النقود الإلكترونية
( ماهيتها، مخاطرها وتنظيمها القانوني )
مخلص
تعد النقود الإلكترونية واحدة من الابتكارات التي أفرزها التقدم التكنولوجي. وسوف تثير النقود الإلكترونية بمختلف صورها عدداً من المسائل القانونية والتنظيمية التي يتعين الاهتمام بها. ويتضمن ذلك إيجاد مجموعة من الوسائل المقبولة لتوثيق وحماية المعلومات. ويهدف هذا البحث إلى توضيح أهم القضايا التي تثيرها النقود الإلكترونية كما أنه يقدم بعض السياسات المتعلقة بالضوابط القانونية والتنظيمية الخاصة بتلك النقود. يقدم الفصل الأول من هذا البحث مختلف التعريفات التي وضعت للنقود الإلكترونية، وخصائصها وكذلك أشكالها المختلفة. أما الفصل الثاني، فقد خصصناه لمناقشة أهم المخاطر القانونية والأمنية الناتجة عن إصدار النقود الإلكترونية والتعامل بها. وقد اقترحنا في الفصل الثالث بعض الضوابط القانونية التي يتعين وضعها في الاعتبار عند وضع تشريع قانوني للنقود الإلكترونية.
مقدمة عامة
يلعب التطور التكنولوجي دوراً حيوياً في حياة البشر وتمتد آثار هذا التطور إلى كافة مناحي الحياة الاقتصادية والقانونية والاجتماعية والثقافية. ولقد ظهرت في أواخر القرن العشرين مجموعة من الظواهر المختلفة التي أفرزها التقدم التكنولوجي مثل التجارة الإلكترونية، ووسائل الدفع الإلكترونية، والنقود الإلكترونية.
ولقد شهدت الحركة المصرفية حديثاً تطوراً كبيراً وكان من أحد شواهد هذا التطور السماح لعملاء المصارف بإجراء عمليات الشراء والبيع من خلال شبكة الاتصالات Internet، وذلك باستخدام وسائل الدفع الإلكترونية التي تتيحها هذه البنوك. ولم يقف التطور عند هذا الحد، وإنما ظهر على الساحة أيضاً ما يعرف بالنقود الإلكترونية أو النقود الرقمية. وهي عبارة عن بطاقات إلكترونية تحتوي على مخزون نقدي تصلح كوسيلة للدفع، وأداة للإبراء، ووسيطاً للتبادل. ولما كانت النقود الإلكترونية تصلح لأن تقوم بغالبية الوظائف التي تقوم بها النقود القانونية (أي تلك التي يصدرها البنك المركزي)، فقد أضحى من المتوقع أن تحل هذه النقود الحديثة محل النقود القانونية على المدى الطويل.
وفي الواقع، فإن انتشار النقود الإلكترونية وذيوع استخدامها سوف يولد آثاراً هامة من الناحية القانونية والاقتصادية والمالية. فمن المتوقع أن تفرز النقود الإلكترونية مجموعة من المخاطر الأمنية والقانونية والتي ينبغي على المسؤولين الاستعداد لها مثل مخاطر التزييف والتزوير، والاحتيال، بالإضافة إلى أن النقود الإلكترونية سوف تخلق مناخاً خصباً لبعض الجرائم الخطيرة مثل جرائم غسيل الأموال والغش. من ناحية أخرى فإن من المتعارف عليه أن البنك المركزي هو الذي يعهد إليه في غالبية الدول بمسألة إصدار النقود، علاوة على دوره الرئيس في رسم السياسة النقدية للدولة. ومن شأن قيام جهات أخرى غير البنك المركزي بعملية خلق النقود الإلكترونية – وهو ما يجري في الواقع الآن – أني يؤثر على قدرة البنك المركزي على الحفاظ على الاستقرار النقدي من خلال إضعاف دوره في السيطرة على حجم السيولة النقدية وسرعة دوران النقود.
