لم يعد هناك أدني شك حول العلاقة بين الحرمان العاطفي والانحراف بصوره المختلفة، فقد أثبتت العديد من الدراسات المحلية والاستبيانات على مستوى المدارس الابتدائية والإعدادية أن فقدان الطفل للدفء العاطفي داخل أجواء الأسرة يعد من أقوى الدوافع نحو جنوح الأحداث وانحرافهم، كما أكدت العديد من الدراسات والتي كان من أشهرها دراسة "بولبي"عن العلاقة بين الحرمان من حنان الأم والسرقة، كما أظهرت دراسة أخرى أنّ خطر توجه الأولاد إلى التدخين وتعاطي المخدرات يزيد بنسبة 68% عند وجود علاقات سيئة مع الوالدين خاصة مع الأب.
إذًا يظل هذا الحرمان العاطفي قوة فاعلة في الآلام المعنوية التي يعانيها هؤلاء الأحداث والتي تساهم بقدر كبير في دفعهم للانحراف [عاطف أبو العيد: كيف نربي أبناءنا بالحب؟،ص:23 بتصرف]إلى جانب الكثير من المشاكل الجسدية والنفسية التي يمثل الحرمان العاطفي أحد أسبابها مثل:إصابة الطفل بالتبول اللاإرادي، والخوف والقلق عند النوم، والتلعثم عند الحديث، والعدوانية في علاقاته مع الآخرين.
لذلك لا تهدد بإيقاف الحبِّ..!!
يحلو لكثير من الآباء والأمهات يهدد ولده هكذا: "كن مؤدبًا وإلا لن أحبك بعد اليوم" أو:"إذا فعلت كذا لن تكون حبيبي".
ولا يتصورون ما تسببه هذه العبارات للطفل من زعزعة أمانه النفسي وسلب الطمأنينة من قلبه، فإن حب والديه له هو أهم ما يملك، وهو سر شعوره بالسعادة والاستقرار النفسي، حتى وإن كان لا يحسن أن يصوغ تلك المشاعر في عبارات منطوقة، وهذا التهديد المتكرر بسلب الحب يزعج الطفل ويثير لديه المخاوف وعدم الاطمئنان!! بل أطلِق شلّالًا من الحبِّ لا يتوقف!!
إنّ الرسالة الأكثر أهمية التي يريد الأب والمربي هنا أن ينقلها إلى الابن هي أنه يحبه حبًا غير مشروط، ذلك الحب الذي يعني:" قبول الابن بمزاياه وعيوبه"؛ وكأن لسان حال الأب يقول: "أخطأتَ..لا بأس ما دمت ستتعلم من أخطائك، لكني سأظل أحبك على الدوام" ومن ثم علينا أن نفصل بين الفعل والفاعل، وكذلك نفصل الأقوال عن الذوات، والتعامل مع الأبناء من هذا المنطلق يجعلنا نحتفظ بهدوئنا ونقوم بالتصحيح والتقويم حال صدور الأخطاء أو التصرفات السيئة منهم.
وهذا الأسلوب مقتبس من نور القرآن الكريم،يقول الله عز وجلّ للنبي عليه السلام في عشيرته: {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} [الشعراء: 216] ولم يقل إني بريء منكم مراعاة لحق القرابة ولحمة النسب[د.محمد بدري: اللمسة الإنسانية، ص:127 بتصرف]