دعا مردخاي قدار، الأستاذ بجامعة تل أبيب الإسرائيلية، الدول الغربية إلى العمل من أجل تفكيك الدول العربية وتجزئتها إلى "دويلات صغيرة منسجمة مع حجمها وشعوبها"، من أجل ضمان استقرار منطقة الشرق الأوسط، وحماية الدول الأوربية من موجات الهجرة غير الشرعية، لمسلمي البلدان العربية.
الخبير في الدراسات العربية في الجامعة الإسرائيلية، قال: "إذا كان العالم يريد جلب الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط، فليس هناك حل آخر غير ترك البلدان العربية الحالية ـ التي صنع الاستعمار حدودها ـ تنهار الواحدة تلو الأخرى، بما يقود إلى استحداث دول جديدة صغيرة تقوم على قاعدة شعبية متجانسة، هذا يعطي لكل مواطن الحق في تقرير ما يريده بعيدا عن قبيلته أو مجموعته.. ويبني الدولة المستقرة والشرعية".
مردخاي وفي دراسة معمقة للواقع العربي، خلص إلى أن "إنشاء دول شرعية تضمن حياة أفضل لمواطنيها من صحة وتشغيل، يسمح بتقليل الهجرة غير الشرعية لمسلمي العالم العربي باتجاه أوربا ودول أوربية أخرى"، مشددا على أن "مساعدة العالم العربي من أجل علاج أمراضه المزمنة (المجازر الجماعية، الفساد، الفقر، العنف والتخلف)، سوف لن يكون بعيدا عن خيار تفكيك الدول العربية الحالية، وإقامة دويلات صغيرة بديلة عنها.
صاحب الدراسة أكد أنه "على الغرب أن يدرك هذا البعد الجديد، وأنه يتعين تشجيع مساعي تفكيك هذه الكيانات السياسية الفاشلة، واستبدالها بدول تحظى بالثقة. دول شرعية ومنسجمة مع حجمها"، وإن اعترف بصعوبة هذا الخيار، إلا أنه شدد على حتميته، وقال: "قد يكون المسعى طويلا وشاقا، لكنه يبقى الوصفة المثلى التي يمكن أن تأتي بالاستقرار والتطور المفقودين في منطقة الشرق الأوسط".
وينطلق مردخاي قدار من الواقع الذي تعيشه الأمة العربية ويعتبره مناسبا أكثر من أي وقت مضى لتحقيق ما يراه الحل الأنسب للخروج من مستنقع أزمة الشرق الأوسط، الذي ينغص حياة الإسرائيليين ويهدد بزوال كيان الدولة العبرية من الوجود، فيقول: "نحن نعيش حاليا اضطرابات اجتماعية في العديد من البلدان العربية، وقد نجحت بعضها في الإطاحة برؤساء، على غرار ما حدث في كل من تونس ومصر، كما وفقت أخرى في زعزعة استقرار حكومات مثل ما يحدث في كل من ليبيا واليمن والبحرين".
ويضيف: "إن السهولة والسرعة التي تنتقل بها شرارة الثورة من دولة إلى أخرى تطبعها ميزة مشتركة، وهي أن جميع الدول التي طالتها الثورة تعيش تحت أنظمة يديرها أشخاص ديكتاتوريون يفتقدون إلى الشرعية، يمارسون سلطاتهم بلا رحمة على شعوب جائعة ومقهورة، قررت أخيرا وضع حدا لسطوة وقهر هؤلاء الديكتاتوريين".
إن هذا هو الحل الوحيد الذي يعتقد الباحث الإسرائيلي أن من شأنه أن يؤدي إلى "قيام شرق أوسط هادئ ومستقر مثلما يتمناه الجميع، باستثناء الإسلاميين، الذين يرون في ترك الفرصة للأكراد، إفشال لمشروعهم في إقامة دولة الخلافة العظمى، أو الأمة العربية الكبرى".