علاوة على ما سبق، فإن خلق النقود الإلكترونية يمكن أن يؤثر في السياسة المالية للدولة من خلال تأثيرها على حجم الإيرادات الضريبية المتوقعة، ففي ظل غياب نظام قانوني دقيق ومحكم، فإنه سيكون من الصعب على السلطات المالية المتخصصة أن تراقب الصفقات وكذلك الدخول التي يتم دفعها من خلال النقود الإلكترونية، ومن ثم فإن من شأن ذلك أن يفتح الباب أمام جرائم التهرب الضريبي وكذلك أمام تعميق ظاهرة الاقتصاد السري Underground economy.
يتضح مما سبق حجم المشكلات القانونية والمالية والأمنية التي يمكن أن تنشأ كنتيجة لظهور النقود الإلكترونية. ويهدف هذا البحث إلى إلقاء الضوء على تلك المشكلات مع وضع تصور لأهم الضوابط التي ينبغي على أي تنظيم قانوني للنقود الإلكترونية أن يتضمنها.
ونم هذا المنطلق، فإن خطة الدراسة سوف تنقسم إلى الفصول الآتية:
الفصل الأول: تعريف وخصائص النقود الإلكترونية.
الفصل الثاني: المخاطر الأمنية والقانونية للنقود الإلكترونية.
الفصل الثالث: نحو تنظيم قانوني لإصدار النقود الإلكترونية.
الفصل الأول
تعريف وخصائص النقود الإلكترونية
لقد مرت البشرية بأطوار كثيرة حتى عرفت النقود بشكلها الحالي. فقد ظهرت النقود كنتيجة للنقائص التي اعتورت نظام المقايضة الذي كان سائداً قبل معرفة النقود، ولعل من أهم هذه المساوئ صعوبة التقاء رغبات المشترين مع البائعين، وعدم قابلية السلع محل المقايضة للتجزئة، وصعوبة تخزينها. ولقد أخذت النقود في بادئ الأمر شكل المعادن النفيسة كالذهب والفضة، ثم لم تلبث البشرية أن انتقلت إلى مرحلة التعامل بالنقود الورقية والمصرفية [لمزيد من التفصيل حول تطور النقود، انظر: Davies, Glyn (1996), “A history of money from ancient times to the present day”, University of Wales Press, U.K., PP. 1-50.].
ومع هذا، فإن تطور النقود لم يقف عند هذا الحد، فلقد ساعد التقدم التكنولوجي في مجال الاتصالات، وتطور الصناعة المصرفية، وظهور التجارة الإلكترونية في الحياة الاقتصادية، على ظهور شكل جديد من النقود أطلق الاقتصاديون عليها مسمى النقود الإلكترونية. وسوف نخصص هذا الفصل لدراسة ماهية وخصائص النقود الإلكترونية. ولهذا فإننا سنتناول هذا الفصل في مبحثين كما يلي:
المبحث الأول: ماهية النقود الإلكترونية وأشكالها.
المبحث الثاني: خصائص النقود الإلكترونية ومستقبلها.
المبحث الأول
ماهية النقود الإلكترونية وأشكالها
قبل أن نخوض في الحديث عن النقود الإلكترونية فإن منهجية الدراسة تقتضي أن نلقى الضوء أولاً على مفهوم هذه النقود وأبرز صورها، وهذا ما سوف نتناوله في مطلبين مستقلين كما يلي:
المطلب الأول: تعريف النقود الإلكترونية.
المطلب الثاني: أشكال النقود الإلكترونية.
المطلب الأول
تعريف النقود
دأبت الأدبيات الحديثة على استخدام مصطلحات مختلفة للتعبير عن مفهوم النقود الإلكترونية، فقد استخدم البعض اصطلاح النقود الرقمية Digital Money أو العملة الرقمية Digital currency، بينما استخدم البعض الآخر مصطلح النقدية الإلكترونية Electronic cash (e-cash)[Berensten, Aleksander (1998), “Monetary Plicy Implications of Digital Money”, Kyklos, Vol. 51, no 1, P.90]. وبغض النظر عن الاصطلاح المستخدم، فإن هذه التعبيرات المختلفة تشير إلى مفهوم واحد وهو النقود الإلكترونية Electronic Money وسوف نستخدم هذا المصطلح الأخير في دراستنا هذه وذلك لشيوع استخدامه ودلالته في نفس الوقت على مضمون ومعنى هذه النقود.
