والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا
الحمد لله على نعمه الجزيلة و ءالائه العظيمة، حيث أنزل إلينا أفضل كتبه و أرسل إلينا أعظم رسله و هدانا لمعالم دينه الذي ارتضاه لنفسه، الذي ليس به التباس و جعلنا خير أمة أخرجت للناس، هو الله، عز كل ذليل، و غنى كل فقير، و رفعة كل ضعيف، و ناصر كل مظلوم، وقاسم كل ظالم، و مفزع كل ملهوف و هو القاهر فوق عباده و هو الحكيم الخبير، و صلي اللهم و سلم و بارك على الرحمة المهداة، البشير النذير و السراج المنير المبعوث رحمة للعالمين، الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، و على أصحابه الغر الميامين و تابعيهم و من اقتفى أثرهم إلى يوم الدين و بعد.
إن من عظمة الله عز و جل أن أحب لعباده معالي الأمور، و أحب لهم إتقان العمل و إخلاصه لوجهه الكريم (و ان تشكروا يرضه لكم)، فلا ينفع وجه دون آخر، و كما أنه أمر عباده أن يعبدوه حق العبادة، أمرهم كذلك أن يتقوه حق التقاة، و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون، و أمرهم كذلك أن يجاهدوا فيه حق الجهاد، و الجهاد كما وصفه الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم، هو ذروة سنام الإسلام فبه تعز الأمم و تنتصر إن كان لإعلاء كلمة الله في الأرض و إبطال الباطل فيها، و هو منقسم إلى طرق عديدة فليس الجهاد مقتصرا على القتال فقط، و قد فصل ابن قيم الجوزية في كتبه قضية الجهاد و قسمه إلى أربع و عشرين دربا، فمن مات و لم يغزو أو يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق، و فيه من الفوائد ما لا يعلمه إلا الله تعالى، و إن من فضائل الجهاد الهداية إلى الصراط المستقيم، كما قال الله تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)، وسبل الله في الحقيقة هي سبيل واحدة و هو الهداية إلى الصراط المستقيم، و هي أعظم النعم لأنها رضاية في الدنيا و عزة و فلاح في الأخرة، وإنما قال تعالى (لنهدينهم سبلنا) كان ذلك على سبيل الجمع ذلك لأن الهداية لوحدها نعمة عظيمة و منة جزيلة، فهي تجمع الإسلام و الإيمان و الصلاح و الرشاد و الخير الكثير و الفضل الكبير، فلذا جاءت في صيغة الجمع و دليلنا في هذا قول الله تعالى (و أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) هنا جاء لفظ السبل و هي سبل الشيطان التي يدعوا الإنسان فيها إلى النار بمختلف الطرق و العياذ بالله، فهنا سبل الشر، و قبل ورودها في النص ورد ذكر الصراط المستقيم و الأمر باتباعه، لكن هل كل الناس يوفقون لذلك، هم وحدهم أصحاب القلوب الوجلة الورعة التي تخشى الله الذين يسارعون إلى مثل هذه الغنائم عسى أن يدخلهم ربهم في رحمته، و هم وحدهم من يعلمون سبيل الجنة و هو سبيل الإيمان ثم الهجرة إلى الله ثم الجهاد في سبيله (إن الذين ءامنوا و الذين هاجروا و جاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله و الله غفور رحيم)، و إن من دروب الجهاد طلب العلم و الصبر على المشقة في تعلمه و تبليغه و هو فرض كفاية بنص القرءان (و ما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) و الأحاديث في هذا الباب كثيرة، و كل على ثغرة من ثغور الإسلام، فواجب عليه أن يسدها، فيجب على المسلم الطالب للعلم أن يعلم أنه في ساحة جهاد فلا يعبث، و مهما بلغ درجات عليا من العلم فلا يزال يعلم شيئا (و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا) و أن علمه الذي وصل إليه حجة عليه لا له و تكليف و ليس تشريف له و أنه مسؤول عنه يوم القيامة، فمن طلب العلم جهادا في سبيل مرضات الله مستعينا به متوكلا عليه محتسبا أجره عند ربه مقبلا غير مدبر راغبا غير مكره، هداه الله إلى صراطه المستقيم لأن الله وعده و الله لا يخلف الميعاد، فاللهم اهدنا صراطك المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالين.
أ.عماد عبد الحميد الحاسـي