وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت
على عهدك: ما عَهِدت به إلينا
من الطاعات ووجوب الكف عن المحرمات.
فالمعنى: أنا مقيم على هذا
مستقيم على شرعك ودينك
وقوله: «ما استطعت»
لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها.
ووعدك: هو ما ورد
في قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8].
فالعبد يستقيم على دين الله
وهو مصدق بما وعد الله به
أهل الاستقامة على دينه.
وقيل المعنى: مقيم على الوفاء بعهد الميثاق
موقن بوعدك يوم الحشر والتلاق.
أعوذ بك من شر ما صنعت
أعوذُ: أَلجأُ.
وإنما يستعيذ المسلمُ بالله من شرِّ ما يصنع
لأنه لا عاصم مما يسخط الله
من الشر والفساد إلا الله.
قال تعالى: {مَنْ يَهْدِ الله فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 178].
وقال: {وَمَنْ يَهْدِ الله فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ} [الإسراء: 97].
وقال: {مَنْ يَهْدِ الله فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف: 17]
وقال: {وَمَنْ يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ الله فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ} [الزمر: 36، 37].
ولهذا لما ألمَّ سيدنا نوح عليه السلام
بما لِيْمَ به استعاذ بالله مما يسخطه
قال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود: 47].
واستعاذت مريم بالله مما يسوء
فقالت: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} [مريم: 18].
وأُمر نبيُّنا صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ بالله من وسوسة الشياطين وسبل إغوائها
في الآية: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} [المؤمنون: 97].
وفي السنن كان نبينا صلى الله عليه وسلم إذا تشهد قال: «الحمد لله، نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا».
أبوء لك بنعمتك عليَّ
الاعتراف بالنعمة من شكر الله
فالشكر يكون بثلاثةٍ:
بالاعتراف بها باطناً
والتحدُّث بها ظاهراً
وتسخيرها في مرضاة مسديها
فكل نعمة إنما هي من الله.
{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله} [النساء: 79].
{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ الله} [النحل: 53]
ثبت عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس
فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم»؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: «قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر
فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب
وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا؛ فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب» متفق عليه.
وأبوء لك بذنبي
الاعتراف بالذنب سبب لتكفيره.
اعترف آدم وزوجه عليهما السلام بالذنب
{قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [الأعراف: 23].
واعترف بذنبه الكليم عليه السلام فغفر الله له
{وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)
قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص: 15، 16].
وقال تعالى عن داود عليه السلام: {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ } [ص: 24].
وقال عن يونس عليه السلام:
{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } [الأنبياء: 87].
ولما أرادت بلقيس أن تتوب
قالت: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44].
وفي صحيح مسلم لما جاء ماعز بن مالك تائبا إلى نبينا صلى الله عليه وسلم
قال له: "يا رسول الله إني قد ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد أن تطهرني".