وكما اختلف الفقهاء حول الاصطلاح، فقد اختلفوا أيضاً حول وضع تعريف محدد للنقود الإلكترونية. فلقد عرفتها المفوضية الأوروبية بأنها قيمة نقدية مخزونة بطريقة إلكترونية على وسيلة إلكترونية كبطاقة أو ذاكرة كمبيوتر، ومقبولة كوسيلة للدفع بواسطة متعهدين غير المؤسسة التي أصدرتها، ويتم وضعها في متناول المستخدمين لاستعمالها كبديل عن العملات النقدية والورقية، وذلك بهدف إحداث تحويلات إلكترونية لمدفوعات ذات قيمة محددة [European Commission (1998), “Proposal for European Parliament and Council Directives on the taking up, the pursuit and the prudential supervision of the business of electronic money institution”, Brussels, COM (9 727, PP.w.]. إلا أن هذا التعريف ليس مانعاً وتعوزه الدقة، حيث أنه لا يستبعد دخول وسائل الدفع الإلكترونية – وهي كما سوف نرى – أمر مختلف عن النقود الإلكترونية – في نفس المضمون. ونفس الشيء يقال عن تعريف BIS (1996) للنقود الإلكترونية حيث ذهب إلى اعتبارها "قيمة نقدية في شكل وحدات ائتمانية مخزونة بشكل إلكترونية أو على أداة إلكترونية يحوزها المستهلك [Bank for International settlements (BIS), (1996), “Implication for central banks of the development of electronic money, Basle, P. 13.].
ولقد توسع البعض في مفهوم النقود الإلكترونية، فعرفها بأناه نقود يتم نقلها إلكترونياً [The consumer Advisory Board of the Federal Reserve Board of the USA, (1996), “Federal Reserve Board Consumer Advisory Council Meeting”, nov. 2, P. 5.]. وأخيراً، فقد عرفها البنك المركزي الأوروبي بأنها "مخزون إلكتروني لقيمة نقدية على وسيلة تقنية يستخدم بصورة شائعة للقيام بمدفوعات لمتعهدين غير من أصدرها، دون الحاجة إلى وجود حساب بنكي عند إجراء الصفقة وتستخدم كأداة محمولة مدفوعة مقدماً" [European Central Bank (1998), “Report on Electronic Money”, Frankfurt, Germany, August, P. 7.]. ويعد هذا التعريف هو الأقرب إلى الصحة نظراً لدقته وشموله لصور النقود الإلكترونية واستبعاده للظواهر الأخرى التي يمكن أن تتشابه معها.
وفي الواقع فإننا نستطيع أن نعرف النقود الإلكترونية بأنها "قيمة نقدية مخزنة على وسيلة إلكترونية مدفوعة مقدماً وغير مرتبطة بحساب بنكي، وتحظى بقبول واسع من غير من قام بإصدارها، وتستعمل كأداة للدفع لتحقيق أغراض مختلفة". ويمكننا أن نحدد عناصر النقود الإلكترونية من خلال التعريف السابق، وهي:
ـ قيمة نقدية: أي أنها تشمل وحدات نقدية لها قيمة مالية مثل مائة جنيه أو خمسون جنيها. ويترتب على هذا أنه لا تعتبر بطاقات الاتصال التليفوني من قبيل النقود الإلكترونية حيث أن القيمة المخزونة على الأولى عبارة عن وحدات اتصال تليفونية وليست قيمة نقدية قادرة على شراء السلع والخدمات. وكذلك الأمر بالنسبة للبطاقات الغذائية (الكوبانات) والتي من المتصور تخزينها إلكترونية على بطاقات، فهي لا تعد نقوداً إلكترونية لأن القيمة المسجلة عليها ليست قيمة نقدية بل هي قيمة عينية تعطى حاملها الحق في شراء وجبة غذائية أو أكثر وفقاً للقيمة المخزونة على البطاقة.
