مساعدة من فضلكم - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات التعليم الثانوي > منتدى تحضير شهادة البكالوريا 2024 > منتدى تحضير شهادة البكالوريا 2024 - لشعب آداب و فلسفة، و اللغات الأجنبية > قسم اللغة العربية و آدابها

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

مساعدة من فضلكم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-03-12, 16:26   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
The_Pheoniix
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي مساعدة من فضلكم

السلام عليكم
احتاج مساعدة في مشروع للادب العربي
"اعداد تقصيبة حول المدارس الادبية الاوربية و اثرها في الادب العربي"
فهل من افكار او مراجع يمكن ان تفيدونا بها
شكرا مسبقا...... في انتظار المساعدة








 


رد مع اقتباس
قديم 2010-03-12, 17:32   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
ترشه عمار
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ترشه عمار
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ورب صدفة خير من الف ميعاد...اهلا...اهلا.The_Pheoniix

وجدت طلبك هنا..و بحثت لك في..


مبتغاك...اضغط و حمل الملفات الاتية..واحدة...واحدة


أ نيوكت


اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻟﺠﺰاﺋﺮﻳﺔ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ


مقدمة: ‏


مداخل التأصيل


المذاهب الأدبية لدى الغرب


من المدارس الادبية.doc


انتظارا لاساتذة الادب ان يقدموا لك...المساعدة .......تحياتي










رد مع اقتباس
قديم 2010-03-12, 23:08   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
The_Pheoniix
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة tercha مشاهدة المشاركة
ورب صدفة خير من الف ميعاد...اهلا...اهلا.the_pheoniix

وجدت طلبك هنا..و بحثت لك في..


مبتغاك...اضغط و حمل الملفات الاتية..واحدة...واحدة


أ نيوكت


اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻟﺠﺰاﺋﺮﻳﺔ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ


مقدمة: ‏


مداخل التأصيل


المذاهب الأدبية لدى الغرب


من المدارس الادبية.doc


انتظارا لاساتذة الادب ان يقدموا لك...المساعدة .......تحياتي

بارك الله فيك جزاك الله خيرا









رد مع اقتباس
قديم 2010-04-04, 00:00   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
فادو2010
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية فادو2010
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة The_Pheoniix مشاهدة المشاركة
السلام عليكم


احتاج مساعدة في مشروع للادب العربي
"اعداد تقصيبة حول المدارس الادبية الاوربية و اثرها في الادب العربي"
فهل من افكار او مراجع يمكن ان تفيدونا بها
شكرا مسبقا...... في انتظار المساعدة
السلام عليكم
تفضل بأخذ المادة التي كنت تبحث عنها متمنية لك النجاح والتوفيق.


III- المذاهب الأدبيّة الغربية وأثرها في الأدب
العربي الحديث .
عرف الأدب العربي ضعفا وانحطاطا متأثرا بسوء الأحوال الاجتماعية والسّياسيّة
والفكريّة في عصر الانحطاط (الضّعف)غير أن الأمور بدأت تتغيّر تدريجيا بحلول القرن الثامن عشر، ولقد ساعده على ذلك مجموعة عوامل النهضة الحديثة التي مرت بك في الفصل السّابق ، مما جعله ينهض ويتطور ، وسنبرز في هذا الفصل مظاهر تطوّر الأدب العربي شعره ونثره وأهم الخصائص الفنية التي أصبح يتميز بها ، والتي ستظهر لك من خلال النّصوص الأدبية التي ستقترح عليك للتحليل.
لقد مرّت بك عوامل النّهضة الحديثة ، وتعرفت على أهم عامل وهو احتكاك العرب بالغرب بواسطة البعثات العلمية والترجمة والاستشراق ، وما كان من الأدباء والشعراء والفنّانين والنقّاد إلاّ أن يتأثروا ويعجبوا بما وجدوه في آداب وفنون وثقافة الأروبيين والذّي من شأنه الرفع من مكانه آدابهم وفنونهم وثقافتهم ، وأول مظهر من مظاهرهذا التأثر استعانتهم بالمذاهب الأدبيّة الغربيّة والتّي وجدوا فيها متنفّسا كبيرا للأدب العربي، مثلما كانت متنفّسا للآداب الأروبية في عهد نهضتها بعد خروجها من سنين الظلمات في العصور الوسطى .
تعريف « المذهب»
المذهب« تجمع وتكتل جماعة من الأفراد .وهم أدباء وشعراء ونقاد – بالنسبة للمنهب الأدبي – يسيرون وفق مبادئ وخصائص مسار أو اتجاه فني معين تسبب في وجوده حوادث تاريخية وظروف الحياة وملابساتها ، فوضعوا للتعبير عن حالاتهم أصولا ومبادئ وقواعد جسدت إبداعهم وإبداعهم وإنتاجهم الأدبي .»
شهدت أروبا ميلاد المذاهب الأدبيّة وقد «عكس كلّ مذهب روح العصر الذي نشأ فيه » إذ كان كلّ مذهب خلاصة لظروف خاصّة ومتنوّعة:اجتماعيّة،سياسيّة، تاريخيّة ولّدت لدى الأدباء والنقّاد - باعتبارهم من أفراد المجتمع الذّين يتأثّرون بمختلف هذه الظّروف – حالات نفسيّة قويّة وشديدة ، وهذا ما يسظهر من خلال استعراض هذه المذاهب ، وظروف نشأتها ، ومبادئها ... وما اختلاف المذاهب وتنوّعها إلاّ دليل على اختلاف ظروف الحياة وتباينها ، وإن اختلفت هذه المذاهب في تسميتها ومبادئها واتجاهها وأهدافها ، فإنّها تشترك كلّها في هدف واحد هو الرّفع من مستوى الأدب ، والتّنفيس عن الأديب والنّاقد حتّى يتمكّن من إيجاد متنفّس يمكّنه من تحرير اهتماماته ، ومشاعره ، وهواجسه...
نشأت المذاهب الأدبيّة في أروبا ، وإن كانت غربيّة النّشأة فهذا لم يمنعها من الانتشار ، ووصولها إلى البلاد العربيّة ، واستفادة العرب من بعض مبائها.
-1 المذهب الكلاسيكي .
المذهب الكلاسيكي من أقدم المذاهب الأدبيّة الغربيّة ، ظهر في أروبا في النّصف الأوّل من القرن السّادس عشر ، في أعقاب النّهضة العلميّة الأروبيّة التّي تزامنت مع سقوط بيزنطا أو فتح القسطنطينيّة عام 1453ﻫ على يد الأتراك تحت قيادة محمّد الفاتح ، وهذا الحدث التّاريخي العظيم أثّر تأثيرًا بالغًا في نفوس علمائها وأدبائها ومفكّريها ، وتحت تأثير هذا الظّرف الأليم -بالّنسبة إليهم- اضطرّوا إلى ترك القسطنطينيّة -بيزنطا سابقًا- آخذين معهم العديد من الوثائق الّلاتينيّة . والمخطوطات القديمة ، فارّين من هذه المدينة نحو إيطإيليا التّي احتنضنتهُمْ ، فاستقرّوا بها ، وشهدتْ مولد الملامح الأول لهذا المذهب ، حيث أنّ ترك القسطنطينية اظطرارًا، والفرارُ منها ولّد لدى هؤلاء الفارّين حالة نفسيّة أليمة ، وهي النّقطة التّي ندعوها بملابسات الحياة ، فهذا الظّروف المؤلم دفعهم إلى التّعبير عن هذا الشّعور بالتّجّمع في تكتل أدبي، وخوفا على ضياع تراثهم عملوا على نشره وإحيائه بأن عكفوا على شرح المخطوطات والوثائق وتوضيحها ، فكانت بذلك قواعد وأسُسا للمذهب الكلاسيكي فيما بعد.
هذه هي البدايات الأولى للمذهب الكلاسيكي ، كما يعود الفضل إلى ظهوره ظهورا حقيقيا وبصفة رسميّة جليّة إلى جماعة البلِياد La Pléiade بفرنسا والتّي ضمّت سبعة شعراء من القرن السّادس عشر وعلى رأسهم :
بيار رونسار Pierre Ronsard ( 1524 – 1585 ) ، وكذا دي بيليه Joachim du Bellay ( 1522-1560 م و لقد اهتّم أدباء هذه الجماعة بالتّراث اليوناني ومحاكاة قدامى اليونان والرّومان في أعمالهم الأدبيّة ، وخاصة حين تأثرهم بالأدب التّمثيلي قبل غيره من الفنون الأدبيّة الآخرى ، واستمدّوا مبادئ منهجهم من أدب الفيلسوف اليوناني الكبير أرسطو من خلال كتابه " فنّ الشعر ". حيث قدم المسرح (التّراجيديا والكوميديا) على أدب الملاحم وأهمل الشّعر الغنائي إهمالا مقصودا .
تجسّدت الكلاسيكية من خلال أعمال ومؤلفات العديد من الأدباء الذّين حاولوا إحياء التّراث الأدبي القديم ، وخاصة التّراث اليوناني ؛ وأكثر الفنون الأدبيّة تناولا الشّعر المسرحي ، ثمّ محاكاة بعض الملاحم و القليل من الشّعر الغنائي الوجداني تحْت تأثير النزعة العقليّة.
حاول الكلاسيكيون الإبداع عن طريق محاكاة القدامى والخواص على جودة الصّياغة اللّغوية ، وفصاحة التعبير، وتجّنب جموح الخيال والعاطفة، وليتحقق لهم هذا الهدف كان لابد أن تتوفر لهم ملكة الإبداع، أيْ أنْ يكونوا موهوبين في التأليف الأدبيّ، ثمّ عليهم صقل هذه الموهبة بالمِران الطّويل و الاطّلاع المتواصل على ما أبدعه القدامى من اليونان و الرّومان ، ثم السّير على منوالهم من أجل بلوغ الإبداع الحقيقي؛ ولأنّهم أهملوا الإسراف العاطفي و الخيال و تأثروا بالعقل كان اهتمامهم بالأدب الموضوعي كبيرا ، خاصّة الأدب المسرحي ( التمثيلي) ، فجاءت مسرحياتهم تتناول العواطف العامّة كالغيرة و المحبّة... و تتوفّر على قانون الوحدات الثلاثة وهي وحدة الموضوع ، وحدة الزّمان ، ووحدة المكان .
والمسرحيّة عندهم تتناول حَدَثا واحدا خلال فترة موجزة كيوم واحد و في مكان محدود، وهذا ما فعله رُوّاد المسرح الكلاسيكي الفرنسي موليير Molière ( 1622 -1673 م) وكورناي Corneille ( 1606 – 1684 ) وراسين Racine (1639-1699م) . تأثر هذا الأخير بفلسفة ديكارت صاحب فكرة ( أنا أفكر إذن أنا موجود) على الرّغم من تباعد عصريْهما بحوالي نصف قرن ، وتأثّر غيره من الكلاسيكيين بالفلسفة الدّيكارتية التّي تُشَجعُ العقل ، و تعْتني بالأفكار و الأسلوب معا، وترْفض الخيال المفرط، و الإسراف العاطفي ؛ واقتداءا باليونان ألف الكلاسيكيون المأساة ( التّراجيديا) و الملهاة ( الكوميديا) كونهما تجسّدان أهم خصائص المذهب الكلاسيكي ، وهي الموضوعية و قيودها ، فألْزم الأدباء أنفسهم بذلك فمثّلوا في المأساة حياة الملوك و الأثرياء و النبلاء من جهة ، و مثّلوا في الملهاة حياة عامّة النّاس.
وتمرّ الأعوام و تزداد الكلاسيكية انتشارًا و تطورًا ، ففي القرن الثامن عشر زَوَاجَ بعض الكلاسيكيين بين المواضيع التّراجيدية و المواضيع الكوميدية ، واعتبروا ذلك " المحاكاة الحقيقيّة للواقع؛ بل هو الحياة بعينها... أحزان غير دائمة، و أفراح تعْقبها زوابع..." و في نفس القرن دائمًا تساهل بعض العلماء في اختيار الموضوع المسرحي،وجعلوا المأساة غير مقتصرة على الطّبقة العالية وحْدَها، و لا الملهاة خاصّة بالعامّة ، وهذه الكلاسيكية تُدْعى بالكلاسيكيّة المعتدلة ، ومثّلها مؤلّف وكاتب الدّراما الواقعيّة ماريفو Marivaux صاحب الكوميديا الماريفودية ، وفيها ابتعد عن الضّحك المفرط ( القهقهة) ، واكتفى بالدّعاية المهديَة " كما ابْتعدت المأساة عن الحزن الشّديد الذي يُثير البكاء إلى التأثّر والمشاركة الوجدانية .
بعد اندلاع الثورة الفرنسية عام 1798م واصلت الكلاسيكية انتهاج نهج الاعتدال ، وظهر ما يُسَمَّى بالدراما "البرجوازية" بزعامة الأديب والمفكر الفرنسي ديور Diderotتحت تأثير الطبقة البورجوازية التي حلّت محلُ الارستقراطيّة.
عدّل هذا الاتجاه الكلاسيكي الجديد الكثير من المفاهيم الدراميّة بحيث لم يعد يُنْظرُ إلى الإنسان على أنه جملة من القيم ( حبّ ، غيرة ،..) و إنّما أصبح ذلك الإنسان الذّي يعيش في المجتمع يتأثّر به ، و يؤثّر فيه بما يُقدّمه له من خدمة و فائدة .

خصائص ( مبادئ ) المذهب الكلاسيكي

من أهمّ خصائص المذهب الكلاسيكي التي تميّزه عن غيره من المذاهب :
1- الاعتماد على العمل الواعي المتّزن ، و التّفكير المعتدل ، لذا على الأديب تجنّب العواطف الذّاتية ، و الاعتماد على العواطف العامّة ، وهذا لا يعْني أنّ الأديب لا يُعَبّر عن عواطفه، بل الجانب الوجداني وارد في مؤلفاته، إضافة إلى المزاوجة بيْن الفكر و الخيال ، فيأتي من الوجدان و الفكر و الخيال في صورة معتدلة جميلة، وقيل إنَّ أخْلدََ عمل كلاسيكي هو انتاج " راسين" لأّنه استطاع بعبقريته أنْ يُصَوّرَ عاطفة الحبّ بالاعتماد على التّفكير، و التعّمق في اطار القيم الانسانيّة النّبيلة.
2- النزعة العقليّة: الاعتماد على مبادئ العقل، و تجّنب الإسراف العاطفي و هذه الخاصية ناتجة مباشرة عن الاعتماد على العقل الواعي المتّزن، وهي واضحة في شرح الخاصية الأولى.
3- الاعتناء بالأدب الموضوعي من قصّة و مسرحيّة أكثر من الاعتناء بالفنون الأدبيّة الآخرى، وكان عليهم اختيار الفنّ الذّي يلائم مبادئ العقل و النّزعة العقليّة ، كما ورد في بداية الموضوع ، فإنّ الكلاسيكييّن تأثروا بالقدامى وحاولوا محاكاتهم لذلك ساروا على منوالهم فاعتنوا بالمسرح واهتمّوا به مثلما فَعَلَ اليونان قبلهم.
4- الحرص على جودة الصّياغة الّغوية ، ونَعْني بها الإمعان في صنعة الكلام، وفصاحة التّعبير.
5- التّقيّد بقانون الوحدات الثلاثة لأنّ إعتقادهم أنّ المسرحيّة إذا تعددّت مواضيعها، وامتدّت أحداثها عبر الزّمن الطّويل، وتنوّعت أماكن أحداثها تصدّع بناؤها و تفكّكت عناصرها .
6- محاكاة القدامى و تقليدهم لاعتقاد الكلاسيكيّين أنّ أدب اليونان و الرّومان هو أجود الآداب و أحسنها .
7- احياء الثّرات الأدبي القديم، و هذا المبدأ لن يتحقّق بدون المبدأ الذّي سبقه.




أثر المذهب الكلاسيكي في الأدب العربي الحديث

كان تأثير المذهب الكلاسيكي في الأدب العربي الحديث تأثيرّا محدودًا حيث اقتصر هذا التّأثير على الشّعر المسرحي، وذلك عندما اتّصَل كُتّاب المسرح العربي بالمسرح الكلاسيكي الفرنسي، وعلى رأس هؤلاء أمير الشّعراء،
والشّاعر المبدع المصري أحمد شوقي ، وكذا مارون النّقّاش.
الأعمال الأولى الأدبيّة الكلاسيكية عند العرب حديثًا هي الأعمال المترجمة و تمثّلت في ترجمة بعض المسرحيات ، وبالتالي أوّل مظهر من مظاهر التّأثر ظَهَرَ في شكل ترجمة " مارون النّقّاش " لبعض مؤلفات الأديب الفرنسي " موليير" Molièreوذلك لانعدام الفنّ المسرحي في الأدب العربي ، فالعرب لم يعرفوا فنّ المسرح شعرًا ونثرًا، وأولى المسرحيات ترجمة مسرحيّة "البخيل" ثمّ "الثريّ النبيل". أمّا سليم النّقّاش فترجم مسرحية " هوراس" للأديب الفرنسي كورناي أحمد شوقي ، بحكم احتكاكه بالغرب و مسرحه عند ذهابه إلى فرنسا، لإتمام دراسته و إثراء ثقافته الأدبية ، بَرَعَ في الشعر المسرحي، وألّف فيه عددًا من المسرحيات، من أشهرها :" كليوبترا" إذْ جعل الأديب الملكة المصريّة بطلة مسرحيته تغار على وطنها ، ولا يهمّها أن يعزلها الرّوم، أو أن تموت في سبيل مملكتها مع ابراز ملامح المرأة فيها كالمحافظة على الجمال ونظارة البشرة. يقول أحمد شوقي في مقطع منها على لسان البطلة وهي تدخل على الكاهن أنوبيس ، فدار بينهما الحوار التالي :
أنوبيس: سيّدتي في حُجْرَتي
مُري بما شئْتِ يَكُنْ
و إن تحدّى قُدْرتي
كليوبترا : أبي أعلمْتَ أنَّ الجيشَ ولَّى وأنَّ بوارجي أبَتْ المُضيَّا
أنوبيس: علمت و كان ذلك في حسابي وذا "حابِي" أفْضَى به إيليا
كليوبترا: وهل نبّأكَ عن انطونيوس و كيف جَرَتْ هزيمتهُ عليَّا
وما أدّري أ أرْدَوْهُ قتيلا صباح اليوم أوْ أخذوه حيًّا ؟
أبي ذهب الحليفُ فكُنْ حليفي فقَدْ أصْبَجْتُ لا أجِدُ الوليَّا
أنويس: لا تَرْعي... لباة النيل ليْسَ يخَافُ شيَّا
كليوبترا: أبي لا العزل خِفْـتُ ولا المنايا ولكن أنْ يَسيروا بي سَبِيَّا
أيوطأُ بالمناسِمِ تاجُ مِصْرً وثمّةَ شعرة في مَفْرقيَّا ؟
وهاهي مقطوعة آخرى لنفس الشّاعر، من مسرحيّة شعريّة ثانية قدّمها شوقي إلى الجمهور بعد عوْدَتهِ إلى كتابة المسرحيات في الفترة الأخيرة مِنْ حياتهِ ، و هي أولى مسرحياته التّي اعتمدت التّاريخ العربي مادتها الأوليّة، وهي قصّة الشّاعر " قيس بن الملوّح" وحبّه لابنة عمّه "ليلى" وقد حفتها بعض الأساطير إلاّ أنّها ما تزال من أروع صور الحّب العُذّري الذي اشتهر في بوادي" نجد" و "الحجاز" في العصر الأموي، وتحمل عنوان" مجنون ليلى" يُقبل قيس على ضياء ليلى وقد جاء يلتمسُ جذوة من النار لأهله... يُنادي:
قيس: ليلى
المهدي ( خارجا من الخيام) :
من الهاتف الدّاعي ؟ أقيسَ أرى ؟
ماذا وقوفك و الفتيانُ قد ساروا ؟
قيس: ما كنت يا عمّ فيهم
المهدي ( دَهِشًا ): أين كنت إذًا ؟
قيس : في الدّار حتّى خَلَتْ من نارها الدّارُ
ما كان منْ حَطَبٍ حَزِلٍ بساحتها
أودى الرّياحُ بِهِ والضّيْفُ والجارُ
المهدي ( مناديا) ليلى ، انْتظِرْ قيس ليلى
ليلى ( مِنْ أقصى الخيام) : ما وراء أبي ؟
المهدي: هذا ابنُ عمّك ، ما في بيتِهم نارُ
ليلى: قيس ابن عمّي عندنا يا مَرْحَبًا، يامَرْحباَ
قيس: مُتّعْتِ ليلى بالحيا ةِ و بلغتِ الأربَا
و مسرحيات شوقي كثيرة ، إضافة إلى "مصرع كليوبترا" و"مجنون ليلى " نجد له مسرحية "قومبيز"،"علي بك الكبير"، "أميرة الأندلس" "عنترة" ،" السّت هدى"، وألف أيضا في الشعر القصصي ، واستعمل فيه الرمز ، والحديث على لسان الحيوانات ، وفي الشعر الملحمي ، ويعدّ هذا النوع الشعري من مظاهر التأثر بالكلاسيكية وهي ملحمة مطولة بعنوان "كُبْرََى الأحْدَاثْ بوادي النيل" تضّم 264 بيتا ، أنشدها في جنيف في سبتمبر 1894 م أمام جمعْ من المستشرقين ومطلعها :
همت الفلك واحتواها الماء وحذاها بمن قتل الرجاء
هكذا الدَهْرُ: حالة ثمّ ضدّ وما الحال مع الزمان بقاء
وقائمة الذين نظموا في الشعر المسرحي ليست طويلة لتأثير الكلاسيكية المحدود ، ضمت إلى جوار أمير الشعراء قلّة منهم " خليل إيليازجي بمسرحيته الشعرية "المروءة والوفاء "نظمها عام 1876 م و "عزيز أباظة "صاحب مسرحية "العباسة أخت الرشيد" إضافة إلى " شهريار" و " قيس ولبنى" وألف فرج أنطون مسرحيته "مصر الجديدة "، و"سعيد عقل " مسرحية عنوانها "قدموس ".
ورغم هذا التأثير المحدود للمذهب الكلاسيكي نلمح مدى تأثر العرب بالفنون الأدبية الغربية كالمسرح بنوعيه الشعري والنثري ،وفن الملاحم ، والشعر القصصي ،
وتأثرهم بالخصائص الفنية الجديدة التي جسدت الكلاسيكية الأوروبية ، ورغم أن هذه الخصائص ترجعنا إلى الآداب القديمة إلا أنها تعتبر تجديدا في أدبنا العربي مثل النزعة العقلية الموضوعية ، قانون الوحدات الثلاث ... ، وهنا تظهر فعالية عوامل النّهضة في أدبنا الحديث وأهمها في المذهب الكلاسيكي الترجمة والنقل ، الإحتكاك بالغرب ، البعثات العلمية ، المسرح .
2- المذهب الرّومنسي
ثاني مذهب أدبي غربي حديث عرفته أوروبا في عصر نهضتها ، نشأ في أوآخر القرن الثاّمن عشر ،و بلغ ذروة إزدهاره في منتصف القرن التاسع عشر يُعتبر ثورة عنيفة على المذهب الكلاسيكي وقواعده وأصوله لأنه دعا إلى تحرير الأدب
والأديب والعبقرية الإبداعية من كل القيود والأغلال ورفض الإغراق في الصنعة
والمبالغة في تعظيم العقل ، وتمجيد القُدامى والسّير على مناولهم ، وبذلك أعتبرت "الذات" أي الوجدان هو مركز كل إبداع،كما ركّز على "تحرير الأدب وبالخصوص الشّعر من كل المناهج الفكرية عدا منهج الصدق والسّليقة والشّعر الفياض" والإبداع الخلاق ، والذّوق الرفيع السليم .
إن البوادر الأولى للرومنسية ترجع إلى عملاق الأدب الإنجليزي في القرن السابع عشر وليام شكسبير الذي كان أول من حلل النفس البشرية بكل نوازعها في مسرحياته الرائعة ، وتعلم منه فيكتور هيجو V.Hugo و هو يترجم له مسرحياته إلى اللغة الفرنسية . من رواد هذا المذهب أيضا الشاعران الإنجليزيان "وردْزورْث" Wordsworth (1770- 1850 م ) و سَمويل تايلور Samuel Taylor
وكلوريدج Coleridg الّلذان نظما وأصدرا ديوانهما "المواويل الغنائية" وكان محور الإهتمام في شعرهما الإنسان ومعاناته واهنماماته .
من أشهر أعلام الرومنسية في إنجلترا - باعتبار أننا بدأنا الحديث عن دور الأديب الأنجليزي شكسبير في نسج خيوطها الأولى- أدباء كثيرون منهم ويليام بلاك William black ) 1757-1829 م( جيمس تومسون James homson (1700-1748 م ) أدوارد يونغ (1683-1765 م).
وكل واحد منهم ترك بصماته وأبدع في تطبيق مبادئ الرومنسية وخصائصها ونال هذا المذهب حظّا وافرا في ألمانيا بفضل نخبة من الأدباء المجددين وفي مقدمتهم الأديب الشهير ڤوتGoethe (1749-1822 ) صاحب المؤلفات المتميزة منها "ورذر Werther" فاوست Faust "، ويلهالم مستر Wilhelm mester " وعن كتابه "آلام الشاب ورذر" الصّادر عام 1774 م ، والذي ترجم سنة بعد صدوره باللغة الفرنسية ، يذهب الكثير من النقاد إلى اعتبار بطله "ورذر" بطل الرومانسية ، وقد ذكر مؤلف القصة " ڤوت " قائلا " ... هذا الاحساس الكامل
والحار الذي بقلبي عن الطبيعة الحية هذا الاحساس الذي يغرقني في نشوى كبيرة ..." و هذا ما يبين التأثير الكبير للطبيعة وسحرها وجمالها في نفس الأديب .
ومن أدباء ألمانيا الرومنسيين الآخرين الذّين لا تقل قيمتهم و مكانتهم عن قيمة ومكانة " ڤوت " نذكر منهم :
شيلينغ Schelling(1775-1854 ) واعتبر فيلسوف الرومنسية في بلده نوفاليس Novalis(1772-1802 ) ، الأخوة جريم Grimmوغيرهم من الأدباء الآخرين ذوي الشأن العظيم.
أما في فرنسا فيعود ظهور الرومنسية إلى تأثر بعض الأدباء الفرنسيين بأدباء انجليترا الرومنسيين وفي مقدمتهم شيكسبير اضافة إلى التأثر بالأدب الألماني ، وكان لتأثير الرومنسية الإنجليزية والألمانية بالغ الأثر في الأدب الفرنسي بمساعدة عامل تاريخي هو حروب نابليون بونابرت (1769-1829 م ) واحتلاله لعدة دول أوروبية كإيطإيليا وألمانيا وإسبانيا ، ورجوع المغتربين الفرنسيين إلى بلدهم فرنسا محملين بأفكار الرومنسية ومبادئها . ظهر هذا التأثير جليا بعد عام 1830 م بعد عودة بعض الأدباء من أسفارهم كلامرتين Lamartine(1790-1869 م) و فيكتور هيجو Victor hugo ( 1802-1895 ) واعتبرا من أعلام الحركة الرومنسية بفرنسا ، وكان الأديبان قد إحتكا أثناء رحلاتهما العديدة بالألمان والإنجليز والإسبان ، وأخذا عنهم أسس المذهب الرومنسي، وحملاها إلى فرنسا ، ومن أشهر أعمالهما "البؤساء Les misérables " ، "عمال البحر Les travailleurs de la mer ، أوراق الخريفLes feuilles d’automne " ، الشرقيات Les orientales; و من مؤلفات لامرتين رحلة إلى الشرق Voyage à l’orient ‚ جوسلين Jocelyne ‚ تأملات Les Contemplations. و بعد أن تعرفنا على الرومنسية ومفهومها ونشأتها وأعلامها علينا الآن أن نقف على خصائصها التي تميزها عن باقي المذاهب الأدبية الآخرى.

مبادئ (خصائص ) الرومانسية

ينظر المذهب الرّومنسي إلى الأدب على أنه تعبير عن النفس بكل آلامها و مآسيها لذا نجد الرومنسيين يبالغون في تصوير مشاكلهم وهمومهم باللجوء إلى الخيال والطبيعة فيوظفون أدبهم كمُتَنَفَس يرفّهون به عن واقعهم المؤلم ويهربون به عن عالم الكمال .
والرّومانسيون حاربوا نظرية المحاكاة الأرسطية التي تبناها الكلاسيكيون حينما اعتبروا الأدب والشعر محاكاة للطبيعة والحياة ، فالشعر عندهم إبداع لا يقوم على العقل والملاحظة ، انما يعتمد على الخيال المبدع والعواطف الملتهبة.
كما ثار الرومنسيون على قانون الوحدات الثلاثة أثناء تأليفهم لمسرحياتهم ،وزاوجوا بين مواضيع الملهاة والمأساة ، وبالغوا أيضا في الحرية والدعوة إلى التحرر ولهذه النقطة أمثلة كثيرة منها التصادم الكبير الذي وقع بين أنصار الرومنسية
وأنصار الكلاسيكية عند عرض مسرحية " هرناني" لفيكتور هيجو ، وسخرية الأديب الألماني " ڤوت " من جمود الكلاسيكيين حينما شرب الخمر في جمجمة بشرية ، ووصلت المبالغة عند المتآخرين من الرومنسيين عندما عبروا عن مجافاة المجتمع ، وإهمال الصياغة اللغوية .
عموما يمكن إدراج أهم مبادئ هذا المذهب في النقاط التالية :
1- الذاتية: وهي تعبير الأديب عن مكنونات نفسه
2- توظيف الطبيعة: وهي المادة الخام لأعمال الرومانسيين، يهيمون بها، و يهربون إليها لصياغة تجاربهم الشعورية
3- التعمق في أسرارالكون عن طريق تقديم الخيال، وتفضيله على العقل .
4- الإسراف العاطفي .
5- الدّعوة إلى التحرر وخاصة التحرر من قيود الكلاسيكية والصّنعة اللغوية .
6- التجديد و الإبداع عن طريق التميّز عن القدامى فعلى الشاعر أن يتميّز أيضا عن غيره من الأدباء بما تجود به قريحته الأدبية.
7- التّعبير عن القلق والحزن والتّشاؤم ، والّتفاؤل بالحياة .
8- الدّفاع عن الضّعفاء ، والتّوق إلى عالم تسوده مبادئ العدل ولمساواة وقد كان اهتمام الرومنسيين كبيرًا بالطّبقة الكادحة من المجتمع وذلك بتصوير همومها ومعاناتها اليوميّة .
9- السّهولة ، العفويّة والتّلقائيّة .
10- النّزعة الإنسانية العالّمية : وهي أن يعبّر الأدباء والشعراء عن قضايا المجتمع الإنساني دون تعيين مجتمع ما ، فلايحدّد المكان أو الزّمان أو البلاد ، إنما يصّب اهتمامه على قضيّة اجتماعية تشترك فيها كلّ المجتمعات الانسانية ، ويمكن للأدباء معالجة قضايا سياسية أيضا بواسطة هذه النّزعة ، ولتوضيح هذا الأمر نعطي الأمثلة التّالية :
· تحدّث أبو القاسم الشّابي في قصيدته «إلى الطّغاة» عن المستبدّ الظّالم الذّي يُغيّر مجرى الأمور في بلد أو مجتمع ما ، فيزرع الحزن والأسى ، ويعكّر صفو حياة النّاس فيقتلهم ويسجن شبابهم ممّا يدفع بالشّعب إلى الثورة عليه لاسترجاع حريّته واستقلاله . وهذا كلّه دون أن يحدد اسم الظالم المستبد ، ودون التلميح إلى موطنه وبلده أو فترة حكومه لسبب واحد أنّ ظاهرة الاستبداد ظاهرة قديمة قدم الإنسان وقدم الإنسانيّة ، وهي لاتقتصر على عصر دون آخر ، أو بلد دون بلد آخر ، فهي ظاهرة إنسانية مستمرّة في الزّمان والمكان ، وإليك هذه الأبيات التّي قالها في هذا الموضوع :
ألا أيّها الظالم المستبدّ حبيبُ الفناء عدوّ الحياه
سخرتَ بأنّات شعب ضعيف وكفُّك مخضوبةٌ من دماهْ
وعشت تدنّسُ سحر الوجود وتزرع شوك الأسى في رباه.
أما إيليا أبو ماضي فقد قال عن الإنسان المحتقر لنفسه ، والذّي لايثق بها في قصيدته الرمزيّة «الحجر الصّغير» :
حجرٌ أغْبَرُ أنا وحقير لاجمالاً ، لاحكمة ، لامضاء
كما حدّثنا عن المتكبّر في قصيدته« الطين»
نسي الطّينُ ساعة أنهُ طيـ نٌ حقيرٌ ، فصالَ تيهًا وعَرْبَدْ
وكسا الخزّ جسمه فتباهى وحوى المال كيسُه فتمَرَّدْ
يا أخي ، لاتملْ بوجْهك عنّي ما أنا فحَمةٌ ، ولاأنْت فَرْقَدْ
أثر المذهب الرومنسي في الأدب العربي الحديث
على عكس تأثير الكلاسيكيّة المحدود ، أثر المذهب الرّومنسي تأثيرًا بالغًا وكبيرًا في الأدب العربي الحديث تحت دافع الرّغبة في التّجديد في كل نواحي الحياة – في العصر الحديث – وبالخصوص في الميدان الأدبيّ، إضافة إلى كون الأدباء وجدوا في هذا المذهب ملاذًا يُعبّرُون به عمّا يخْتلجُ في نفوسهم ، ويجُسّد المساواة والعدل .
أمّا مظاهر هذا التأثّر فملامحه هي :
أ- مدرسة الدّيوان: وهي أوّل مظاهر تأثّر الأدباء العرب بالرّومنسيّة ، ظهرت بصورة مذهب نظريّ نقدي ثأئر تجسّد بواسطة كتاب نقدي مشترك بين عبّاس محمود العقّاد، عبد الرّحمان شكري، ابراهيم عبد القادر المازني سنة 1921م. لقد حرّكت هذه المدرسة الحركة الأدبيّة في جانبيها الإبداعي والنّقدي كما أعطت روحًا جديدًا للشّعر الحديث إذْ كان أعضاؤها يدعون إلى التّجديد وإنتاج فنّ راق يواكب متطلبّات العصر.
ولنتعرّف أكثر على هذه المدرسة ، تذكر الكتب والدّارسون لهذا الاتجّاه الرّومنسي في أدبنا الحديث أنّها قامت على دعامتين أساسيتيْن هما :
* سعة ثقافة أصحابها ، ولنا في العقّاد خير دليل على ذلك ، فهو الأديب العصامي المتطلّع على التّراث العربي الأصيل ،وكذا المازني وعبد الرحمان شكري وكلّهم ساهموا في التّحليل والدّراسة ، وإيصال هذا التّراث إلى القُراء بطريقة سهلة مفهومة .
* الاطّلاع الواسع على الآداب الغربّية عمومًا ، والأروبيّة بشكل خاصّ وفي مقدمتها الأدب الانجليزي ، واستطاع أدباء هذا الاتجاه الرّومنسي أن يمزجوا بين أصالة التّراث العربي القديم والآداب الغربيّة موضّحين بذلك منهجهم في تجديد الشّعر العربي.
وكان عبد الرحمان شكري قد أصدر أوّل محاولة لهذه المدرسة في ديوانه « ضوء الفجر» الذّي يفيض بروح رومنسيّة مهّدت لاتّجاه جديد في تصوير أعماق النّفس وخوالجها. وتابع شكري الدّعوة للرّومنسيّة في مقدّمات دواوينة ومقالاته النّفذيّة فمَجَّدَ الشّعر، وعظّمَ دوْر الشّاعر وجَعَلَهُ نبيًّا ، وطورَ الفكر النّقدي فيما يتعّلق بعدد من عناصر القصيدة كالخيال والعاطفة ، وطالب الشّعراءَ بأنْ يدْخُلوا أعماق النّفس ويُظْهرُوا خباياها.
إن الأفكار التّي نادى بهاَ عبد الرّحمان شكري تُمَثّلُ الملامح الرّومنسيّة العامّة التّي اعْتمد عليها أعضاء مدرسة الدّيوان في دعوتهم إلى التّجديد ، وهي نفسها الملامح التّي اعتمد عليها المازني في هجومه على المدرسة الكلاسيكيّة عندما أصْدَرَ كتابه عن حافظ ابراهيم سنة 1915م ، وفيه يُقارنُ مقارنة واسعة بين شعره وشعْر شكري ، وانتهى من هذه المقارنة بالحكم على شعر حافظ ابراهيم بأنه شعر مناسبات يوميّة طارئة لأنّهُ لايصوّرُ صاحبه ولا يُفجّرُ ما في نفْسه من أحاسيس وعواطف .
والهجوم الثّاني كان سنة 1921م حينما نشَرَ العقّاد والمازني معًا كتابًا سميَّاهُ
« الدّيوان» وفيه كتَبَ العقّاد فصولاً في نقد شَوْقي ، وهو مُتأثّرٌ في نقده بالرومنسيّة الغربيّة التّي انْعَكست بوضوح على إنتاجه الشّعري ، فنجد العقّاد في ديوانه «عابرسبيل » يهتمّ بالحياة العاديّة ويصف « ساعي البريد» و« شرطي المرور»
و« كوّاء الثياب ليلة الأحد» وهو في كلّ هذا متأثّرٌ بالفكرة الرّومنسيّة القائلة بأنَّ الشّعر الذّي يُعَبّرُ عن الإنسان ينْبغي أن يْنبَعَ من حياته العاديّة وأن يكون انعكاسًا صحيحًا لها ، ومقّدمة الدّيوان تقترب كثيرًا من مُقدّمة «وردزورث» في ديوانيه« قصائد غنائيّة» . وقد تميّز شعر العّقاد بصفة عامّة بنزعة فكريّة كثيرًا ما قضت على النّزعة الرّومنسيّة في شعره لاعتمادها على العقل والمنطق أكثر من اعتمادها على العاطفة والحسّ والخيال .
وعلى العموم تميّزت أعمال ومِؤلفات «جماعة الديوان» بالخصائص الفنيّة التّاليّة :
1- الّطابع الإنساني : فأدب هذه الجماعة إنساني ذُو رسالة سامية فيه تفكير عميق
في الحياة وما تحمله من قسوة وهموم من وجهة نظر أصحابها .
2- الابتعاد عن الصّنعة : فجاء أدب هذه الجماعة تلقائيًا عفويًا ، مليئا بالمشاعر
القويّة ، والأحاسيس الذّاتية ، وبواسطة هذه الأخيرة يصل الأديب إلى عمق
المعنى والفكرة .
3- الدّعوة إلى التّجديد في شكل القصيدة عن طريق نظم شعر مُرْسل، وتعدّد
القوافي مخالفة للنّظام القديم للقصيدة العربيّة .
4- الصّدق الفنّي في التّجربة الشّعوريّة ، فالقصيدة عند جماعة الدّيوان تنقل بصدق
ودقّة مافي نفس الشّاعر من معان وانفعالات وأحاسيس.
ب- الرّابطة القلميّة (مَدْرسة المهجر التجديديّة) :
هي أوّل مدرسة أدبيّة منظّمة ، جمعت العديد من أدباء المهجر الشّمالي، تأسّست في الولايات المتحدة الأمريكيّة عام1920م ، وضمّت كبار أسماء أعلام الأدب العربي الحديث أمثال الشّاعر الرّفيق والأديب العظيم ميخائيل نعيمة إلى جانب شاعر الرابطة القلميّة إيليا أبي ماضي ، نسيب عريضة ...
تمكّن أدباء المهجرالمنظمّون إلى هذه الرّابطة من تطبيق مبادئ الرّومنسيّة وساعدهم على ذلك إجادتهم للّغة الانجليزيّة واطّلاعهم على عيون الأدب الغَرْبي عامّة والأمريكيّ خاصّة ، واستفادوا من كل هذا استفادة واسعة ، كمّا أنّهم مرّوا بتجارب عديدة فاختلطوا بمجتمعات متباينة في كّل من لبنان ومصر وأمريكا ، وانعكس تأثّرهم بهذه المجتمعات على إنتاجهم ، وقد ظهرت آثارها واضحةً في أعمالهم الأدبية ، كحنينهم إلى الوطن، وما أثارتْهُ الغربة من نوازع الشّوق في قلوبهم ، وهاهو إيليا أبو ماضي يقول في هذا الموضوع :
مثْلَمَا يكْمُنُ اللّظَى في الرّماد هكذا الحبُّ كامنٌ في فؤادي
لَسْتُ مُغْزى بشادن وشادي أنَا صَبُّ مُتيَّمٌ ببـــلاَدي
كما تغنّي أدباء المهجر بالطّبيعة وجمالها ، وجعلوها مادّة خامًا يَصُوغُونَ منها تجاربهم الفنيّة ، ويبثُّونَ من خلالها أفكارهم ومشاعرهم في صُوَر حسيّة تكادُ تنطقُ ونأخذ كمثال لهذه الخاصيّة مقْطعًا من قصيدة « النّهرالمتجمّد » لمنحائيل نعيمة :
- يانهْرُ، هَلْ نضَبَتْ مياهُكَ فانقطعْتَ عن الخرير ؟
أمْ قَدْ هرمْتَ ، وخارَ عزْمُكَ فانثنَيْتَ عن المسير ؟
بالأمْس كُنْتَ مُرنّهًا بين الحدائق والزُّهُـــورْ
تتْلُو على الدّنيَا ومافيها أحاديثَ الدُّهُــــور
بالأمْس كُنْتَ تسيرُ لا تخْشَى الموانعَ في الطّريقْ
واليومَ قَدْ هبَطت عليْك سكينةاللحْد العميقْ
ومن مؤلّفات ميخائيل نعيمة التّي تُبرز الكثير من مبادئ الرّومنسية كالدّعوة إلى التّجديد والإبداع ، كتابه النّقدي « الغربال» ، ومن النّصوص الواردة فيه:
« لابُدّ لي من كلمة عن مقاييسنا الأدبيّة بنوع خاصّ ، فبلاؤنا ليْسَ بأنْ لامقاييس عندنا ، بل ليْسَ عندنا مَنْ يُحسنُ استعمال هذه المقاييس وتطبيق الأدب عليها . فمنْ سوء طالعنا أنّنَا وكلْنَا شؤونُنا الأدبيّة إلى جرائدنَا ومجلاّتنَا في الغالب ، ومجلاتُنا وجرائدُنا تقيسُ الأدب بعدد مشتركيها ومُناصريهَا ، وأعمدتها وحقولها . ومَنْ ذاكَ شأنهُ فحاجتُهُ الرّوحيّة محدودة . فأني لَهُ أنْ يقيس حاجة أمّة وأمم ؟ وإذا قاسَهَا فبحاجاتها وحسب .لذلك لَنَا في كلّ يوم شاعر «مطبوع» أو «عبقري» أو «نابغة» ...
أما جبران خليل جبران رئيس الرّابطة القلميّة ، فقدْ ذَهَبَ بخياله بعيدًا ، وعَبَّر عن مكنونات نَفْسه ، ومعاناته وفلسفته وفق مبادئ الرّومنسيّة ، وهاهو يقول :
«مات أهْلي وأنا قيد الحياة أندب أهْلي في وحْدَتي وانفرادي. مات أحبَّائي وقد أصبحَتْ حياتي بعدهُمْ بَعْضَ مُصَابي بهمْ مات أهْلي وأحبائي وغمرت الدّموعُ والدّماءُ هضبات بلادي ، وأنا ههنا أعيشُ مثلَما كُنْتُ عائشًا عندما كان أهلي وأحبائي جالسين على مَنْكبي الحياة ، وهضبات بلادي مغمورة بنور الشمس.
مات أهلي جائعين ، ومَنْ لمْ يمُتْ منهم جوعًا قضى بحدّ السّيف . وأنا في هذه البلاد القَصيّة أسير بين قوم فرحين مُغْتبطين يتناولون المآكل الشهيّة والمشارب الطّيّبَة ، وينامُون على الأسرَّة النّاعمة ويضْحكُون لْلأيّام والأَيّامُ تَضْحَك لهم .
ماتَ أهْلي أذلَّ ميتة، وأنا هُهناَ أعيشُ في رغَد وسلام. وهذه المأساة المسْتتبَّة على المسرح نفْسي »
هذه المقطوعة مأخوذة منْ نصّ « مات أهْلي» ضمْنَ كتابه«العواصف» وألّفَهُ أيَّام المجاعة التّي أصابتْ بلادَهُ .
ومنْ أشْعَاره ، قصيدتُه« المواكب » يقول في مطلعها :
الخيْرُ في النّاس مَصْنُوعٌ إذاجُبرُوا والشرُّ في النّاس لايَفْنَى إذا قُبرُوا
وأكْثَرُ النّاس آلاتٌ تُحَركُـــهَا أصابعُ الدّهْر يومًــا ثمَّ تَنْكَسـرُ
فلا تقُولَنَّ هذا عالـمٌ علـــمٌ ولاتقولنَّ ذاك السّيّـدُ الوَقـــرُ
فأفْضَلُ النّاس قطعَانٌ يسيرُبهـا صوتُ الرُّعَاة، ومَنْ لم يَمْش يَنْدَثرُ
ليْسَ في الغابـات راع لا ، ولافيـها القَطيــعْ
فالشّتَا يمْشي ولكــنْ لاَيُجاريه الرّبيـــــعْ
خُلقَ النّاسُ عَبيـــدًا للذّي يأبَى الخُضـــوعْ
فإذا مَا هَبَّ يَوْمًا سائرًا سارَ الجميعْ
ومن قصيدته «البحر» مايلي :
في سكون اللّيل لمَّا تَنْثني يقظةُ الإنسان منْ خَلْف الحجَابْ
يَصْرَخُ الغابُ : أنا العزمُ الذّي أنْبَتَتْهُ الشَّمْسُ منْ قَلْب التُّرَابْ
غيْرَ أنّ البحْرَ يبْقى ساكتًـــا
قائلاً في نفْسه : العَزْمُ لي.
ويقولُ الصّخْرُُ : إنّ الدّهْرَ قَدْ شَادَني إلى يوْم الحسَابْ
غيْرَ أنّ البحْرَ يبْقى صَامتًـــا
قائلاً في نفْسه : الرَّمْزُ لي.
ويقول الرّيحُ : ما أغْرَبَنَي فاصلاً بيْنَ سديم وسَمَا
غيْرَ أنَّ البحْرَ يبْقى سالكتًا
قائلاً في نفَْسه : الرّيحُ لي.


ويقولُ النَهْرُ : مَا أعْذَبَني مَشْرَبًا يْروي من الأرْض الضَّمَا
غيْر أنّ البحْرَ يبْقى صَامتًا
قائلاً في ذاته : النَّهْرُ لي
ويقولُ الطُّودُ : إنّي قائمٌ ما أقامَ النّجْمُ في صَدْر الفَلَك
غيْرَ أنَّ البحْرَ يبْقى هادئًا
قائلاً في نَفْسه : الطُّوُد لي
ويقولُ الفكْرُ : إنّي ملكُ ليْسَ في العالم غيْري منْ ملكْ
غيْرَ أنَّ البحْرَ يبْقى هائجًا
قائلاً في نومه : الكُلُّ لي.
- جماعة أپولــو.
هي الجماعة الثّالثة التيّ جسّدت المذهب الرّومنسي في الأدب العربي الحديث ، ظهرت إلى الوجود عام 1932م ، بزعامة أحمد زكي أبو شادي ، وسمّاها أصحابُها بمدرسة أپولو نسبة إلى (أپولو) ربّ الشّعر والموسيقى عند اليونان . أُسْندَتْ الرّئاسة الشّرفية لهذه الجماعة لأمير الشّعراء «أحمد شوقي» ، ثم خَلَفَهُ بعد وفاته عام 1932م الأديب «خليل مطران» .
انضمّ إلى هذه الجماعة مجموعة كبيرة من أدباء الوطن العربي ، نذكر منهم على سبيل المثال «أحمد زكي أبو شادي» من مصر، ومن أشهر مؤلفاته التّي طبّق فيها مبادئ الرومنسيّة ، واستحقّ بذلك رئاسة الجماعة ، دواوينه الشّعريّة الكثيرة « فوق العباب» «الشعلة» « أطياف الربيع» «أشعة وظلال»«أغاني أبي شادي» «أغاني الحياة»، وهذا الدّيوان الشّعري الأخير يحمل نفس عنوان ديوان الشّاعر التّونسي أبي القاسم الشّابي، وكذا «عودة الراعي» « أنداء الفجر» ومن مصر أيضا « صالح جودت» ودواوينه الشّعريّة« ليالي الهرم» ، «ألحان مصريّة» ،« أغنيات من النّيل» .
وانضمّ إلى هذه الجماعة شاعر بارز هو «حسن كامل الصيرفي» ومؤلفاته الشّهيرة «الألحان الضّائعة» ،«الشّروق» ، «صدى نور ودموع»،أمّا «علي محمود طه» فقد أثرى الساحة الأدبيّة وجَعَل جماعة أپولو أكثر شيوعًا وانشارًا عندما نُشرتْ دواونيه الشّعريّة التّاليّة : «ليالي الملاح »، «الشّوق العائد» ، «شرق وغرب» ، «الملاّح التّائه»
وغيرها من المؤلفات الآخرى . كمانجد شاعرًا يمارسُ مهنة الطّبّ من أعضاء هذه الجماعة هو« ابراهيم ناجي» له دواوين رائعة منها «وراء الغمام» «ليالي القاهرة» ، «الطّائرُ الجريح» ، وهو صاحبُ رائعة الأطلال» .
صوّر أدباء جماعة أيولو آلام النّفس وهمومها ، ومعاناة الفرد والطّبقات الكادحة ، ويتجلّى ذلك في العديد من القصائد ، كالقصيدة التيّ صوّر فيها أبو القاسم الشّابي معاناة الشّعب التّونسي ، وكذا كلّ الشّعوب التيّ عانَتْ ويلات الاستعمار – عن طريق النّزعة الانسانيّة - ، يقول فيها ، وهو يطلق صيحته الجريئة المدويّة:
رُوَيْدَكَ لايخْدَ
عَنْكَ الرّبيعُ وصحو الفضاء ، وضوء الصَّبَاحْ
ففي الأفق الرّحب هولُ الظّلام وقصف الرّعود وعَصْفُ الرّيَاحْ
ولاتَهْزَأَنْ بنَوْح الضّعيفْ فَمَنْ يبْذُر السُوْك يجْن الجراحْ
إلى أن يقول في نفس القصيدة :
تأمّل هنالك أنّي حَصَدْتَ رُؤوسَ الورى ، وزهورَ الأَمَلْ
وروّيْتَ بالدّم قَلْبَ التُّراب وأشْرَبْتَهُ الدّمْعَ حتىّ ثَمــــلْ
سيجْرُفُكَ السْيْلُ سيْلُ الدّمََا ويأْكُلُكَ العاصفُ المشْتَعـــلْ
وهاهو في قصيدة آخرى يُعبّرُ عن آلامه وشعوره قائلاً:
أيُّها الشّعْبُ ليْتني كُنْتُ حَطّابًا فأهْوي على الجذوع بفَأْسي
لَيْتني كُنْتُ كالسّيول إذَا سَا لَتْ تهُدُّ القبورَ رَمْسًا برَمْس
ليْتني كُنْتُ كالرّياح فأطْوي كلّ ما يخنق الزّهورَبنَحْسي
ليْتَ لي قوّة العواصف ياشَعْبي فألْقي إليْك ثوْرةَ نفْســي
أنْت روحٌ غبيَّةٌ تكرَهُ النَّو رَ وتقْضي الدّهورَ في ليْل مَلْسِ
أمّا «ابراهيم ناجي» ، فنلمحُ في شعره الإسراف العاطفي ، مجََسّدًا
بالعواطف الرّقيقة ، والأحاسيس المرهفة ، إضافة إلى مسحة الحزن التّي صبغت هذه الأشعار ، منها قوله في قصيدة « ليلة عيد» .
اليوم منك عرفتُ سرَّ وجودي وعرفْتُ منْ مَعْناك معنى العيد
ماكنْتُ بالفاني وسرُّك حافظي وبمُقْلتيْك ضمنْتُ كُلَّ خُلودي
الآنَ أعْرفُ ماالحياةُ وطيبُها وأقولُ للأيّام طبْت فعودي!
عادَ الرّبيعُ على يديْك وأشْرَقتْ روحي وأوْرَقَ في ربيعك عُودي!
ويقول في قصيدة آخرى بعنوان « كذب السّراب»:
البحْرُ أسألهُ ويسْألني مافيه منْ ريّ لظامئه
مُتمَرّد عات يُظّلُني كذبُ السّراب على شواطئه
كمْ جالَ في وَهَمْي فأرَّقني أربٌ وأيْنَ الفوْزُ بالأَرب؟
وسَرَى بأحلامي فعلَّقها فوْق السُّهَى بلَوَا مع الشّهب
اهتمَّ شعراء هذه جماعة بالمواضيع الإنسانيّة ، فصوّروا البؤسَ وأبْرَزُوا بعض الجوانب السّلبيّة المظلمة في المجتمع ، وعلى نقيض ماقيل عن الرّومنسيين وانعزالهم، كان شعراء هذه الجماعة مُهْتمّين بقضايا مجتمعاتهم ، مُسْهمين في معالجة مشكلاتها « ووسعوا في أشعارهم مظاهر البؤس والحرمان فضربوا بذلك على الأوتار الحسّاسة في النّفس البشريّة ، فانبعثتْ منها الألحانُ الآلمة ، الرّاثية التّي ملأت الأكوان منْ حَوْلهمْ بعَبَق كان لَهُ السّحْر في نفوس اليتَامى والثَّكَالى والبائسين والمحرومين»:* ومن المواضيع الإنسانية المعالجة التّعاطف مع مختلف الشّرائح الاجتماعيّة وقصيدة « خراب الفلاح» للشّاعر صالح جَوْدت قد نظمها ورفعها إلى الأمير عبّاس حليم ، وفيها يتعاطف مع الفلاّح المصري تعاطُفًا كبيرًا ، ويتَحدّثُ عن معاناته من الضّرَائب وعيش الشّقاء، ويُشيرُ إلى بيته الذّي يُشْبهُ الوهْمَ، وعنْ مرضه وما يُلاقيه من خسف وهوان ، يقول فيها:
هو ذاك الفلاّح ، ياقوْمي الذّي يحْيَا حياة سوائم ورغام
مثل السّوائم بل أحطّ بعيْشة مثل الرّغام بذلّة ويذام
وهو الّذي لولاهُ ما ارتفعت لنا رأس ولا كُنّا من الأقوام
إنَّا جميعًا مجرمون إزاءهُ حتّى يخلص منْ هوَى الإجْرَام
وفي ديوانه «وطن الفراعنة»نطالع له قصيدة بعنوان « الفلاح»






*مدرسة أيولو الشعرية في ضوء النقد الحديث د.محمد سعد فشوان . ص221
يقول في بعض أبياتها :
ياحارثَ الأرض في صبْر وفي دعة لولاكَ ماقامَ ملك أو سَمَا علمُ
وياقنوعًا بعيش كله تعب إنّ المتاعبَ فخر أصله الشّممُ
تُركْتَ في الجْهل والأمراض فاتكة والله يُنْكر أهواءَ الألى ظَلَمُوا
وأنْتَ في كُلّ أمْر يُسْتعَانُ به أمّا الجزاء فجهد ذاهبٌ ودَمُ.
أمّا الأبيات التّالية ، فإنّها توضّحُ بقوّة مايتميَّزُ به الشّاعر من إرْهاف حسّ ، ورقّة شعور ، مأخوذة من ديوان «صدى ونور ودموع» عنوانها «ضرغام» وهي في رثاء هرّّ صحب الشّاعر ثمانية أعوام ، وكان وفأؤه العجيبُ عزاءً له عن وفاء ضائع بين النّاس :

يتعجّبُون لأدْمُع تجْري


ونشيح محزون على هرّ


يالائمي في الحزن لاتدري


أيّ الوفاء المحض خلاني

إلى جانب التّأليف الأدبيّ ، أصدرت جماعة أبولو مجلّة تحمل اسمها ، استعملها الأدباء والشّعراء المجدّدون في نشر أدبهم وإذَاعَته وإيصاله إلى القرّاء ، كما كانت تدافع – على صحفاتها – عن مذهبها ومبادئها ، وتُعْتبر أوّل مجلّة خاصّة بالشّعر ونقده ، وأهمّ ماتمّيزت به أعمال «جماعة أيولو» الخصائص الفنيّة التّالية :
1- التّحرّرفي البناء الفنّي للقصيدة ، فقد أبْدعوا شعر التّفعيلة، وتعدّد الوزن والقافية في القصيدة الواحدة ، واعتبرت هذه الجماعة ذات فضل كبير على الشّعراء الذين انطلقوا في السّاحة الأدبيّة متحرّرين من كل مظاهر المحاكاة والتقليد مجدّدين في الشّكل والمواضيع (المضمون) .
2- التّغنيّ بالطّبيعة والتّمتّع بجمالها وسحرها .
3- كثرة الإيحاء في الأسلوب وخاصة في الألفاظ ، وبواسطته يتمّ التعبير عن المعنى والأفكار ورقّتها وعذوبتها.
4- تجسيد الصّورة الشّعريّة بأمر محسوس، ويقول الشّاعر ابراهيم تاجي في هذا المضمون : « وأما الصّور الشّعريّة فنَعْني بذلك أنك حين تقرأ للشّاعر قطعة من شعره ، يكون الشّيء وكأنّهُ مرسوم أمامك بوضوح شديد..... »
3- المـذهب الواقعــي
أ- ظهوره ، مفهومه ، زعماؤه :
كانت الورمنسيّة تحمل في ذاتها بذور الواقعيّة ، ولم يكن المذهب الواقعي معاديا للمذهب الرّومنسي ، فقد ازدهرا معًا ، وتجاورا .
ظهر هذا المذهب (الواقعي) في الثّلث الثّاني من القرن التّاسع عشر تحت تأثير الحركة العلميّة والفلسفيّة من جهة ، وكردّ فعل للإفراط العاطفي الذّي غرقت فيه الرّمنسية من جهة آخرى . وتعود أصوله الأولى ، وجذوره الأصليّة للقرن الثّامن عشر عند بزوغ مفهوم« الواقعية» ، مقابلاً لمفهوم المثالية * ، وهذان المفهومان جسدا مذهبين مختلفيْن اعتمدا كلاهما على« فلسفة رجلين عاشا فترة واحدة ، وتخاصما في الرأي طول حياتهما ، وماتا في سنة واحدة(عام1778م) وكأنّها كانا على موعد رتّبتة لهما مفارقات القدر» ، أولهما جان جاك روسو J.J.Ronsseau، يؤمن بأن الإنسان خيّر بطبعه وفي أصله ، وانّ المدنيّة والمجتمع المتحضّر هما المسؤولان على فساد سلوكه. وهذا الرّأي اعتقاد زعيم المذهب المثالي .
أما فولتير Voltaire فهو الذّي نظّر للواقعيّة عندما اعتقد بأنّ الحياة شرور ، وأنّ الإنسان ماكر ومخادع ، وقد سخر « فولتير» من الفلسفة المثالية، وتّهامها بالسّذاجة، والضّعف وذلك من خلال مجموعة قصائده التّي عَنْوَنَها « أحاديث عن الإنسان » أو من خلال قصّة« كانديد » Candide والتّي جعل البطولة فيها لأحد البُلَّد السُّذَج. فكانديد هنا مثال الشّخصيّة المتفائلة، المتمسّكة بالمثل العالية، وكان مصيرها الفشل الذّريع في الحياة ، لأنها كانت بعيدة عن الواقع بكل محنه ومآزقه.
وبذلك مهَّدَ « فولتير » للمذهب الواقعي الذّي ظهر بشكل جليّ في القرن التّاسع عشر ونعود إلى القول إنَّ ظهوره كان في هذا القرن (19م) ، وهو القرن نفسه الذّي شهدَ تطوّر المذهب الرّومنسي ، والواقعية كمذهب أدبي أوجدت لنفسها طريقاً واضحًا ، وجمعت لها دعاة ومؤيّدين كثيرين ، وفي مقدمتهم أونوري دي بلزاك Honoré de BAZAC ، الرَّائد الأوّل لهذا المذهب بفرنسا ، وقد خلّف أكبر موسوعة في الأدب الواقعي ، وهي تشتمل على نحو مئة وخمسين قصّة أطلق عليها اسم الكوميديا البشريّة comédie HumaineLa وتمثّلُ قطاعات مختلفة من الحياة ،كالحياة السّياسيّة والحربيّة والاجتماعيّة . ومن أعلام المذهب الواقعي الأدبيان الفرنسيان « غوستاف فلوبير» Gustave FLAUBERT
(1821-1880م) صاحب الأعمال الأدبيّة المتميّزة مثل « السيّدة بوفاري»
Madame Bovary وصلامبو Salambo ، وغيرهما من الأعمال الأدبيّة القيّمة، وجي دي موباسان MAUPASSANTGuy de أما عن الأدباء الواقعيين في

المثاليّة:مفهوم ظهر في القرن الثّامن عشر أيضا مع مفهوم الواقعيّة، وتعايش
المذهبان
(الواقعي والمثالي) فترة طويلة رغم تعارضهما حول ماهيةالأدب وطبيعته ووظيفته
انجلترا ، فنجد ريشار شريدران Richard SHERIDAN(1751-1816م) ،
وكذلك شاكري SHAKRY ، وشارلز ديكنز DickensCharles (1822-1870م) الذّي قدّم وصْفًا صادقًا وعميقًا للمجتمع الانجليزي في رواياته التّي تركت آثارًا جليّةٌ في الواقعيّة الانجليزيّة مثل صحائف بكويك
Pickwicksles aveutures MR ودافيد كوبرفليد David Copperfield
وكذلك «دمني وولده DAMNE et son fils»
بعد تعرّفنا على مفهُوم الواقعيّة ، وظهورها وزعمائها ، علينا الأن التّعرّف على منهج الأدباء في التّحليل الأدبي ، والمسار الذّي سار عليه الواقعيون .
إنّ الأدباء الواقعيين يرغبون في تحليل الواقع وتصويره ، وكشف خباياه ، والبحث عن علله وأمراضه ، وتوفير الدّواء المناسب لكلّ أحداثه الواقعيّة ، لذا لجأوا إلى الفنون النّثريّة المختلفة كالقصّة والرّوايّة والمسرحيّة لأنّها الأنسب والأقدر على تصوير الواقع وتحليل الأحداث، وتقديم الحياة الحقيقيّة لاصورتها الشّكليّة . لذا قام أدباء المذهب الواقعي بتشخيص الآفات الاجتماعيّة وتصوير معاناة الطّبقة الكادحة في المجتمع . كما أنّ على الأديب وخاصّة الرّوائي ألاّ يكون رسّامًا فقط ، بل يكون إلى جانب ذلك عالما وفيلسوفًا. فالفلسفة ينبغي أن تقود الرّوائي بحسب بلزاك» ... «الإنسان نتاج المجتمع ، وأنّ المجتمع هو الذي يفرق بين أجناس البشريّة ، بحسب الاختلاف بين الطّباع»
فالأديب الواقعي لا يأخذ من واقع الإنسان ، وواقع الحياة ، ولايصوّر مافيهما من خير وشرّ كآلة التصوير فوتوغرافيّة ، كما أنّه لايعالج مشاكل المجتمع بإيجاد حلول لها ، ولايتوجّه نحو الخيال ، إنما عليه أن ينتهج نهجًا خاصًا في فهم الحياة وتفسيرها ، ومن هذا المنطلق نجد للواقعية عدّة اتجاهات مختلفة باختلاف النّهج الذي يختاره الأديب الواقعي لتفسير الحياة والواقع وفَهْمهما ، وسنتعرّض لها من خلال االنّقطة الموالية :
ب‌- اتّجاهات الواقعيّـــة:
يميّز النّقاد في عصرنا بين ثلاثة اتّجاهات في المذهب الواقعي هي :
1- الواقعية الانتقاديّة Le réalisme critique
وهو الاتجاه الواقعي الذي يقوم على انتقاد المجتمع ، وأصحاب هذا الاتجاه وقفوا موقفا انتقاديًا إزاء المجتمع ، وأكثر ماظهر هذا الاتجاه في الأدب الفرنسي عند«بلزاك» و« ستندال» ، وكذا في مؤلفات الأدباء الرّوس أمثال دستويفسكي Dostoivskiوتولستوى Tolstoi صاحب القصّة المشهورة «حرب وسلم» Guerre et paix، والأديب الأمريكي ارنست همنجواي Ernest Hemingway

2- الواقعيّة الطّبيعيّة : Le réalisme Naturel
وهي شكل حادّ من أشكال الواقعيّة ، ارتبط هذا الاتّجاه بكل ماهو مادي وملموس . وأصحاب هذا الاتّجاه راحوا يعملون على توثيق صلة الأدب بالحياة فصوّروا الواقع الاجتماعي بمختلف أبعاده وهمومه ، واستعانوا بالعلوم التّجريبيّة لتحليل الواقع الاجتماعي ، فأخذوا يطبّقون نظرياتهم في أدبهم. وعلى هذا الأساس نجد الأديب الفرنسي «إميل زولا» Emile Zola(1840-1902م) يطبّق اكتشافات الفيلسوف «داروين» DARWIN ، نظرية أصل الأنواع وقانون الأثر الحاسم للبيئة ، إضافة إلى نظرية «مندل»MANDEL في الوراثة.
3- الواقعيّةالاشتراكيّة Le réalisme social
وهي واقعية جديدة طغت عليها النّظرة الماركسيّة إلى الفن والأدب، كما هي حصيلة التّجربة الأدبيّة المعاصرة . وقد رأى أصحاب هذا الإتجاه في الواقعيّة أنّ الأدب يجب أن يخدم هذه النّظرة ، ويُعَبّر عن انشغالات الطّبقة العاملة ، بالدّفاع عن حقوقهم ومصالحهم، ورأوا هذا التزامًا منهم ، وواجبًا يؤمنون به ، ويسعون إلى تحقيقه في الواقع .
« لذا فإنّ الواقعيّة أفرزتها ظروف تاريخيّة معينة ، اجتماعية بحتة معارضة للرومنسيّة والمثاليّة الطّبيعيّة» *
إنّ الواقعيّة الاشتراكيّة تعتمد على تحليل الواقع تحليلاً دقيقًا ثم تقبل ما يوافقُها ، وتطرح ماعدا ذلك . ويؤمن أدباء الواقعيّة الاشتراكيّة أنّ الواقع يمكن تغييره، لأنّ الإنسان مالك لمصيره ، لذا باستطاعته أن يستعمل هذه الظروف لصالحه في تغيير الواقع ومن ثمّ تغييره لنفسه . وهذه الفكرة مأخوذة من صميم النظرية الإشتراكيّة فقد قال زعيمها «كارل ماركس» : « الإنسان يعمل في الطّبيعة الخارجيّة وتغيّره، وفي الوقت نفسه يغيّر طبيعته ويطوّر الملكات الكامنة فيه.... »

خصائص المذهب الواقعــي

1- اتّخاذ الواقع موضوعًا واتجاهًا (تصوير الواقع ، كشْف خفاياه) .
2- الاهتمام بقضايا الإنسان ومشاكله وخاصّة الاجتماعيّة.
3- استخدام التّفاصيل الكثيرة المنتزعة من الحياة العاديّة .
4- تغلّب الجانب السودوي(التّشاؤمي) في النظرة إلى الحياة والوقائع وذلك
لانتهاج طريقة النّقد وإبراز العيوب .
5- اتّصال الواقعيّة بكل ماهو مادي وملموس تأثّرًا بالعلوم التّجريبيّة لتحليل
الواقع.
6- تطبيق بعض المفاهيم والمبادئ الفكرية والسّياسيّة على الواقعية ممّا دفع إلى
ظهور اتجاهات واقعية جديدة كالواقعية الاشتراكية.
7- تنّوع اتجاهاته (اتجاهات المذهب الواقعي) كالاتجاه الانتقادي، الاتّجاه الطّبيعي
والاتجاه الاشتراكي .
8- اتّخاذ الفنون النّثريّة وسيلة تعبير عن الواقع.

أثر المذهب الواقعي في الأدب العربي الحديث :

تأثّر الأدباء العرب بالمذهب الواقعي ، لكنّهم لم يجعلوا من الواقعيّة في أدبهم نهْجًا للتّشاؤم والحزن والسّودويّة، بل نهَجُوا نهْجًا خاصًا استوْحوهُ من الواقع العربي بمشكلاته الاجتماعيّة ، وقضاياه السّياسيّة .
وتجلّى هذا التأثير بشكل واضح بظهور وتطوّر الفن القصصي، فالقصّة لم تعد كما عرفناها عند الجاحظ وابن المقفع ، بل أصبحت أكثر نضْجًا ، والمسرحيّة –هذا الفن الذّي لم يؤلف فيه العرب القُدامى ، ولم يعرفوه إطلاقًا – بدأ خطواته الأولى في العصر الحديث بفضل المذهب الواقعي ، إضافة إلى ظهور الرّوايّة في أدبنا المعاصر ، وقد تمَّ هذا التأثّر والتطوّر في الفن القصصي بمروره بثلاث مراحل أولها مرحلة التّرجمة إذ نقل بعض الأدباء العرب قصصًا وروايات من الّلغات الأجنبيّة إلى الّلغة العربيّة، ومنها رواية «البؤساء» لفكتور هيجو والتّي ترجمها حافظ ابراهيم.أما المرحلة الثانية ، فهي مرحلة الاقتباس ، ونقصد بهذا الأخير توظيف فكرة القصّة أو المسرحيّة، وصياغتها في قالب عربي (أحداث،مكان،زمان،شخصيات) كاقتباس مصطفى لطفي المنفلوطي لقصة پول وفرجيني Paul et virginie ، وصياغتها في قصّة عربية تحمل عنوان « الفضيلة» *
أما المرحلة الثالثة ، فهي مرحلة الإبداع والتّأليف، وهي المرحلة التّي شهدت تطور القصّة العربيّة – وهناك مَنْ يقول ظهور القصّة العربيّة – وظهور العديد من المؤلفات الأدبيّة التّي تثبت تأثر الكثير من الأدباء بالمذهب الواقعي .
ومن الذّين جسّدُوا هذا التأثير والتطوّر نجد الأديب المصري محمود تيمور ، المتأثّر بالواقعيّة الفرنسيّة ، حيث كانت أكثر أعماله القصصيّة لوحات لأوضاع اجتماعيّة غلب عليها شيء من التّخيّل ، ممّا جعلها تفتقد- نوعًا ما- للوضوح والدّقة في تصوير الواقع الحقيقي للمجتمع المصري . ومن قصصه الكثيرة ، هذا المقطع من قصّة أب متألم لوفاة ابنه:



المذاهب الأدبيّة الغربيّة وأثرها في الأدب العربي ، امحمد موزاوي، دار هومه (الجزائر)، 1997، ص:37.
*انظر «القصّة والمسرحيّة ، تطوّرهما وخصائصهما »
« ... وذهبت مرّة إلى الضّيعة كعادتي ، فبلّغت بخبر فظيع كان له أسوأ وقع في قلبي. علمت بأنّ الإبن مات قتيلا تحت عجلات القطار . وقصدت من فوري الشيخ عسّافا في داره لأعزّيه في نكبته ، فأكرم وفادتي وقدّم لي كالمعتاد فنجانا من قهوته الرّيفيّة . ولكنه كان يعمل كالآلة الميكانيكيّة بلا روح. ولاحظت عليه شحوبا وامتقاعًا في اللون . وكنت أحسّ وهو يتكلّم كأنّه ينتزع الكلمات من لسانه في الجهد ، وكأنّه يفتّش عن الموضوعات في حيرة ، ذلك الذي كان لا تعوزه طلاقة ولا بيان... »
أمّا الواقعيّة الحقيقيّة في الأدب العربي الحديث ، فقد تجلّت عند طه حسين الذّي ألّف « المعذبون في الأرض» عبّر فيه عن رفضه للحرمان والفقر، مطالبا بالعدالة الاجتماعية والحقوق الإنسانية .
وكتب توفيق الحكيم روايته« يوميات نائب في الأرياف » عام 1937 ،وقد أتيح له في ذلك الوقت الإتّصال بالّريف بحكم عمله ،فوقف على حال الفلاّح المصري فقدّمه في يومياته جاهلاً ،مريضاً،محروماً يحمل ذلّ أجيالِ من الإقطاعيّين المستبدّين ،وذلك من خلال مواقف حيّة من واقع الرّيف المصري . ترجمت هذه الرّواية إلى أغلب لغات العالم ،و حقّقت نجاحا باهراً جعلت من صاحبها يبلغ أعلى مكانة بها و بمؤلفاته الآخرى .
كما ظهرت الواقعيّة في أدبنا العربي الحديث عند العديد من الأدباء منهم«يحى حقّي» في مجموعته القصصيّة « ماءٌ وطين» ،و« يوسف ادريس» في روايته « الحرام» ، وعبد الرحمان الشرقاوي في روايته « الأرض» .
وهي مؤلفات ركّز فيها أصحابها على كشف الأحوال السيّئة للمجتمع ومظاهر الحرمان والشّظف الإجتماعي فيه .
لم يقتصر تأثير الواقعيّة في الأدب العربي على ظهور وتطّور الفنون النثرية السابقة الذّكر كالقصّة ، والرّواية ، والمسرحية ، بل نجد هذا التأثير جليّا في أغلب قصائد الشّعر الحديث ، ونظم الشعراء قصائد بكاملها ذات مواضيع إجتماعية ممّا جعل الشّعر الإجتماعي * يزدهر ازدهارا كبيرا في هذا العصر على يد أحمد شوقي ، معروف الرّصافي ، حافظ ابراهيم...وهاهو أحمد شوقي ، أمير الشعراء ، يقول عن العلم والتّربية واقترانهما :
وإذا أصيب القوْمُ في أخلاقهم فأقمْ عليهم مأْتمًا وعويلاَ
ليْسَ اليتيمُ مَنْ انْتَهىَ أبواهُ منْ هُمّ الحياة وخلفاهُ ذليلاً

*انظر«الشعرالإجتماعي،تطوّره وخصائصه»جزء الشعر الإجتماعي في العصر
الحديث.
إنَّ اليتيمَ هُو الذّي تَلْقى لَهُ أمَاّ تخَلَّتْ وأبًا مَشْغُولا
الواقعيّة في الأدب الجزائري.
تجلّت الواقعيّة في الأدب الجزائري في الرّوايات المكتوبة باللّغة الفرنسيّة إذْ تناولت الحياة الجزائريّة بكل تفاصيلها وأبعادها ، ونلمس ذلك مثلاً في رواية « ابن الفقير»
fils du pauvreLe لمولود فرعون Mouloud Feraoun ، التّي صوّر فيها نشأته الفقيرة ، ووصف حياة الفلاحين البائسة ، وكيف أنّهم « يسْكنون بُيوتًا بدائية فقيرة ، تتسلق قممًا مرتفعة ، يعلو كل منها الآخر ، وكأنها عظام عمود فقريّ هائل لحيوان رهيب من حيوانات ما قبل التّاريخ... » ، وهكذا سار مولود فرعون في أعماله ، يتّجه إلى المجتمع ، ويكشف عن شروره ، وليس عجيبًا بعد ذلك أن يقول عنه الأديب الفرنسي اندريه مالرو« إنّ مولود فرعون يرسم صورة للواقع الإنساني في الجزائر، ويبدع في تحليل المشاعر والعواطف الإنسانية ، يتحسّسُها ويَعرضُها بكل أبعادها الحقيقيّة»
كما نلمح الواقعية في مؤلفات «محمّد ديب» الذّي عمل محاسبًا ونسّاجًا ومعلمًا وصحفيًا قبل أن يدخل ميدان الأدب ، وقَدْ انعكست هذه التّجارب والخبرات كلّها على أدبه فأكسبَتْهُ عُمْقًا ، وجعلتهُ أكثر التصاقًا بالواقع . فنلقاه يُهاجم المستعمرين وعملاءَهمْ على لسان ابن أيّوب أحد أبطال روايته «الحريق» بقوله :
« لقد اسْتَوْلوا على كُلّ شَيْء ، إنَّهُمْ يُريدونَ أنْ يصبحُوا سادةً أيضًا ، لقْدْ جَعَلوا منْ وَاجبهُمْ الحقْدَ عليْنا . وهاهُم أولاءِ ينْتَزعُونَ في كُلّ يوْم قطْعَةً منْ لَحْمِنَا ، فيبْقَى مكانَها جرحٌ عميقٌ تسيلُ منهُ حياتُنَا ...
ياجيراني... موُتوا وأنْتُمْ تعْمَلُون ، ولاتَتْرُكُوا أرْضَكُمْ ، ولاَ تهْجُرورا شبْرًا منْها . لأنّكُمْ إنْ هجَرْتموها هَجَرَتْكُمْ ، وبقيتُمْ أنْتُمْ وأولادُكم أشقياء مدى الحياة»
ويُصوّر حال عمّال المدن في الجزائر على لسان إحدى شخصيات روايته: «حتّى لوْ عملنا طول الحياة لما بقي لنا في نهايتها سوى ملاجئ العجزة والتّسوّل»
ولم يكن النّثر وحده هو المساهم في ابراز ملامح الواقعيّة ، وتصوير الواقع الجزائري ومعاناة الشّعب اليوميّة ، بل نجد الشّعر الجزائري أيضًا شديد الارتباط بالحياة الاجتماعية ، والمعاناة اليوميّة للشّعب،نأخذ كمثال عنه مانظمه الشّاعر«محمّد الصالح خبشاش» معّبرًا عن واقع المرأة الجزائريّة المؤلم ، داعيًا إلى تربيتها وتعليمها :
* تركوكِ بيْن عباءةٍ وشقاءِ مكْؤوبةً في اللّيْلَة اللّيْلاءِ
* دفنُوكِ مِنْ قبْل الممات وحبذَا لَوْ مِتِّ قبل تفاقُم الأدواءِ
* مسجونة ، مزجورة محرومةً محفوفة بملاءةٍ سوداء
* لهفي على الجِنْس اللّطِيف تداولت عنْه الرّيَاحُ بأرْضِنَا الجذباء
* أتُرى أرى فتياتنَا وسط المدا رسِ، يرتشِفْنَ سلافة القّراءِ
وهاهو «محمّد الأمين العمودي» يُعَبّر عن حاله ، ويصف إحساسَهُ بما يعيشُه الشّعْبُ قائلاً :
* نفْسِي تريدُ العُلا والدّهْرُ يعْكسُهَا
بالقَهْر والزّجْرِ ، إنّ الدّهْرَ ظَلاَّمُ
* أبْكِي إذا اشْتَدَّ إرْزَامُ الحوادث بِي
وللحوادث مثل الرَّعْدِ إرْزامُ
* إنْ حَلَّ عامٌ جديدٌ قمتُ أسألهُ
قُلْ لِي : بماذَا أتيْتَ أيُّها العام ؟
* إنِّي وإنْ حَطَ سوءُ الحَظِّ منْزلتِي
قَدْ أعَلى شَرَفِي بالظُّلْمِ أقوامُ

هذا ، ولنا في أشعار العديد من الشّعراء الجزائريين الآخرين خير مثال على الجانب الواقعي ، أمثال «محمد العيد أل خليفة» ، «والشيخ ابراهيم أبي اليقظان»
هذه هي الواقعية في الأدب العربي الحديث ، ومظاهرها الكثيرة وهي واقعية مختلفة – نوْعًا ما- عن الواقعية الغربيّة ، ابتعد فيها الأدباء العرب عن النّظرة التّشاؤميّة ، ورفض الحياة،وجعلوها همزة وصل بين الأدب والحياة عمومًا، والأدب والمجتمع والواقع خاصّة ، فيظهر بذلك التّأثر بأدب الغرب وبدء مرحلة جديدة في حياة الأدب العربي.
4- المـذهب الرّمـزي
بعد تعرّفنا على الكلاسيكيّة، الرومنسيّة ، والواقعيّة ، أدركْنا كيف أنّ كلّ مذهب كان يسود فترة من الزمن حتى يتطرف في إتجاهه فيظهر مذهب آخر يبتعدُ عن المذهب القديم ويسير في اتّجاه جديد ، فقامت الرّومنسيّة على أنقاض الكلاسيكيّة ، وقامت الواقعيّة لتُخالف اتّجاه الرّومنسيّة لتغرق بدورها في مشاكل المجتمع وقضاياه ، وأدّى ذلك الإغراقُ إلى تيار آخر ، لايريدُ أن يكون للمجتمع المحلّ الأوّل في الإنتاج الأدبي ، بل يتّبع فلسفة خاصّة تقوم على« إنكار كل ماهو خارج الذّهن البشري ، بمعنى أنّ اللّغة لاتستمدُّ قيمتها في ألفاضها إلاّ بقدر الصّور الذّهنية التّي تُثِيرها هذه الألفاظ في أذهانِنَا»
ترجع الأصول النّظريّة للمذهب الرّمزي إلى مثالية أفلاطون - حسب رأي الدّكتور محمّد مندور - ، وهذه المثالية لاتعْترف بالحقائق الخارجيّة المحسوسة ، وإنّما تعامِلها على أساس أنّها رموز للحقائق المثالية الموجودة في العالم البعيد .
أمّا الرّمزيّة كمذهب أدبي له منهجه ومصطلاحاته ، فقد ظهرت في النّصف الثّاني من القرن التّاسع عشر ، وعاصرت مذهبًا أدبيًّا آخر سنتعرّف عليه بعد الاطلاع على مايتعلّق بالرمزية، وهو« البرناسية» والرّمزيّة تُؤمنُ بعالم الجمال المثالي ، وتعتقد أنّ هذا العالم يتحقّق في الفنّ، وأنّ الشّاعر الرّمزي تتحقق له نشْْوة الرّوح وسموّها من خلال ذلك ، وعليه ينظر أصحاب هذه الفلسفة إلى الّلغة على أنّها وسيلة للإيحاء ، وليست وسيلة توصيل للمعاني ، وينظرون إلى الأدب في توليده للمشاركة الوجدانيّة . بين القارئ والكاتب ، إنه لا يسعى إلى نقل المعاني ، وإنما يسعى إلى نقل« العدوى الفنيّة»* ونقل حالات نفسيّة بين الطّرفين (القارئ والأديب)، وهنا تتّضح وظيفة الأدب الرّمزي ، ولذلك حتىّ يكون الكلام ذا وقع كبير في نفس القّراء ، يؤثر الرّمزيون مايسمّى بالمبادلات الرمزية وهو تشبيه المؤثرات البصرّية بالمؤثرات السمعيّة أو اللَّمسيّة ، لا لأن بينها تشابهًا خارجيًّا، بل لشدّة تأثيرها ، وهذه الطّريقة سمّاها ارثر رامّبو Arthur Rimbaud (1854-1891)« تسْويش الحواس » ومن أمثلتها قول الشّاعر الرّمزي الشّهير شارلز بودلير Charles Beaudelaire (1821-1867) « هناك عطور نديّة كأجساد الأطفال ، عذبة كالمزمار، خضراء كالمروج» وهو يُشبّه العطور بما هوملموس تارة ، وبما هو مسموع ومرئي تارة آخرى.
وقد اهتمّ الرّمزين بالايقاع الموسيقي في شعرهم اهتمامًا كبيرًا ، فبالموسيقى وحدها يستطيع الشاعرُ أن يُوقِظ في المتلقين الظّلال العاطفيّة والرّؤى الراعشة التّي غمرت نفسه ، ولذلك ثاروا على الأوزان التّقليديّة .
ومن كلّ ماسبق تتضّح في الرّمزيّة أنواع واتجاهات هي :
1-الـرمزيّة اللغـويّة Le symbolisme linguistique
ويقد بها أنّ الوظيفة الأساسية للأدب تتمثّل في نقل الصّور اللّغويّة من نفس إلى آخرى ، وفي مقدمة الرّمزيين الذّين انتهجوا هذا النّهج شارْلز بودلير ، كمايرى بأنّ الحواس مُتداخلة، ينوبُ بعضهما عن بَعْض في التأثير النّفسي ، ومثال ذلك هذا الوصف لأحد الزمريين وهو يصوّر السّماء المغشاة بالسّحب البيضاء ، قائلا: « وكان لونُ السّماء في نعومة اللّؤلؤ» إننّا من خلال هذا الوصف نحسّ باللّون عن طريق حاسة اللّمس التّي توحِي بها عبارة «نعومة اللؤلؤ» ، وهذه الأخيرة لم تبيّن اللّون مباشرة إنّما ولدّت في نفوسنا إحساسًا به ، ونقلت إلينا وَقْعَهُ .



التّفصيل في كتاب الأدب ومذاهبه ، د. محمد مندور ، ص.77
2- الـرمزية الشعـرية Le symbolisme poétique
ويظهر هذا الإتجاه من الرّمزيّة في الشّعر الغنائي بحيث تسْعَى إلى خلق نفسية عند الملتقي ، والإيحاء بها اعتمادًا على الرّموز، الغامضة والمبهمة ، ولا يهمّ أهل هذا الاتّجاه تفاصيل المعاني بقدر مايهمّهم الوضع النّفسي الذّي ينطلق منه الشّاعر والعمل الأوّل للشّاعر هو إعطاء معنى أكثر صفاءًا للكلمات ، فالشّاعر إذن يجب ألاّ يكون وصفيًا ، ولا روائيًا ، بل إيحائيًا في أعماله الأدبيّة . كما تظهر هذه الرّمزيّة في الشّعر التّمثيلي أيضًا ، ومن أعلام هذا الاتجاه الرّمزي زعيم الرّمزيين ستيفان مالرميه S.Mallarmé والشاعر الأمريكي إدجار ألان يو Edgar Allan Poe
3- الرّمـزيّة الموضـوعيّة :Le symbolisme objectif
يلجأ الأدباء الرّمزيون في هذا الاتّجاه إلى معالجة المشاكل الإنسانيّة ، والأخلاقيّة بواسطة الخيال وتصوّراتها ، وهذه التّصوّرات تكون غالبًا بعيدة عن مشاكل واقع الحياة، فهي لا تهدف إلى تصوير هذا الواقع وتحليله ونقده ، بل تهدف إلى تجسيد أفكار مجرّدة ، وتحركها في أحداث تتداخل وتتشابه لإيضاح الحقائق الفلسفية والأخلاقيّة ،ويتمّ ذلك بواسطة الأساطير القديمة في أغلب الأحيان ، كما قد يلجأ الأديب الرّمزي في بعض الأوقات إلى ابتكار أحداث ووقائع مسرحيّة من الخيال .
أثر المذهب الرّمزي في الأدب العربي الحديث
تأثير هذا المذهب نسبيّ، ويعود السّبب إلى اختلاف ظروف نشأة هذا المذهب في موطنه الأمّ عنها في البلاد العربيّة.
وكان الأديب اللّبناني سعيد عقْل (1818-1916) من أوائل الأدباء العرب نقْلاً
للرّمزيّة الغربيّة إلى أدبنا العربي الحديث مؤكدًا على أنّ الشّعر يجب ألاّ يُخْبِر، بل يوحي ويلمّح ، كما أصرّ على الإدراك اللاّ منطقي والحدسي للعالم ، على طريقة الرّمزيين الغربيّين، كما اعتبر أنّ الشّعر موسيقي قبل أن يكون فنًّا فكريًّا ، ومن هنا فقد اهتمّ الرّمزيون بالإيقاع الموسيقي في شعرهم اهتمامًا واسعًا – كما سبق الإشارة إلى ذلك عند تحديد مفهوم الرّمزيّة ، وكيفية تحقيقها - ، فبالموسيقى وحدها يسْتطيع الشّاعر – حسب اعتقادهم- أن يوقظ عواطف القرْاء ومشاعرهم ، والتأثير فيهم ، وحتى لايجد عائقًا في طريقة فإنّ عليه أن يثور على الأوزان الشّعريّة التّقليديّة .
كان هذا في بداية ظهور المذهب الرّمزي في بداية احتكاك العرب بالغرب ، لكن بمرور الأعوام وتغيّر الظروف ، وسير الأدب العربي نحو الأمام بدأ الأدباء عامّة، والشعراء خاصة بالاهتمام بهذا المذهب وبالخصوص الشعراء المجددون في شكل القصيدة الذين انتهجوا فيها طريقة جديدة في النظم ففضلوا شعر «التفعيلة» والخروج عن المألوف بالتأثير في القارئ عن طريق الإيحاء والموسيقى أمثال نازك الملائكة ، السّياب ، أدونيس وغيرهم ...
5- مذاهـب أدبيّـة آخرى
1- المذهـب البرناسـي (مذهب الفنّ للفنّ): ظهرت في أروبا مدرسة أدبيّة جديدة في نفس فترة وجود المذهب الرّومنسي ، وتأسست كي تُعارض الرّومنسيّة ، فهذه الأخيرة تقوم على نظريّة التّعبير الحرّ مدعمّة بالعاطفة والخيال، وترى أنّ الشّعر وسيلة للتّعبير عن الذّات ، بينما اعتبرت البرناسيّة الشّعر خاصّة ، والأدب عامّة غاية في حدّ ذاته ، يريدون بهما إبراز الجمال الموجود بالطّبيعة فقط دون سواه من الأهداف الآخرى ، وعليه فلا يهتم البرناسي بالغرض الاجتماعي والأثر النّفسي ، بقدر ما يهمّه المتعه الفنيّة وحدها .
لقي هذا المذهب انتقادًا كبيرًا ، وخاصة من طرف الاشتراكيّين والواقعيين، متّهمين إيّاه بفصل الأدب عن المجتمع ، وحبسه في الأمور البعيدة عن الواقع. وكان ردّ أنصار هذا المذهب على المهاجمين له بأن وظيفة الأدب عموماً، والشعر خصوصا هو استعراض الجمال الفنّي المجرّد وليس حلّ المشاكل الإجتماعيّة كما أنّ حاجة المجتمع الجمالي والرّوحي تماثل حاجاته المادية واتّهم هذا المذهب أيضا من وجهة الأخلاق ، فالأخلاقيون وجدوه يتناول الجمال في عالم الرّذيلة والفضيلة على السّواء فهو يتعارض مع الأخلاق والسّلوك القويم ، ويجب أن يتقيّد الجمال المجردّ بالقيود التربوية على الأقل . وكان الرّد لدعاة الفضيلة بأنا المذهب البرناسي يرى للفنّ مقاييس خاصة مغايرة تماما للمقاييس الأخلاقيّة .
« والحقيقة أنّ المذهب البرناسي يقوم على نظريّة ، لها علاقات وطيدة بدعاة نظريّة التعبير فنيّا وأدبيّا وفلسفيّا* ولفهم ذلك علينا أن نتعرّف على الظّروف التيّ أوجدت هذا المذهب الأخير فقد ظهر مذهب « الفنّ للفنّ» في أوآخر القرن التّاسع عشر الميلادي ، وهو العصر الذي بدأت فيه البرجوازيّة تفقد مصداقيتها على الصّعيد السّياسي والاقتصادي والأدبي والفكري . وعليه جاءت نظرية الخلق كردّ فعل على تحوّل الفنّ إلى سلعة في العالم الرأسمالي ، فهي إذن حركة إحتجاج عنيف للوضع الذّي آل إليه الفنّ عمومًا، والأدب خصوصًا.
ونادى أنصاره بالفن الحقيقي ، ورفضوا أن يوظّف في خدمة أهداف نفعية .
ومن هذا المنطلق، تبنىّ البرناسيون فكرة المثالية المحضة ، التي بفضلها يتحرّر الفن مرّة آخرى ويعود إلى مكانته الساميّة ، مبتعداً عن السوق التجاري الرأسمالي،
ولقد إستلهم أصحاب هذه المدرسة أفكارهم من فلسفة« كانط » المثاليّة الذاتيّة ، التّي

التّفصيل في كتاب نظريّة الأدب ، ص .51
تفصل بين الجميل والمفيد وترى تناقضا بينهما . فالأدب عندهم متعة فنيّة مجرّدة، وأن« لاوجود لشيء جميل حقّا إلاّ إذا كان عديم الفائدة،وكلّ ماهونافع قبيح* حسب رأي تيوفيل جوتيه .
ويعتبربودلير أوّل من أعتقد بالمتعة الخالصة للشّعر، وقال بفكرة« الفنّ للفنّ» من خلال ديوانه« أزهار الشّر» Les fleurs du mal وللبرنسيّة دعاة كثيرون منهم : ادجار ألان يو،E.A.Poe ، برادلي Bradley ، و ت . س.إليوت T.C.Elliot،
وعزرا باوند ،وغيرهم ، فهم كثيرون .

2- المذهـب الطبيعـي (المدرسة الطّبيعيّة).

وهو امتداد للمذهب الواقعي، ونتيجة تطوّره، إذ شهدت أروبا موجة من الإكتشافات العلمية الواسعة ،في النّصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي ، وظهرت المناهج التجريبيّة ممّا حدا بكثير من الواقعيين إلى ربط الفنون عامّة ، والأدب خاصة بهذه العلوم ، وتفسير الإبداع تفسيرا جبريّا لأنهم يعتقدون بأنّ الإنسان تتحكّم فيه ثلاث عوامل هي: الجنس، البيئة والزّمن . وما الأدب إلانتاج ومحصّلة هذه العوامل الثلاثة مجتمعة. ويعود هذا الرأي للمؤرّخ الفرنسي« هيبوليت تين» وظهر ذلك سنة 1863م في مقدّمة كتابه« تاريخ الأدب الانجليزي» ، كما تأثّر أصحاب هذه المدرسة «بالفلسفة الوضعيّة» لأوغست كونت . وتزعم هذا الإتجاه الطّبيعي إميل زولا المتوفي عام 1902* فإليه يرجع الفضل في إرساء معالم هذه المدرسة بكل خصائصها بحيث عرضها في كتابه« القصّة التجريبيّة» ، وخلاصة ما ذهب إليه في هذا الكتاب أنّ الإنسان حيوان تسيّره غدده وغرائزه ، وهي التّي تتحكّم في سلوكه. ومن هنا تبدو المبالغة التيّ سقط فيها
« إميل زولا» واتباعه عندما أقحموا عبثا النّظريات العلميّة التّجريبيّة الحتميّة في مجال الأدب بشكل غير مستساغ .

3- المــذهب السّــريالي

وله أيضا علاقة وطيدة بالمذهب الواقعي وبالتطوّر الذي عرفه، والذّي انجرّ عنه ظهور الفكر الطّبيعي . والسّريالية نتيجة للتّطوّر الذي عرفه علم النّفس بعد الحرب العالمية الأولى ، بحيث ظهرت دراسات أللاّشعور لفرويد Freud ، وذهب هذا
الأخير إلى إظهار ما لهذه المنطقة الحسّاسة من تأثير في سلوك الإنسان ، وأن

الغريزة الجنسيّة هي المحور في كل العمليات سواء كانت ذهنيّة أم سلوكيّة . بل حتىّ أنّ الأدب يتأثر هو الآخر بهذه الغريزة ، ويستدلّ أصحاب هذه المدرسة بمسرحية « أوديب » للمسرحي اليوناني سوفوكليس لإثبات صحّة نظريتهم .
وقد عرف هذا الاتجاه تطوّرا خطيرا بعد الحرب العالمية الأولى من جرّاء ماتركته الحرب من تصدّع في القيم الإنسانية ، وانحلالات أخلاقيّة ، وراح الأدباء في ذلك الوقت يهتمون بالمذهب الفرويدي وبمنطقة اللاوعي التّي تمثّل واقع الكبوتات ، وناوا بضرورة تجاوز الأدب لواقع الشّعور إلى واقع اللاّشعور ، وبذلك اتّجه السّرياليون إلى الأداب المكشوفة التّي تخدم الغرائز الحيوانيّة في الإنسان بحجّة التّخلّص من القيود الاجتماعيّة ، وأشهر من مثل هذا الإتجاه الرّوائي الفرنسي «برنشتين» . كما تأثر النّقد لهذا الاتجاه ، وأصبح يسقط كثيرًا من التّفسيرات وهو يحلّل شخصيات قصّة أو مسرحيّة ، حتّى جعلت هذه المبالغةُ الأدب ينحطّ، ويتشوّه بذلك الذّوق الفنّي .
ومن أعلام السّريالية الآخرين: آدلر ، يونغ ، اندرية بريتون.
أما فيما يخصّ تأثير كلّ من البرناسيّة والطبيعيّة والسّرياليّة في الأدب العربي الحديث ، فهو تأثير يكاد يكون ظاهرًا، وقلّة التأثير هذه – وخاصة بالنّسبة إلى البرناسيّة والسرياليّة – تعود إلى التزام الأدباء العرب بواقعهم ، والعمل على النّهوض به وتغييره ، كما أن الظّروف الماديّة والنفسية التّي أوجدت هذه المذاهب الأجنبيّة غريبة تماما عن المجتمع العربي لذا فإنها لم تجد طريقًا إلى أدبنا العربي، فاصطدمت برفض وإنكار شديديْن.
منقول من "السبيل في الأدب العربي"

وفقك الله وجميع المقبلين على امتحان شهادة البكالوريا.










رد مع اقتباس
قديم 2010-04-04, 16:51   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
The_Pheoniix
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فادو2010 مشاهدة المشاركة
السلام عليكم
تفضل بأخذ المادة التي كنت تبحث عنها متمنية لك النجاح والتوفيق.


iii- المذاهب الأدبيّة الغربية وأثرها في الأدب
......

وفقك الله وجميع المقبلين على امتحان شهادة البكالوريا.

بارك الله فيكي جزاك الله خيرا جعله الله في ميزان حسناتك









رد مع اقتباس
قديم 2010-04-05, 03:04   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
فادو2010
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية فادو2010
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة the_pheoniix مشاهدة المشاركة
بارك الله فيكي جزاك الله خيرا جعله الله في ميزان حسناتك
السلام عليكم
وفيك بارك الله أخي ، ولا شكر على واجب نحن هنا في الجدمة ولكي نتعاون فيما بيننا.
أجدد دعواتي لك بالنجاح.









آخر تعديل فادو2010 2010-04-05 في 03:05.
رد مع اقتباس
قديم 2011-01-02, 18:40   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
المنشدة رشا
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية المنشدة رشا
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فادو2010 مشاهدة المشاركة
السلام عليكم
تفضل بأخذ المادة التي كنت تبحث عنها متمنية لك النجاح والتوفيق.


iii- المذاهب الأدبيّة الغربية وأثرها في الأدب
العربي الحديث .
عرف الأدب العربي ضعفا وانحطاطا متأثرا بسوء الأحوال الاجتماعية والسّياسيّة
والفكريّة في عصر الانحطاط (الضّعف)غير أن الأمور بدأت تتغيّر تدريجيا بحلول القرن الثامن عشر، ولقد ساعده على ذلك مجموعة عوامل النهضة الحديثة التي مرت بك في الفصل السّابق ، مما جعله ينهض ويتطور ، وسنبرز في هذا الفصل مظاهر تطوّر الأدب العربي شعره ونثره وأهم الخصائص الفنية التي أصبح يتميز بها ، والتي ستظهر لك من خلال النّصوص الأدبية التي ستقترح عليك للتحليل.
لقد مرّت بك عوامل النّهضة الحديثة ، وتعرفت على أهم عامل وهو احتكاك العرب بالغرب بواسطة البعثات العلمية والترجمة والاستشراق ، وما كان من الأدباء والشعراء والفنّانين والنقّاد إلاّ أن يتأثروا ويعجبوا بما وجدوه في آداب وفنون وثقافة الأروبيين والذّي من شأنه الرفع من مكانه آدابهم وفنونهم وثقافتهم ، وأول مظهر من مظاهرهذا التأثر استعانتهم بالمذاهب الأدبيّة الغربيّة والتّي وجدوا فيها متنفّسا كبيرا للأدب العربي، مثلما كانت متنفّسا للآداب الأروبية في عهد نهضتها بعد خروجها من سنين الظلمات في العصور الوسطى .
تعريف « المذهب»
المذهب« تجمع وتكتل جماعة من الأفراد .وهم أدباء وشعراء ونقاد – بالنسبة للمنهب الأدبي – يسيرون وفق مبادئ وخصائص مسار أو اتجاه فني معين تسبب في وجوده حوادث تاريخية وظروف الحياة وملابساتها ، فوضعوا للتعبير عن حالاتهم أصولا ومبادئ وقواعد جسدت إبداعهم وإبداعهم وإنتاجهم الأدبي .»
شهدت أروبا ميلاد المذاهب الأدبيّة وقد «عكس كلّ مذهب روح العصر الذي نشأ فيه » إذ كان كلّ مذهب خلاصة لظروف خاصّة ومتنوّعة:اجتماعيّة،سياسيّة، تاريخيّة ولّدت لدى الأدباء والنقّاد - باعتبارهم من أفراد المجتمع الذّين يتأثّرون بمختلف هذه الظّروف – حالات نفسيّة قويّة وشديدة ، وهذا ما يسظهر من خلال استعراض هذه المذاهب ، وظروف نشأتها ، ومبادئها ... وما اختلاف المذاهب وتنوّعها إلاّ دليل على اختلاف ظروف الحياة وتباينها ، وإن اختلفت هذه المذاهب في تسميتها ومبادئها واتجاهها وأهدافها ، فإنّها تشترك كلّها في هدف واحد هو الرّفع من مستوى الأدب ، والتّنفيس عن الأديب والنّاقد حتّى يتمكّن من إيجاد متنفّس يمكّنه من تحرير اهتماماته ، ومشاعره ، وهواجسه...
نشأت المذاهب الأدبيّة في أروبا ، وإن كانت غربيّة النّشأة فهذا لم يمنعها من الانتشار ، ووصولها إلى البلاد العربيّة ، واستفادة العرب من بعض مبائها.
-1 المذهب الكلاسيكي .
المذهب الكلاسيكي من أقدم المذاهب الأدبيّة الغربيّة ، ظهر في أروبا في النّصف الأوّل من القرن السّادس عشر ، في أعقاب النّهضة العلميّة الأروبيّة التّي تزامنت مع سقوط بيزنطا أو فتح القسطنطينيّة عام 1453ﻫ على يد الأتراك تحت قيادة محمّد الفاتح ، وهذا الحدث التّاريخي العظيم أثّر تأثيرًا بالغًا في نفوس علمائها وأدبائها ومفكّريها ، وتحت تأثير هذا الظّرف الأليم -بالّنسبة إليهم- اضطرّوا إلى ترك القسطنطينيّة -بيزنطا سابقًا- آخذين معهم العديد من الوثائق الّلاتينيّة . والمخطوطات القديمة ، فارّين من هذه المدينة نحو إيطإيليا التّي احتنضنتهُمْ ، فاستقرّوا بها ، وشهدتْ مولد الملامح الأول لهذا المذهب ، حيث أنّ ترك القسطنطينية اظطرارًا، والفرارُ منها ولّد لدى هؤلاء الفارّين حالة نفسيّة أليمة ، وهي النّقطة التّي ندعوها بملابسات الحياة ، فهذا الظّروف المؤلم دفعهم إلى التّعبير عن هذا الشّعور بالتّجّمع في تكتل أدبي، وخوفا على ضياع تراثهم عملوا على نشره وإحيائه بأن عكفوا على شرح المخطوطات والوثائق وتوضيحها ، فكانت بذلك قواعد وأسُسا للمذهب الكلاسيكي فيما بعد.
هذه هي البدايات الأولى للمذهب الكلاسيكي ، كما يعود الفضل إلى ظهوره ظهورا حقيقيا وبصفة رسميّة جليّة إلى جماعة البلِياد la pléiade بفرنسا والتّي ضمّت سبعة شعراء من القرن السّادس عشر وعلى رأسهم :
بيار رونسار pierre ronsard ( 1524 – 1585 ) ، وكذا دي بيليه joachim du bellay ( 1522-1560 م و لقد اهتّم أدباء هذه الجماعة بالتّراث اليوناني ومحاكاة قدامى اليونان والرّومان في أعمالهم الأدبيّة ، وخاصة حين تأثرهم بالأدب التّمثيلي قبل غيره من الفنون الأدبيّة الآخرى ، واستمدّوا مبادئ منهجهم من أدب الفيلسوف اليوناني الكبير أرسطو من خلال كتابه " فنّ الشعر ". حيث قدم المسرح (التّراجيديا والكوميديا) على أدب الملاحم وأهمل الشّعر الغنائي إهمالا مقصودا .
تجسّدت الكلاسيكية من خلال أعمال ومؤلفات العديد من الأدباء الذّين حاولوا إحياء التّراث الأدبي القديم ، وخاصة التّراث اليوناني ؛ وأكثر الفنون الأدبيّة تناولا الشّعر المسرحي ، ثمّ محاكاة بعض الملاحم و القليل من الشّعر الغنائي الوجداني تحْت تأثير النزعة العقليّة.
حاول الكلاسيكيون الإبداع عن طريق محاكاة القدامى والخواص على جودة الصّياغة اللّغوية ، وفصاحة التعبير، وتجّنب جموح الخيال والعاطفة، وليتحقق لهم هذا الهدف كان لابد أن تتوفر لهم ملكة الإبداع، أيْ أنْ يكونوا موهوبين في التأليف الأدبيّ، ثمّ عليهم صقل هذه الموهبة بالمِران الطّويل و الاطّلاع المتواصل على ما أبدعه القدامى من اليونان و الرّومان ، ثم السّير على منوالهم من أجل بلوغ الإبداع الحقيقي؛ ولأنّهم أهملوا الإسراف العاطفي و الخيال و تأثروا بالعقل كان اهتمامهم بالأدب الموضوعي كبيرا ، خاصّة الأدب المسرحي ( التمثيلي) ، فجاءت مسرحياتهم تتناول العواطف العامّة كالغيرة و المحبّة... و تتوفّر على قانون الوحدات الثلاثة وهي وحدة الموضوع ، وحدة الزّمان ، ووحدة المكان .
والمسرحيّة عندهم تتناول حَدَثا واحدا خلال فترة موجزة كيوم واحد و في مكان محدود، وهذا ما فعله رُوّاد المسرح الكلاسيكي الفرنسي موليير molière ( 1622 -1673 م) وكورناي corneille ( 1606 – 1684 ) وراسين racine (1639-1699م) . تأثر هذا الأخير بفلسفة ديكارت صاحب فكرة ( أنا أفكر إذن أنا موجود) على الرّغم من تباعد عصريْهما بحوالي نصف قرن ، وتأثّر غيره من الكلاسيكيين بالفلسفة الدّيكارتية التّي تُشَجعُ العقل ، و تعْتني بالأفكار و الأسلوب معا، وترْفض الخيال المفرط، و الإسراف العاطفي ؛ واقتداءا باليونان ألف الكلاسيكيون المأساة ( التّراجيديا) و الملهاة ( الكوميديا) كونهما تجسّدان أهم خصائص المذهب الكلاسيكي ، وهي الموضوعية و قيودها ، فألْزم الأدباء أنفسهم بذلك فمثّلوا في المأساة حياة الملوك و الأثرياء و النبلاء من جهة ، و مثّلوا في الملهاة حياة عامّة النّاس.
وتمرّ الأعوام و تزداد الكلاسيكية انتشارًا و تطورًا ، ففي القرن الثامن عشر زَوَاجَ بعض الكلاسيكيين بين المواضيع التّراجيدية و المواضيع الكوميدية ، واعتبروا ذلك " المحاكاة الحقيقيّة للواقع؛ بل هو الحياة بعينها... أحزان غير دائمة، و أفراح تعْقبها زوابع..." و في نفس القرن دائمًا تساهل بعض العلماء في اختيار الموضوع المسرحي،وجعلوا المأساة غير مقتصرة على الطّبقة العالية وحْدَها، و لا الملهاة خاصّة بالعامّة ، وهذه الكلاسيكية تُدْعى بالكلاسيكيّة المعتدلة ، ومثّلها مؤلّف وكاتب الدّراما الواقعيّة ماريفو marivaux صاحب الكوميديا الماريفودية ، وفيها ابتعد عن الضّحك المفرط ( القهقهة) ، واكتفى بالدّعاية المهديَة " كما ابْتعدت المأساة عن الحزن الشّديد الذي يُثير البكاء إلى التأثّر والمشاركة الوجدانية .
بعد اندلاع الثورة الفرنسية عام 1798م واصلت الكلاسيكية انتهاج نهج الاعتدال ، وظهر ما يُسَمَّى بالدراما "البرجوازية" بزعامة الأديب والمفكر الفرنسي ديور diderotتحت تأثير الطبقة البورجوازية التي حلّت محلُ الارستقراطيّة.
عدّل هذا الاتجاه الكلاسيكي الجديد الكثير من المفاهيم الدراميّة بحيث لم يعد يُنْظرُ إلى الإنسان على أنه جملة من القيم ( حبّ ، غيرة ،..) و إنّما أصبح ذلك الإنسان الذّي يعيش في المجتمع يتأثّر به ، و يؤثّر فيه بما يُقدّمه له من خدمة و فائدة .

خصائص ( مبادئ ) المذهب الكلاسيكي

من أهمّ خصائص المذهب الكلاسيكي التي تميّزه عن غيره من المذاهب :
1- الاعتماد على العمل الواعي المتّزن ، و التّفكير المعتدل ، لذا على الأديب تجنّب العواطف الذّاتية ، و الاعتماد على العواطف العامّة ، وهذا لا يعْني أنّ الأديب لا يُعَبّر عن عواطفه، بل الجانب الوجداني وارد في مؤلفاته، إضافة إلى المزاوجة بيْن الفكر و الخيال ، فيأتي من الوجدان و الفكر و الخيال في صورة معتدلة جميلة، وقيل إنَّ أخْلدََ عمل كلاسيكي هو انتاج " راسين" لأّنه استطاع بعبقريته أنْ يُصَوّرَ عاطفة الحبّ بالاعتماد على التّفكير، و التعّمق في اطار القيم الانسانيّة النّبيلة.
2- النزعة العقليّة: الاعتماد على مبادئ العقل، و تجّنب الإسراف العاطفي و هذه الخاصية ناتجة مباشرة عن الاعتماد على العقل الواعي المتّزن، وهي واضحة في شرح الخاصية الأولى.
3- الاعتناء بالأدب الموضوعي من قصّة و مسرحيّة أكثر من الاعتناء بالفنون الأدبيّة الآخرى، وكان عليهم اختيار الفنّ الذّي يلائم مبادئ العقل و النّزعة العقليّة ، كما ورد في بداية الموضوع ، فإنّ الكلاسيكييّن تأثروا بالقدامى وحاولوا محاكاتهم لذلك ساروا على منوالهم فاعتنوا بالمسرح واهتمّوا به مثلما فَعَلَ اليونان قبلهم.
4- الحرص على جودة الصّياغة الّغوية ، ونَعْني بها الإمعان في صنعة الكلام، وفصاحة التّعبير.
5- التّقيّد بقانون الوحدات الثلاثة لأنّ إعتقادهم أنّ المسرحيّة إذا تعددّت مواضيعها، وامتدّت أحداثها عبر الزّمن الطّويل، وتنوّعت أماكن أحداثها تصدّع بناؤها و تفكّكت عناصرها .
6- محاكاة القدامى و تقليدهم لاعتقاد الكلاسيكيّين أنّ أدب اليونان و الرّومان هو أجود الآداب و أحسنها .
7- احياء الثّرات الأدبي القديم، و هذا المبدأ لن يتحقّق بدون المبدأ الذّي سبقه.




أثر المذهب الكلاسيكي في الأدب العربي الحديث

كان تأثير المذهب الكلاسيكي في الأدب العربي الحديث تأثيرّا محدودًا حيث اقتصر هذا التّأثير على الشّعر المسرحي، وذلك عندما اتّصَل كُتّاب المسرح العربي بالمسرح الكلاسيكي الفرنسي، وعلى رأس هؤلاء أمير الشّعراء،
والشّاعر المبدع المصري أحمد شوقي ، وكذا مارون النّقّاش.
الأعمال الأولى الأدبيّة الكلاسيكية عند العرب حديثًا هي الأعمال المترجمة و تمثّلت في ترجمة بعض المسرحيات ، وبالتالي أوّل مظهر من مظاهر التّأثر ظَهَرَ في شكل ترجمة " مارون النّقّاش " لبعض مؤلفات الأديب الفرنسي " موليير" molièreوذلك لانعدام الفنّ المسرحي في الأدب العربي ، فالعرب لم يعرفوا فنّ المسرح شعرًا ونثرًا، وأولى المسرحيات ترجمة مسرحيّة "البخيل" ثمّ "الثريّ النبيل". أمّا سليم النّقّاش فترجم مسرحية " هوراس" للأديب الفرنسي كورناي أحمد شوقي ، بحكم احتكاكه بالغرب و مسرحه عند ذهابه إلى فرنسا، لإتمام دراسته و إثراء ثقافته الأدبية ، بَرَعَ في الشعر المسرحي، وألّف فيه عددًا من المسرحيات، من أشهرها :" كليوبترا" إذْ جعل الأديب الملكة المصريّة بطلة مسرحيته تغار على وطنها ، ولا يهمّها أن يعزلها الرّوم، أو أن تموت في سبيل مملكتها مع ابراز ملامح المرأة فيها كالمحافظة على الجمال ونظارة البشرة. يقول أحمد شوقي في مقطع منها على لسان البطلة وهي تدخل على الكاهن أنوبيس ، فدار بينهما الحوار التالي :
أنوبيس: سيّدتي في حُجْرَتي
مُري بما شئْتِ يَكُنْ
و إن تحدّى قُدْرتي
كليوبترا : أبي أعلمْتَ أنَّ الجيشَ ولَّى وأنَّ بوارجي أبَتْ المُضيَّا
أنوبيس: علمت و كان ذلك في حسابي وذا "حابِي" أفْضَى به إيليا
كليوبترا: وهل نبّأكَ عن انطونيوس و كيف جَرَتْ هزيمتهُ عليَّا
وما أدّري أ أرْدَوْهُ قتيلا صباح اليوم أوْ أخذوه حيًّا ؟
أبي ذهب الحليفُ فكُنْ حليفي فقَدْ أصْبَجْتُ لا أجِدُ الوليَّا
أنويس: لا تَرْعي... لباة النيل ليْسَ يخَافُ شيَّا
كليوبترا: أبي لا العزل خِفْـتُ ولا المنايا ولكن أنْ يَسيروا بي سَبِيَّا
أيوطأُ بالمناسِمِ تاجُ مِصْرً وثمّةَ شعرة في مَفْرقيَّا ؟
وهاهي مقطوعة آخرى لنفس الشّاعر، من مسرحيّة شعريّة ثانية قدّمها شوقي إلى الجمهور بعد عوْدَتهِ إلى كتابة المسرحيات في الفترة الأخيرة مِنْ حياتهِ ، و هي أولى مسرحياته التّي اعتمدت التّاريخ العربي مادتها الأوليّة، وهي قصّة الشّاعر " قيس بن الملوّح" وحبّه لابنة عمّه "ليلى" وقد حفتها بعض الأساطير إلاّ أنّها ما تزال من أروع صور الحّب العُذّري الذي اشتهر في بوادي" نجد" و "الحجاز" في العصر الأموي، وتحمل عنوان" مجنون ليلى" يُقبل قيس على ضياء ليلى وقد جاء يلتمسُ جذوة من النار لأهله... يُنادي:
قيس: ليلى
المهدي ( خارجا من الخيام) :
من الهاتف الدّاعي ؟ أقيسَ أرى ؟
ماذا وقوفك و الفتيانُ قد ساروا ؟
قيس: ما كنت يا عمّ فيهم
المهدي ( دَهِشًا ): أين كنت إذًا ؟
قيس : في الدّار حتّى خَلَتْ من نارها الدّارُ
ما كان منْ حَطَبٍ حَزِلٍ بساحتها
أودى الرّياحُ بِهِ والضّيْفُ والجارُ
المهدي ( مناديا) ليلى ، انْتظِرْ قيس ليلى
ليلى ( مِنْ أقصى الخيام) : ما وراء أبي ؟
المهدي: هذا ابنُ عمّك ، ما في بيتِهم نارُ
ليلى: قيس ابن عمّي عندنا يا مَرْحَبًا، يامَرْحباَ
قيس: مُتّعْتِ ليلى بالحيا ةِ و بلغتِ الأربَا
و مسرحيات شوقي كثيرة ، إضافة إلى "مصرع كليوبترا" و"مجنون ليلى " نجد له مسرحية "قومبيز"،"علي بك الكبير"، "أميرة الأندلس" "عنترة" ،" السّت هدى"، وألف أيضا في الشعر القصصي ، واستعمل فيه الرمز ، والحديث على لسان الحيوانات ، وفي الشعر الملحمي ، ويعدّ هذا النوع الشعري من مظاهر التأثر بالكلاسيكية وهي ملحمة مطولة بعنوان "كُبْرََى الأحْدَاثْ بوادي النيل" تضّم 264 بيتا ، أنشدها في جنيف في سبتمبر 1894 م أمام جمعْ من المستشرقين ومطلعها :
همت الفلك واحتواها الماء وحذاها بمن قتل الرجاء
هكذا الدَهْرُ: حالة ثمّ ضدّ وما الحال مع الزمان بقاء
وقائمة الذين نظموا في الشعر المسرحي ليست طويلة لتأثير الكلاسيكية المحدود ، ضمت إلى جوار أمير الشعراء قلّة منهم " خليل إيليازجي بمسرحيته الشعرية "المروءة والوفاء "نظمها عام 1876 م و "عزيز أباظة "صاحب مسرحية "العباسة أخت الرشيد" إضافة إلى " شهريار" و " قيس ولبنى" وألف فرج أنطون مسرحيته "مصر الجديدة "، و"سعيد عقل " مسرحية عنوانها "قدموس ".
ورغم هذا التأثير المحدود للمذهب الكلاسيكي نلمح مدى تأثر العرب بالفنون الأدبية الغربية كالمسرح بنوعيه الشعري والنثري ،وفن الملاحم ، والشعر القصصي ،
وتأثرهم بالخصائص الفنية الجديدة التي جسدت الكلاسيكية الأوروبية ، ورغم أن هذه الخصائص ترجعنا إلى الآداب القديمة إلا أنها تعتبر تجديدا في أدبنا العربي مثل النزعة العقلية الموضوعية ، قانون الوحدات الثلاث ... ، وهنا تظهر فعالية عوامل النّهضة في أدبنا الحديث وأهمها في المذهب الكلاسيكي الترجمة والنقل ، الإحتكاك بالغرب ، البعثات العلمية ، المسرح .
2- المذهب الرّومنسي
ثاني مذهب أدبي غربي حديث عرفته أوروبا في عصر نهضتها ، نشأ في أوآخر القرن الثاّمن عشر ،و بلغ ذروة إزدهاره في منتصف القرن التاسع عشر يُعتبر ثورة عنيفة على المذهب الكلاسيكي وقواعده وأصوله لأنه دعا إلى تحرير الأدب
والأديب والعبقرية الإبداعية من كل القيود والأغلال ورفض الإغراق في الصنعة
والمبالغة في تعظيم العقل ، وتمجيد القُدامى والسّير على مناولهم ، وبذلك أعتبرت "الذات" أي الوجدان هو مركز كل إبداع،كما ركّز على "تحرير الأدب وبالخصوص الشّعر من كل المناهج الفكرية عدا منهج الصدق والسّليقة والشّعر الفياض" والإبداع الخلاق ، والذّوق الرفيع السليم .
إن البوادر الأولى للرومنسية ترجع إلى عملاق الأدب الإنجليزي في القرن السابع عشر وليام شكسبير الذي كان أول من حلل النفس البشرية بكل نوازعها في مسرحياته الرائعة ، وتعلم منه فيكتور هيجو v.hugo و هو يترجم له مسرحياته إلى اللغة الفرنسية . من رواد هذا المذهب أيضا الشاعران الإنجليزيان "وردْزورْث" wordsworth (1770- 1850 م ) و سَمويل تايلور samuel taylor
وكلوريدج coleridg الّلذان نظما وأصدرا ديوانهما "المواويل الغنائية" وكان محور الإهتمام في شعرهما الإنسان ومعاناته واهنماماته .
من أشهر أعلام الرومنسية في إنجلترا - باعتبار أننا بدأنا الحديث عن دور الأديب الأنجليزي شكسبير في نسج خيوطها الأولى- أدباء كثيرون منهم ويليام بلاك william black ) 1757-1829 م( جيمس تومسون james homson (1700-1748 م ) أدوارد يونغ (1683-1765 م).
وكل واحد منهم ترك بصماته وأبدع في تطبيق مبادئ الرومنسية وخصائصها ونال هذا المذهب حظّا وافرا في ألمانيا بفضل نخبة من الأدباء المجددين وفي مقدمتهم الأديب الشهير ڤوتgoethe (1749-1822 ) صاحب المؤلفات المتميزة منها "ورذر werther" فاوست faust "، ويلهالم مستر wilhelm mester " وعن كتابه "آلام الشاب ورذر" الصّادر عام 1774 م ، والذي ترجم سنة بعد صدوره باللغة الفرنسية ، يذهب الكثير من النقاد إلى اعتبار بطله "ورذر" بطل الرومانسية ، وقد ذكر مؤلف القصة " ڤوت " قائلا " ... هذا الاحساس الكامل
والحار الذي بقلبي عن الطبيعة الحية هذا الاحساس الذي يغرقني في نشوى كبيرة ..." و هذا ما يبين التأثير الكبير للطبيعة وسحرها وجمالها في نفس الأديب .
ومن أدباء ألمانيا الرومنسيين الآخرين الذّين لا تقل قيمتهم و مكانتهم عن قيمة ومكانة " ڤوت " نذكر منهم :
شيلينغ schelling(1775-1854 ) واعتبر فيلسوف الرومنسية في بلده نوفاليس novalis(1772-1802 ) ، الأخوة جريم grimmوغيرهم من الأدباء الآخرين ذوي الشأن العظيم.
أما في فرنسا فيعود ظهور الرومنسية إلى تأثر بعض الأدباء الفرنسيين بأدباء انجليترا الرومنسيين وفي مقدمتهم شيكسبير اضافة إلى التأثر بالأدب الألماني ، وكان لتأثير الرومنسية الإنجليزية والألمانية بالغ الأثر في الأدب الفرنسي بمساعدة عامل تاريخي هو حروب نابليون بونابرت (1769-1829 م ) واحتلاله لعدة دول أوروبية كإيطإيليا وألمانيا وإسبانيا ، ورجوع المغتربين الفرنسيين إلى بلدهم فرنسا محملين بأفكار الرومنسية ومبادئها . ظهر هذا التأثير جليا بعد عام 1830 م بعد عودة بعض الأدباء من أسفارهم كلامرتين lamartine(1790-1869 م) و فيكتور هيجو victor hugo ( 1802-1895 ) واعتبرا من أعلام الحركة الرومنسية بفرنسا ، وكان الأديبان قد إحتكا أثناء رحلاتهما العديدة بالألمان والإنجليز والإسبان ، وأخذا عنهم أسس المذهب الرومنسي، وحملاها إلى فرنسا ، ومن أشهر أعمالهما "البؤساء les misérables " ، "عمال البحر les travailleurs de la mer ، أوراق الخريفles feuilles d’automne " ، الشرقيات les orientales; و من مؤلفات لامرتين رحلة إلى الشرق voyage à l’orient ‚ جوسلين jocelyne ‚ تأملات les contemplations. و بعد أن تعرفنا على الرومنسية ومفهومها ونشأتها وأعلامها علينا الآن أن نقف على خصائصها التي تميزها عن باقي المذاهب الأدبية الآخرى.

مبادئ (خصائص ) الرومانسية

ينظر المذهب الرّومنسي إلى الأدب على أنه تعبير عن النفس بكل آلامها و مآسيها لذا نجد الرومنسيين يبالغون في تصوير مشاكلهم وهمومهم باللجوء إلى الخيال والطبيعة فيوظفون أدبهم كمُتَنَفَس يرفّهون به عن واقعهم المؤلم ويهربون به عن عالم الكمال .
والرّومانسيون حاربوا نظرية المحاكاة الأرسطية التي تبناها الكلاسيكيون حينما اعتبروا الأدب والشعر محاكاة للطبيعة والحياة ، فالشعر عندهم إبداع لا يقوم على العقل والملاحظة ، انما يعتمد على الخيال المبدع والعواطف الملتهبة.
كما ثار الرومنسيون على قانون الوحدات الثلاثة أثناء تأليفهم لمسرحياتهم ،وزاوجوا بين مواضيع الملهاة والمأساة ، وبالغوا أيضا في الحرية والدعوة إلى التحرر ولهذه النقطة أمثلة كثيرة منها التصادم الكبير الذي وقع بين أنصار الرومنسية
وأنصار الكلاسيكية عند عرض مسرحية " هرناني" لفيكتور هيجو ، وسخرية الأديب الألماني " ڤوت " من جمود الكلاسيكيين حينما شرب الخمر في جمجمة بشرية ، ووصلت المبالغة عند المتآخرين من الرومنسيين عندما عبروا عن مجافاة المجتمع ، وإهمال الصياغة اللغوية .
عموما يمكن إدراج أهم مبادئ هذا المذهب في النقاط التالية :
1- الذاتية: وهي تعبير الأديب عن مكنونات نفسه
2- توظيف الطبيعة: وهي المادة الخام لأعمال الرومانسيين، يهيمون بها، و يهربون إليها لصياغة تجاربهم الشعورية
3- التعمق في أسرارالكون عن طريق تقديم الخيال، وتفضيله على العقل .
4- الإسراف العاطفي .
5- الدّعوة إلى التحرر وخاصة التحرر من قيود الكلاسيكية والصّنعة اللغوية .
6- التجديد و الإبداع عن طريق التميّز عن القدامى فعلى الشاعر أن يتميّز أيضا عن غيره من الأدباء بما تجود به قريحته الأدبية.
7- التّعبير عن القلق والحزن والتّشاؤم ، والّتفاؤل بالحياة .
8- الدّفاع عن الضّعفاء ، والتّوق إلى عالم تسوده مبادئ العدل ولمساواة وقد كان اهتمام الرومنسيين كبيرًا بالطّبقة الكادحة من المجتمع وذلك بتصوير همومها ومعاناتها اليوميّة .
9- السّهولة ، العفويّة والتّلقائيّة .
10- النّزعة الإنسانية العالّمية : وهي أن يعبّر الأدباء والشعراء عن قضايا المجتمع الإنساني دون تعيين مجتمع ما ، فلايحدّد المكان أو الزّمان أو البلاد ، إنما يصّب اهتمامه على قضيّة اجتماعية تشترك فيها كلّ المجتمعات الانسانية ، ويمكن للأدباء معالجة قضايا سياسية أيضا بواسطة هذه النّزعة ، ولتوضيح هذا الأمر نعطي الأمثلة التّالية :
· تحدّث أبو القاسم الشّابي في قصيدته «إلى الطّغاة» عن المستبدّ الظّالم الذّي يُغيّر مجرى الأمور في بلد أو مجتمع ما ، فيزرع الحزن والأسى ، ويعكّر صفو حياة النّاس فيقتلهم ويسجن شبابهم ممّا يدفع بالشّعب إلى الثورة عليه لاسترجاع حريّته واستقلاله . وهذا كلّه دون أن يحدد اسم الظالم المستبد ، ودون التلميح إلى موطنه وبلده أو فترة حكومه لسبب واحد أنّ ظاهرة الاستبداد ظاهرة قديمة قدم الإنسان وقدم الإنسانيّة ، وهي لاتقتصر على عصر دون آخر ، أو بلد دون بلد آخر ، فهي ظاهرة إنسانية مستمرّة في الزّمان والمكان ، وإليك هذه الأبيات التّي قالها في هذا الموضوع :
ألا أيّها الظالم المستبدّ حبيبُ الفناء عدوّ الحياه
سخرتَ بأنّات شعب ضعيف وكفُّك مخضوبةٌ من دماهْ
وعشت تدنّسُ سحر الوجود وتزرع شوك الأسى في رباه.
أما إيليا أبو ماضي فقد قال عن الإنسان المحتقر لنفسه ، والذّي لايثق بها في قصيدته الرمزيّة «الحجر الصّغير» :
حجرٌ أغْبَرُ أنا وحقير لاجمالاً ، لاحكمة ، لامضاء
كما حدّثنا عن المتكبّر في قصيدته« الطين»
نسي الطّينُ ساعة أنهُ طيـ نٌ حقيرٌ ، فصالَ تيهًا وعَرْبَدْ
وكسا الخزّ جسمه فتباهى وحوى المال كيسُه فتمَرَّدْ
يا أخي ، لاتملْ بوجْهك عنّي ما أنا فحَمةٌ ، ولاأنْت فَرْقَدْ
أثر المذهب الرومنسي في الأدب العربي الحديث
على عكس تأثير الكلاسيكيّة المحدود ، أثر المذهب الرّومنسي تأثيرًا بالغًا وكبيرًا في الأدب العربي الحديث تحت دافع الرّغبة في التّجديد في كل نواحي الحياة – في العصر الحديث – وبالخصوص في الميدان الأدبيّ، إضافة إلى كون الأدباء وجدوا في هذا المذهب ملاذًا يُعبّرُون به عمّا يخْتلجُ في نفوسهم ، ويجُسّد المساواة والعدل .
أمّا مظاهر هذا التأثّر فملامحه هي :
أ- مدرسة الدّيوان: وهي أوّل مظاهر تأثّر الأدباء العرب بالرّومنسيّة ، ظهرت بصورة مذهب نظريّ نقدي ثأئر تجسّد بواسطة كتاب نقدي مشترك بين عبّاس محمود العقّاد، عبد الرّحمان شكري، ابراهيم عبد القادر المازني سنة 1921م. لقد حرّكت هذه المدرسة الحركة الأدبيّة في جانبيها الإبداعي والنّقدي كما أعطت روحًا جديدًا للشّعر الحديث إذْ كان أعضاؤها يدعون إلى التّجديد وإنتاج فنّ راق يواكب متطلبّات العصر.
ولنتعرّف أكثر على هذه المدرسة ، تذكر الكتب والدّارسون لهذا الاتجّاه الرّومنسي في أدبنا الحديث أنّها قامت على دعامتين أساسيتيْن هما :
* سعة ثقافة أصحابها ، ولنا في العقّاد خير دليل على ذلك ، فهو الأديب العصامي المتطلّع على التّراث العربي الأصيل ،وكذا المازني وعبد الرحمان شكري وكلّهم ساهموا في التّحليل والدّراسة ، وإيصال هذا التّراث إلى القُراء بطريقة سهلة مفهومة .
* الاطّلاع الواسع على الآداب الغربّية عمومًا ، والأروبيّة بشكل خاصّ وفي مقدمتها الأدب الانجليزي ، واستطاع أدباء هذا الاتجاه الرّومنسي أن يمزجوا بين أصالة التّراث العربي القديم والآداب الغربيّة موضّحين بذلك منهجهم في تجديد الشّعر العربي.
وكان عبد الرحمان شكري قد أصدر أوّل محاولة لهذه المدرسة في ديوانه « ضوء الفجر» الذّي يفيض بروح رومنسيّة مهّدت لاتّجاه جديد في تصوير أعماق النّفس وخوالجها. وتابع شكري الدّعوة للرّومنسيّة في مقدّمات دواوينة ومقالاته النّفذيّة فمَجَّدَ الشّعر، وعظّمَ دوْر الشّاعر وجَعَلَهُ نبيًّا ، وطورَ الفكر النّقدي فيما يتعّلق بعدد من عناصر القصيدة كالخيال والعاطفة ، وطالب الشّعراءَ بأنْ يدْخُلوا أعماق النّفس ويُظْهرُوا خباياها.
إن الأفكار التّي نادى بهاَ عبد الرّحمان شكري تُمَثّلُ الملامح الرّومنسيّة العامّة التّي اعْتمد عليها أعضاء مدرسة الدّيوان في دعوتهم إلى التّجديد ، وهي نفسها الملامح التّي اعتمد عليها المازني في هجومه على المدرسة الكلاسيكيّة عندما أصْدَرَ كتابه عن حافظ ابراهيم سنة 1915م ، وفيه يُقارنُ مقارنة واسعة بين شعره وشعْر شكري ، وانتهى من هذه المقارنة بالحكم على شعر حافظ ابراهيم بأنه شعر مناسبات يوميّة طارئة لأنّهُ لايصوّرُ صاحبه ولا يُفجّرُ ما في نفْسه من أحاسيس وعواطف .
والهجوم الثّاني كان سنة 1921م حينما نشَرَ العقّاد والمازني معًا كتابًا سميَّاهُ
« الدّيوان» وفيه كتَبَ العقّاد فصولاً في نقد شَوْقي ، وهو مُتأثّرٌ في نقده بالرومنسيّة الغربيّة التّي انْعَكست بوضوح على إنتاجه الشّعري ، فنجد العقّاد في ديوانه «عابرسبيل » يهتمّ بالحياة العاديّة ويصف « ساعي البريد» و« شرطي المرور»
و« كوّاء الثياب ليلة الأحد» وهو في كلّ هذا متأثّرٌ بالفكرة الرّومنسيّة القائلة بأنَّ الشّعر الذّي يُعَبّرُ عن الإنسان ينْبغي أن يْنبَعَ من حياته العاديّة وأن يكون انعكاسًا صحيحًا لها ، ومقّدمة الدّيوان تقترب كثيرًا من مُقدّمة «وردزورث» في ديوانيه« قصائد غنائيّة» . وقد تميّز شعر العّقاد بصفة عامّة بنزعة فكريّة كثيرًا ما قضت على النّزعة الرّومنسيّة في شعره لاعتمادها على العقل والمنطق أكثر من اعتمادها على العاطفة والحسّ والخيال .
وعلى العموم تميّزت أعمال ومِؤلفات «جماعة الديوان» بالخصائص الفنيّة التّاليّة :
1- الّطابع الإنساني : فأدب هذه الجماعة إنساني ذُو رسالة سامية فيه تفكير عميق
في الحياة وما تحمله من قسوة وهموم من وجهة نظر أصحابها .
2- الابتعاد عن الصّنعة : فجاء أدب هذه الجماعة تلقائيًا عفويًا ، مليئا بالمشاعر
القويّة ، والأحاسيس الذّاتية ، وبواسطة هذه الأخيرة يصل الأديب إلى عمق
المعنى والفكرة .
3- الدّعوة إلى التّجديد في شكل القصيدة عن طريق نظم شعر مُرْسل، وتعدّد
القوافي مخالفة للنّظام القديم للقصيدة العربيّة .
4- الصّدق الفنّي في التّجربة الشّعوريّة ، فالقصيدة عند جماعة الدّيوان تنقل بصدق
ودقّة مافي نفس الشّاعر من معان وانفعالات وأحاسيس.
ب- الرّابطة القلميّة (مَدْرسة المهجر التجديديّة) :
هي أوّل مدرسة أدبيّة منظّمة ، جمعت العديد من أدباء المهجر الشّمالي، تأسّست في الولايات المتحدة الأمريكيّة عام1920م ، وضمّت كبار أسماء أعلام الأدب العربي الحديث أمثال الشّاعر الرّفيق والأديب العظيم ميخائيل نعيمة إلى جانب شاعر الرابطة القلميّة إيليا أبي ماضي ، نسيب عريضة ...
تمكّن أدباء المهجرالمنظمّون إلى هذه الرّابطة من تطبيق مبادئ الرّومنسيّة وساعدهم على ذلك إجادتهم للّغة الانجليزيّة واطّلاعهم على عيون الأدب الغَرْبي عامّة والأمريكيّ خاصّة ، واستفادوا من كل هذا استفادة واسعة ، كمّا أنّهم مرّوا بتجارب عديدة فاختلطوا بمجتمعات متباينة في كّل من لبنان ومصر وأمريكا ، وانعكس تأثّرهم بهذه المجتمعات على إنتاجهم ، وقد ظهرت آثارها واضحةً في أعمالهم الأدبية ، كحنينهم إلى الوطن، وما أثارتْهُ الغربة من نوازع الشّوق في قلوبهم ، وهاهو إيليا أبو ماضي يقول في هذا الموضوع :
مثْلَمَا يكْمُنُ اللّظَى في الرّماد هكذا الحبُّ كامنٌ في فؤادي
لَسْتُ مُغْزى بشادن وشادي أنَا صَبُّ مُتيَّمٌ ببـــلاَدي
كما تغنّي أدباء المهجر بالطّبيعة وجمالها ، وجعلوها مادّة خامًا يَصُوغُونَ منها تجاربهم الفنيّة ، ويبثُّونَ من خلالها أفكارهم ومشاعرهم في صُوَر حسيّة تكادُ تنطقُ ونأخذ كمثال لهذه الخاصيّة مقْطعًا من قصيدة « النّهرالمتجمّد » لمنحائيل نعيمة :
- يانهْرُ، هَلْ نضَبَتْ مياهُكَ فانقطعْتَ عن الخرير ؟
أمْ قَدْ هرمْتَ ، وخارَ عزْمُكَ فانثنَيْتَ عن المسير ؟
بالأمْس كُنْتَ مُرنّهًا بين الحدائق والزُّهُـــورْ
تتْلُو على الدّنيَا ومافيها أحاديثَ الدُّهُــــور
بالأمْس كُنْتَ تسيرُ لا تخْشَى الموانعَ في الطّريقْ
واليومَ قَدْ هبَطت عليْك سكينةاللحْد العميقْ
ومن مؤلّفات ميخائيل نعيمة التّي تُبرز الكثير من مبادئ الرّومنسية كالدّعوة إلى التّجديد والإبداع ، كتابه النّقدي « الغربال» ، ومن النّصوص الواردة فيه:
« لابُدّ لي من كلمة عن مقاييسنا الأدبيّة بنوع خاصّ ، فبلاؤنا ليْسَ بأنْ لامقاييس عندنا ، بل ليْسَ عندنا مَنْ يُحسنُ استعمال هذه المقاييس وتطبيق الأدب عليها . فمنْ سوء طالعنا أنّنَا وكلْنَا شؤونُنا الأدبيّة إلى جرائدنَا ومجلاّتنَا في الغالب ، ومجلاتُنا وجرائدُنا تقيسُ الأدب بعدد مشتركيها ومُناصريهَا ، وأعمدتها وحقولها . ومَنْ ذاكَ شأنهُ فحاجتُهُ الرّوحيّة محدودة . فأني لَهُ أنْ يقيس حاجة أمّة وأمم ؟ وإذا قاسَهَا فبحاجاتها وحسب .لذلك لَنَا في كلّ يوم شاعر «مطبوع» أو «عبقري» أو «نابغة» ...
أما جبران خليل جبران رئيس الرّابطة القلميّة ، فقدْ ذَهَبَ بخياله بعيدًا ، وعَبَّر عن مكنونات نَفْسه ، ومعاناته وفلسفته وفق مبادئ الرّومنسيّة ، وهاهو يقول :
«مات أهْلي وأنا قيد الحياة أندب أهْلي في وحْدَتي وانفرادي. مات أحبَّائي وقد أصبحَتْ حياتي بعدهُمْ بَعْضَ مُصَابي بهمْ مات أهْلي وأحبائي وغمرت الدّموعُ والدّماءُ هضبات بلادي ، وأنا ههنا أعيشُ مثلَما كُنْتُ عائشًا عندما كان أهلي وأحبائي جالسين على مَنْكبي الحياة ، وهضبات بلادي مغمورة بنور الشمس.
مات أهلي جائعين ، ومَنْ لمْ يمُتْ منهم جوعًا قضى بحدّ السّيف . وأنا في هذه البلاد القَصيّة أسير بين قوم فرحين مُغْتبطين يتناولون المآكل الشهيّة والمشارب الطّيّبَة ، وينامُون على الأسرَّة النّاعمة ويضْحكُون لْلأيّام والأَيّامُ تَضْحَك لهم .
ماتَ أهْلي أذلَّ ميتة، وأنا هُهناَ أعيشُ في رغَد وسلام. وهذه المأساة المسْتتبَّة على المسرح نفْسي »
هذه المقطوعة مأخوذة منْ نصّ « مات أهْلي» ضمْنَ كتابه«العواصف» وألّفَهُ أيَّام المجاعة التّي أصابتْ بلادَهُ .
ومنْ أشْعَاره ، قصيدتُه« المواكب » يقول في مطلعها :
الخيْرُ في النّاس مَصْنُوعٌ إذاجُبرُوا والشرُّ في النّاس لايَفْنَى إذا قُبرُوا
وأكْثَرُ النّاس آلاتٌ تُحَركُـــهَا أصابعُ الدّهْر يومًــا ثمَّ تَنْكَسـرُ
فلا تقُولَنَّ هذا عالـمٌ علـــمٌ ولاتقولنَّ ذاك السّيّـدُ الوَقـــرُ
فأفْضَلُ النّاس قطعَانٌ يسيرُبهـا صوتُ الرُّعَاة، ومَنْ لم يَمْش يَنْدَثرُ
ليْسَ في الغابـات راع لا ، ولافيـها القَطيــعْ
فالشّتَا يمْشي ولكــنْ لاَيُجاريه الرّبيـــــعْ
خُلقَ النّاسُ عَبيـــدًا للذّي يأبَى الخُضـــوعْ
فإذا مَا هَبَّ يَوْمًا سائرًا سارَ الجميعْ
ومن قصيدته «البحر» مايلي :
في سكون اللّيل لمَّا تَنْثني يقظةُ الإنسان منْ خَلْف الحجَابْ
يَصْرَخُ الغابُ : أنا العزمُ الذّي أنْبَتَتْهُ الشَّمْسُ منْ قَلْب التُّرَابْ
غيْرَ أنّ البحْرَ يبْقى ساكتًـــا
قائلاً في نفْسه : العَزْمُ لي.
ويقولُ الصّخْرُُ : إنّ الدّهْرَ قَدْ شَادَني إلى يوْم الحسَابْ
غيْرَ أنّ البحْرَ يبْقى صَامتًـــا
قائلاً في نفْسه : الرَّمْزُ لي.
ويقول الرّيحُ : ما أغْرَبَنَي فاصلاً بيْنَ سديم وسَمَا
غيْرَ أنَّ البحْرَ يبْقى سالكتًا
قائلاً في نفَْسه : الرّيحُ لي.


ويقولُ النَهْرُ : مَا أعْذَبَني مَشْرَبًا يْروي من الأرْض الضَّمَا
غيْر أنّ البحْرَ يبْقى صَامتًا
قائلاً في ذاته : النَّهْرُ لي
ويقولُ الطُّودُ : إنّي قائمٌ ما أقامَ النّجْمُ في صَدْر الفَلَك
غيْرَ أنَّ البحْرَ يبْقى هادئًا
قائلاً في نَفْسه : الطُّوُد لي
ويقولُ الفكْرُ : إنّي ملكُ ليْسَ في العالم غيْري منْ ملكْ
غيْرَ أنَّ البحْرَ يبْقى هائجًا
قائلاً في نومه : الكُلُّ لي.
- جماعة أپولــو.
هي الجماعة الثّالثة التيّ جسّدت المذهب الرّومنسي في الأدب العربي الحديث ، ظهرت إلى الوجود عام 1932م ، بزعامة أحمد زكي أبو شادي ، وسمّاها أصحابُها بمدرسة أپولو نسبة إلى (أپولو) ربّ الشّعر والموسيقى عند اليونان . أُسْندَتْ الرّئاسة الشّرفية لهذه الجماعة لأمير الشّعراء «أحمد شوقي» ، ثم خَلَفَهُ بعد وفاته عام 1932م الأديب «خليل مطران» .
انضمّ إلى هذه الجماعة مجموعة كبيرة من أدباء الوطن العربي ، نذكر منهم على سبيل المثال «أحمد زكي أبو شادي» من مصر، ومن أشهر مؤلفاته التّي طبّق فيها مبادئ الرومنسيّة ، واستحقّ بذلك رئاسة الجماعة ، دواوينه الشّعريّة الكثيرة « فوق العباب» «الشعلة» « أطياف الربيع» «أشعة وظلال»«أغاني أبي شادي» «أغاني الحياة»، وهذا الدّيوان الشّعري الأخير يحمل نفس عنوان ديوان الشّاعر التّونسي أبي القاسم الشّابي، وكذا «عودة الراعي» « أنداء الفجر» ومن مصر أيضا « صالح جودت» ودواوينه الشّعريّة« ليالي الهرم» ، «ألحان مصريّة» ،« أغنيات من النّيل» .
وانضمّ إلى هذه الجماعة شاعر بارز هو «حسن كامل الصيرفي» ومؤلفاته الشّهيرة «الألحان الضّائعة» ،«الشّروق» ، «صدى نور ودموع»،أمّا «علي محمود طه» فقد أثرى الساحة الأدبيّة وجَعَل جماعة أپولو أكثر شيوعًا وانشارًا عندما نُشرتْ دواونيه الشّعريّة التّاليّة : «ليالي الملاح »، «الشّوق العائد» ، «شرق وغرب» ، «الملاّح التّائه»
وغيرها من المؤلفات الآخرى . كمانجد شاعرًا يمارسُ مهنة الطّبّ من أعضاء هذه الجماعة هو« ابراهيم ناجي» له دواوين رائعة منها «وراء الغمام» «ليالي القاهرة» ، «الطّائرُ الجريح» ، وهو صاحبُ رائعة الأطلال» .
صوّر أدباء جماعة أيولو آلام النّفس وهمومها ، ومعاناة الفرد والطّبقات الكادحة ، ويتجلّى ذلك في العديد من القصائد ، كالقصيدة التيّ صوّر فيها أبو القاسم الشّابي معاناة الشّعب التّونسي ، وكذا كلّ الشّعوب التيّ عانَتْ ويلات الاستعمار – عن طريق النّزعة الانسانيّة - ، يقول فيها ، وهو يطلق صيحته الجريئة المدويّة:
رُوَيْدَكَ لايخْدَ
عَنْكَ الرّبيعُ وصحو الفضاء ، وضوء الصَّبَاحْ
ففي الأفق الرّحب هولُ الظّلام وقصف الرّعود وعَصْفُ الرّيَاحْ
ولاتَهْزَأَنْ بنَوْح الضّعيفْ فَمَنْ يبْذُر السُوْك يجْن الجراحْ
إلى أن يقول في نفس القصيدة :
تأمّل هنالك أنّي حَصَدْتَ رُؤوسَ الورى ، وزهورَ الأَمَلْ
وروّيْتَ بالدّم قَلْبَ التُّراب وأشْرَبْتَهُ الدّمْعَ حتىّ ثَمــــلْ
سيجْرُفُكَ السْيْلُ سيْلُ الدّمََا ويأْكُلُكَ العاصفُ المشْتَعـــلْ
وهاهو في قصيدة آخرى يُعبّرُ عن آلامه وشعوره قائلاً:
أيُّها الشّعْبُ ليْتني كُنْتُ حَطّابًا فأهْوي على الجذوع بفَأْسي
لَيْتني كُنْتُ كالسّيول إذَا سَا لَتْ تهُدُّ القبورَ رَمْسًا برَمْس
ليْتني كُنْتُ كالرّياح فأطْوي كلّ ما يخنق الزّهورَبنَحْسي
ليْتَ لي قوّة العواصف ياشَعْبي فألْقي إليْك ثوْرةَ نفْســي
أنْت روحٌ غبيَّةٌ تكرَهُ النَّو رَ وتقْضي الدّهورَ في ليْل مَلْسِ
أمّا «ابراهيم ناجي» ، فنلمحُ في شعره الإسراف العاطفي ، مجََسّدًا
بالعواطف الرّقيقة ، والأحاسيس المرهفة ، إضافة إلى مسحة الحزن التّي صبغت هذه الأشعار ، منها قوله في قصيدة « ليلة عيد» .
اليوم منك عرفتُ سرَّ وجودي وعرفْتُ منْ مَعْناك معنى العيد
ماكنْتُ بالفاني وسرُّك حافظي وبمُقْلتيْك ضمنْتُ كُلَّ خُلودي
الآنَ أعْرفُ ماالحياةُ وطيبُها وأقولُ للأيّام طبْت فعودي!
عادَ الرّبيعُ على يديْك وأشْرَقتْ روحي وأوْرَقَ في ربيعك عُودي!
ويقول في قصيدة آخرى بعنوان « كذب السّراب»:
البحْرُ أسألهُ ويسْألني مافيه منْ ريّ لظامئه
مُتمَرّد عات يُظّلُني كذبُ السّراب على شواطئه
كمْ جالَ في وَهَمْي فأرَّقني أربٌ وأيْنَ الفوْزُ بالأَرب؟
وسَرَى بأحلامي فعلَّقها فوْق السُّهَى بلَوَا مع الشّهب
اهتمَّ شعراء هذه جماعة بالمواضيع الإنسانيّة ، فصوّروا البؤسَ وأبْرَزُوا بعض الجوانب السّلبيّة المظلمة في المجتمع ، وعلى نقيض ماقيل عن الرّومنسيين وانعزالهم، كان شعراء هذه الجماعة مُهْتمّين بقضايا مجتمعاتهم ، مُسْهمين في معالجة مشكلاتها « ووسعوا في أشعارهم مظاهر البؤس والحرمان فضربوا بذلك على الأوتار الحسّاسة في النّفس البشريّة ، فانبعثتْ منها الألحانُ الآلمة ، الرّاثية التّي ملأت الأكوان منْ حَوْلهمْ بعَبَق كان لَهُ السّحْر في نفوس اليتَامى والثَّكَالى والبائسين والمحرومين»:* ومن المواضيع الإنسانية المعالجة التّعاطف مع مختلف الشّرائح الاجتماعيّة وقصيدة « خراب الفلاح» للشّاعر صالح جَوْدت قد نظمها ورفعها إلى الأمير عبّاس حليم ، وفيها يتعاطف مع الفلاّح المصري تعاطُفًا كبيرًا ، ويتَحدّثُ عن معاناته من الضّرَائب وعيش الشّقاء، ويُشيرُ إلى بيته الذّي يُشْبهُ الوهْمَ، وعنْ مرضه وما يُلاقيه من خسف وهوان ، يقول فيها:
هو ذاك الفلاّح ، ياقوْمي الذّي يحْيَا حياة سوائم ورغام
مثل السّوائم بل أحطّ بعيْشة مثل الرّغام بذلّة ويذام
وهو الّذي لولاهُ ما ارتفعت لنا رأس ولا كُنّا من الأقوام
إنَّا جميعًا مجرمون إزاءهُ حتّى يخلص منْ هوَى الإجْرَام
وفي ديوانه «وطن الفراعنة»نطالع له قصيدة بعنوان « الفلاح»






*مدرسة أيولو الشعرية في ضوء النقد الحديث د.محمد سعد فشوان . ص221
يقول في بعض أبياتها :
ياحارثَ الأرض في صبْر وفي دعة لولاكَ ماقامَ ملك أو سَمَا علمُ
وياقنوعًا بعيش كله تعب إنّ المتاعبَ فخر أصله الشّممُ
تُركْتَ في الجْهل والأمراض فاتكة والله يُنْكر أهواءَ الألى ظَلَمُوا
وأنْتَ في كُلّ أمْر يُسْتعَانُ به أمّا الجزاء فجهد ذاهبٌ ودَمُ.
أمّا الأبيات التّالية ، فإنّها توضّحُ بقوّة مايتميَّزُ به الشّاعر من إرْهاف حسّ ، ورقّة شعور ، مأخوذة من ديوان «صدى ونور ودموع» عنوانها «ضرغام» وهي في رثاء هرّّ صحب الشّاعر ثمانية أعوام ، وكان وفأؤه العجيبُ عزاءً له عن وفاء ضائع بين النّاس :

يتعجّبُون لأدْمُع تجْري


ونشيح محزون على هرّ


يالائمي في الحزن لاتدري


أيّ الوفاء المحض خلاني

إلى جانب التّأليف الأدبيّ ، أصدرت جماعة أبولو مجلّة تحمل اسمها ، استعملها الأدباء والشّعراء المجدّدون في نشر أدبهم وإذَاعَته وإيصاله إلى القرّاء ، كما كانت تدافع – على صحفاتها – عن مذهبها ومبادئها ، وتُعْتبر أوّل مجلّة خاصّة بالشّعر ونقده ، وأهمّ ماتمّيزت به أعمال «جماعة أيولو» الخصائص الفنيّة التّالية :
1- التّحرّرفي البناء الفنّي للقصيدة ، فقد أبْدعوا شعر التّفعيلة، وتعدّد الوزن والقافية في القصيدة الواحدة ، واعتبرت هذه الجماعة ذات فضل كبير على الشّعراء الذين انطلقوا في السّاحة الأدبيّة متحرّرين من كل مظاهر المحاكاة والتقليد مجدّدين في الشّكل والمواضيع (المضمون) .
2- التّغنيّ بالطّبيعة والتّمتّع بجمالها وسحرها .
3- كثرة الإيحاء في الأسلوب وخاصة في الألفاظ ، وبواسطته يتمّ التعبير عن المعنى والأفكار ورقّتها وعذوبتها.
4- تجسيد الصّورة الشّعريّة بأمر محسوس، ويقول الشّاعر ابراهيم تاجي في هذا المضمون : « وأما الصّور الشّعريّة فنَعْني بذلك أنك حين تقرأ للشّاعر قطعة من شعره ، يكون الشّيء وكأنّهُ مرسوم أمامك بوضوح شديد..... »
3- المـذهب الواقعــي
أ- ظهوره ، مفهومه ، زعماؤه :
كانت الورمنسيّة تحمل في ذاتها بذور الواقعيّة ، ولم يكن المذهب الواقعي معاديا للمذهب الرّومنسي ، فقد ازدهرا معًا ، وتجاورا .
ظهر هذا المذهب (الواقعي) في الثّلث الثّاني من القرن التّاسع عشر تحت تأثير الحركة العلميّة والفلسفيّة من جهة ، وكردّ فعل للإفراط العاطفي الذّي غرقت فيه الرّمنسية من جهة آخرى . وتعود أصوله الأولى ، وجذوره الأصليّة للقرن الثّامن عشر عند بزوغ مفهوم« الواقعية» ، مقابلاً لمفهوم المثالية * ، وهذان المفهومان جسدا مذهبين مختلفيْن اعتمدا كلاهما على« فلسفة رجلين عاشا فترة واحدة ، وتخاصما في الرأي طول حياتهما ، وماتا في سنة واحدة(عام1778م) وكأنّها كانا على موعد رتّبتة لهما مفارقات القدر» ، أولهما جان جاك روسو j.j.ronsseau، يؤمن بأن الإنسان خيّر بطبعه وفي أصله ، وانّ المدنيّة والمجتمع المتحضّر هما المسؤولان على فساد سلوكه. وهذا الرّأي اعتقاد زعيم المذهب المثالي .
أما فولتير voltaire فهو الذّي نظّر للواقعيّة عندما اعتقد بأنّ الحياة شرور ، وأنّ الإنسان ماكر ومخادع ، وقد سخر « فولتير» من الفلسفة المثالية، وتّهامها بالسّذاجة، والضّعف وذلك من خلال مجموعة قصائده التّي عَنْوَنَها « أحاديث عن الإنسان » أو من خلال قصّة« كانديد » candide والتّي جعل البطولة فيها لأحد البُلَّد السُّذَج. فكانديد هنا مثال الشّخصيّة المتفائلة، المتمسّكة بالمثل العالية، وكان مصيرها الفشل الذّريع في الحياة ، لأنها كانت بعيدة عن الواقع بكل محنه ومآزقه.
وبذلك مهَّدَ « فولتير » للمذهب الواقعي الذّي ظهر بشكل جليّ في القرن التّاسع عشر ونعود إلى القول إنَّ ظهوره كان في هذا القرن (19م) ، وهو القرن نفسه الذّي شهدَ تطوّر المذهب الرّومنسي ، والواقعية كمذهب أدبي أوجدت لنفسها طريقاً واضحًا ، وجمعت لها دعاة ومؤيّدين كثيرين ، وفي مقدمتهم أونوري دي بلزاك honoré de bazac ، الرَّائد الأوّل لهذا المذهب بفرنسا ، وقد خلّف أكبر موسوعة في الأدب الواقعي ، وهي تشتمل على نحو مئة وخمسين قصّة أطلق عليها اسم الكوميديا البشريّة comédie humainela وتمثّلُ قطاعات مختلفة من الحياة ،كالحياة السّياسيّة والحربيّة والاجتماعيّة . ومن أعلام المذهب الواقعي الأدبيان الفرنسيان « غوستاف فلوبير» gustave flaubert
(1821-1880م) صاحب الأعمال الأدبيّة المتميّزة مثل « السيّدة بوفاري»
madame bovary وصلامبو salambo ، وغيرهما من الأعمال الأدبيّة القيّمة، وجي دي موباسان maupassantguy de أما عن الأدباء الواقعيين في

المثاليّة:مفهوم ظهر في القرن الثّامن عشر أيضا مع مفهوم الواقعيّة، وتعايش
المذهبان
(الواقعي والمثالي) فترة طويلة رغم تعارضهما حول ماهيةالأدب وطبيعته ووظيفته
انجلترا ، فنجد ريشار شريدران richard sheridan(1751-1816م) ،
وكذلك شاكري shakry ، وشارلز ديكنز dickenscharles (1822-1870م) الذّي قدّم وصْفًا صادقًا وعميقًا للمجتمع الانجليزي في رواياته التّي تركت آثارًا جليّةٌ في الواقعيّة الانجليزيّة مثل صحائف بكويك
pickwicksles aveutures mr ودافيد كوبرفليد david copperfield
وكذلك «دمني وولده damne et son fils»
بعد تعرّفنا على مفهُوم الواقعيّة ، وظهورها وزعمائها ، علينا الأن التّعرّف على منهج الأدباء في التّحليل الأدبي ، والمسار الذّي سار عليه الواقعيون .
إنّ الأدباء الواقعيين يرغبون في تحليل الواقع وتصويره ، وكشف خباياه ، والبحث عن علله وأمراضه ، وتوفير الدّواء المناسب لكلّ أحداثه الواقعيّة ، لذا لجأوا إلى الفنون النّثريّة المختلفة كالقصّة والرّوايّة والمسرحيّة لأنّها الأنسب والأقدر على تصوير الواقع وتحليل الأحداث، وتقديم الحياة الحقيقيّة لاصورتها الشّكليّة . لذا قام أدباء المذهب الواقعي بتشخيص الآفات الاجتماعيّة وتصوير معاناة الطّبقة الكادحة في المجتمع . كما أنّ على الأديب وخاصّة الرّوائي ألاّ يكون رسّامًا فقط ، بل يكون إلى جانب ذلك عالما وفيلسوفًا. فالفلسفة ينبغي أن تقود الرّوائي بحسب بلزاك» ... «الإنسان نتاج المجتمع ، وأنّ المجتمع هو الذي يفرق بين أجناس البشريّة ، بحسب الاختلاف بين الطّباع»
فالأديب الواقعي لا يأخذ من واقع الإنسان ، وواقع الحياة ، ولايصوّر مافيهما من خير وشرّ كآلة التصوير فوتوغرافيّة ، كما أنّه لايعالج مشاكل المجتمع بإيجاد حلول لها ، ولايتوجّه نحو الخيال ، إنما عليه أن ينتهج نهجًا خاصًا في فهم الحياة وتفسيرها ، ومن هذا المنطلق نجد للواقعية عدّة اتجاهات مختلفة باختلاف النّهج الذي يختاره الأديب الواقعي لتفسير الحياة والواقع وفَهْمهما ، وسنتعرّض لها من خلال االنّقطة الموالية :
ب‌- اتّجاهات الواقعيّـــة:
يميّز النّقاد في عصرنا بين ثلاثة اتّجاهات في المذهب الواقعي هي :
1- الواقعية الانتقاديّة le réalisme critique
وهو الاتجاه الواقعي الذي يقوم على انتقاد المجتمع ، وأصحاب هذا الاتجاه وقفوا موقفا انتقاديًا إزاء المجتمع ، وأكثر ماظهر هذا الاتجاه في الأدب الفرنسي عند«بلزاك» و« ستندال» ، وكذا في مؤلفات الأدباء الرّوس أمثال دستويفسكي dostoivskiوتولستوى tolstoi صاحب القصّة المشهورة «حرب وسلم» guerre et paix، والأديب الأمريكي ارنست همنجواي ernest hemingway

2- الواقعيّة الطّبيعيّة : le réalisme naturel
وهي شكل حادّ من أشكال الواقعيّة ، ارتبط هذا الاتّجاه بكل ماهو مادي وملموس . وأصحاب هذا الاتّجاه راحوا يعملون على توثيق صلة الأدب بالحياة فصوّروا الواقع الاجتماعي بمختلف أبعاده وهمومه ، واستعانوا بالعلوم التّجريبيّة لتحليل الواقع الاجتماعي ، فأخذوا يطبّقون نظرياتهم في أدبهم. وعلى هذا الأساس نجد الأديب الفرنسي «إميل زولا» emile zola(1840-1902م) يطبّق اكتشافات الفيلسوف «داروين» darwin ، نظرية أصل الأنواع وقانون الأثر الحاسم للبيئة ، إضافة إلى نظرية «مندل»mandel في الوراثة.
3- الواقعيّةالاشتراكيّة le réalisme social
وهي واقعية جديدة طغت عليها النّظرة الماركسيّة إلى الفن والأدب، كما هي حصيلة التّجربة الأدبيّة المعاصرة . وقد رأى أصحاب هذا الإتجاه في الواقعيّة أنّ الأدب يجب أن يخدم هذه النّظرة ، ويُعَبّر عن انشغالات الطّبقة العاملة ، بالدّفاع عن حقوقهم ومصالحهم، ورأوا هذا التزامًا منهم ، وواجبًا يؤمنون به ، ويسعون إلى تحقيقه في الواقع .
« لذا فإنّ الواقعيّة أفرزتها ظروف تاريخيّة معينة ، اجتماعية بحتة معارضة للرومنسيّة والمثاليّة الطّبيعيّة» *
إنّ الواقعيّة الاشتراكيّة تعتمد على تحليل الواقع تحليلاً دقيقًا ثم تقبل ما يوافقُها ، وتطرح ماعدا ذلك . ويؤمن أدباء الواقعيّة الاشتراكيّة أنّ الواقع يمكن تغييره، لأنّ الإنسان مالك لمصيره ، لذا باستطاعته أن يستعمل هذه الظروف لصالحه في تغيير الواقع ومن ثمّ تغييره لنفسه . وهذه الفكرة مأخوذة من صميم النظرية الإشتراكيّة فقد قال زعيمها «كارل ماركس» : « الإنسان يعمل في الطّبيعة الخارجيّة وتغيّره، وفي الوقت نفسه يغيّر طبيعته ويطوّر الملكات الكامنة فيه.... »

خصائص المذهب الواقعــي

1- اتّخاذ الواقع موضوعًا واتجاهًا (تصوير الواقع ، كشْف خفاياه) .
2- الاهتمام بقضايا الإنسان ومشاكله وخاصّة الاجتماعيّة.
3- استخدام التّفاصيل الكثيرة المنتزعة من الحياة العاديّة .
4- تغلّب الجانب السودوي(التّشاؤمي) في النظرة إلى الحياة والوقائع وذلك
لانتهاج طريقة النّقد وإبراز العيوب .
5- اتّصال الواقعيّة بكل ماهو مادي وملموس تأثّرًا بالعلوم التّجريبيّة لتحليل
الواقع.
6- تطبيق بعض المفاهيم والمبادئ الفكرية والسّياسيّة على الواقعية ممّا دفع إلى
ظهور اتجاهات واقعية جديدة كالواقعية الاشتراكية.
7- تنّوع اتجاهاته (اتجاهات المذهب الواقعي) كالاتجاه الانتقادي، الاتّجاه الطّبيعي
والاتجاه الاشتراكي .
8- اتّخاذ الفنون النّثريّة وسيلة تعبير عن الواقع.

أثر المذهب الواقعي في الأدب العربي الحديث :

تأثّر الأدباء العرب بالمذهب الواقعي ، لكنّهم لم يجعلوا من الواقعيّة في أدبهم نهْجًا للتّشاؤم والحزن والسّودويّة، بل نهَجُوا نهْجًا خاصًا استوْحوهُ من الواقع العربي بمشكلاته الاجتماعيّة ، وقضاياه السّياسيّة .
وتجلّى هذا التأثير بشكل واضح بظهور وتطوّر الفن القصصي، فالقصّة لم تعد كما عرفناها عند الجاحظ وابن المقفع ، بل أصبحت أكثر نضْجًا ، والمسرحيّة –هذا الفن الذّي لم يؤلف فيه العرب القُدامى ، ولم يعرفوه إطلاقًا – بدأ خطواته الأولى في العصر الحديث بفضل المذهب الواقعي ، إضافة إلى ظهور الرّوايّة في أدبنا المعاصر ، وقد تمَّ هذا التأثّر والتطوّر في الفن القصصي بمروره بثلاث مراحل أولها مرحلة التّرجمة إذ نقل بعض الأدباء العرب قصصًا وروايات من الّلغات الأجنبيّة إلى الّلغة العربيّة، ومنها رواية «البؤساء» لفكتور هيجو والتّي ترجمها حافظ ابراهيم.أما المرحلة الثانية ، فهي مرحلة الاقتباس ، ونقصد بهذا الأخير توظيف فكرة القصّة أو المسرحيّة، وصياغتها في قالب عربي (أحداث،مكان،زمان،شخصيات) كاقتباس مصطفى لطفي المنفلوطي لقصة پول وفرجيني paul et virginie ، وصياغتها في قصّة عربية تحمل عنوان « الفضيلة» *
أما المرحلة الثالثة ، فهي مرحلة الإبداع والتّأليف، وهي المرحلة التّي شهدت تطور القصّة العربيّة – وهناك مَنْ يقول ظهور القصّة العربيّة – وظهور العديد من المؤلفات الأدبيّة التّي تثبت تأثر الكثير من الأدباء بالمذهب الواقعي .
ومن الذّين جسّدُوا هذا التأثير والتطوّر نجد الأديب المصري محمود تيمور ، المتأثّر بالواقعيّة الفرنسيّة ، حيث كانت أكثر أعماله القصصيّة لوحات لأوضاع اجتماعيّة غلب عليها شيء من التّخيّل ، ممّا جعلها تفتقد- نوعًا ما- للوضوح والدّقة في تصوير الواقع الحقيقي للمجتمع المصري . ومن قصصه الكثيرة ، هذا المقطع من قصّة أب متألم لوفاة ابنه:



المذاهب الأدبيّة الغربيّة وأثرها في الأدب العربي ، امحمد موزاوي، دار هومه (الجزائر)، 1997، ص:37.
*انظر «القصّة والمسرحيّة ، تطوّرهما وخصائصهما »
« ... وذهبت مرّة إلى الضّيعة كعادتي ، فبلّغت بخبر فظيع كان له أسوأ وقع في قلبي. علمت بأنّ الإبن مات قتيلا تحت عجلات القطار . وقصدت من فوري الشيخ عسّافا في داره لأعزّيه في نكبته ، فأكرم وفادتي وقدّم لي كالمعتاد فنجانا من قهوته الرّيفيّة . ولكنه كان يعمل كالآلة الميكانيكيّة بلا روح. ولاحظت عليه شحوبا وامتقاعًا في اللون . وكنت أحسّ وهو يتكلّم كأنّه ينتزع الكلمات من لسانه في الجهد ، وكأنّه يفتّش عن الموضوعات في حيرة ، ذلك الذي كان لا تعوزه طلاقة ولا بيان... »
أمّا الواقعيّة الحقيقيّة في الأدب العربي الحديث ، فقد تجلّت عند طه حسين الذّي ألّف « المعذبون في الأرض» عبّر فيه عن رفضه للحرمان والفقر، مطالبا بالعدالة الاجتماعية والحقوق الإنسانية .
وكتب توفيق الحكيم روايته« يوميات نائب في الأرياف » عام 1937 ،وقد أتيح له في ذلك الوقت الإتّصال بالّريف بحكم عمله ،فوقف على حال الفلاّح المصري فقدّمه في يومياته جاهلاً ،مريضاً،محروماً يحمل ذلّ أجيالِ من الإقطاعيّين المستبدّين ،وذلك من خلال مواقف حيّة من واقع الرّيف المصري . ترجمت هذه الرّواية إلى أغلب لغات العالم ،و حقّقت نجاحا باهراً جعلت من صاحبها يبلغ أعلى مكانة بها و بمؤلفاته الآخرى .
كما ظهرت الواقعيّة في أدبنا العربي الحديث عند العديد من الأدباء منهم«يحى حقّي» في مجموعته القصصيّة « ماءٌ وطين» ،و« يوسف ادريس» في روايته « الحرام» ، وعبد الرحمان الشرقاوي في روايته « الأرض» .
وهي مؤلفات ركّز فيها أصحابها على كشف الأحوال السيّئة للمجتمع ومظاهر الحرمان والشّظف الإجتماعي فيه .
لم يقتصر تأثير الواقعيّة في الأدب العربي على ظهور وتطّور الفنون النثرية السابقة الذّكر كالقصّة ، والرّواية ، والمسرحية ، بل نجد هذا التأثير جليّا في أغلب قصائد الشّعر الحديث ، ونظم الشعراء قصائد بكاملها ذات مواضيع إجتماعية ممّا جعل الشّعر الإجتماعي * يزدهر ازدهارا كبيرا في هذا العصر على يد أحمد شوقي ، معروف الرّصافي ، حافظ ابراهيم...وهاهو أحمد شوقي ، أمير الشعراء ، يقول عن العلم والتّربية واقترانهما :
وإذا أصيب القوْمُ في أخلاقهم فأقمْ عليهم مأْتمًا وعويلاَ
ليْسَ اليتيمُ مَنْ انْتَهىَ أبواهُ منْ هُمّ الحياة وخلفاهُ ذليلاً

*انظر«الشعرالإجتماعي،تطوّره وخصائصه»جزء الشعر الإجتماعي في العصر
الحديث.
إنَّ اليتيمَ هُو الذّي تَلْقى لَهُ أمَاّ تخَلَّتْ وأبًا مَشْغُولا
الواقعيّة في الأدب الجزائري.
تجلّت الواقعيّة في الأدب الجزائري في الرّوايات المكتوبة باللّغة الفرنسيّة إذْ تناولت الحياة الجزائريّة بكل تفاصيلها وأبعادها ، ونلمس ذلك مثلاً في رواية « ابن الفقير»
fils du pauvrele لمولود فرعون mouloud feraoun ، التّي صوّر فيها نشأته الفقيرة ، ووصف حياة الفلاحين البائسة ، وكيف أنّهم « يسْكنون بُيوتًا بدائية فقيرة ، تتسلق قممًا مرتفعة ، يعلو كل منها الآخر ، وكأنها عظام عمود فقريّ هائل لحيوان رهيب من حيوانات ما قبل التّاريخ... » ، وهكذا سار مولود فرعون في أعماله ، يتّجه إلى المجتمع ، ويكشف عن شروره ، وليس عجيبًا بعد ذلك أن يقول عنه الأديب الفرنسي اندريه مالرو« إنّ مولود فرعون يرسم صورة للواقع الإنساني في الجزائر، ويبدع في تحليل المشاعر والعواطف الإنسانية ، يتحسّسُها ويَعرضُها بكل أبعادها الحقيقيّة»
كما نلمح الواقعية في مؤلفات «محمّد ديب» الذّي عمل محاسبًا ونسّاجًا ومعلمًا وصحفيًا قبل أن يدخل ميدان الأدب ، وقَدْ انعكست هذه التّجارب والخبرات كلّها على أدبه فأكسبَتْهُ عُمْقًا ، وجعلتهُ أكثر التصاقًا بالواقع . فنلقاه يُهاجم المستعمرين وعملاءَهمْ على لسان ابن أيّوب أحد أبطال روايته «الحريق» بقوله :
« لقد اسْتَوْلوا على كُلّ شَيْء ، إنَّهُمْ يُريدونَ أنْ يصبحُوا سادةً أيضًا ، لقْدْ جَعَلوا منْ وَاجبهُمْ الحقْدَ عليْنا . وهاهُم أولاءِ ينْتَزعُونَ في كُلّ يوْم قطْعَةً منْ لَحْمِنَا ، فيبْقَى مكانَها جرحٌ عميقٌ تسيلُ منهُ حياتُنَا ...
ياجيراني... موُتوا وأنْتُمْ تعْمَلُون ، ولاتَتْرُكُوا أرْضَكُمْ ، ولاَ تهْجُرورا شبْرًا منْها . لأنّكُمْ إنْ هجَرْتموها هَجَرَتْكُمْ ، وبقيتُمْ أنْتُمْ وأولادُكم أشقياء مدى الحياة»
ويُصوّر حال عمّال المدن في الجزائر على لسان إحدى شخصيات روايته: «حتّى لوْ عملنا طول الحياة لما بقي لنا في نهايتها سوى ملاجئ العجزة والتّسوّل»
ولم يكن النّثر وحده هو المساهم في ابراز ملامح الواقعيّة ، وتصوير الواقع الجزائري ومعاناة الشّعب اليوميّة ، بل نجد الشّعر الجزائري أيضًا شديد الارتباط بالحياة الاجتماعية ، والمعاناة اليوميّة للشّعب،نأخذ كمثال عنه مانظمه الشّاعر«محمّد الصالح خبشاش» معّبرًا عن واقع المرأة الجزائريّة المؤلم ، داعيًا إلى تربيتها وتعليمها :
* تركوكِ بيْن عباءةٍ وشقاءِ مكْؤوبةً في اللّيْلَة اللّيْلاءِ
* دفنُوكِ مِنْ قبْل الممات وحبذَا لَوْ مِتِّ قبل تفاقُم الأدواءِ
* مسجونة ، مزجورة محرومةً محفوفة بملاءةٍ سوداء
* لهفي على الجِنْس اللّطِيف تداولت عنْه الرّيَاحُ بأرْضِنَا الجذباء
* أتُرى أرى فتياتنَا وسط المدا رسِ، يرتشِفْنَ سلافة القّراءِ
وهاهو «محمّد الأمين العمودي» يُعَبّر عن حاله ، ويصف إحساسَهُ بما يعيشُه الشّعْبُ قائلاً :
* نفْسِي تريدُ العُلا والدّهْرُ يعْكسُهَا
بالقَهْر والزّجْرِ ، إنّ الدّهْرَ ظَلاَّمُ
* أبْكِي إذا اشْتَدَّ إرْزَامُ الحوادث بِي
وللحوادث مثل الرَّعْدِ إرْزامُ
* إنْ حَلَّ عامٌ جديدٌ قمتُ أسألهُ
قُلْ لِي : بماذَا أتيْتَ أيُّها العام ؟
* إنِّي وإنْ حَطَ سوءُ الحَظِّ منْزلتِي
قَدْ أعَلى شَرَفِي بالظُّلْمِ أقوامُ

هذا ، ولنا في أشعار العديد من الشّعراء الجزائريين الآخرين خير مثال على الجانب الواقعي ، أمثال «محمد العيد أل خليفة» ، «والشيخ ابراهيم أبي اليقظان»
هذه هي الواقعية في الأدب العربي الحديث ، ومظاهرها الكثيرة وهي واقعية مختلفة – نوْعًا ما- عن الواقعية الغربيّة ، ابتعد فيها الأدباء العرب عن النّظرة التّشاؤميّة ، ورفض الحياة،وجعلوها همزة وصل بين الأدب والحياة عمومًا، والأدب والمجتمع والواقع خاصّة ، فيظهر بذلك التّأثر بأدب الغرب وبدء مرحلة جديدة في حياة الأدب العربي.
4- المـذهب الرّمـزي
بعد تعرّفنا على الكلاسيكيّة، الرومنسيّة ، والواقعيّة ، أدركْنا كيف أنّ كلّ مذهب كان يسود فترة من الزمن حتى يتطرف في إتجاهه فيظهر مذهب آخر يبتعدُ عن المذهب القديم ويسير في اتّجاه جديد ، فقامت الرّومنسيّة على أنقاض الكلاسيكيّة ، وقامت الواقعيّة لتُخالف اتّجاه الرّومنسيّة لتغرق بدورها في مشاكل المجتمع وقضاياه ، وأدّى ذلك الإغراقُ إلى تيار آخر ، لايريدُ أن يكون للمجتمع المحلّ الأوّل في الإنتاج الأدبي ، بل يتّبع فلسفة خاصّة تقوم على« إنكار كل ماهو خارج الذّهن البشري ، بمعنى أنّ اللّغة لاتستمدُّ قيمتها في ألفاضها إلاّ بقدر الصّور الذّهنية التّي تُثِيرها هذه الألفاظ في أذهانِنَا»
ترجع الأصول النّظريّة للمذهب الرّمزي إلى مثالية أفلاطون - حسب رأي الدّكتور محمّد مندور - ، وهذه المثالية لاتعْترف بالحقائق الخارجيّة المحسوسة ، وإنّما تعامِلها على أساس أنّها رموز للحقائق المثالية الموجودة في العالم البعيد .
أمّا الرّمزيّة كمذهب أدبي له منهجه ومصطلاحاته ، فقد ظهرت في النّصف الثّاني من القرن التّاسع عشر ، وعاصرت مذهبًا أدبيًّا آخر سنتعرّف عليه بعد الاطلاع على مايتعلّق بالرمزية، وهو« البرناسية» والرّمزيّة تُؤمنُ بعالم الجمال المثالي ، وتعتقد أنّ هذا العالم يتحقّق في الفنّ، وأنّ الشّاعر الرّمزي تتحقق له نشْْوة الرّوح وسموّها من خلال ذلك ، وعليه ينظر أصحاب هذه الفلسفة إلى الّلغة على أنّها وسيلة للإيحاء ، وليست وسيلة توصيل للمعاني ، وينظرون إلى الأدب في توليده للمشاركة الوجدانيّة . بين القارئ والكاتب ، إنه لا يسعى إلى نقل المعاني ، وإنما يسعى إلى نقل« العدوى الفنيّة»* ونقل حالات نفسيّة بين الطّرفين (القارئ والأديب)، وهنا تتّضح وظيفة الأدب الرّمزي ، ولذلك حتىّ يكون الكلام ذا وقع كبير في نفس القّراء ، يؤثر الرّمزيون مايسمّى بالمبادلات الرمزية وهو تشبيه المؤثرات البصرّية بالمؤثرات السمعيّة أو اللَّمسيّة ، لا لأن بينها تشابهًا خارجيًّا، بل لشدّة تأثيرها ، وهذه الطّريقة سمّاها ارثر رامّبو arthur rimbaud (1854-1891)« تسْويش الحواس » ومن أمثلتها قول الشّاعر الرّمزي الشّهير شارلز بودلير charles beaudelaire (1821-1867) « هناك عطور نديّة كأجساد الأطفال ، عذبة كالمزمار، خضراء كالمروج» وهو يُشبّه العطور بما هوملموس تارة ، وبما هو مسموع ومرئي تارة آخرى.
وقد اهتمّ الرّمزين بالايقاع الموسيقي في شعرهم اهتمامًا كبيرًا ، فبالموسيقى وحدها يستطيع الشاعرُ أن يُوقِظ في المتلقين الظّلال العاطفيّة والرّؤى الراعشة التّي غمرت نفسه ، ولذلك ثاروا على الأوزان التّقليديّة .
ومن كلّ ماسبق تتضّح في الرّمزيّة أنواع واتجاهات هي :
1-الـرمزيّة اللغـويّة le symbolisme linguistique
ويقد بها أنّ الوظيفة الأساسية للأدب تتمثّل في نقل الصّور اللّغويّة من نفس إلى آخرى ، وفي مقدمة الرّمزيين الذّين انتهجوا هذا النّهج شارْلز بودلير ، كمايرى بأنّ الحواس مُتداخلة، ينوبُ بعضهما عن بَعْض في التأثير النّفسي ، ومثال ذلك هذا الوصف لأحد الزمريين وهو يصوّر السّماء المغشاة بالسّحب البيضاء ، قائلا: « وكان لونُ السّماء في نعومة اللّؤلؤ» إننّا من خلال هذا الوصف نحسّ باللّون عن طريق حاسة اللّمس التّي توحِي بها عبارة «نعومة اللؤلؤ» ، وهذه الأخيرة لم تبيّن اللّون مباشرة إنّما ولدّت في نفوسنا إحساسًا به ، ونقلت إلينا وَقْعَهُ .



التّفصيل في كتاب الأدب ومذاهبه ، د. محمد مندور ، ص.77
2- الـرمزية الشعـرية le symbolisme poétique
ويظهر هذا الإتجاه من الرّمزيّة في الشّعر الغنائي بحيث تسْعَى إلى خلق نفسية عند الملتقي ، والإيحاء بها اعتمادًا على الرّموز، الغامضة والمبهمة ، ولا يهمّ أهل هذا الاتّجاه تفاصيل المعاني بقدر مايهمّهم الوضع النّفسي الذّي ينطلق منه الشّاعر والعمل الأوّل للشّاعر هو إعطاء معنى أكثر صفاءًا للكلمات ، فالشّاعر إذن يجب ألاّ يكون وصفيًا ، ولا روائيًا ، بل إيحائيًا في أعماله الأدبيّة . كما تظهر هذه الرّمزيّة في الشّعر التّمثيلي أيضًا ، ومن أعلام هذا الاتجاه الرّمزي زعيم الرّمزيين ستيفان مالرميه s.mallarmé والشاعر الأمريكي إدجار ألان يو edgar allan poe
3- الرّمـزيّة الموضـوعيّة :le symbolisme objectif
يلجأ الأدباء الرّمزيون في هذا الاتّجاه إلى معالجة المشاكل الإنسانيّة ، والأخلاقيّة بواسطة الخيال وتصوّراتها ، وهذه التّصوّرات تكون غالبًا بعيدة عن مشاكل واقع الحياة، فهي لا تهدف إلى تصوير هذا الواقع وتحليله ونقده ، بل تهدف إلى تجسيد أفكار مجرّدة ، وتحركها في أحداث تتداخل وتتشابه لإيضاح الحقائق الفلسفية والأخلاقيّة ،ويتمّ ذلك بواسطة الأساطير القديمة في أغلب الأحيان ، كما قد يلجأ الأديب الرّمزي في بعض الأوقات إلى ابتكار أحداث ووقائع مسرحيّة من الخيال .
أثر المذهب الرّمزي في الأدب العربي الحديث
تأثير هذا المذهب نسبيّ، ويعود السّبب إلى اختلاف ظروف نشأة هذا المذهب في موطنه الأمّ عنها في البلاد العربيّة.
وكان الأديب اللّبناني سعيد عقْل (1818-1916) من أوائل الأدباء العرب نقْلاً
للرّمزيّة الغربيّة إلى أدبنا العربي الحديث مؤكدًا على أنّ الشّعر يجب ألاّ يُخْبِر، بل يوحي ويلمّح ، كما أصرّ على الإدراك اللاّ منطقي والحدسي للعالم ، على طريقة الرّمزيين الغربيّين، كما اعتبر أنّ الشّعر موسيقي قبل أن يكون فنًّا فكريًّا ، ومن هنا فقد اهتمّ الرّمزيون بالإيقاع الموسيقي في شعرهم اهتمامًا واسعًا – كما سبق الإشارة إلى ذلك عند تحديد مفهوم الرّمزيّة ، وكيفية تحقيقها - ، فبالموسيقى وحدها يسْتطيع الشّاعر – حسب اعتقادهم- أن يوقظ عواطف القرْاء ومشاعرهم ، والتأثير فيهم ، وحتى لايجد عائقًا في طريقة فإنّ عليه أن يثور على الأوزان الشّعريّة التّقليديّة .
كان هذا في بداية ظهور المذهب الرّمزي في بداية احتكاك العرب بالغرب ، لكن بمرور الأعوام وتغيّر الظروف ، وسير الأدب العربي نحو الأمام بدأ الأدباء عامّة، والشعراء خاصة بالاهتمام بهذا المذهب وبالخصوص الشعراء المجددون في شكل القصيدة الذين انتهجوا فيها طريقة جديدة في النظم ففضلوا شعر «التفعيلة» والخروج عن المألوف بالتأثير في القارئ عن طريق الإيحاء والموسيقى أمثال نازك الملائكة ، السّياب ، أدونيس وغيرهم ...
5- مذاهـب أدبيّـة آخرى
1- المذهـب البرناسـي (مذهب الفنّ للفنّ): ظهرت في أروبا مدرسة أدبيّة جديدة في نفس فترة وجود المذهب الرّومنسي ، وتأسست كي تُعارض الرّومنسيّة ، فهذه الأخيرة تقوم على نظريّة التّعبير الحرّ مدعمّة بالعاطفة والخيال، وترى أنّ الشّعر وسيلة للتّعبير عن الذّات ، بينما اعتبرت البرناسيّة الشّعر خاصّة ، والأدب عامّة غاية في حدّ ذاته ، يريدون بهما إبراز الجمال الموجود بالطّبيعة فقط دون سواه من الأهداف الآخرى ، وعليه فلا يهتم البرناسي بالغرض الاجتماعي والأثر النّفسي ، بقدر ما يهمّه المتعه الفنيّة وحدها .
لقي هذا المذهب انتقادًا كبيرًا ، وخاصة من طرف الاشتراكيّين والواقعيين، متّهمين إيّاه بفصل الأدب عن المجتمع ، وحبسه في الأمور البعيدة عن الواقع. وكان ردّ أنصار هذا المذهب على المهاجمين له بأن وظيفة الأدب عموماً، والشعر خصوصا هو استعراض الجمال الفنّي المجرّد وليس حلّ المشاكل الإجتماعيّة كما أنّ حاجة المجتمع الجمالي والرّوحي تماثل حاجاته المادية واتّهم هذا المذهب أيضا من وجهة الأخلاق ، فالأخلاقيون وجدوه يتناول الجمال في عالم الرّذيلة والفضيلة على السّواء فهو يتعارض مع الأخلاق والسّلوك القويم ، ويجب أن يتقيّد الجمال المجردّ بالقيود التربوية على الأقل . وكان الرّد لدعاة الفضيلة بأنا المذهب البرناسي يرى للفنّ مقاييس خاصة مغايرة تماما للمقاييس الأخلاقيّة .
« والحقيقة أنّ المذهب البرناسي يقوم على نظريّة ، لها علاقات وطيدة بدعاة نظريّة التعبير فنيّا وأدبيّا وفلسفيّا* ولفهم ذلك علينا أن نتعرّف على الظّروف التيّ أوجدت هذا المذهب الأخير فقد ظهر مذهب « الفنّ للفنّ» في أوآخر القرن التّاسع عشر الميلادي ، وهو العصر الذي بدأت فيه البرجوازيّة تفقد مصداقيتها على الصّعيد السّياسي والاقتصادي والأدبي والفكري . وعليه جاءت نظرية الخلق كردّ فعل على تحوّل الفنّ إلى سلعة في العالم الرأسمالي ، فهي إذن حركة إحتجاج عنيف للوضع الذّي آل إليه الفنّ عمومًا، والأدب خصوصًا.
ونادى أنصاره بالفن الحقيقي ، ورفضوا أن يوظّف في خدمة أهداف نفعية .
ومن هذا المنطلق، تبنىّ البرناسيون فكرة المثالية المحضة ، التي بفضلها يتحرّر الفن مرّة آخرى ويعود إلى مكانته الساميّة ، مبتعداً عن السوق التجاري الرأسمالي،
ولقد إستلهم أصحاب هذه المدرسة أفكارهم من فلسفة« كانط » المثاليّة الذاتيّة ، التّي

التّفصيل في كتاب نظريّة الأدب ، ص .51
تفصل بين الجميل والمفيد وترى تناقضا بينهما . فالأدب عندهم متعة فنيّة مجرّدة، وأن« لاوجود لشيء جميل حقّا إلاّ إذا كان عديم الفائدة،وكلّ ماهونافع قبيح* حسب رأي تيوفيل جوتيه .
ويعتبربودلير أوّل من أعتقد بالمتعة الخالصة للشّعر، وقال بفكرة« الفنّ للفنّ» من خلال ديوانه« أزهار الشّر» les fleurs du mal وللبرنسيّة دعاة كثيرون منهم : ادجار ألان يو،e.a.poe ، برادلي bradley ، و ت . س.إليوت t.c.elliot،
وعزرا باوند ،وغيرهم ، فهم كثيرون .

2- المذهـب الطبيعـي (المدرسة الطّبيعيّة).

وهو امتداد للمذهب الواقعي، ونتيجة تطوّره، إذ شهدت أروبا موجة من الإكتشافات العلمية الواسعة ،في النّصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي ، وظهرت المناهج التجريبيّة ممّا حدا بكثير من الواقعيين إلى ربط الفنون عامّة ، والأدب خاصة بهذه العلوم ، وتفسير الإبداع تفسيرا جبريّا لأنهم يعتقدون بأنّ الإنسان تتحكّم فيه ثلاث عوامل هي: الجنس، البيئة والزّمن . وما الأدب إلانتاج ومحصّلة هذه العوامل الثلاثة مجتمعة. ويعود هذا الرأي للمؤرّخ الفرنسي« هيبوليت تين» وظهر ذلك سنة 1863م في مقدّمة كتابه« تاريخ الأدب الانجليزي» ، كما تأثّر أصحاب هذه المدرسة «بالفلسفة الوضعيّة» لأوغست كونت . وتزعم هذا الإتجاه الطّبيعي إميل زولا المتوفي عام 1902* فإليه يرجع الفضل في إرساء معالم هذه المدرسة بكل خصائصها بحيث عرضها في كتابه« القصّة التجريبيّة» ، وخلاصة ما ذهب إليه في هذا الكتاب أنّ الإنسان حيوان تسيّره غدده وغرائزه ، وهي التّي تتحكّم في سلوكه. ومن هنا تبدو المبالغة التيّ سقط فيها
« إميل زولا» واتباعه عندما أقحموا عبثا النّظريات العلميّة التّجريبيّة الحتميّة في مجال الأدب بشكل غير مستساغ .

3- المــذهب السّــريالي

وله أيضا علاقة وطيدة بالمذهب الواقعي وبالتطوّر الذي عرفه، والذّي انجرّ عنه ظهور الفكر الطّبيعي . والسّريالية نتيجة للتّطوّر الذي عرفه علم النّفس بعد الحرب العالمية الأولى ، بحيث ظهرت دراسات أللاّشعور لفرويد freud ، وذهب هذا
الأخير إلى إظهار ما لهذه المنطقة الحسّاسة من تأثير في سلوك الإنسان ، وأن

الغريزة الجنسيّة هي المحور في كل العمليات سواء كانت ذهنيّة أم سلوكيّة . بل حتىّ أنّ الأدب يتأثر هو الآخر بهذه الغريزة ، ويستدلّ أصحاب هذه المدرسة بمسرحية « أوديب » للمسرحي اليوناني سوفوكليس لإثبات صحّة نظريتهم .
وقد عرف هذا الاتجاه تطوّرا خطيرا بعد الحرب العالمية الأولى من جرّاء ماتركته الحرب من تصدّع في القيم الإنسانية ، وانحلالات أخلاقيّة ، وراح الأدباء في ذلك الوقت يهتمون بالمذهب الفرويدي وبمنطقة اللاوعي التّي تمثّل واقع الكبوتات ، وناوا بضرورة تجاوز الأدب لواقع الشّعور إلى واقع اللاّشعور ، وبذلك اتّجه السّرياليون إلى الأداب المكشوفة التّي تخدم الغرائز الحيوانيّة في الإنسان بحجّة التّخلّص من القيود الاجتماعيّة ، وأشهر من مثل هذا الإتجاه الرّوائي الفرنسي «برنشتين» . كما تأثر النّقد لهذا الاتجاه ، وأصبح يسقط كثيرًا من التّفسيرات وهو يحلّل شخصيات قصّة أو مسرحيّة ، حتّى جعلت هذه المبالغةُ الأدب ينحطّ، ويتشوّه بذلك الذّوق الفنّي .
ومن أعلام السّريالية الآخرين: آدلر ، يونغ ، اندرية بريتون.
أما فيما يخصّ تأثير كلّ من البرناسيّة والطبيعيّة والسّرياليّة في الأدب العربي الحديث ، فهو تأثير يكاد يكون ظاهرًا، وقلّة التأثير هذه – وخاصة بالنّسبة إلى البرناسيّة والسرياليّة – تعود إلى التزام الأدباء العرب بواقعهم ، والعمل على النّهوض به وتغييره ، كما أن الظّروف الماديّة والنفسية التّي أوجدت هذه المذاهب الأجنبيّة غريبة تماما عن المجتمع العربي لذا فإنها لم تجد طريقًا إلى أدبنا العربي، فاصطدمت برفض وإنكار شديديْن.
منقول من "السبيل في الأدب العربي"

وفقك الله وجميع المقبلين على امتحان شهادة البكالوريا.

***************
يسلموووووووووووووووووووووو بارك الله فيك وجزاك الجنة









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مساعدة, فضلكم


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 23:37

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc