الانخداع بالصواب في الموضوع ثمرته التقصير في الوسيلة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم النوازل و المناسبات الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الانخداع بالصواب في الموضوع ثمرته التقصير في الوسيلة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016-01-17, 21:05   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
أبومحمد17
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي الانخداع بالصواب في الموضوع ثمرته التقصير في الوسيلة

الانخداع بالصواب في الموضوع ثمرته التقصير في الوسيلة
" احذر ممَّن يريد أن يكون ~ دائماً ~ مُصيبا ،يتوهم أنَّه يوجد بين الحقيقة و شخصه علاقة ضيقة على وجه الخصوص، ثم يتَّخذ الحقَّ زوجةً يغارُ عليها "....... حكمة مشهورة
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبيَّ بعده.
بالنسبة لطالب العلم أو لكل إنسان يبحث عن الحقيقة: " يريد أن يكون على حقٍّ، أن يكون مصيبا" يبدو له هذا المطلب أو الشعور مشروعا، فمَن مِنَّا يريد أن يكون مخطئا ؟
لكن من خلال استعمالات هذا التعبير و سائر الشعارات ~ في الكلام المعهود ~ بين الناس يتجلى لنا ~ في كثير من الأحيان ~ نوعٌ من الانحراف في هذه الإرادة، يتمثل في رغبة تسلطية استبدادية لفرض~ مهما كان الأمر ~ رؤيته على غيره "أتباعه و المخالفين له" ،أو لإقناع النفس بها ؟
لهذا يجب أن نحذر من هذه الرغبة " أريد أنْ أكون محقًّا مُصيبا" فإنَّها لا تدل ~ في جميع الأحوال ~ على أنَّك محقٌّ أو تريد الحقَّ، فقد تخدعك فتشعر أنَّك رجل حريص على إصابة الحقِّ وموافقته، و يتحوَّل هذا الشعور إلى اعتقاد أنَّك ~ فعلا ~ على الحقِّ مصيب في آرائك.
و عليه ،فإنَّ تعيين الفعل الإرادي لا يكون تلقائيا من نفسه، فالواقع أنَّ الأسباب التي تُبرِّر الإرادة تذوب ~أحياناً ~ مختفيةً في الدوافع الخفية ~ الأقل عقلانية وموضوعية ~ للرغبة التي تغلب الحقيقة الواقعية ، و لهذا نسأل: بأي شروط إذاً يُمكننا أنْ نقبل هذه الإرادة " أريد أنْ أكون محقَّا" ؟
و هل هي فعَّالة في تجنيبنا الخطأ، هل تكفي لوحدها لقيادة الباحث و توجيهه و التزامه بنتائج المقدمات أم الأمر يرجع إلى آليات علمية و صفات نفسية ؟
أليس من المفيد لنا ~ و الحال هذه ~ أنْ نتحفظ بحذر نقدي ذاتي من هذا الجهد المتعدِّد الأشكال، ونتعلم الفصل بين الرغبة و ما هو عليه الأمر حقيقةً ؟
ربما من الأحسن لنا بدايةً أنْ نعرف: هل هذه الإرادة " أنْ نكون مصيبين محقِّين" من الطرف إلى الطرف الآخر ، من النوايا و المقاصد إلى النتائج و الأحكام تخضع لمتطلبات و شروط العقل الواعي، أم أنَّها ليست سوى نقاب شفاف أو قناع لدوافع عميقة فينا قليلة العناية بالحقيقة، ترفض النفس أنْ تعترف بها، نلمسها في عدم اكتراثها بالمنهجية العلمية الصارمة بترقيع المقدمات واستسهال النتائج.
ومع ذلك فلا شك أنَّ كل واحد من طلبة العلم يعتقد بصوابية مذهبه و خطأ مذهب غيره،بغض النظر عن مصدر هذا الاعتقاد أو الظن إن كان بالتلقي عن شيوخه، أو بالاطلاع على كتب مذهبه،أو ببحث علمي.
وعندما أقول "علمي" فأقصد بالدرجة الأولى الحالة الذهنية و النفسية متمثلة في: التجرد و الحيادية و الموضوعية و الابتعاد قدر الإمكان عن الذاتية، ثم في منهج توثيق المعطيات وتحليلها و استخراج معاني الدلالات، و أخيراً النتيجة بالتوليف أو بالترجيح.