ـ مخزنة على وسيلة إلكترونية: وتعد هذه الصفة عنصراً مهماً في تعريف النقود الإلكترونية، حيث يتم شحن القيمة النقدية بطريقة إلكترونية على بطاقة بلاستيكية أو على القرص الصلب للكمبيوتر الشخصي للمستهلك [لمزيد من التفصيل حول كيفية عمل النقود الإلكترونية انظر: رضوان، رأفت (1999)، "عالم التجارة الإلكترونية"، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، مكتبة المنظمة العربية للتنمية الإدارية، ص93-97]. وهذا العنصر يميز النقود الإلكترونية عن النقود القانونية والائتمانية التي تعد وحدات نقدية مصكوكة أو مطبوعة. وفي الواقع فإنه يتم دفع ثمن هذه البطاقات مسبقاً وشرائها من المؤسسات التي أصدرتها، ولهذا، فإنه يطلق عليها البطاقات سابقة الدفع Prepaid Cards.
ـ غير مرتبطة بحساب بنكي: وتتضح أهمية هذا العنصر في تمييزه للنقود الإلكترونية عن وسائل الدفع الإلكترونية Electronic Means of Payment. فهذه الأخيرة عبارة عن بطاقات إلكترونية مرتبطة بحسابات بنكية للعملاء حاملي هذه البطاقات تمكنهم من القيام بدفع أثمان السلع والخدمات التي يشترونها مقابل عمولة يتم دفعها للبنك مقدم هذه الخدمة. ومن أمثلة وسائل الدفع الإلكترونية، بطاقات الخصم Debit Cards، وهي عبارة عن بطاقات يقتصر استخدامها خصماً على حسابات دائنة للعملاء يتم بموجبها تحويل قيمة نقدية من حساب إلى حساب آخر. فهي بمثابة المفتاح الذي يسمح
بالنفاذ إلكترونياً إلى الودائع البنكية المملوكة لحامل هذه البطاقة. وتعتبر بطاقات الائتمان Credit Cards من قبيل وسائل الدفع الإلكترونية حيث يتم استخدام هذه البطاقات خصماً على حسابات بنكية مدينة نظير فائدة يقوم بدفعها حامل أو مالك هذه البطاقة إلى المؤسسة المصرفية التي منحته هذا الائتمان.
من الواضح إذاً أن النقود الإلكترونية تتشابه مع الشيكات السياحية Travelers Checks التي هي عبارة عن استحقاق حر أو عائم على بنك خاص أو مؤسسة مالية أخرى، وغير مرتبط بأي حساب خاص [White, L.H. (1996), “The Technology Revolution and Monetary Evolution” in, The Future of Money in the Information Age, Cato Institute’s 14th annuel monetary confernce, May 23, Washington, D.C., P. 16.]. وهذا ما دعا البعض إلى اعتبار النقود الإلكترونية بمثابة تيار من المعلومات السابحة أو الطوافة [Philips, J. (1996), “Bytes of Cash: Banking, Computing and Personal Finance”, First Monday Review, Vol. 1, NO5, November, P. 3. ].
ـ تحظى بقبول واسع من غير من قام بإصدارها: ويعني هذا العنصر ضرورة أن تحظى النقود الإلكترونية بقبول واسع من الأشخاص والمؤسسات غير تلك التي قامت بإصدارها. فيتعين إذاً ألا يقتصر استعمال النقود الإلكترونية على مجموعة معينة من الأفراد، أو لمدة محددة من الزمن، أو في نطاق إقليمي محدد. فالنقود، ولكي تصير نقوداً يتعين أن تحوز ثقة الأفراد وتحظى بقبولهم باعتبارها أداة صالحة للدفع ووسيطاً للتبادل.
