ما روته شهرزاد لشهريار في المنام
قال العلم أيها الأغبياء ، انا سرُّ الثراء
بعدما نام شهريار سكتت شهرزاد عن الكلام المباح ، لتنام وترتاح ، قبل أن يدركها الصباح ، فرأى شهريار في المنام شهرزاد في الحديقة تتأمل الراية ، فقال لها لما تحدّقين في الراية ، فقالت ذكّرتني بحكاية ، فقال قصّي علي الرواية ، فقالت يا صاحب التاج والاكليل ، قد كان في قبيلة إسمها أولاد بليل ، للصحة والإستشفاء مركز ، به الخراب قد تمركز، آنسه الأقفار ، وتُعاد عنده الأخبار ، وملتقى الشيوخ الكبار ، فالمركز مهجور ، والشعب مقهور ، لا آهلا ولا مأهول ، غير أنه مؤهّل ، وإلى أجل غير مسمىً مؤجل، والعلم من على المركز يرفرف ليلا نهارا ، صبرا واصطبارا، حتى تمزّق شطره ، وفُقد نِصفه، فلم يبق منه إلا الأخضر والأحمر، أما جزء البراءة والسلام فقد اندثر، وذات يوم يئس،فصار يصدر صوتا خافتا ويهْمس، كلما هبّت النسمات بالأناغيم ، يبعث رسائل كالطلاسيم ، فقال أحد الشيوخ : ذات يوم ياجماعة ، إني أسمع العلم يتكلم الساعة، كأنه يتكلم، أو يتأوّه ويتألّم ، وسكت الجميع ينصتون للعلم ، وهو ينطق ويتكلم ،ويقول ..أنا سرّالثراء ، أيها الضعفاء أيها الفقراء، أنا سر الثراء ، فاندهش القوم وتعجّبوا، وانتشر الخبر فاستوْعبوا ، فأسرع أصحاب الصّْحة ، ليتأكّدوا هل للخبر صحّه، وجاءو بالشرطة، لعلهم ينجوا من الورطة ، فأحاطوا بالمركزوأبعدوا القوم، وأمرمدير الصحة بإنزال العلم، ثمّ طووه وكبّلوه ، وعن القوم أبعدوه ، وهو يلتفت إلى القوم ويقول :أنا سرّ الثراء،أيها الفقراء أنا سر الثراء.
أخذوه إلى مرطز الشرطة ، واحتُجز العلم ،وصارلا أحد يعلم ، وبدؤوا في استجوابه ، لكن العلم بكل كبريائه ، كان يقول أنا سرّ الثراء أنا سرّ الثراء، وفي الصباح أخِذ إلى المحكمة ، وبدأت المحاكمة ، ودخل القاضي والجلسة مغلقة، وجيء بالعلم وجيء بالمشنقة، فقال القاضي ماذا تقول أيها العلم ؟ قال العلم : أنا سر الثراء ، وأنت بي دخلت القضاء ، وبي لبست الجبة السوداء ، أنا سر الثراء ، سكت القاضي لحظة ثم نزع النظارة ،وأعاد للعلم العبارة، فأعاد له العلم العبارة، فرفع القاضي الجلسة، وتشاور مع أصحابه خلسة، ثم عاد القاضي وقال :أيها العلم لقد بُحْت بسرّ من أسرار الدولة ، وهذا كاف لإدانتك بعد إصرارك على تكرار القولة، لقد حكمت المحكمة بصلب العلم على أعمدة حديدية توضع في الساحات والمقرات، وفي الإدارات والمؤسسات، ويُرْبط بحبل الديمقراطية ، كالربطة العنقية، رفعت الجلسة ، وانسحب القاضي خلسة، فصاح العلم أنا سرّ الثراء ، أيها الأغياء ، أنا سرّ الثراء ، وحُكم على العلم فكبّل بالأصفاد، وصُلب على رؤوس الأشهاد، ولم يُعزف له النشيد، في مشهد مهيب شديد، وأعلنوا للناس ..يا عجب ..بأن العلم قد رفع والحقيقة قد صُلب، وهو يقول أيها الفقراء، أنا سرّ الثراء أنا سرّ الثراء .
إستيقض شهرياروإذا بالشمس قد جاوزت حاجب الشروق وقاربت كبد السماء ، فخرج إلى شرفة القصر فرأى العلم يرفرف في بهاء ، فقال أأنت مرفوع أم مصلوب؟ ..ثم نادى ، أيها الحراس لاتدعوا العامة يقتربون من ساحة العلم ، لكن العلم كان يقول بصمت، أنا سرّ الثراء أنا سرّ الثراء .
كتبه العصامي :غريب الديار البليلي 23-12-2015