حيوانات تشبه الإنسان، أم إنسان يشبه الحيوانات؟!
طوال مراحل حياتي كلها، كان لابد من وجود قط في المنزل..
تناوب على منزلنا عدد معتبر من القطط، ولأن أول قط اقتنيناه كان من طرفي بعدما وجدته شريدا يموء من الجوع، فقد أحببت القطط حبا جما...ودرست بعض تصرفاتها وطباعها، فقد لاحظت أن كل قط يتطبع بطباع صاحبه، فمثلا أول قط تربى على يدي، كان جبانا مثلي..
وقط آخر رباه أخي المشاكس ، كان مشاكسا مثله تماما.
وتقول والدتي داعمة ما توصلت اليه، بأن والدها "الطالب"-تعني الإمام- أي جدي، كان يُعنَى كثيرا بحيواناته من أبقار وأغنام وأحصنة وكلاب وووو...
قالت بأن جدتي كانت تُحَضِّر الكسكس كل ليلة، فتُحضِّر وجبة العائلة اليومية، كما تصنع وجبة مساوية للكلاب..
وقالت أن جدي كان يوصيهم بالرفق بالحيوان، ويذكرهم بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الباب..
فلا يسمح لهم بضربها، ولا بتجويعها، ولا حتى بنبزها بالألقاب أو تعييرها...
وحدث ذات يوم أنه سمع أحد أبنائه يقسو على أحد الحمير ويعيرها، فغضب منه غضبا شديدا، ووبخه على ذلك.
وفي الليل جلس جدي يحدثهم عن الحيوانات، فأخبرهم عن قبيلة كانت تجاورهم، وكيف أن كل أفرادها كانوا يُعرَفون بالقسوة على الدواب ، كما عرفوا بالقسوة على النساء أيضا...
كانوا يقومون بتجويع الخيل والبغال وتحميلها مالا تطيق، ولم يكتفوا بذلك، بل كانوا يضربونها ضربا مبرحا، وتقول أن من صفاتهم أيضا أنهم يعيرون دوابهم بمفردات قاسية مثل الكيدار للحصان أو الحمار، والمناقير: على البقر، والمفقورة: على دابة من الدواب لا أعلمها)
ولأن هذا سلوكهم مع الحيوانات، فقد كانوا يعاملون زوجاتهم وأبنائهم بهذه المعاملة أيضا، وينبزونهم بألقاب شتى)
أما اللعن فحدث ولا حرج، وقد نهى الشرع الحكيم عن اللعن مطلقًا لكل من لا يستحق اللعن، حتى إنه نهى عن لعن الدواب.
♦ فقد أخرج الإمام مسلم من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وامرأة من الأنصار على ناقةٍ، فضجرت [1]، فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((خذوا ما عليها ودعوها؛ فإنها ملعونة))، قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد".
وكان نتاج ذلك كله غضب الله عليهم، فقد كانوا يتخبطون من فقر إلى فقر أشد منهم، ومن مصيبة إلى أخرى، وتفشت بينهم الأمراض الكثيرة...وكثيرا ما كانوا يسألون أنفسهم لماذا نحن فقراء دون غيرنا؟! و تناسوا أن لو رحموا مخلوقات الله، لرحمهم رب تلك المخلوقات، وأغدق عليهم من فضله.
وتضيف والدتي عن أبقار عمها وأغنامه، أنها كانت كثيرا ما ترعى فتتعدى حدود الآخرين وتنهب مزروعاتهم، وحصل أن غضب صاحب حق ذات مرة، وصاح في صاحب الأبقار "عم الوالدة" قائلا:
كي نتوما كي زوايلكم!!
وتستطرد أمي أن عبارته دقيقة وصائبة جدا، فقد كان "عمها" لا يتوانى عن أكل حقوق الغير، وكانت أغنامه وأبقاره تفعل السلوك ذاته!!
أما خالتي فحدثتنا قائلة:" كنت في بيت والدي صبية رقيقة العود، بسبب الخير الوفير، فقد كنت أعمل ليل نهار، من حلب للأبقار، إلى تجفيف الفواكه في مواسمها، إلى غير ذلك من متطلبات الوفرة آنذاك...
ثم تزوجت لدى قوم لا تجد معهم ما يسد رمقك من الجوع، فكنت أتناول وأنا عروس وجبة واحدة في اليوم، ورغم ذلك تقول خالتي بأنها امتلأت، وحملت لحما -أي سمنت-، وذلك لانعدام أي نشاط تمارسه، لانعدام الوفرة التي تتطلبه.