من ناحية أخرى، فإنه لا يجوز اعتبار هذه الوسائل نقوداً إلكترونية في حالة ما إذا كان مصدرها ومتلقيها هو شخص واحد. فعلى سبيل المثال، لا تعد بطاقات الاتصال التليفوني نقوداً إلكترونية نظراً لكون من أصدرها ومن يقبلها هو هيئة واحدة (أي هيئة الاتصالات التليفونية)، حيث لا يصلح العمل بهذه البطاقة إلا في أجهزة التليفون التي خصصتها تلك الهيئة لهذا الغرض.
ـ وسيلة للدفع لتحقيق أغراض مختلفة: يجب أن تكون هذه النقود صالحة للوفاء بالتزامات كشراء السلع والخدمات، أو كدفع الضرائب…إلخ. أما إذا اقتصرت وظيفة البطاقة على تحقيق غرض واحد فقط كشراء نوع معين من السلع دون غيره أو للاتصال التليفوني، ففي هذه الحالة لا يمكن وصفها بالنقود الإلكترونية بل يطلق عليها البطاقات الإلكترونية ذات الغرض الواحد.
المطلب الثاني
أشكال النقود الإلكترونية
تختلف صورة النقود الإلكترونية وأشكالها تبعاً للوسيلة التي يتم من خلالها تخزين القيمة النقدية، وكذلك وفقاً لحجم القيمة النقدية المخزونة على تلك الوسيلة التكنولوجية. فهناك إذاً معيارين لتمييز صور النقود الإلتكرونية: معيار الوسيلة ومعيار القيمة النقدية.
أولاً: معيار الوسيلة:
نستطيع أن نقسم النقود الإلكترونية وفقاً للوسيلة المستخدمة لتخزين القيمة النقدية عليها إلى البطاقات سابقة الدفع، والقرص الصلب، وأخيراً الوسيلة المختلطة.
1 - البطاقات سابقة الدفع Prepaid Cards: ويتم بموجب هذه الوسيلة تخزين القيمة النقدية على شريحة إلكترونية مثبتة على بطاقة بلاستيكية. وتأخذ هذه البطاقات صوراً متعددة. وأبسط هذه الأشكال هي البطاقات التي يسجل عليها القيمة النقدية الأصلية والمبلغ الذي تم إنفاقه، ومن أمثلتها البطاقات الذكية Smart Cards المنتشرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبطاقة دامونت سابقة الدفع Danmnt Prepaid Cards، والتي يتم تداولها بصورة شائعة في الدانمارك. وهناك أيضاً بعض البطاقات التي تستخدم كنقود إلكترونية وتستعمل في ذات الوقت كبطاقات خصم Debit Cards مثل بطاقات Abant Cards المنتشرة في فنلندا [Thygesen, Christian and Kruse, Mogens (1998), “Electronic Money”, Danamarks National Bank Monetary Review, 4th Quarter, P. 3.]. وهناك أخيراً بطاقات متعددة الأغراض، أي تستخدم في ذات الوقت كبطاقة خصم، وكبطاقة تليفون وكبطاقة شخصية بالإضافة إلى كونها نقوداً إلكترونية:
2 - القرص الصلب Hard Disk: ويتم تخزين النقود هنا على القرص الصلب للكمبيوتر الشخصي ليقوم الشخص باستخدامها متى يريد من خلال شبكة الإنترنت، ولهذا فإنه يطلق على هذا النوع من النقود أيضاً مسمى النقود الشبكية Network Money. وطبقاً لهذه الوسيلة، فإن مالك النقود الإلكترونية يقوم باستخدامها في شراء ما يرغب فيه من السلع والخدمات من خلال شبكة الإنترنت، على أن يتم خصم ثمن هذه السلع والخدمات في ذات الوقت من القيمة النقدية الإلكترونية المخزنة على ذاكرة الكمبيوتر الشخصي.
3 - الوسيلة المختلطة: وتعد هذه الوسيلة خليطاً مركباً من الطريقتين السابقتين، حيث يتم بموجبها شحن القيمة النقدية الموجودة على بطاقة إلكترونية سابقة الدفع على ذاكرة الحاسب الآلي الذي يقوم بقراءتها وبثها عبر شبكة الإنترنت إلى الكمبيوتر الشخصي لبائع السلع والخدمات.
