أنه لا بد من معرفة جيدة بالواقع للحكم على مثل هذه الأمور، وهل فيها منفعة للمسلمين أم لا؟ ولا يصح لمن لا خبرة له بواقع بلد معين أن يحكم بأنه لا منفعة ترجى من الإقدام على التغيير، والصحيح أن يترك تقدير ذلك لأهل ذلك البلد، وخصوصاً من يقومون بأمر الحسبة فيه من أهل العلم والنظر الشرعي.


(42) سبق تخريجه ص: 21.

(43) سبق تخريجه ص: 63.

(44) أخرجه البخاري (3045) وأبو داود (2660) وأحمد (2/294) من حديث أبي هريرة.

(45) نيل الأوطار (7/255).

(46) سيرة ابن هشام (3/96) قال ابن اسحاق وحدثني أبي اسحاق بن يسار عن أشياخ من بني سلمة: فذكره، قال الألباني: ((وهذا سند حسن إن كان الأشياخ من الصحابة، وإلا فهو مرسل، وبعضه في المسند... وسنده صحيح)) أ.هـ من تخريج فقه السيرة ص: 282، ط: دار الكتب الحديثة سنة 1976.

(47) أخرجه أحمد (5/299) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/315) ورجاله رجال الصحيح غير يحيى بن النضر الأنصاري وهو ثقة.

(48) أخرجه البيهقي (9/76) وقد صححه الألباني في إرواء الغليل (1206) وأخرجه الطبراني مرفوعًا (1151) من حديث ابن عباس، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/328): ورجاله ثقات.

(49) الكافي في فقه أهل المدينة المالكي لأبي عمر بن عبد البر (1/463).

(50) أخرجه مسلم (1807) وأحمد (4/52 - 53).

(51) مشارع الأشواق ص: 539.

(52) أخرجه مسلم (1901) من حديث أنس بن مالك.

(53) شرح مسلم للنووي (13/46).

(54) الجامع لأحكام القرآن (2/364).

(55) أحكام القرآن (1/266) 267).

(56) إحياء علوم الدين (2/319 - 320).









رد مع اقتباس
قديم 2012-01-02, 14:24   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
azam
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية azam
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


الفصل الرابع؛ أصل القضية


لا بد أن أشير هنا إلى أن ما سقناه في الفصول السابقة من أدلة على جواز تغيير المنكر باليد لآحاد الرعية، ومن ردود على شبهات المخالفين، إنما كان تنزلا إلى منطق قوم من حملة العلم الشرعي صدَّرهم النظام العلماني ليوهموا الناس أن الخلاف في هذه القضية إنما هو خلاف شرعي حول من له سلطة تغيير المنكر باليد، وليتم إغضاء الطرف عن أصل القضية ولُبِّها؛ وهو وجود سلطة حاكمة تُنحِّي شريعة الله عن الحكم بين الناس، وبالتالي تُلبِسُ كثيرًا من المنكرات ثوب الشرعية القانونية، ويُعَدُّ من حاول تغيرها خارجًا عن القانون مستحِقًا لأقصى العقوبات.

إن مشايخ النظم العلمانية ومن لفَّ لفهم في هذه القضية قد أخطؤوا خطأين كبيرين:

الخطأ الأول: عندما تبنوا رأياً مخالفاً للأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وإجماع الأمة الذي انعقد - كما أسلفنا - على جواز تغيير المنكر باليد لآحاد الرعية.

والخطأ الثاني: عندما ألبسوا هذا الخلاف ثوباً لا يليق به؛ فجعلوه خلافاً بين رعية مسلمة وسلطة مسلمة تحكم بالشرع، حول أحقية أي منهما بتغيير المنكر باليد!! وهذا غير صحيح فالسلطة الحاكمة لا تحتكم أصلاً إلى شرع الله عز وجل، بل تحتكم إلى أهواء البشر وعقولهم، والأمر عندنا واضح وضوح الشمس، فمن ترك شريعة الله واحتكم إلى غيرها فقد وقع في الكفر الأكبر المخرج من الملة، وعلى من يماري في ذلك أن يتدبر قول الله عز وجل: {فَلاَ وَرَبِكَ لاَ يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم ثُمَّ لاَ يَجِدُوا في أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ ويُسَلِمُوا تَسْلِيمًا} (النساء: 65).

يقول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله حول هذه الآية: ((وقد نفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عمن لم يُحَكِّموا النبي صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم نفياً مؤكداً بتكراره أداة النفي والقسم)) (1).

ولا عبرة بإبقاء بعض أحكام الزواج والطلاق ونحوهما مستمدة من أحكام الشريعة، فإن من شَرَعَ للناس ولو حكماً واحداً، فقد نازع الله صفة التشريع وهي من أخص صفاته سبحانه.

ولذا فإن الإمام ابن كثير قد حكم بكفر من تحاكم إلى الياسا التي وضعها جينكيز خان لأتباعه مع أن فيها ما هو مأخوذ من شريعة الإسلام، وذلك حيث يقول رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجاهِلِية يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (المائدة: 50): ((ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر، وعَدَلَ إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات...، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة من ملكهم جينكيز خان الذي وضع لهم الياسا؛ وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعًا مُتَّبعاً يُقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يُحكِّم سواه في قليل ولا كثير)) (2).