فبدون شك ~ و هذا يعرفه المطلعون ~ نعاني من إشكالية " اختلاف المصطلح " فمثلا لو قام أحدكم بتتبع موقف الشيخ ابن باز ~ رحمه الله ~ في مجموع كتبه و أشرطته من معنى كلمة" أهل الفترة" وقارنها بمعناها و أنواعها عند ابن تيمية سيجد فرقا شاسعاً بين الرجلين ، فابن باز "الفترة" عنده واحدة هي التي كانت قبل البعثة النبوية، أو الذي لم يبلغه القرآن ولم يسمع بالنبي صلى الله عليه و سلم [1]، بينما شيخ الإسلام ~ رحمه الله ~ "الفترة" عنده فترة زمنية قبل البعثة و بعدها و فترة مكانية، ولا تتعلق بمجرد السماع بل بفهم المعنى.
وعليه يحتاج الباحث في هذه المسألة إلى:
1 ـ تحديد مفهوم الفترة عند ابن باز.
2 ـ هل هو مخالف لمفهوم الفترة عند ابن تيمية و شراح الحديث؟
3 ـ هل هو مفهوم خاص بابن باز أو بمذهب معين؟
4 ـ بيان مفهوم التبليغ عند ابن باز و هل هو مفهوم التبليغ المقصود عند ابن تيمية وغيره؟
8 ـ ما هي ماهية الحجة و أنواعها عند ابن باز ؟
بهذه الطريقة يمكن أن نحدد مذهب شخص في مسألة ودرجة توافقه مع مذهب آخر ، وبتحديد درجة الصحة مع النصوص نحدد النموذج و هو الموقف الشرعي ثم نرد مذاهب العلماء إليه، فإذا أتى أحدهم و جمع بين الموقفين بدون هذا الاعتبار فلعدم دقته المنهجية ،وهناك عشرات الأمثلة على إلحاق الآراء العلمية السطحية بأخرى أعمق منها، و التساهل في نسبة المذاهب إلى أصحابها.
كذلك البحث من طرفين" شخصين" في موضوع واحد يحتاج إلى " وحدة اللغة" المصطلح" ـ "وحدة الزمن" يعني: أن نبحث عن الشيء في نفس الفترة فلا يتحدث أحدنا ~ مثلا ~ عن الأشعرية في زمن الباقلاني و الآخر عنها في زمن السنوسي؟
أو عن السلفية قبل ابن تيمية والآخر عن السلفية بعده ، فهناك نقاط مشتركة بين ابن تيمية و بين من سبقه و آتى من بعده في عدة أمور، كما هناك نقاط اختلاف منهجية حادة، بسبب المستجدات أو الرؤية العلمية، مثل " الموقف من التدليل العقلي" و الموقف من علم الكلام ".
فنحن نعرف ~ مثلا ~ أن موقف الغالبية العظمى من أهل الحديث معارضة الاستدلال العقلي، بينما منهج ابن تيمية ~ الذي صرح به ~ هو: ما ثَبت بالكتاب و السُّنَّة و الإجماع حتمًا و يقيناً تُؤيِّدُه فطرة الله التي فَطَرَ عليها عبادَه وضرورة العَقل و نظره و استدلاله، فلا فرق عنده بين اليقين في الأوليات و اليقين في النص،ومهمتنا ~ بالنسبة إليه ~ هي كشف ذلك.
وعلى هذا كانت عنايتُه بالدراسات اللغوية و المنطقية و العقلية و الوجدانية .
هذا ما يُفَرِّقُه منهجيا عن جمهور المحدثين الذين يتوقفون عند الكتَابِ و السُّنَّةِ و الإجمَاعِ استدلالا سمعياً وخطاباً، هم يستدِلُّونَ بهذه الأصول و هو يستدل لها بالفطرة و الضرورة و الاستدلال العقلي.
و السؤال المنهجي هنا : لماذا اختار ابنُ تيمية هذا المنهجَ ؟
الجواب: لأنَّه وجدَ الله في القرآن يستدعي في عباده: العَقْل، و التَّفَكُر، و الفطرة، ويحتج عليهم بذلك.
كما قال: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا} [الفرقان]، و قال:{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }[الأعراف]، و قال:{ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ }[الملك].
فوجد القرآن قد مدح: التفكر، التدبر، التذكر، النظر [الفكر] الاعتبار، الفهم، العلم، العقل، السمع، البصر، النطق، يعني: مدح العلم و أسباب العلم الحسية، و أسبابه المعنوية.
ومن هنا عرف أنَّ جنس عدم العقل و الفهم لا يحمد في القرآن بحال ،بل يؤمر به أمر إيجاب أو أمر استحباب لكن ليس على العموم بل يفرق بين الأشخاص نوعاً و عينا، فبعضهم لا منفعة له في العلوم الدقيقة كالعوام و غيرهم، و بعضهم يمنعه من العلم النافع كناشئة طلبة العلم ، و بعضهم لأنه قد يضره بسبب عدم استعداد عقلي أو غيره.
