ثالثا :
إن الله تعالى هو الحكم ، وله الحكم ، لا معقب لحكمه ، ولا راد لأمره سبحانه
ولا يسأل عما يفعل، وهم يُسألون ؛ فله سبحانه أن يوسع على أنبيائه ورسله ، ما شاء ، بما لم يوسعه لأممهم وعامة الناس سواهم ، أو يشرع لهم ما يخصهم ، لا يشركهم فيه غيرهم .
ومع ذلك ؛ فقد سبق أن عائشة رضي الله عنها حين قالت هذا القول ، كانت قد حملتها الغيرة على الإتيان بهذا اللفظ العام : (إلا يسارع في هواك) ، وليس مرادها بذلك العموم ؛ كما هو ظاهر
وإنما أرادت رضي الله عنها ، هواه صلى الله عليه وسلم في أمر معين ، وهو أمر القسم بين النساء خاصة ، لأن الحديث ورد في هذا ؛ وسبب النزول يخصص العام ، ويقيد المطلق ، ويوضح المبهم من الألفاظ.
رابعا:
ومما يؤكد ذلك ، ويقطع اللبس والشبهة في هذا الباب : أن القرآن الكريم قد نزل في عدة مواضع بمعاتبة النبي صلى الله عليه وسلم ومخالفته في اجتهاده ، وهي قصص وآيات معروفة .
كقصة ابن أم مكتوم الأعمى مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيها نزل أوائل سورة عبس .
وقصة أخذ الفداء من أسرى بدر بدلا من قتلهم ، وفيها نزلت آيات من سورة الأنفال لَوْلا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ الأنفال/68 .
وقصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب رضي الله عنها بأمر الله تعالى بعد أن طلقها زيد بن حارثة :
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ
لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً الأحزاب/37 .
قال ابن القيم في "بدائع الفوائد" (4/7)
:"وقد عاتب الله تعالى نبيه في خمسة مواضع من كتابه، في الأنفال وبراءة والأحزاب وسورة التحريم وسورة عبس ". انتهى.
وأيضًا : روى مسلم في "صحيحه" (2890) ،
أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا ، فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً
سَأَلْتُ رَبِّي: أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا ..
والشاهد في الحديث ، ونحوه :
أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه ثلاثة أشياء
فاستجاب الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في أمرين
ولم يستجب له في الأمر الثالث
. وهذا بين أن لم يجب رسوله صلى الله عليه وسلم في كل ما سأل
وأن مراد عائشة لم يكن المسارعة في هوى النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء
بل في الأمر الخاص الذي تتحدث عنه .
وختاما :
نوصي السائل بالحرص على العلم النافع
وأن ينأى بنفسه عن شبهات المضلين
فإنه مع كون جميع شبهات هؤلاء أوهن من بيت العنكبوت
إلا أننا نهينا عن إتيان أبواب الفتن
فإنها خطافة ، والقلوب ضعيفة
نسأل الله تعالى أن يعيذنا وجميع المسلمين من مضلات الفتن
اللهم آمين .
والله تعالى أعلم.
الشيخ نحند صالح المنجد