ويستثمر في الظرف التي تعيشها بعض الدول العربية على غرار ليبيا هذه الأيام، ويخاطب الليبيين قائلا: "إن الأزمة الحالية تشكل فرصة تاريخية لليبيين لتقسيم بلادهم إلى منطقتين قبليتين متجانستين"، ويعرج على العراق: "كما يمكن تقسيم العراق إلى دويلات متجانسة، إذا استمرت أزماته هذا البلد الداخلية، ولم لا إقامة إمارة هناك على أنقاض الفشل المسمى "العراق"، سيما وأن الأكراد في شمال العراق شبه مستقلين عن الحكومة المركزية في بغداد، وكذلك الشأن بالنسبة إلى السودان واليمن، الدولتين القريبتين من الانشطار يقول مردخاي.
ويرى الخبير الإسرائيلي أن المشكلة الأساسية التي تعاني منها الأنظمة الحاكمة في منطقة الشرق الأوسط، هي أنها "تفتقد إلى الشرعية في نظر مواطنيها، وذلك بسبب قيامها على أساس حدود من صنع الاستعمار الأوربي لأغراضه الخاصة".
ويعتقد الخبير الاستراتيجي أن مكامن الانهيار والتفكيك كامنة داخل الحدود المرسومة للدول العربية، وتتمظهر من خلال التناقضات المتمثلة في "المجموعات الاثنية (العرقية)، والدينية والطائفية والقبلية، والتي بيّن التاريخ أنها لا يمكنها أن تعيش مجتمعة في أمن وسلام"
وبشيء من التفصيل يقول صاحب الدراسة إن "الفسيفساء البشرية المشكلة للدول العربية تتجمع بصفة تقليدية وفق مجموعة من المستويات، المستوى الأول يتمثل في الجانب العرقي، وفيه يبرز العرب والأكراد والتركمان والفرس والبربر والنوبيين (يعيشون شمال السودان وجنوب مصر)، والشركس والأرمن، إضافة إلى الإغريق (اليونانيين) وأعراق أخرى.
وهناك المستوى الثاني، المتمثل في الجانب الديني، ويضم المسلمين والمسيحيين والدروز والعلويين والبهائيين والأحمديين واليزيديين والسبئيين والمندائيين والزراديشتيين واليهود، وبالنسبة إلى المستوى الثالث والمتمثل في الطائفية، فهناك السنة والشيعة والصوفية (في الإسلام) والكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس (في الديانة المسيحية)، إضافة إلى المستوى الرابع والمتمثل في القبلية، وهنا يمكن الحديث عن مئات القبائل الكبيرة والصغيرة، التي تعيش في الصحاري والمناطق الريفية وفي المدن أيضا".
ويبرز مردخاي العراق بين الدول العربية كواحدة تضم عدة عرقيات كثيرة مثل العرب والأكراد والفرس والتركمان، الذين ينتمون في مجموعهم إلى مجموعة لا تقل عن سبع طوائف، فالمسلمون في هذه الدولة منقسمون بين سنة وشيعة، وأغلبية الشعب يتهدده الانفجار في أية لحظة بسبب القبلية..
ويضع مردخاي سوريا بعد العراق من حيث القابلية للانفجار، كونها "تتشكل من ثلاث عرقيات هم العرب والأكراد والتركمان، المنقسمون بين المسلمين والمسيحيين والدروز والعلويون، كما أن المسلمين منقسمون بين السنة والشيعة، بينما تسيطر القبلية على عديد المناطق، فالعلويون وهم عبارة عن مجموعة من القبائل الوثنية، يسيطرون على زمام الحكم، في حين يبقى أصحاب الديانات الأخرى مهمشين".
والحال كذلك بالنسبة إلى دولة الأردن، التي "يتكون شعبها من عرب وشركس وبدو، ومع ذلك نصب البريطانيون على هذه الدولة، عائلة مالكة قادمة من المملكة العربية السعودية، أما ليبيا فتتشكل من عدد من المجموعات القبلية، لكن العقيد معمر القذافي فرض حكم قبيلة قذاف الدم على جميع الليبيين".