شبه الجزيرة العربية هي موطن العرب الأصلي , عاشوا فيها وأسسوا مدنيات قديمه راقية, ولابد أن الطب قد ساير تلك المدنيات وأنه كان راقياً مثلها, ولكن لم يصل ألينا تاريخ شئ من أخباره, وكل من نعمله عن الطب العربي قبل الإسلام هو طب عرب الجاهلية.
والطب الجاهلي مبني في غالب الأمر علي تجارب قاصرة, ووصفات متوارثة عن مشايخ الحي وعجائزه , بعقاقير وأدوية من نباتات و أغذية, وربما يصح منها البعض, ليست على قانون طبيعي ولا علي موافقة المزاج.
وكان عماد معالجتهم الكي بالنار الذي يكاد يكون الدواء الوحيد للأمراض المعضلة .
ولم يعرف من الأطباء العرب قبل الإسلام سوى عدد قليل.
ومن هؤلاء نذكر: (الحارث بن كلدة الثقفي) : أصله من الطائف.
سافر في البلاد وتعلم الطب بناجية فارس في مدرسة جنديسابور وتمرن هناك , وعرف الداء, وبقي أيام" رسول الله صلي عليه وسلم" وأيام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية رضي الله عنهم وكانت له معالجات كثيرة, ومعرفه بما كانت العرب تعتاده وتحتاج إليه من المداواة, وله كلام مستحسن فيما يتعلق بالطب وغيره, من ذلك كلام الحارث مع كسرى.
يرى أنه لما وفد على كسرى أنو شروان أذن له بالدخول عليه , فلما وقف بين يديه منتصباً قال:له أنت ؟ قال: أنا الحارث بن كلده الثقفي ,قال: الأزم , قال: فما صناعتك ؟ قال الطب ,فقال: كيف بصرك بالطب ؟قال : ناهيك, قال :فما أصل الطب ؟قال: الأزم,قال:فما الأزم ؟قال : ضبط الشفتين والرفق باليدين,قال: أصبت,وقال: فما الداء الدوى ؟ قال: إدخال الطعام , هو الذي يفني البرية , ويهلك السباع في جوف البرية , قال: أصبت.
وتطول المحاورة بين الطبيب بن كلدة وكسرة , وفيها نصائح طبية عظيمة.
ويبدو أن كسرى قد أمر بكتابتها , فأصبحت كتاباً بعنوان" المحاورة في الطب" ومن المحاورة يمكن أن نستخلص النتائج التالية
1ـ اهتمام الأطباء العرب بالناحية الوقائية أكثر من الناحية العلاجية .
2ـ اعتقادهم بنظرية الأخلاط الأربعة اليونانية .
3ـ تجنب استعمال الدواء ألا في الضرورة , وأن يكون الدواء حاسماً عند استعماله .
4ـ اعتماد الحمية كأساس في العلاج .
5ـ فيما يتعلق بطب الفم والأسنان فأن نصيحة الحارث بعدم أدجال الطعام علي الطعام تعتبر مبدءاً وقائياً مهماً لمنع حدوث نخر الأسنان .
وفي مقوله للحارث بن كلدة يرويها عنه أبو الحسن الطبري في كتابه " المعالجات البقراطيه " يربط الحارث بن كلدة بين فقدان القدرة علي الإنجاب , فقول : " من سقطت أسنانه لم يولد له ."
ويروي عن العرب في الجاهلية بعض الأوهام في الوقاية والمعالجة ومنها : أن الغلام أذا سقطت بسن أحسن منها, زعماً منهم أنة أذا لم يفعل ذلك ,ربما نبتت سنه البديلة مشوشة أو غير صحيحة .ومن مزاعمهم : أذا بثرت شفه الصبي حمل منخلاً علي ونادي بين بيوت الحي : الحلأ ... الحلأ فتلتقي له النساء كسر الخبز وإقطاع التمر واللحم في المنخل ثم يلقي للكلاب فتأكله فيبراً من المرض.
يشير ألي ذلك شاعر في قولة :
ألا حلاً في شف مشقوقةفقد قضـي منخلنـاً حقوقـه
المراجع :
- المعالجات البقراطية – أحمد بن محمد الطبري معهد تاريخ العلوم العربية و الاسلامية بجامعة فرانكفورت – ألمانيا جزء 2 صفحة 4
- عيون الأنباء في طبقات الأطباء – ابن أيس أصيبعة – الطبعة الأولى , دار الكتب العلمية – بيروت 1998 صفحة 146 - 145
- تاريخ الطب و آدابه و أعلامه 1981- أحمد شوكت الشطي صفحة 107
- أمراض الفم و الأسنان في التراث الطبي الأندلسي – د محمد ياسين غنّام حلب 2007
واستكمالا لماسبق اورد لكى التالى
الطب العربي قبل الإسلام
(الطب في الحضارة الجاهلية كما درج تسميتها عند العرب)
ا
لقد قسم المؤرخون العرب إلي عرب عاربة والتي منها قبائل عاد وثمود وإلي عرب مستعربة والتي منها القبائل القحطانية في الجنوب والقبائل العدنانية في الشمال .
