كيف تم اكتشاف أول لقاح في العالم وكيف تعامل الإنسان مع الأوبئة قبل اكتشاف اللقاحات؟
يصارع الإنسان منذ قديم الزمان الكثير من الأمراض والأوبئة. أوبئة فتكت بكثير من الناس ولم تكن تميز بين كبير وصغير ولا بين غني وفقير. كان الجدري أحد أكثر تلك الأوبئة حصداً لأرواح الناس ففي نهاية القرن الثامن عشر كان الجدري يودي في ألمانيا لوحدها بحياة ما يزيد على الستين ألف شخص سنويا معظمهم من الأطفال ولم يكن من نجا منه أحسن حالا حيث كان الجدري يخلف على جلود الناجين منه ندوبا وتشوهات عميقة كما أنه كان يؤدي إلى العمى في بعض الأحيان.
كان أول ما لاحظه الأطباء أن الأشخاص الناجين من الجدري لا يصابون به مجددا وهذا ما دفعهم إلى اللجوء لتحصين الناس المعافين منه باستخدام مخلفات المرض المأخوذة من شخص مصاب الأمر الذي كان يسمى بالتجدير.
ففي الصين مثلا كان الأطباء يضعون قليلا من القيح المأخوذ من بثور الشخص المصاب في أنف الشخص المعافى ليكتسب جسده مناعة ضد المرض. وقد كان المسلمون في الدولة العثمانية على دراية بالتجدير وكذلك مارسه الهنود والشراكسة والأفارقة في غرب القارة الإفريقية. أما أوروبا فقد عرفت عملية التجدير في فترة متأخرة ودخلت أول الأمر إلى انكلترا في أوائل القرن الثامن عشر بحض وجهد من الكاتبة ماري مونتاغو زوجة السفير البريطاني في الدولة العثمانية وذلك بعد أن تم تجدير طفلها في القسطنطينية. لم يلق الأمر في أوله ترحابا في ربوع الجزيرة الانكليزية وقوبل بشكوك كبيرة مما حدا بالأطباء بإجراء التجدير بادئ ذي بدء على السجناء المحكومين بأحكام مؤبدة مقابل حريتهم, كما تم إجراء العملية نفسها على عدد من الأطفال الأيتام الذين لا راعي لهم ولا معيل وما إن أثبتت تلك العملية نجاعتها حتى أخذت بالانتشار في ربوع القارة الأوروبية والأمريكية.
وعلى الرغم من أن هذه الطريقة في التحصين من المرض أسهمت على مدار القرون السابقة في إنقاذ حياة الملايين من الناس إلا أنها كانت عالية المخاطر حيث كان انتشار الجدري في جسد الشخص التي تجرى عليه تلك العملية أمرا واردا. يضاف إلى ذلك أن التجدير كان يحتاج إلى توفر شخص مصاب وهذا معناه أن العملية لا تبدأ إلا بعد نزول الوباء بمدينة ما.
ومن المثير للدهشة أن الفئة الوحيدة التي كان الجدري لا يقربها هم الأشخاص الذين يكونون على احتكاك دائم بالأبقار سواء في المزارع أم في مصانع الألبان وقد كان ذلك ملاحظا جدا في انكلترا للحد الذي أدى لانتشار إشاعة مفادها أن الإصابة بجدري البقر ذي الأعراض الخفيفة تقي من الإصابة بجدري البشر وهذا ما دفع الطبيب الانكليزي إدوارد جينر في عام 1796 إلى أخذ نسيج لمفاوي من إحدى الفلاحات المصابات بجدري البقر وحقنه في جسد طفل سليم ليعود بعد سبعة أسابيع ويعرّض الطفل نفسه لمرض الجدري الذي يصيب البشر, ليكتشف أن الطفل كان قد اكتسب المناعة اللازمة ضد المرض فاتحا الباب بذلك لتسطير علم جديد سيعرف بعلم المناعة والذي سيسهم في إنقاذ حياة الملايين وجعل العالم مكانا أكثر أمنا.
المصدر:
https://www.youtube.com/watch?v=kFxcehDQbJA