و إذا كانت العلوم منها ما جنسها مباح كالعلوم العقلية لكن بعض أنواعها أو أعيانها كالفلسفة و علم الكلام الفاسد و التقليد الفاسد فاسدة، تمامًا كما أنَّ من العلوم ما جنسها و أعيانها محمود لكن تضر النفوس المريضة التي قد تخادع بها من أجل الرياسة على الناس و الجدال بالباطل، و مثل هذه الأسباب؛ فمن الضروري ملاحظة الفرق و اعتباره عند تفصيل الموقف من العلوم الدقيقة العقلية و الوجدانية و الاستدلال بها .
و عليه ،يجب أنْ نعرف أنَّ جمهور أهل الحديث و بالدقة غالبيتهم العظمى الذين لم يحققوا هذه المسألة لم يُفرق بين أهل المعرفة و التمكين بهذه العلوم فحكَّم حالة نفسه على حالة غيره ، يعني اعتقد عجز الجميع عن الإحاطة و التمكن منها،ثم لم يفرِّق بين أهل الحاجة من أهلها وهم الغالبية من المسلمين وبين من لا يحتاج إليها من أتباعهم.
وعلى هذا أوجب الإعراض عنها !
وهنا يجب أن يكون التقسيم باعتبار الزمن أي: حين استفحل أمر العقليات و الوجديات، أما في زمن التابعين فقد كانت اللغة العلمية واحدة ، فقد استعمل الأئمة كأحمد و الشافعي والدارمي الأدلةَ العقلية لكن الضرورية الفطرية فقط، و أضافَ ابن تيمية، و بعض السلفيون المعاصرون إلى ذلك الاستدلالَ العقلي المنهجي.
ما هي شبهات" اشتباه الأدلة" هذا الاتجاه ؟
1 ـ وجدوا أنَّ ما بعث به الله رسولَه صلى الله عليه و سلم فيه كل ما يحتاج إليه الناس من أمر دينهم، وهذا صحيح.
لكن الشيء لا ينظر إليه باعتبار ذاته فقط، بل كذلك باعتبار غيره، يعني: ما نُسميه في اللغة العلمية" الإطلاق و النسبية " فقد حدثت في الأمة مقالات كثيرة، و ليس كل واحد من المسلمين قد بلغته النصوص كلها، ولا كل واحد منهم يفهم ما دلت عليه بما يرد الخطأ في تلك المقالات.
وعليه، كان الصحيح الواجب أنه من اشتبه عليه الأمر في هذه العقليات فتوقف حتى لا يتكلَّم بلا علم أو حتى لا يتكلَّم بكلام يضر ولا ينفع أن يسكت، و قد أحسن غاية الإحسان، لكن ليس عليه أن ينهي من علم الحق فبيَّنه لمن يحتاج إليه ، فهذا الثاني أحسن منه و أطوع لله ولرسوله ، و في كلٍّ خير بشرط أن لا ينهي عمَّا لا يعلم حقيقته.
ولهذا لما روى يحيى بن آدم لابنِ المبارك عن ابن عبَّاس، قوله: " لا يزال أمرُ هذه الأمةِ مواتياً أو مقارباً، شكَّ الراوي، حتى يتكلموا في الولدانِ والقدَرِ".
قال له ابنُ المبارك: أفيَسكُتُ الإنسان على الجهلِ؟
وقد صدقَ ابنُ المبارك لأنه إذا وقعت الشبهةُ لم يكن الهُدى في السُّكوت، فالسكوت فيه السلامة قبل وقوع الشبهة و ليس بعدها، فمن التزم السكوت بعد وقوع الكلام فإما لعجزه عن الجواب و إما لعدم فهمه لكلام ابن عباس ~ رضي الله عنهما ~
فقال له يحيى بنُ آدم: أفتأمرُ بالكلامِ؟
وهذه حيدة منه ~ رحمه الله ~ لأنه أجاب عن استفهام باستفهام، وهذا نصنعه عندما يكون الاستفهام ملزماً لنا، ولا نستحضر جوابه فنهمل الجواب عن السؤال و ننتقل إلى الاعتراض باستفهام آخر، إذ المفروض أن يجيبه بأحد جوابين : لا يسكت الإنسان على الجهل، أو يسكت الإنسان على الجهل،أو يُفصِّل، ولم يفعل أية واحدة من هذه لأنه لم يكن يعرف إلا الكلام المذموم .
فسكتَ ابنُ المبارك، لأنَّ الكلام الذي سأل عنه يحي بن آدم كان مذموما فيه مغالطات كثيرة، فلو أمر بالكلام مطلقاً لتضمن إذنه الكلام بما فيه من أخطاء.
