قال ابن هشام : وكان من حديث جرهم ، ودفنها زمزم ، وخروجها من مكة ، ومن ولي أمر مكة بعدها إلى أن حفر عبد المطلب زمزم ، ما حدثنا به زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي قال لما توفي إسماعيل بن إبراهيم ولي البيت بعده ابنه نابت بن إسماعيل - ما شاء الله أن يليه - ثم ولي البيت بعده مضاض بن عمرو الجرهمي .
قال ابن هشام : ويقال مضاض بن عمرو الجرهمي .
قال ابن إسحاق : وبنو إسماعيل ، وبنو نابت مع جدهم مضاض بن عمرو وأخوالهم من جرهم ، وجرهم وقطوراء يومئذ أهل مكة ، وهما ابنا عم وكانا ظعنا من اليمن ، فأقبلا سيارة وعلى جرهم : مضاض بن عمرو ، وعلى قطوراء : السميدع رجل منهم . وكانوا إذا خرجوا من اليمن لم يخرجوا إلا ولهم ملك يقيم أمرهم . فلما نزلا مكة رأيا بلدا ذا ماء وشجر فأعجبهما فنزلا به . فنزل مضاض بن عمرو بمن معه من جرهم بأعلى مكة بقعيقعان فما حاز . ونزل السميدع بقطوراء أسفل مكة بأجياد فما حاز . فكان مضاض يعشر من دخل مكة من أعلاها ، وكان السميدع يعشر من دخل مكة من أسفلها ، وكل في قومه لا يدخل واحد منهما على صاحبه . ثم إن جرهم وقطوراء بغى بعضهم على بعض وتنافسوا الملك بها ، ومع مضاض يومئذ بنو إسماعيل وبنو نابت ، وإليه ولاية البيت دون السميدع . فسار بعضهم إلى بعض فخرج مضاض بن عمرو من قعيقعان في كتيبته سائرا إلى السميدع ، ومع كتيبته عدتها من الرماح والدرق والسيوف والجعاب يقعقع بذلك معه فيقال ما سمي قعيقعان بقعيقعان إلا لذلك . وخرج السميدع من أجياد ، ومعه الخيل والرجال فيقال ما سمي أجياد : أجيادا إلا لخروج الجياد من الخيل مع السميدع منه . فالتقوا بفاضح واقتتلوا قتالا شديدا ، فقتل السميدع ، وفضحت قطوراء . فيقال ما سمي فاضح فاضحا إلا لذاك . ثم إن القوم تداعوا إلى الصلح فساروا حتى نزلوا المطابخ : شعبا بأعلى مكة ، واصطلحوا به وأسلموا الأمر إلى مضاض . فلما جمع إليه أمر مكة ، فصار ملكها له نحر للناس فأطعمهم فاطبخ الناس وأكلوا ، فيقال ما سميت المطابخ : المطابخ إلا لذلك . وبعض أهل العلم يزعم أنها إنما سميت المطابخ ، لما كان تبع نحر بها ، وأطعم وكانت منزله فكان الذي كان بين مضاض والسميدع أول بغي كان بمكة فيما يزعمون .
ثم نشر الله ولد إسماعيل بمكة وأخوالهم من جرهم ولاة البيت والحكام بمكة لا ينازعهم ولد إسماعيل في ذلك لخؤولتهم وقرابتهم وإعظاما للحرمة أن يكون بها بغي أو قتال . فلما ضاقت مكة على ولد إسماعيل انتشروا في البلاد فلا يناوئون قوما إلا أظهرهم الله عليهم بدينهم فوطئوهم .