ثانياً: معيار القيمة النقدية:
هناك تصنيف آخر للنقود الإلكترونية يرتكن على معيار حجم القيمة النقدية المخزنة على الوسيلة الإلكترونية (البطاقة البلاستيكية أو القرص الصلب). ونستطيع أن نميز هنا بين شكلين من النقود الإلكترونية:
1 - بطاقات ذات قيمة نقدية ضعيفة TinyValue Cards وهي بطاقات صالحة للوفاء بأثمان السلع والخدمات والتي لا تتجاوز قيمتها دولاراً واحداً فقط.
2 - بطاقات ذات قيمة متوسطة: وهي تلك التي تزيد قيمتها عن دولار ولكنها لا تتجاوز 100 دولار.
من الملاحظ إذاً أن النقود الإلكترونية لم تعرف حتى هذه
اللحظة فئة نقدية أكبر من المائة دولار، وإن لم يكن من المستبعد تطورها في المستقبل القريب.
المبحث الثاني
خصائص النقود الإلكترونية ومستقبلها
إن النقود الإلكترونية – وعلى حسب تعريفها السابق – تصلح لأن تحل محل النقود القانونية وكذلك محل وسائل الدفع المختلفة كالعملة النقدية والشيك وبطاقات الخصم والشيك السياحي وأيضاً بطاقات الائتمان. ومن الضروري أن نلقي الضوء على خصائص ومستقبل النقود الإلكترونية وذلك من خلال المطلبين الآتيين:
المطلب الأول: خصائص النقود الإلكترونية.
المطلب الثاني: نشأة ومستقبل النقود الإلكترونية.
المطلب الأول
خصائص النقود الإلكترونية
من خلال عرضنا السابق، فإننا نستطيع أن نستنتج مجموعة من الخصائص التي تميز النقود الإلكترونية والتي نعرضها في السطور الآتية.
أولاً: النقود الإلكترونية قيمة نقدية مخزنة إلكترونياً: فالنقود الإلكترونية وخلافاً للنقود القانونية عبارة عن بيانات مشفرة يتم وضعها على وسائل إلكترونية في شكل بطاقات بلاستيكية أو على ذاكرة الكمبيوتر الشخصي وذلك كما أوضحنا سالفاً.
ثانياً: النقود الإلكترونية ثنائية الأبعاد: إذ يتم نقلها من المستهلك إلى التاجر دون الحاجة إلى وجود طرف ثالث بينهما كمصدر هذه النقود مثلاً. فالنقود الإلكترونية صالحة لإبراء الذمة ووسيلة لدفع أثمان السلع والخدمات دون أن يقتضي ذلك قيام البائع بالتأكد من حقيقة هذه النقود أو من كفاية الحساب البنكي للمشتري كما هو الحال بالنسبة لوسائل الدفع الإلتكرونية، حيث يتأكد البائع من مدى كفاية الرصيد الموجود في حساب المشتري.
ثالثاً: النقود الإلكترونية ليست متجانسة: حيث أن كل مصدر يقوم بخلق وإصدار نقود إلكترونية مختلفة. فقد تختلف هذه النقود من ناحية القيمة، وقد تختلف أيضاً بحسب عدد السلع والخدمات التي يمكن أن يشتريها الشخص بواسطة هذه النقود. فهذه النقود ليست متماثلة أو متجانسة.
رابعاً: سهلة الحمل: تتميز النقود الإلكترونية بسهولة حملها نظراً لخفة وزنها وصغر حجمها، ولهذا فهي أكثر عملية من النقود العادية. ويرجع ذلك إلى أنها تعفي الفرد من حمل نقدية كبيرة لشراء السلع والخدمات رخيصة الثمن كالصحيفة أو مشروبٍ أو وجبة خفيفة.
خامساً: وجود مخاطر لوقوع أخطاء بشرية وتكنولوجية: يلاحظ أن النقود الإلكترونية هي نتيجة طبيعية للتقدم التكنولوجي. وعلى الرغم مما تقدمه هذه التكنولوجية للبشرية من وسائل الراحة والرفاهية، فإنها تظل عرضة للأعطال مما يتسبب في وقوع مشكلات كثيرة خاصة في ظل عدم وجود كوادر مدربة وخبيرة تكون قادرة على إدارة المخاطر المترتبة على مثل هذه التقنيات الحديثة. وهذا ينطبق على النقود الإلكترونية، وبصفة خاصة تلك التي يتم التعامل بها عبر الإنترنت. وعلى النقيض من ذلك، فإن النقود العادية تتميز بالوضوح وقلة الأخطاء الناتجة عن التعامل بها. ومع هذا فمن المتوقع أن تقل المشكلات الناتجة عن التعامل بالنقود الإلكترونية في المستقبل مع اعتياد استخدامها والتعامل بها.
سادساً: النقود الإلكترونية هي نقود خاصة: على عكس النقود القانونية التي يتم إصدارها من قبل البنك المركزي، فإن النقود الإلكترونية يتم إصدارها في غالبية الدول عن طريق شركات أو مؤسسات ائتمانية خاصة، ولهذا فإنه يطلق على هذه النقود اسم النقود الخاصة Private Money.
وبعد أن عرضنا لخصائص النقود الإلكترونية، فإن هناك تساؤلاً يثار حول طبيعة النقود الإلكترونية ومدى صحة وصفها بالنقود. لم تتفق الأدبيات الاقتصادية على طبيعة النقود الإلكترونية، فقد اعتبرها البعض مجرد وسيلة للدفع مع عدم صلاحيتها كوسيلة للإبراء حيث لا يستطيع حائز هذه النقود أن يوفي بها ديونه. من ناحية أخرى، فإن قدرة النقود الإلكترونية على الدوران محدودة، حيث يتعين على البائع القيام بتقديم البطاقة المخزن عليها النقود الإلكترونية، والتي تمثل أثمان السلع والخدمات التي باعها، إلى مصدر النقود الإلكترونية Issuer وذلك لاستبدالها في مقابل نقود قانونية [Piffaretti, Nadia (1999), “A Theoretical Approach to Electronic Money”, Faculte des Sciences Economiques et Sociales Working Papers, No302, Universite de Fribourg, Suisse, P. 8.]. وعلى النقيض من هذا، فقد ذهب البعض الآخر إلى أن النقود الإلكترونية لا تختلف عن جميع أشكال النقود الموجودة الآن وذلك باعتبارها وسيلة للدفع ووسيطاً للتبادل [Ely, B. (1996), “Electronic Money and Monetary Policy: Separating fact from fiction, paper presented at Cato Institute’s 14th Annuel Monetary Conference”, May, P. 20.].
في الواقع، فإن النقود الإلكترونية تتشابه مع النقود العادية في صلاحية كلا منهما كوسيلة للدفع، علاوة على تمتعهما بقدر واسع من القبول وإن كانت النقود العادية تتمتع بقبول أكثر نظراً لحداثة النقود الإلكترونية واعتمادها على تكنولوجيا متقدمة ربما لا تكون متوافرة إلا في الدول المتقدمة. من ناحية أخرى، فإن هذه التكنولوجيا قد تتباين داخل الدولة الواحدة مما يقلل من اعتماد السكان على النقود الإلكترونية كوسيلة للدفع ويدفعهم إلى استخدام النقدية Cash Money. وكذلك، فإن النقود الإلكترونية تصلح كمقياس للقيمة متشابهة في ذلك مع النقود العادية.
ومع هذا فإن النقود الإلكترونية تختلف عن النقود العادية في عدة أمور. فالبنك المركزي في كل دولة هو الجهة العامة المنوط بها إصدار وطبع النقود القانونية بكل فئاتها وتحديد حجم هذه النقود التي يتم تداولها بالقدر الذي لا يؤثر في السياسة النقدية للدولة. وعلى العكس من هذا، فإن مصدر النقود الإلكترونية هي مؤسسات ائتمانية خاصة قد تخضع لرقابة