من أساليب أهل البدع في محاربتهم لأهل الحديث
من الأساليب التي استحدثها أهل البدع و الأهواء لإسقاط أهل الحديث و التوحيد و السنة ، و إزاحة علمائهم عن قيادة الأمّة : رميهم أهل الحديث بالعلمنة الفكرية لأنهم في نظرهم لا يغلون في (علم الواقع ) .
و قد تبنى هذا الاتهام سلمان العودة في كتابه (صفة الغراباء) صفحة 124، تبعاً لمنهج مدرسته الإخوان المسلمين و الفرق التي خرجت من تحتهم ؛ و تصدى له بالرد عليه العلامة المحدث الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله في كتابه الماتع ( أهل الحديث هم الطائفة المنصورة الناجية) ؛ فقال في صفحة 68 من الطبعة الثانية :
((في المتغالين في السياسة تهاويل و تطاول لا يطاق على أهل الحديث و التوحيد، و غمط شديد، و تجهيل، و تحقير، و رمي لهم بالعظائم، فمن غلوّهم و مبالغاتهم التي لا عهد لأعلم علماء الإسلام بها تهويلهم بعلم الواقع، و ادّعاؤهمو ادعاء الصبيان منهم أنهم علماء الواقع، و تجنيدهم الشباب لقراءة الصحف و المجلاّت و متابعة الإذاعة، و صرفهم بذلك عن حفظ الكتاب و السنّة و الاشتغال بفقههما، و إشغالهم عن العلوم الشرعية.))
إلى أن قال في صفحة 69 : (( .. حتى لقد رمى بعضهم العلماء و طلاّب العلم الذين لا يشتغلون بالسياسة و علم الواقع بأن فيهم عَلمَنة علمية و فكرية، و يُفهم من هذا الغلوّ الذي ليس فيه استثناء و لا تفصيل أن السياسة و فِقة الواقع من أفرض فروض الأعيان، و كيف لا يكون كذلك و المقصّر فيه عندهم فيه علمنة فكرية و علمية؟ و لم يرموا بهذا أحداً ممّن أهمل التوحيد و وقع في الشرك و عظائم البدع))
ثم قال حفظه الله صفحة 71 : (( فعلى أيّ برهان و على أيّ أساس يُبالغ و يُغالي بعض الناس في الإشادة بفقه الواقع السياسي، و يشترط له تلك الشروط، و تُجعل علوم الشريعة من مقوّماته التي تزيد على أركان الإسلام، و يُضخّم و يبالغ في إلزام الناس به، حتى يُضَلِّل من لا يعتني به أكثر من الإسلام نفسه، و يُحمِّلون نصوص القرآن و السنة و كلام العلماء ما لا يَحتمل و لا يخطر على بال، و يُهان به العلماء، و تسقط فتاواهم، بل تُردُّ به نصوص السنة و قواعد الشريعة و أقوال الأئمة السابقين و اللاحقين عند كثير ممّن لا يعقل عن الله و لا عن دينه شيئًا، إنّها و الله لكارثة في الدين))
ثم قال في صفحة 72 : ((يا قوم ! لو ساويتم بين ما يجب من علم الواقع و بين ما يجب على المكلّفين من علم ما جاء به محمد صلى الله عليه و سلم؛ لضللتم ضلالاً بعيداً، فكيف و قد بالغتم فيه حتى رميتم من لا يشتغل به من طلاب العلم بأن فيهم علمنة فكرية و علمية، و انتم تعلمون أن العلمانية إلحاد أشد كفراً من اليهودية و النصرانية؛ أفبعد هذا الاستخفاف بأعراض حملة العلم استخفاف؟! ))
و قال في صفحة 73-74 : ((و أنا أعرف كثيراً و كثيراً من المسلمين أكبر همومهم معرفة هذا الواقع، و أن كثيرا من غير المسلمين من يهود و نصارى أعلم منهم بكثير، فأرى أنه لا عيب على العلماء و طلاَّب العلم الذين صرفوا جُلَّ عنايتهم لحفظ شريعة الله ـ كتاباً و سنةً و فقهاً ـ فإن هذا من فروض الكفايات، و أعتقد أن هؤلاء أفضل و أنبل و أصدق و أنفع للإسلام و الأمة من أولئك الساسة الذين هم ضعفاء في معرفة دين الله، أو لا حظ لهم من المعرفة به.
فإذا كان كثير من أهل الحديث و أهل الفقه و غيرهم من أهل الاختصاصات ركَّزوا على هذه الجوانب التي هي الإسلام، مُكتفِين بغيرهم ممّن يشتغل بالسياسة؛ فلماذا تحقرونهم ؟! و يقال : إنهم متحزبون على جزء من الدين، و إنهم نسوا حظًّا ممَّا ذكروا به، أو إن فيهم علمنة فكرية و علمية، و وجودهم مشكلة ظاهرة؛ لأنهم عالة على غيرهم في علم الواقع ؟!
ما هكذا يكون العلم! و ما هكذا تكون التربية! فهذا شيء لم يشهده المسلمون؛ لا في أيَّام عزّتهم، و لا في أيَّام محنهم، على مرّ التاريخ الإسلامي.
أما كشف ألاعيب الطغاة؛ فما أعرف أن الأمة استفادت من علماء الواقع شيئا، بل نزل بها من الأضرار في كثير من البلدان ما لا يعلمه إلا الله، بل تجد من غالبيتهم تأييداً للطغاة و تقيسا لهم، لا سيما في الأزمات.))
و قال أيضا في صفحة 76-77 : (( إن السياسيين المنحرفين بتحزّبهم مزَّقوا شباب الأمّة، و فرّقوهم أحزاباً و شيعًا، كل حزب بما لديهم فرحون، و تابعوا الأحزاب الكافرة الظاهرة و الخفية في التنظيمات السريّة و المشاركة في المجالس و البرلمانات و الديمقراطية الكافرة (حاشية و من ذلك استخدامهم وسائل الديموقراطية في التعبير عن الرأي من مظاهرات و مسيرات و إضرابات... و غير ذلك، و يجعلونها وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله و نصرة الإسلام و تحقيق قيام الدولة الإسلامية !! بدلاً من التصفية و التربية على منهاج سلف الأمة !! زعموا ! حتى زعم أحدهم أن المقتول فيها في سبيل الله !!) في البلدان التّي استُعمرت و رضعت لبان الاستعمار بكلّ ما فيه من تقاليد و قوانين و أنظمة كافرة.
و ترى العجائب ممّن يسمّون أنفسهم إسلاميين؛ من التحالف مع هذا الحزب العلماني تارة، و مع ذاك أخرى، و من ترشيح النساء الملحدات أو النصرانيات، أو ترشيح ملاحدة و نصارى، و كلّ هذه الممارسات باسم الإسلام !
و باسم الجهاد السياسي الإسلامي ! و ينقلون هذه المراض الفتّاكة إلى بعض البلدان التي أغناها الله بالإسلام عقيدى و شريعةً، فيفسدون أبناءه و يمزّقون شبابه إلى أحزاب و شيع متصارعة.
ثم ماذا يجني المسلمون من هذه ؟
الجواب : الضياع و الفشل؛ كما قال تعالى { و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم} (حاشية الأنفال :46).))اهـ