العرب حسب ما اتفق عليه المؤرخون هم القحطانيون الذين سكنوا بلاد اليمن والعرب هم مجموعة من الأقوام السامية التي استوطنت الجزيرة منذ أقدم العصور حتي سميت هذه الجزيرة فيما بعد باسمهم أي باسم الجزيرة العربية , أما الأعراب فأنهم يمثلون الأغلبية من سكان الجزيرة العربية.
يطلق علي العرب الذين عاشوا في الجزيرة العربية في فترة المائتي عام التي سبقت ظهور الإسلام بالجاهلية وكانت ديانة العرب في الجاهلية هي الوثنية المعتمدة علي عبادة الأصنام وكان للكهانة والفراسة والعرافة دور كبير في تصريف أمورهم .
كان الطب عند العرب قبـل الإسلام بسيط وبدائياً ويستند أكثره على المتعارف عليه في استعمال التعاويذ والتمائم وتناول دماء الذبائح والطرائد والتداوي بالأعشاب الصحراوية وبول الإبل ، ورماد الحرائق ، والشمع والعسل وكان الطبيب يتمتع بمكانه مميزة و شرف واحترام بين أفراد الشعب بمثابة الحكيم الروحي أو شيخ القبيلة .
فئات الطب العربي
لقد تحكم في الطب عند العرب قبـل الإسلام فئات يمكن تلخيصها علي النحو التالي :
1- الكهانة والعرافة
2- الزجر والعيافة
3- السحر والتنجيم
4- التمائم والحجب
5- الممارسة والتجربة
1- فئة الكهانة والعرافة
إن الإدعاء بعلم الغيب ومعرفة أسراره بالاستناد إلي الحدس والتخمين يسمى بالكهانة , أما العرافة فلا تختلف عن الكهانة إلا من حيث وجود أسباب ومقدمات يستند إليها العراف عند إصدار الأحكام مثل الاستدلال ببعض الحوادث الحالية علي الحوادث المقبلة . كان العرب يحترمون ويقدرون الكاهن الذي يتمتع بمعرفة أسرار المرض
وعلاجه , وكان لكل قبيلة عراف يضعونه في مرتبة الكاهن يرجع إليه الناس فيما يصيبهم من أمراض ويقوم بعلاجهم بوسائله الخاصة .
2- فئة الزجر والعيافة
إن الإدعاء باستشارة الطيور والحيوانات بالاستناد إلي أصواتها وحركاتها يسمى بالزجر , أما الشخص الذي يقوم بعملية الزجر فيعرف بالعياف . لقد أعتمد العرب علي الزجر والعيافة في مرضه وشفائه وموته بل علي مجمل حياته الحالية والمقبلة .
3- فئة السحر والتنجيم
إن الإدعاء بإظهار الحق بصورة باطل والباطل بصورة حق أي التضليل يسمى بالسحر, أما إذا أريد به الضرر بالغير وفعل الشر فيسمى في هذه الحالة بالسحر الأسود , أما التنجيم فهو رصد حركة النجوم والسيارات لمعرفة الطالع وأن لحركة الأجرام السماوية علاقة بمصير الناس وما يصيبهم من خير أو شر أو مرض أو صحة .
4- فئة التمائم والحجب
إن الإدعاء بتعليق بعض الأحجار الطبيعية مثل الفيروز أو العقيق علي الرأس أو العنق أو الكتف بغرض جلب الخير أو دفع الشر يسمى بالتمائم , أما تعليق رقعة مدون فيها كتابة ذات رموز غير مفهومة علي جسم المريض فيسمى بالحجب (الحجاب) .
الغرض من تعليق التمائم والحجب عند العرب قبـل الإسلام يمكن تلخيصها في الأتي:
· الوقاية من الأمراض.
· الحماية من الإصابة بالعين والحسد.
· اكتساب محبة الناس والثقة بالنفس.
· الحماية من الجنون أو الأرواح.
5- فئة الممارسة والتجربة
تعتبر هذه الفئة هي فئة الممارسين المجربين التي مارست الكي والحجامة والبتر والتداوي بالأعشاب , حيث كان الطبيب الجاهلي في البادية يداوي مرضاه علي أساس ما يملكه من ذكاء وخبرة معتمداً علي قواعد التجربة والاختبار دون الرجوع إلي قواعد علمية أو علم مدروس . لقد برز الكثير من الأطباء العرب في الجاهلية وكان البعض منهم قد درسوا في فارس وفي بلاد الروم وتعلموا الكثير وخاصة ما يتعلق بالعقاقير .
لقد عنى العرب الجاهليون بالجراح وتضميدها ولجئوا إلي إجراء العمليات البسيطة مثل استئصال الأورام الخارجية أو الزوائد الظاهرية دون معرفتهم بوسائل التعقيم , اللهم إلا حمي السكاكين بالنار, ويعتبر عرب الجاهلية التداوي بالكي من أنجح الطرق لعلاج الأمراض حتى صار يضرب به المثل " أخر الدواء الكي " .
علي الرغم من عرب الجاهلية لم يقدموا الكثير من حيث اكتشاف الأمراض وعلاجها إلا أنهم تعرفوا بالفعل علي بعض الأمراض ووضعوا لها أسماء ما زالت قائمة إلي يومنا هذا . لقد اعتمد العرب علي المشاهدة والتجربة في توصلهم إلى المعارف الطبية حيث عرفوا بعض الأمراض بالمقارنة إلى ما يظهر على ماشيتهم أو على صحرائهم من تغييرات غيـر مألوفـة