لأسئلة الصفية في ضوء تصنيف بلوم للمجال المعرفي
لمقــدمـة :
إن تعلم الأنواع المختلفة من الأسئلة وما يؤديه كل نوع منها من وظائف خطوة أساسية يجب أن تتقنها حتى تستطيع استخدام جميع أنماط الأسئلة بكفاءة. وهناك تصنيفات كثيرة لأنواع الأسئلة. ولعل من أكثر التصنيفات شيوعاً تصنيف العالم التربوي \" بلوم \" للمجال المعرفي \" 1956م\" ويتضمن هذا التصنيف مستويات ستة وتتطلب الأسئلة في كل مستوى منها أن يستجيب التلميذ باستخدام نوع معين من أنواع التفكير. وينبغي على المعلم أن يتمكن من تصنيف الأسئلة وفق هذه المستويات. وكذلك صياغة الأسئلة في كل مستوى منها.
على أنه قبل أن نناقش معك هذا التصنيف ينبغي أن نوضح لك بعض الأفكار الكامنة وراءه :
1ــ أن بلوم وزملائه قد زعموا بأن أي هدف تعليمي يمكن أن يصنف وفق المستويات الستة التي حددوها . بالتالي فإن أي سؤال يمكن تصنيفه على هذا النحو .
2ــ أن هناك عوامل ثلاثة تحدد المستوى الذي يصنف بمقتضاه سؤال معين :ـ
أ - طبيعة السؤال فهي تحوي مستوى التفكير الذي يستثيره .
ب- المعرفة السابقة لدى كل تلميذ بالموضوع الذي يسأل فيه المعلم .
ج- نوع التدريس السابق على توجيه هذا السؤال.
كذلك يذكر واضعو تصنيف الأهداف التعليمية أن المستويات متتابعة وتراكمية. بعبارة أخرى \" كل مستوى من مستويات التفكير له عناصره الفريدة ولكنه يتضمن أيضا بعض أشكال المستويات الأدنى فالفهم يتضمن معرفة أو تذكراً والتطبيق يتضمن فهماً وتذكراً وفي كل مستوى من هذه المستويات توجد الأسئلة البسيطة والأسئلة المعقدة .
أولاً : الأسئلة في مستوى التذكر :
إن أول مستويات التفكير وأدناه هو التذكر والمعرفة . ويقتضي السؤال من هذا النوع من التلميذ أن يتعرف على المعلومات أو يستدعيها وينبغي على التلميذ لكي يجيب على سؤال في مستوى التذكر أو المعرفة أن يتذكر الحقائق والملاحظات والتعريفات والتعميمات التي تعلمها من قبل .
من أمثلة هذه الأسئلة :
وعلى الرغم من أن أسئلة التذكر قد تعرضت لانتقادات شديدة من المربين ، بل والسخرية أحياناً. فإن تذكر المادة التعليمية أمر لابد منه فالتذكر ضروري لأي مستوى آخر من مستويات التفكير . وكلما كانت المعلومات التي يتذكرها التلميذ أكثر أهمية وفائدة ، زادت فرصة نجاحه في مستويات التفكير الأخرى .على أن أهمية التذكر أو المعرفة لا ينبغي أن تجعلنا نغفل عن نواحي الضعف فيها وهي :
1ــ معدل النسيان السريع للمعلومات والحقائق .
2ــ أن مجرد تذكر المعلومات لا يتضمن بالضرورة فهما للمعلومات التي يتذكرها التلميذ .
3ــ أن الاهتمام الزائد أو التركز على التذكر قد يؤدي إلى إغفال كثير من العمليات العقلية الأساسية ، التي لا تكسب إلا من خلال الخبرة والممارسة .