بل إن ابن كثير رحمه الله قد نقل الإجماع على كفر من تحاكم إلى الياسا حيث قال في البداية والنهاية: ((فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه؟! من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين)) (3).

ويعقب الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في عمدة التفسير على كلام ابن كثير الأسبق فيقول عن تلك القوانين الوضعية التي تسود بلاد المسلمين اليوم: ((إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس؛ هي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة، ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام - كائناً من كان - في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها)) (4).

ويقول رحمه الله: ((أَوَ يجوز لرجل مسلم أن يليَ القضاء في ظل هذا (الياسق العصري) وأن يعمل به ويُعْرِضَ عن شريعته البيَّنة؟ ما أظن أن رجلاً مسلماً يعرف دينه ويؤمن به جملةً وتفصيلاً...، ما أظنه يستطيع إلا أن يجزم غير متردد ولا متأول بأن ولاية القضاء في هذه الحال باطلة بطلاناً أصلياً، لا يلحقه التصحيح ولا الإجازة)) (5).

فإذا كان هذا حُكْم تولي القضاء في ظل هذه القوانين الوضعية، فكيف بمن شَرَعَ للناس تلك القوانين وأمرهم باتباعها، وكانت شرعية ولايته مستمدة منها؟! إن الأمر حينئذٍ يكون أكثر جلاءً ووضوحاً في أن كل حاكم نحَّى شريعة الله عز وجل وحمل الناس على التحاكم إلى غيرها، فولايته باطلة بطلاناً أصلياً أشد من بطلان ولاية القضاء في ظل القوانين الوضعية، والله أعلم.

وإذا كان الأمر بهذه المثابة، تبينت لنا خطورة الثاني من الخطأين اللذين أشرنا إليهما في صدر هذا الحديث، وأنه أشد بكثير من الخطأ الأول؛ ذلك أنهم بهذا الخطأ الثاني قد أضفوا صفة الشرعية على نُظُمٍ ساقطة الشرعية لكونها قد وضعت للناس شريعة غير شريعة الله سبحانه وتعالى، وحملتهم على التحاكم إليها واحترامها والرضى بها، وتلك مسألة - كما رأينا - في صلب العقيدة، وليست مجرد خلاف فقهي قد يَهون أمره.

إن ما نريد أن نؤكده هنا هو أنه بافتراض أننا نعيش في ظل نظام إسلامي يحتكم إلى شرع الله عز وجل فإنه يجوز لآحاد الرعية أن يغيروا المنكر بأيديهم، على ما بيناه من قبل، فكيف إذا ابتلينا بنظام هو - في حد ذاته - منكر يجب تغييره؟!

إن الأمر سيكون - حينئذٍ - غنيَّاً عن أي بيان...


(1) رسالة تحكيم القوانين ص: 1.

(2) تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير (2/68).

(3) البداية والنهاية لابن كثير (13/128).

(4) عمدة التفسير (4/172).

(5) المصدر السابق نفس الموضع.









رد مع اقتباس
قديم 2012-01-02, 14:25   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
azam
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية azam
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وأخيراً


وأخيراً نقول هذه كلمتنا نسطرها لمن يريد معرفة الحق في هذا الأمر، والحقيقة أن المخالفين في هذه المسألة قسمان من الناس:

الأول: صحافيون علمانيون، وكُتَّاب مأجورون، وهؤلاء لا شأن لهم بالنصوص الشرعية، بل دليلهم تلقوه من فتات موائد الغرب.

الثاني: قسم ينتسبون إلى العلم الشرعي، يقولون جهلاً أو تلبيساً على الناس بما قاله أهل القسم الأول من رمي الشباب المسلمين الذين يحاولون أن يغيروا المنكر بأيديهم بالتطرف والتعصب واستعمال العنف، إلى آخر هذه المبتدعات.

وحديثنا في الصفحات الماضية إنما كان لأهل هذا القسم الثاني؛ فهم الذين نجد بيننا وبينهم أرضية مشتركة؛ وهي الاعتماد على النصوص والأدلة وإن جهلوا أو ضلوا كما أسلفنا.

أما الأولون فإن لهم شأناً آخر وحوارهم لا يبدأ من هذه النقطة، بل قد يبدأ بما هو قبل ذلك، هل هم مقتنعون أصلاً بالإسلام ديناً أم لا؟ وهل هم مستعدون للتحاكم في هذه النقطة وغيرها إلى كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أم هم يقدمون أهواءهم على شرع الله سبحانه وتعالى؟ وأمثال هؤلاء نتبع معهم ما قاله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاْتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ اْلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ (الجاثية: 18).

وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم










رد مع اقتباس
قديم 2012-01-02, 14:48   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
azam
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية azam
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تم بحمد لله









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
للحاج, المنكر, الرغدة, باليد, تغيير


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 18:22

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc