مسائل متعددة في سجود السهو
السؤال:
سؤاله الآخر طويل، عن سجود السهو، سنورده إجمالاً ثم نعود إليه فقرة فقرة. يقول: ما هو سجود السهو؟ ومتى يجب؟ وكيف تأديته؟ وهل هو قبل السلام أو بعده؟ وكيف أعمل إذا كنت لا أدري هل أنا سجدت سجدتين أو سجدة أو ركعت ركعتين أو ركعة أو قرأت الفاتحة أم لا أو قرأت التحيات؟ الفقرة الأولى من هذا السؤال يقول: ما هو سجود السهو؟
الجواب:
الشيخ: سجود السهو هو سجدتان يسجدهما الإنسان إما ترغيماً للشيطان إن تبين انتفاء السبب الذي من أجله سجد، وإما تكميلاً لصلاته كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال عليه الصلاة والسلام: «إن كان صلى إتماماً فكان تغريماً للشيطان، وإن كان صلى خمساً شفعن صلاته». فهذا هو الأصل في سجود السهو؛ أنهما سجدتان يفعلهما الإنسان إما ترغيماً للشيطان، وإما إكمالاً لصلاته وإتماماً لها.
السؤال: يقول: متى يجب، وكيف تأديته؟
الشيخ: يجب سجود السهو في الإطار العام لكل أمر يبطل الصلاة تعمده، كل شيء إذا تعمده المصلي أبطل صلاته فإنه إذا سها عنه وجب عليه سجود السهو من أجله، هذا هو الأصل العام فيما يجب به سجود السهو.
السؤال: ويقول: كيف تأديته؟
الشيخ: أما أداؤه فتارة يكون قبل السلام، وتارة يكون بعد السلام. فيكون قبل السلام في موضعين: أحدهما إذا كان سببه نقصاناً في الصلاة، والثاني إذا كان سببه شكاً تساوى طرفاه ولم يترجح أحدهما على الآخر. مثال ذلك نسي التشهد الأول في الثلاثية أو الرباعية، فلم يجلس ولم يتشهد، فهنا يجب عليه سجود السهو، ويكون قبل السلام؛ لأنه نقص في صلاته التشهد الأول. وقد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن بحينة حين صلى بهم صلاة الظهر فقام من الركعتين ولم يجلس، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتظر الناس تسلميه كبر فسجد سجدتين وهو جالس ثم سلم. هنا صار السجود قبل السلام، ودليله هذا الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم إن المعنى أيضاً يقتضي ذلك؛ لأن هذا النقص ينبغي ألا يخرج الإنسان من صلاته حتى يتمه، فلهذا شرع السجود له قبل السلام. أما المسألة الثانية فهي إذا شك شكاً تساوى طرفاه ولم يترجح عنده أحد الأمرين، مثال ذلك شك هل ركعته هذه هي الثالثة أو الرابعة، ولم يترجح عنده أحد الطرفين، فهنا يبني على اليقين، واليقين هو الأقل، فيجعل هذه الركعة الثالثة ثم يأتي بالرابعة ويجلس ويتشهد التشهد الأخير ويسجد سجدتين قبل أن يسلم. وأما ما كان كذلك؛ أي كان سجود السهو قبل السلام لأن هذا الشك الذي طرأ على حالة الركعة حتى اشتبه على المرء أهي من صلاته أم زائدة لاشك أنه يخل بالصلاة، فلذلك شرع أن يكون السجود قبله من أجل أن يجبر الصلاة قبل أن يخرج منها. وأما السجود بعد السلام فيكون في موضعين أيضاً: أحدهما إذا زاد في صلاته، والثاني إذا شك شكاً ترجح عنده فيه أحد الطرفين، فالسجود هنا يكون بعد السلام. أما الأول وهو أن يكون سبب سجود السهو الزيادة، فمثاله أن يصلي الإنسان خمس ركعات في الظهر مثلاً، فإذا جلس للتشهد ذكر أنه صلى خمساً، فهنا نقول له: أكمل التشهد وسلم ثم اسجد سجدتين بعد السلام وسلم. وكذلك أيضاً لو ركع في الركعة الواحدة ركوعين أو سجد ثلاث سجدات، فهذه زيادة، فيكون السجود لها بعد السلام، أو قام إلى زائدة مثل أن يقوم إلى الخامسة في الرباعية ثم يذكر فيرجع؛ فإنه إذا سلم سجد سجدتي السهو، دليل ذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر خمساً، فلما انصرف قيل له: يا رسول الله، أزيدت الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قال: صليت