وقالت أيضا: كان قوم زوجي شداد غلاظ، وكانوا بخلاء حد البخل...
لديهم أراض ودواب أكثر من والدي، إلا أن شيئا من أثر النعمة أو البركة لا يظهر عندهم...
قالت بأن الوجبة اليومية لها، كانت قطعة من خبز الشعير، ولو سقط منه مقدار ذرة في الأرض، لرأيت القطط والدجاج والكلاب تسبقك اليه..
وكان لديهم كلب نحيف تبدو عظامه، أسفل جلده، وتفاجأت بأن أحدا منهم لم يكن ليتذكر أن يعطيه حصته اليومية، وتساءلت مع نفسها ترى ماذا يأكل لكي يعيش ومتى؟!
فرثت لحاله، وسألت حماتها، فأجابتها الأخيرة أن من ألقاب الكلب مصطلح" القانع" وأنه لا يأكل مثل الانسان، ويكتفي بلعق الأرض أو الاكتفاء بقطعة خبز بحجم الجوز من كريم!!
وتتذكر خالتي الأمر بحسرة كبيرة، والدموع تترقرق في عينيها، وكيف أنها كانت تقتسم حصتها مع ذلك الكلب، لأنها كانت جائعة مثله، لذلك أحست بمعاناته.
وليس هذا فحسب، فقد قالت خالتي بأن أولئك القوم كانوا لا يطعمون الدواب ولا يسقونها أيضا، فأي قوم كانوا؟!
كما أن أبقارهم تقول خالتي، كن اثنا عشر بقرة، لكنهن بقرات عجاف، قد هزلن، ويبس منهن الضرع، وقالت أن مقدار ما كان ينتج عنهن من حليب لا يكفي لإرواء ظمأ شخص واحد، فما بالك بأسرة عدد أفرادها يقارب عدد الجنود في ثكنة عسكرية!!
فقدت اعتادت خالتي في أسرتها أن بقرة واحدة من أبقار والدها كانت تدر الحليب ثلاث مرات في اليوم.
وزيادة إلى البخل والقسوة، تقول أن كل أفراد تلك الأسرة خاملون كسلاء، ولا يحبون العمل ولا يجتهدون.
وذلك بسبب وهن أجسامهم بسبب التقتير، والبخل، وعدم ايفاء أجسادهم الحق الكامل في طعام جيد.
وتستطرد بأن حتى حيواناتهم كانت كسولة وواهنة أيضا،
كما أن تلك الحيوانات كانت لا يسمع لها حس أبدا، فلا مواء قطط، ولا نباح كلاب، ولا ثغاء أغنام.
وبرغم كل الجوع الذي تعانيه تلك الحيوانات فقد كانت تستسلم للنوم بدل تكبد مشقة البحث عن طريدة تسد بها جوعها.
فترى القط الكسول واهنا، معرضا عن مطاردة الفئران الكثيرة التي تحوم حوله، فأي قط هذا؟!
فهل تعكس الحيوانات شخصية أصحابها؟
آخر التقارير اللّافتة حول هذا الموضوع ورد في مجلّة العلوم الأميركية، ومفاده أن أنواع الحيوانات الأليفة تعكس شخصية من يقتنيها.
وهناك بعض الحيوانات مثل الخيل والكلاب والقردة تملك شيئاً من الذكاء، ويمكن إخضاعها للتربية إلى درجة ما. والمربي يستطيع أن يعلمها قسطاً من الصفات.
ولهذا السبب فان التربية مؤثرة إلى درجة ما في الحيوانات الراقية.
عدت بذاكرتي إلى قصة الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه وكلنا يعلم سبب تسميته بهذا اللقب، وكلنا يعلم مدى رعاية ديننا الإسلامي للحيوانات والطيور، فديننا يعنى بشؤون الحياة كافة وبما فيها هذا الباب، فعن ابن مسعود رضي عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته، فرأينا حُمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة ترفرف على رأس رسول الله ورأس أصحابه، فقال صلى الله عليه وسلم: "من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها".
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ الرَّجُلُ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ مَاءً ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا فَقَالَ فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ ))
فمتى يعود المسلم مسلما بحق، في تعاملاته مع الإنسان وحتى الحيوان؟!
#بقلم: # شمس_الهمة