قال شيخ الإسلام ابن تيمية:[ وقولهم مسائلُ الخلاف لا إنكارَ فيها، ليس بصحيحٍ، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل.أمَّا الأول فإذا كان القولُ يخالف سنةً أو إجماعاً قديماً وجب إنكارهُ وفاقاً.وإن لم يكن كذلك،فإنه يُنكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيبُ واحدٌ وهم عامة السلف والفقهاء.
وأما العمل فإذا كان على خلاف سنةٍ أو إجماعٍ وجب إنكارهُ أيضاً بحسب درجات الإنكار.
أما إذا لم يكن في المسألة سنةٌ ولا إجماعٌ وللاجتهاد فيها مساغٌ لم يُنكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً.
وإنما دخل هذا اللبسُ من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس. والصوابُ الذي عليه الأئمةُ أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليلٌ يجب العمل به وجوباً ظاهراً مثل حديثٍ صحيحٍ لا معارض له من جنسه، فيسوغ إذا عدم ذلك فيها الاجتهاد لتعارض الأدلة المتقاربة أو لخفاء الأدلة فيها ]بيان الدليل على بطلان التحليل 210-211.
وقد قرر العلماء أن التعليلَ بالخلافِ باطلٌ شرعاً،لأن الخلاف ليس دليلاً ولا علةً شرعيةً تردُّ بسببه الأحكام،قال الحافظ ابن عبد البر:[ الاختلافُ ليس بحجةٍ عند أحدٍ علمتهُ من فقهاء الأمة،إلا من لا بَصَرَ له،ولا معرفةَ عنده،ولا حجةَ في قوله]
جامع بيان العلم 2/89.
وقال الشاطبي محذراً من التعليلِ بالخلاف:[وقد زاد هذا الأمرُ على قَدْرِ الكفاية،حتى صار الخِلافُ في المسائل معدوداً في حُجج الإباحة، ووَقَع فيما تقدَّم وتأخَّر مِن الزمان،الاعتمادُ في جواز الفِعْلِ على كونه مختلفاً فيه بين أهل العلم،لا بمعنى مراعاةِ الخلاف؛فإنَّ له نظراً آخَرَ،بل في غير ذلك،فربَّما وقع الإفتاءُ في المسألة بالمنْع،فيقال:لِمَ تمنع،والمسألة مختلَفٌ فيها؟!فيجعل الخلافَ حُجَّةً في الجواز؛ لمجرَّد كونها مختلَفًا فيها،لا لدليلٍ يدلُّ على صحَّة مذهب الجواز، ولا لتقليد مَنْ هو أوْلى بالتقليد مِن القائل بالمنع،وهو عَيْنُ الخطأ على الشريعة؛حيث جعل ما ليس بمعتمدٍ معتمداً، وما ليس بحُجَّةٍ حُجَّةً] الموافقات 5/92-93.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:[ إنَّ تَعْلِيلَ الْأَحْكَامِ بِالْخِلَافِ عِلَّةٌ بَاطِلَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ،فَإِنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي يُعَلِّقُ الشَّارِعُ بِهَا الْأَحْكَامَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ،فَإِنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ حَادِثٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ]مجموع الفتاوى 23/281.
وقال الشيخ العثيمين:[ التعليلُ بالخلاف ليس تعليلاً صحيحاً تثبتُ به الأحكام الشرعية ] الشرح الممتع 3/76.