خمساً. فثنى رجليه صلى الله عليه وسلم ثم سجد سجدتين بعد ما سلم ثم أقبل علينا، وأخبرهم بأنه بشر وينسى كما ينسون... إلى آخره. فهنا سجد النبي صلى الله عليه وسلم بعد السلام؛ لأنه زاد في صلاته ركعة. قد يقول قائل: إن السجود هنا بعد السلام أمر لا بد منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بالزيادة إلا بعدما سلم، فلا يمكن أن نجعل هذا قاعدة. ونقول: إذا كان سجود السهو عن زيادة فإنه يكون بعد السلام. قد يقول قائل: هكذا يبطل استدلالنا بهذا الحديث على أن سجود السهو بالزيادة يكون بعد السلام. فنقول مجيبين عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بعد السلام، ولما لم يقل إني ما سجدت بعد السلام لأني لم أعلم فاسجدوا قبله عُلم بأن هذا محله؛ لأنه لو لم يكن محلاً له لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الناس سوف يقتدون به. ثم إن له شاهداً من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه حين صلى بهم الرسول صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي؛ إما الظهر أو العصر، فسلم من ركعتين، ثم نبهوه فأتم صلاته وسلم وسجد سجدتين بعد السلام، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم السجود لهذه الزيادة التي حصلت منه وذلك لتسليم زيادة التشهد والجلوس مدة أطول مما لو كان جلوسه للتشهد الأول، جعل النبي عليه الصلاة والسلام محل سجود السهو في هذه الصورة بعد السلام، وهذا يؤيد تماماً ما فعله في حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وأن السجود يكون بعد السلام. ثم إن المعنى يقتضي ذلك، فإن الزيادة الموجبة لسجود السهو لو قلنا إن سجودها يكون قبل السلام اجتمع في الصلاة زيادتان: الزيادة التي زادها سهواً، وسجود السهو. وهذا لا يتناسب؛ ولذلك جعلت السجدتان للسهو بعد السلام. إذن ينبغي أن نضبط هذه الحال بأن نقول: إذا كان سبب سجود السهو الزيادة فعلية كانت في الركوع أو السجود، أم قولية في التسليم قبل تمام الصلاة، ثم يتم بعد أن يعلم؛ فإنه -أي محل السجود فيها- بعد السلام. المسألة الثانية إذا كان سجود السهو عن شك ترجح أحد طرفيه، فهنا يبني على ما ترجح عنده، ثم يسلم ثم يسجد سجدتين بعد السلام. ودليله حديث عبد الله بن مسعود الذي أشرنا إليه قبل، فإن في آخره «إذا شك أحدكم في صلاته فليتحرَّ الصواب ثم ليبنِ عليه ثم يسلم ثم يسجد سجدتين». وأظنه قال ويصلي. وعلى هذا فيكون الشك إذا شك الإنسان هل صلى أربعاً أو ثلاثاً وترجح عنده أنه ثلاث آتى بالرابعة ثم سلم ثم سجد للسهو ثم سلم، وإذا شك هل صلى أربعاً أو خمساً ثم ترجح عنده أنه صلى أربعاً فإنه يجلس ويتشهد ويسلم ثم يسجد سجدتين ويسلم. فعلى هذا يكون حكم هذه المسألة إذا شك وترجح عنده أحد الطرفين أن يبني على الراجح عنده ثم يتم صلاته ثم يسجد سجدتين بعد السلام، وإنما كان الأمر كذلك من حيث المعنى -أي أنه إذا شك وترجح عنده أحد الطرفين يكون السجود بعد السلام- لأن هذا الشك طارئ على الصلاة، وهو سيبني على غالب ظنه، سيكون هذا الشك الطارئ الذي اعتبرناه وهماً لا عمل عليه، يكون زائداً، فهو كالزيادة القولية أو الفعلية؛ ولهذا جعل النبي عليه الصلاة والسلام محل السجود فيه بعد السلام.
السوال: إذن أيضاً بعد الإجابة عن سجود السهو والتفصيل فيه نترك باقي سؤاله حتى يكون أرسخ لدى المستمع نفسه ولدينا ولدى المستمعين، وفي لقاء قادم إن شاء الله نستكمل ما بقي من سؤاله هذا.
المصدر: سلسلة فتاوى نور على الدرب > الشريط رقم [64]
الصلاة > سجود السهو
https://zadgroup.net/bnothemen/upload.../Lw_064_07.mp3