ربّما يا أخي طُمآح الذُؤابة تجرّني جرًا كحروف الجّر للدّخول في تفاصيل أخشاها و أتهرّب منها ، ليس لشيء ، سوى أنني أتحاشى نقاط قد تجرّنا لسوء فهم مقاصدنا أو الغوص و التفرّع في أمور قد تبدوا للبعض خروجًا عن محور الموضوع ، و لكن طامتنا تكمن هنا وفي التّفاصيل ، ربّما أسئلتك الدّقيقة تجعلني أقف لبرهة حائرًا و معجبًا في نفس الوقت بخاصية التركيز و الملاحظة التي تتميّز بها .....
نعم أحسنت الملاحظة ، الإسلام هو الذي جمعنا و وحّدنا كأمّة واحدة ، و أمّا الإيمان شيء أسمى و أعلى درجة يتصف بها المسلمون .......
الأخطاء تتوالى و تزداد خطورتها حينما نتعدّى حدودنا ، فحينما يذكر خالقنا سبحانه و تعالى أنّه يتّصف بمعرفة ما في القلوب ، فهذا يعني أنّ مخلوقاته جميعًا لا تستطيع أبدًا بلوغ هذه الدّرجة أو الصّفة
و حينما يذكر خالقنا سبحانه و تعالى و يقول : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12) / سورة الحجرات
ها هنا تكمن بداية الإنشقاق في الأمّة المسلمة ، و طامتنا حينما نحشر أنفسنا فيما لا يعنينا و نصبح نقسّم مفاتيح أو بطاقات دخولنا للجنّة بأيدينا و نُصدر و نلصق بطاقات الدخول لجهنّم على ظهور بنوا جلدتنا جرّاء إصدار أحكام جاهلية ترتكز على الظّن و الشّك و المظاهر و الأقاويل الجهنّمية و تكفير بعضنا البعض و إلصاق تهم النّفاق و غيرها ......هيهات هيهات لو كان الحكم بيد بنو البشر .....إنّما اللّه سبحانه و تعالى ينفرد بالحكم بما تُخفي الصّدور و درجة إيمان كل مسلم .....و يبقى حكم بنو البشر في هذا الخصوص إلاّ فسادًا في الأرض و انشقاق و خلاف و أماني
لذلك قلتُ فيما سبق أنّ حدودنا مرسومة و يجب ألاّ نتعداها ، أي معناه لا يجب أن نحكم أو نشك في إيمان من يشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمد رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلّم) ، بل نقول عليه أنّه مسلم و كفى ، ليس لشيء إنّما لأنّه ليس من إختصاصنا و لا من صفاتنا معرفة ما في القلوب ، و لا نستطيع أصلاً ضمان صحّة أحكامنا ، و تبقى مجرّد تكهّنات قد نصدّقها و يصدّقها متحجّر العقل .....، و الحكم في ذلك للواحد الأحد لا شريك له .
سأبسط الأمر أكثر بمثال لأبيّن لكم أنّ الحكم على الناس ليس من إختصاصنا ، و لو تجرّأنا ...سيصبح فسادًا في الأرض بهذا المثال :
نضع مبلغ 2000 دج أمام بوابة مسجد قبل خروج المصلّين ، و لنتّخد زاوية بجانب المسجد و نجلس فيها و بأيدينا كمرة أو آلة تصوير ، حينما يخرج المصلّين نلتقط صورة للشخص الذي يلتقط ورقة 2000دج ، و في الغد نعيد نفس الشيء ، و نلتقط صورة للشخص الذي يلتقط ورقة 2000 دج ، و للصّدفة كلاهما إلتقط ورقة 2000 دج و وضعها في جيبه و إنصرف .
ما الذي تتصوّره حينما تعرض هذه الصور على شخص ما ؟
أكيد سيقول هؤلاء الشّخصان منافقين أو ما شابه ذلك ، أي أصدر حكمه بما رأى أمام عينيه ، و لكن ....يا حسرتاه على هذا الحكم الآثم ، و في الحقيقة أنّ الشّخص الأوّل كانت نيته نبيلة ، و لحكمته لم يشأ أن يُعلن أمام الملأ و يقول من سقطت له أموال هنا ، لأنّه يعلم أنّ ضعاف الإيمان لن يخسروا شيء حينما يتكهّنوا بالمبلغ حتى تستقر التكهّنات على المبلغ الحقيقي ، فيصبح في حيرة عندما يأتي إليه شخصان و يقول كلاهما أنها لهما ....و لكن إختار الصّمت و أعطى هذه الورقة النقدية للإيمام حينما رجع للمسجد لعلى و عسى يأتي أو يسأل عليها صاحبها .
أمّا الشخص الثاني أخذها و تصدّق بها نيابتًا عمّن أضاعها بعد مدّة قضاها و هو جالس أمام المسجد بعد كل صلاة و في نفس اليوم ، و لم يرى أي أحد يبحث أو سأل عن شيء أضاعه
هاهو المشهد واحد ، و لكن الحكم خاطئ و آثم و فاسد ، فما بالك لو إنتشرت هذه الصور للعامة ، أليس فساد في الأرض ، و تشكيكًا في إيمان هؤلاء الأشخاص ؟
>> و لتأكيد أننا كلّنا مسلمون حينما نذكر الشهادتين و لكن درجات الإيمان قد تختلف ، و هناك من يقول أن من شروط الإسلام الإيمان ، أي العمل به ، و الفرق واضح حينما يقول المولى سبحانه و تعالى : قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ
تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ
الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) / الحجرات .
هكذا ضعنا في التفاصيل ، و كبرت أخطاؤنا ، و آلت أوضاعنا للأسوأ عبر الزّمن فأصبحنا غثاء لا يحتمل بعضنا البعض ، و إمتهنّا الخلاف و الإختلاف مهنة ، و ألصقنا و لفّقنا التّهم ، و صعب علينا تطبيق أمور الدّين في حياتنا أو أصبح البعض يراها تخلّف أو شيء من الخيال .....، هاهي الآن السّعودية تُعلن عن إنشاء لجنة من خيرة العلماء لإعادة مراجعة و التحقيق فيما وصل إلينا من أحاديث و أقاويل و التتبث من ناقليها ، و تصفية ما يمكن تصفيته من أكاذيب تداولناها لعصور و عصور و صدّقناها ، و ماكان لها إلاّ أن زادتنا بؤسًا و شقاء و نخرت جسد هذه الأمّة نخرًا ..فلا تتعجّب حينما يضرب المسلم عنق أخيه المسلم ....فو اللّه إنّ نعش هذه الأمّة لجاهز لولا خيرة الأخيار فينا ما تزال تربط ما تمّ قطعه ، و ما يزالون يؤلّفون القلوب ، و يفنّدون الأكاذيب و العصبيات النثنة في كل مكان .....