(قل لي: وش رأيك؟).. أو ما هو رأيك؟.. سؤال يلتصق في مخيلة واقعنا الاجتماعي والحياتي، فلا تخلو أيّ مناقشة، أو تجاذب للحديث إلا ونعرج على هذا السؤال، لنتعاطاه بطريقة دائمة، ليصبح عند البعض -رغم أهميته- شماعة تعلق عليها كل محاولات التظاهر أن هذا السائل أو ذاك يجل الرأي ويعنى بالمعرفة وينتظر الفائدة المرجوة من طلب الرأي.
ورغم كثرة ترديد هذا سؤال: (وش رأيك؟) إلا أنه يظل -كما يبدو- من قبيل لفت الانتباه إلى ما يريده السائل وحسب، وربما يضيف قبل السؤال كلمة استدراكية أخرى تأزم هذا الخطاب: (هاه.. وإلا أنت.. وش رأيك؟)، وهو في الأساس عازم على تعليق رأيك -أن تفوهت به- على حائط «بعدين» و«ما هو وقته».
ولهذا السؤال بُعدٌ نفسي آخر يدخل في مسلكية تصيد الرأي والإمساك بأي رؤية حول أي شخص أو موقع من خلال هذا التساؤل المفخخ بالتكهن، فحينما يُطلب رأي أي منا، أو وجهة نظره حول أمر ما على نحو أسئلة الاستكناه:- «وش هو من لحية أو شارب؟» لابد أن يكون الأمر حساساً ومتعلقاً بخطوات ما من قبيل البحث ربما عن زوج مناسب أو زوجة مناسبة.. على نحو: وش رأيك بفلان أو بفلانة؟.
وإن كان السائل ممن يزمعون البحث عن أيّ خدمة من الخدمات المادية فإن اللغة التي ترد بمنطق خطاب: «وش رأيك» تكون في الغالب محملة على فرضية الإجابة بنوعين متناقضين تماماً.
فقد تأتي الإجابة إما من قبيل كيل المديح والتطبيل، أو حتى عبارة جيد، أو لا بأس، أو أن تكون على النقيض حيث تأتي محذرة ومنفرة وكلتا الإجابتين المتوقعتين يمكن بناؤهما على موقف أو رؤية أو معلومة هشة، أما من يعمل بطريقة لا أعلم فهو الذي سينجو بحياديته.
فعبارة «وش رأيك؟» لا شك أنها صناعة محلية، إلا أن لها ما يشابهها في بلاد عربية كثيرة نظراً لتراكم الهاجس المتردد الذي لا يجعل السائل على ثقة من أي رؤية يمكن أن يبني عليها أي معلومة مفيدة.
وأخطر ما في تعويذة «وش رأيك؟» أنها ترد حتى في ممارسات طبقة المثقفين والمستنيرين حينما يصاغ السؤال: «وش رأيك بفلان؟» لشغل منصب أو مركز أو أداء مهمة نظراً لعدم وجود قاعدة معلوماتية متكاملة عن المسئول عنه، فانعدام المعلومة الموثقة هو ما يتيح الفرصة للتكهن والتوقع من خلال التفاعل أو التعلق بمقولة «وش رأيك؟».