لماذا يُقال في الصلوات الإبراهيمية
سوأل :
أولاً : لماذا يُقال في الصلوات الإبراهيمية بأن يصلي الله تعالى على سيدنا محمد كما صلى على سيدنا إبراهيم "حصراً" في حين يقول التنزيل العزيز: لا نفرق بين أحدٍ منهم؟
الإجابــة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فسبب الاقتصار في الصلاة الإبراهيمية على ذكر رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وإبراهيم عليه الصلاة والسلام دون غيرهما من الرسل لكونهما أفضل الرسل منزلة عند الله تعالى، فمحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وأفضلهم بالإجماع، وأما إبراهيم فقد وصف في القرآن بكونه خليل الله تعالى حيث قال تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} النساء، قال ابن كثير في تفسيره: وهذا من باب الترغيب في اتباعه لأنه إمام يقتدى به حيث وصل إلى غاية ما يتقرب به العباد له، فإنه انتهى إلى درجة الخلة التي هي أرفع مقامات المحبة وماذاك إلا لكثرة طاعته لربه.
هذا إضافة إلى ما رواه مسلم عن أنس بن مالك قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا خير البرية فقال رسول الله ذاك إبراهيم عليه السلام.
قال النووي: قال العلماء إنما قال هذا تواضعا واحتراماً لإبراهيم لخلته وأبوته، وإلا فنبينا أفضل.... إلى أن قال: ويتضمن هذا جواز التفاضل بين الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.
وأما قوله تعالى: {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} البقرة، فهذا وصف لإيمان المؤمنين بكونهم يؤمنون بجميع الأنبياء والرسل، لا ينكرون ولا يجحدون ما وجب الإيمان به من هذا، قال ابن كثير أيضا: فالمؤمنون يؤمنون بأن الله واحد أحد فرد صمد لا إله غيره ولا رب سواه، ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل، والكتب المنزلة من السماء على عباد الله المرسلين والأنبياء، لا يفرقون بين أحد منهم فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض بل الجميع عندهم صادقون بارون راشدون.
لماذا نصلي ونسلم على إبراهيم عليه السلام في الصلاة، ولماذا لا يكون ذلك على الأنبياء الآخرين، وهو أحد أولي العزم الخمسة، ولكنه ليس أولهم ولا آخرهم، فلماذا هو، وإذا كان الأمر لأنه قبل الخمسة فلماذا لا نسلم على عيسى ونوح وموسى أيضًا؟
الجواب:
الحمد لله، سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام اختصه الله عز وجل بالفضائل العظيمة والمكارم الجليلة، فكان الإمام والأمة والحنيف القانت لله عز وجل الذي ينتسب إليه جميع الأنبياء بعده، ويؤمن به جميع أتباع الشرائع (المسلمون والنصارى واليهود).
وإبراهيم عليه السلام هو أفضل الأنبياء والرسل بعد نبينا محمد ، ولهذا أخبرنا الله تعالى أنه اتخذه خليلا {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} النساء.
وجميع الأنبياء الذين جاءوا من بعده هم من نسله من طريق إسحق ويعقوب، إلا محمداً ، فهو من ولد إسماعيل بن إبراهيم.
فنبينا أخص بإبراهيم من غيره، فإبراهيم عليه السلام هو أبو العرب، وهو أبو النبي من جهة النسب .
وإبراهيم هو الذي أمر النبي باتباع ملته (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) النحل، ولهذا كان نبينا ـ ونحن تبع له ـ أولى الناس بإبراهيم عليه السلام.
كما قال عز وجل: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} آل عمران، وقال رداً على اليهود والنصارى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} آل عمران.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لماذا خُص إبراهيم عليه السلام بدعوة التوحيد، مع أن جميع الأنبياء دعوا إلى التوحيد؟
فأجاب:
"كل الأنبياء جاءوا بالتوحيد، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} الأنبياء، لكن إبراهيم أبو العرب، وأبو الإسرائيليين، وهو يدعو إلى التوحيد الخالص، واليهود والنصارى ادَّعوا أنهم أتباعه، والمسلمون هم أتباعه، فكان هو عليه الصلاة والسلام قد خُصَّ بأنه أبو الأنبياء، وأنه صاحب الحنيفية، وأمرنا باتباعه؛ لأننا نحن أولى بإبراهيم، كما قال عز وجل: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} آل عمران، وقال رداً على اليهود والنصارى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} آل عمران" انتهى.
وللعلامة بدر الدين العيني الحنفي رحمه الله مَلحَظ آخر في توجيه سبب ذلك، فيقول:
"فإن قيل: لم خُص إبراهيم عليه السلام من بين سائر الأنبياء عليهم السلام بذكرنا إياه في الصلاة؟
قلت: لأن النبي عليه السلام رأى ليلة المعراج جميع الأنبياء والمرسلين، وسلم على كل نبي، ولم يسلم أحد منهم على أمته غير إبراهيم عليه السلام، فأمرنا النبي عليه السلام أن نصلي عليه في آخر كل صلاة إلى يوم القيامة، مجازاة على إحسانه.
ويقال: إن إبراهيم عليه السلام لما فرغ من بناء الكعبة دعا لأمة محمد عليه السلام وقال: اللهم من حج هذا البيت من أمة محمد فهَبْه مني السلام، وكذلك دعا أهله وأولاده بهذه الدعوة، فأُمرنا بذكرهم في الصلاة مُجازاة على حُسْن صنيعهم".
والله أعلم .