ثانياً: الأسئلة في مستوى الفهم :
تتطلب الأسئلة في مستوى الفهم من التلميذ أن يبرهن على أن لديه فهماً كافياً لكي ينظم المادة عقلياًً. ولكي يجيب على سؤال في هذا المستوى ، لابد أن يذهب إلى أبعد من استرجاع المعلومات ، ويبرهن على تمكنه منها من خلال قدرته على إعادة صياغتها في عباراته وكلماته هو. وعلى أن يربط بين الحقائق والتعريفات والتعميمات باكتشاف العلاقة بينها. وكثيراً ما تتطلب أسئلة الفهم من التلاميذ أن يفسروا المادة التي تعرض عليهم في جداول أو رسوم بيانية أو خرائط وغير ذلك ، وأن يترجموا معناها. كذلك قد يتطلب السؤال في مستوى الفهم من التلميذ أن يكتشف العلاقة بين فكرتين أو أكثر ، كأن يعطي المعلم التلميذ فكرتين ويطلب منه تحديد العلاقة بينهما. أو أن يعطيه فكره واحدة وعلاقة ما ثم يسأله أن يحدد الطرف الثاني لهذه العلاقة ، وقد تكون العلاقات التي يتضمنها السؤال علاقة مقارنة ، أو علاقة سببية ، أو علاقة عددية ، أو غيرها .
على أنه من المهم أن نتذكر ضرورة توافر المعلومات اللازمة للتلميذ حتى يستطيع الإجابة على أسئلة الفهم. مثلاً إذا كان التلميذ قد قرأ أو استمع إلى مادة تناقش أسباب حروب الردة ثم طلب منه أن يشرح هذه الأسباب بكلماته ولغته هو ، فإن السؤال في هذه الحالة يكون في مستوى الفهم . أما إذا لم يكن التلميذ قد قرأ أو سمع قبل ذلك إلى مناقشة أو شرح أسباب حروب الردة فإن نفس السؤال في هذه الحالة يكون في مستوى أعلى من حيث مستوي التفكير .
ثالثاً: الأسئلة في مستوى التطبيق :
لعلك تعلم أن التربية يجب أن تكون إعداداً للحياة ، وعلى المربين أن يحرصوا في هذا العالم السريع التغير أن يعدوا تلاميذهم لحياة مستقبلية غير معروفة. ومن هنا كانت أسئلة التطبيق أساسية في العملية التعليمية. فهي من ناحية تتيح فرصاً لكي يواجه التلاميذ مشكلات قريبة من تلك التي يمكن أن تواجههم في الحياة العملية ، وهي من ناحية أخرى ، تصمم وتوجه لكي تعطي التلاميذ ممارسة فعلية لانتقال أثر التعليم .
وتتميز أسئلة التطبيق بثلاث خصائص رئيسة : ـ
1ــ تتعلق هذه الأسئلة بالمعلومات ذات الصيغة التفسيرية أو التي تختص بحل المشكلات. فهذا النوع من المعلومات هو الذي ينتقل إلى مواقف كثيرة جديدة.
2ــ تتعلق أيضاً بالأفكار والمهارات ككليات أكثر من معالجته لأجزاء منها فقط. ففي المراحل المبكرة من تعلم مهارة معقدة أو نمط مركب من الأفكار، يقسم المعلم العقلية أو المعلومات إلى أجزاء بسيطة . وهذا أسلوب جيد إذا أتبع ذلك بأسئلة تطبيق تتطلب من التلميذ أن يعيد تجميع المهارات والأفكار في كلياتها الطبيعية .
3ــ أما الخاصية الثالثة لأسئلة التطبيق ، فهي أنها تتضمن حداً أدنى من التعليمات أو التوجيهات ، ذلك لأن الأسئلة تبنى على التعليم السابق ، والتلميذ ليس في حاجة لأن يعرف ماذا يفعل وحينما يواجه التلميذ مشكلة في حياته العلمية ، فإن المعلم لن يكون موجودا معه . ومن هنا فإن أسئلة التطبيق تدرب التلميذ على الاستخدام المستقل للمعلومات والمهارات في حل المشكلات .
وأسئلة التطبيق شائعة في الرياضيات . كما أنها هامة أيضا في المواد الدراسية الأخرى إلى جانب الرياضيات ، وفي جميع الحالات ، ينبغي على التلميذ أن يطبق المعلومات التي درسها سابقاً في حل مشكلة أو الإجابة على مسألة .
رابعاً: الأسئلة في مستوي التحليل :
تطلب أسئلة التحليل من التلميذ أن تفكر تفكيراً ناقداً وبعمق. فالخاصية المميزة لهذا المستوى هي أنه يستلزم حل المشكلات على أساس المعرفة الواعية بعمليات الاستدلال وأنواعه. وإذا كان التركيز في الفهم والتطبيق يكون على استخدام المادة التعليمية للوصول إلى بعض الاستنتاجات ، فإن ذلك يتم دون انتباه من جانب التلميذ لكي يتم ذلك. أما في التحليل ، فإنه لابد أن يكون الطالب مدركاً وواعياً بالعملية العقلية التي يقوم بها ، وكذلك بالقواعد التي تضمن له التواصل إلى استنتاجات صحيحة . ولسوء الحظ فإن كثيراً من المعلمين يتجنبون أسئلة التحليل ، مفضلين الأسئلة من المستوى الأدنى على الرغم من الأهمية الكبرى لأسئلة التحليل في تنمية التفكير الناقد لدى التلاميذ ومساعدتهم في البحث عن الأسباب الكامنة وراء ما حدث ، وليس مجرد تعلم ما حدث فحسب .
ينبغي أن نعلم أن أسئلة التحليل لا يصح أن توجه للتلاميذ قبل أن تعدهم لهذا النوع من الأسئلة. ويتضمن هذا الإعداد إعطاء معلومات خاصة عن أنواع عمليات الاستدلال وقواعدها. ويقع هذا التعليم في مستويات التذكر والفهم . وربما يحتاج الأمر إلى إعادة تنظيم في محتوى التعليم وأسلوبه ، وإذا أردنا الاستخدام الفعال لأسئلة التحليل . فالتجريب أسلوب جيد في المساعدة على إعداد التلاميذ لهذا النوع من الأسئلة .
يلاحظ كثيراً استخدام أسئلة \" لماذا \" في مستوى التحليل لأن \" لماذا \" تتطلب إعادة تحليل البيانات لتحديد الأسباب أو الشواهد .
خامساً : الأسئلة في مستوى التركيب :
تتطلب أسئلة التركيب من التلميذ مستوى أعلى من التفكير فهي تتطلب تفكيراً ابتكارياً أصيلاً ، ويعترض بعض المعلمين على هذا المستوى بأنه صعب على التلاميذ وأنه فوق مستواهم العقلي ، والواقع أن هؤلاء المعلمين يتصورون أن المقصود بالتفكير ألابتكاري هو ذلك النوع من التفكير الذي يعبر عنه انجازات المبتكرين والمخترعين مثل \" جون أديسون \" ، وبتهوفن ، وغيرهم . إن انجازات هؤلاء المبتكرين تمثل ابتكارا للإنسانية.
أنهم يوسعون مجال المعرفة البشرية ومع ذلك ، فإن العمليات المتضمنة في التفكير ألابتكاري يمكن أن تمارس بصورة بسيطة لدى التلميذ. فبدلاًًً من أن نطلب منهم الوصول إلى ابتكارات توسع حدود المعرفة الإنسانية ، فإننا يمكن أن نقدم لهم مشكلات ، تدفعهم إلى اكتشاف معارف تكون جديدة بالنسبة لهم أنفسهم .
وتتميز أسئلة التركيب بأنها تتيح للتلاميذ حرية كبيرة في البحث عن حلول لها ، فالتلاميذ في الإجابة عن أسئلة المستويات السابقة يتقيدون بالمادة الدراسية وبالمادة العقلية الواردة في السؤال بشكل صريح أو ضمني ، بينما تكون هذه القيود في حدها الأدنى في مستوى التركيب . وبالإضافة إلى ذلك تتميز أسئلة التركيب بأنها تتيح مداخل عديدة للإجابة عليها. وعلى ذلك ، فهي تشجع التلميذ على أن يستخدم المعلومات والعمليات العقلية التي اكتسبها من خبراته السابقة في أي مجال من مجالات الحياة . ومعنى هذا أنه ينبغي أن يدرك التلميذ أن المعلم ليس لدية إجابة محددة للسؤال يتوقع من التلميذ أن يكررها.
وفيما يلي أمثلة للأنواع المختلفة من أسئلة التركيب :
أ- إنتاج اتصال أو تفاهم أصيل : وتتطلب الأسئلة من هذا النوع أن تقدم مجموعة من الكلمات أو الصور التي تعبر عن قيمك ومشاعرك.
ب- القيام بعملية تنبؤ: وتتطلب هذه الأسئلة من الطالب أن يتنبأ بما يمكن أن يحدث لو توفرت ظروف معينة.
ج- حل المشكلات .
يستطيع المعلمون أن يستخدموا أسئلة التركيب ، بحيث يساعدون تلاميذهم على تنمية التفكير الابتكاري لديهم . فإن كثيراً من المعلمين يكتبون أسئلة التركيب ، شأن أسئلة التحليل ، مفضلين الأسئلة ذات المستويات الأدنى ، وخاصة أسئلة التذكر أو المعرفة. إن أسئلة التركيب تحتاج إلى فهم عميق للمادة. ولا ينبغي أن يغرق التلاميذ في التخمين لكي يجيبوا عن هذه الأسئلة ، وإنما يجب أن يدرسوا المادة التعليمية بعمق .
سادساً: الأسئلة في مستوى التقويم :
المستوى الأخير من التصنيف هو التقويم ، وهو شأنه شأن التحليل والتركيب من العمليات العقلية العليا. وأسئلة التقويم ليس لها إجابة واحدة صحيحة وهي تتطلب من التلميذ أن يحكم على فكرة معينة أو حل لمشكلة معينة أو تقييم عمل فني ، وقد يستخدم الفرد في حكمه أو تقويمه للفكرة أو الشيء محكات موضوعية وقد يستخدم محكات شخصية أو ذاتية ، فمثلاً إذا كان السؤال :
أي حكام الدول الأموية أكثر كفاءة ؟ فإن الإجابة عليه قد تعتمد على محكات شخصية ، وقد تعتمد على محكات موضوعية. فإن كنت من المعجبين بالفتوحات ، واخترت حاكماً اتسم عصره بها ، أو كنت من أنصار التقدم العلمي والحضاري واخترت حاكماً اتسم عصره بهما، فإنك في كلتا الحالتين قد استخدمت محكات شخصية . أما إذا اخترت الحاكم الكفء على أساس مجموعة من المؤشرات التي تأخذ في الاعتبار جوانب متعددة ، فأن تقويمك في هذه الحالة يستند إلى محكات أكثر موضوعية . وفي كل الأحول ، فإنه لابد في الإجابة على أسئلة التقويم من استخدام بعض المحكات .
وأسئلة التقويم سهلة في صياغتها ووضعها كما أنها كثيراً ما تستخدم في المناقشات الصفية ، على أن فائدتها تكون قليلة في كثير من الأحيان نظراً لأن الطلاب يجهلون قواعد هذا المستوى من التفكير ، ولهذا فإن أسئلة التقويم ـ شأنها شأن أسئلة التحليل ـ تحتاج إلى إعداد خاص للتلاميذ حتى يستطيعون الاستفادة منها والإجابة عليها بشكل سليم .
وقد يشعر كثير من التلاميذ بأنهم ليس لديهم الكفاءة لكي يصدروا أحكاماً تقويمية .