مما لا شك فيه, أن المرأة عنصر مهم في المجتمع و لا شك أنها قادرة على التحصيل العلمي و المعرفي تماما مثل الرجل
كما أن الشرع يبيح لها العمل إن توفرت الشروط التي تتيح ذلك و إن دعت الحاجة.
لكن, هل يعقل أن يؤخذ معيار خروج المرأة من بيتها من أجل العمل, كمقدار لقياس تطور و ازدهار المجتمعات ؟
دعونا نتطرق إلى المسألة عبر عدة جوانب
خروج المرأة للعمل و ازدهار المجتمعات الإنسانية, أولا: وجهة نظر تاريخية
أما قضية أن تطور المجتمعات مرتبط ارتباطا وثيقا بحجم مشاركة المرأة في العمل خارج البيت مع الرجل, فالمسألة فيها نظر. و من وجهة نظر تاريخية محضة, فتاريخ الحضارات الإنسانية الممتد عبر آلاف السنين يكشف لنا أن التي ازدهرت منها لقرون عديدة كالحضارة الإسلامية و الحضارة الرومانية و الإغريقية, قامت على أساس أن الرجل يسعى في لقمة العيش خارج البيت فيما تهتم المرأة بشؤون بيته لأن كلاهما له استعداد فطري و بدني لوظيفته.
بل أن الحضارة الرومانية العريقة التي سيطرت على نصف الكرة الأرضية, ازدهرت في ظل تغييب شبه كلي للمرأة لأن الرومان كانوا ينظرون إلى المرأة نظرة دونية لا تتعدى نطاق الغرائز الشهوانية للرجل الروماني.
و في الحضارة الإغريقية التي تعتبر مهدا للعلوم كان بعض فلاسفتهم يتساءلون إن كانت المرأة تملك عقلا أم لا و عن أحقية تصنيفها في نفس مرتبة الرجل!!
و أنا هنا أتكلم عن الحضارتين اليونانية و الرومانية اللّتين ازدهرتا لقرون عديدة رغم موقفهما المخزي تجاه المرأة.
أما الحضارة الإنسانية المعاصرة التي نشأت في الغرب ثم انتقلت لكي تفرض نفسها على كل أرجاء المعمورة فقد قامت منذ الثورة الصناعية في أوربا ثم ازدهرت بعد اكتشاف البترول و تطور العلوم.
و هي حضارة مادية بحتة تقوم على استغلال الفرد ذكر كان أو أنثى من أجل الكسب المادي.
و تقوم على عدة نظريات منها التي تدعو إلى التكذيب بوجود الخالق و محاولة تفسير الوجود بالظواهر الطبيعية (كنظرية داروين) و التي تدعو إلى كسر الفوارق بين الرجل و المرأة و نشر الإباحية (نظريات فرويد)
كما تدعو إلى العولمة و مسح الفوارق من ثقافات و أديان و لغات بين شعوب الأرض (نظريات العالم الجديد)
لكن لن تلبث هذه الحضارة إلا أن تندثر كما حصل لسابقاتها بعد اختفاء عناصر ازدهارها ( أي بعد نفاد البترول)
و سيندثر معها من انساق وراء أفكارها الهدامة و ترك دين الله الذي لو تمسك به ما ضل و لا عزة إلا بالله
ثانيا. وجهة نظر شرعية: سفر المرأة من غير محرم ليس قضية خلافية يا ناس !! كفاكم استهزاءا بأحكام الدين!!
سفر المرأة من غير محرم ليس بمسألة خلافية و قد حرّمه العلماء بإجماع منذ القرون الأولى للإسلام إلى يومنا هذا جيلا بعد جيل
و لا عبرة بكلام الشواذ من المتأخرين في هذه القضية من المتشبعين بالثقافات الغربية.
و إلى اللواتي (أو الذين) يهمّهم الإلمام بهذه القضية من جميع جوانبها من أجل معرفة الحق, أحيلهم إلى فتاوى الثقات من العلماء و الرسائل العديدة التي ألفت حول هذه المسألة
لذلك أنصح أخواتنا المسلمات أن يضعن هذا الأمر نُصب أعينهن و لا يتهاونَّ فيه بحجة أن الضرورة تقتضي ذلك,
لأن قياس الضرورة لا يعتمد على نزوات و شهوات الأفراد أو على معايير المجتمعات الغربية الكافرة بقدر ما يعتمد على ماهية الضرورة بمعناها الحقيقي, و الضرورة لغة من "الضرر" و هو ما يحول من وصول المنفعة إلى المرء فتضيع بها إحدى أو بعض أو كل الضرورات الخمس للإنسان المؤمن التي يقوم أساس الإسلام على حفظها (الدين النفس العرض العقل المال )
ثالثا: وجهة نظر العرف في المجتمعات العربية
ثم أن الضرر الذي قد يحدث للمرأة التي تسافر لوحدها أكبر بكثير من الضرر الذي يصيبها إذا كانت محتاجة و رفضت العمل بعيدا عن
بيتها و "ليس الذكر كالأنثى" كأن يتعرض لها من لا يخشى الله في طريقها
و قد تفتح على نفسها باب القيل و القال و هناك الكثير من الشباب (و أنا منهم) من يرفض الإرتباط بفتاة بعد أن عرف أنها تسافر لوحدها من أجل العمل في
مدينة بعيدة و هذا حقّهم و هناك بعض العائلات تفككت بسبب ابتعاد المرأة عن أسرتها
ففكري أختي الكريمة جيدا قبل أن تقدمي على خيار خروجك من بيتك من أجل العمل
رابعا: وجهة نظر اقتصادية و اجتماعية
إن الغالبية العظمى من نسائنا المسلمات اليوم لسن ممن تدعوهن الحاجة إلى العمل, لكنهن يصررن عليه بأي شكل و بأي مرتّب مهما قل (على خلاف الرجل). و هذا جاء استجابة لنداءات أولياء الشيطان الذين زيّنوا لها فكرة الخروج من بيتها محتجين في ذلك بالخوف من الفقر و ضرورة مساعدة الزوج "زعموا" و الله تعالى يقول (الشيطان يعدكم الفقر...الآية) لكن الهدف الحقيقي المنشود من وراء "إخراج" المرأة هو تدمير الأسرة المسلمة
لأن انضمام الآلاف المألّفة من النساء إلى سوق العمل و قبولهن بأخفض المرتّبات التي كان الرجال لا يقبلون بها ناهيك عن قلة الشروط التي تضعها الحكومات المتواطئة أمام المرأة من أجل العمل مقارنة بالرجل ( مثلا: الخدمة العسكرية إجبارية لحصول الرجل على منصب في الوظيفة العمومية دون المرأة) شجع المؤسسات على توظيف النساء بكثرة مما خلق كسادا في المناصب و انخفاضا في المداخيل و غلاءا في المعيشة, و فقرا للرجال مقارنة بالنساء و هنا تكتمل الحلقة الإقتصادية, لأن الرجل في مجتمعاتنا المسلمة هو الذي تعود عليه مسؤولية تكوين الأسرة (كما هي الفطرة البشرية السليمة) و مع استمرار الأحوال على ما هي عليه الآن, فلن يتمكن الرجل من الزواج بسبب فقره و ستهرم المرأة التي كانت -للتذكير- تريد العمل من أجل مساعدة زوج المستقبل فإذا بها تصبح عانسا, و العواقب قد تكون وخيمة جدا
فحالة الرجل الفقير غير القادر على الزواج و المرأة العانس الغنية توفّر المناخ الملائم لتشكيل نوع جديد من الأسر مبني على سلطة المرأة و مايترتب عنها من فساد البنين و البنات, هذا إن تشكلت الأسرة أصلا !! لأن السواد الأعظم من الشباب الذين يمتلكون مثقال ذرة من المروءة لن يقبل بتشكيل أسرة كهذه و سيفقد الأمل في الزواج و قد يلجأ إلى ارتكاب الحرام
و مع كثرة من هم في مثل حالته سيصبح ارتكاب الحرام أمرا "عاديا" حتى أنه قد يرتقي إلى "الضروري" عند بعض الذين لبّس الشيطان عليهم حينئذ سيصفق أعداء الإسلام من الذين خططوا لتدمير المجتمع المسلم على نجاح خطتهم.