وربما نفهم جيداً إذا عرفنا أن مسألة " الولدان" لما وقعت تكلَّم فيها قتادة و ربيعة الرأي و لم يسكتوا لأنَّ الفتنة بها حدثت، و الواجب توفير الصواب للناس لكن الآلة الإعلامية في كل زمان تنشر مذهباً و تطمس آخر ، فأهل التحقيق هم دائما القلة.
ثانيا: هؤلاء نصبوا العلومَ العقلية و الوجدية الصحيحة عدواً للخبرِ، فُقصَّر دلالةَ الكتابِ على الخبرِ، لأنهُ لا يُفرِّقُ بين طريقِ وصولِ الدليلِ إلينا و بين مادتِهِ، فاخطأ في هذه القضية صنفان : صنف خاضوا فيها بدون اعتبارها بالكتاب و السنة و صنف أعرضوا عنها، و الحق عند غيرهما جملة وتفصيلا.
و بهذا المثال تفهم أنَّ مذهب كثير من السلفيين المعاصرين ما هو إلا عبارة عن سوء فهم لكلام الأئمة مع أنهم يريدون أن يكونوا على الحقِّ، بل هم مقتنعون أنهم على الحقِّ ؟ !
فمثلا عندما جاء ابن تيمية إلى قوله تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج].
وفسَّره بالتالي: فالحيُّ قوامه بطبيعته المستلزمة لحركته الإرادية ، وقوامها بالمراد لذاته، فإذا لم تكن حركتها لإرادة المعبود لذاته، لم يكن لنفسه قوام، بل تبقى ساقطة ، ولهذا يهوي في الهاوية ،وهي ذنب لا يغفر ، لأنه فسد الأصل كالمريض الذي فسد قلبه ، لا ينفع مع ذلك إصلاح أعضائه.
فمثل هذا الكلام عن "الإرادة و الحركة الإرادية" نعلم أنَّه ليس من بضاعة أهل الحديث، فلا نجد له أثراً عند من سبقه منهم، فلابد أنَّ شيخ الإسلام لما اطلع على كتاب الرازي ~ رحمهما الله ~ " أقسام اللذات" أدرك أنَّه موضوع ~ و إن كان مهماً ~ لا ينتمي للثقافة الإسلامية فتتتبع مرجعيته،وهذا ما يصنعه العلماء الحقيقيون يتتبعون أصول الكلام و يعتبرونها بالمصدرين و بالعقل الضروري، و لذلك تكلَّم عن النفس و قوامها و طبيعتها و غير ذلك لما ناقش ابن سينا و نقل مذاهب الفلاسفة في ذلك، ومن ثم حتماً قرَّر أنْ يكتب قاعدته في ": المحبة" و قاعدته في " الإرادة" التي هي العمدة في بناء منهجه المعرفي في قضايا المعرفة كواقعية المعرفة و الوجود، و في علم السلوك، وعلم النفس المعرفي عند الكلام عن الفطرة و الشعور و اليقين، و الشك ، و مادة الأدلة و غيرها.
وهذا نموذج حي عن فائدة العلوم الدقيقة في تفسير كلام الله و تقريبه للناس، و كشف الهدى الذي يحمله،ومثال حي عن توسيع المعرفة بالحقِّ و تعميقها بحسب حاجة الناس في كل عصر، وهناك أمثلة كثيرة جداً.
فموقف ابن تيمية من موقف جمهور المحدثين من علم الكلام لخصه بما نقله في " الدرء" من قول الخطَّابيّ في (شعار الدِّين): "الكلامُ المكروهُ الَّذي زجرَ عنهُ العلماءُ وعابُوهُ، هو التَّجرُّدُ في مذهبِ الكلامِ، والتَّعمُّقُ فيهِ على الوجهِ الَّذي يذهَبُ المتكلِّمون.))
و ملخص منهج ابن تيمية هو : يُكره العلم إذا كان كلاماً بغير علم، أو حيث يضر، فإذا كان كلاماً بعلم، ولا مضرة فيه فلا بأس به ، و إن كان نافعاً فهو مستحب، فلا إطلاق القول بالوجوب صحيح، ولا إطلاق القول بالتحريم صحيح ، مثله مثل التقليد و الاجتهاد ، فالاجتهاد جائز للقادر على الاجتهاد ، و التقليد جائز للعاجز عن الاجتهاد.
و بهذا نعرف أنَّ ذم الكلام مطلقا كما هو عند جمهور السلفيين المعاصرين ليس مذهبا لابن تيمية.
و بتحرير هذه المسألة نستخلص أربعة أمور:
1 ـ ليس كل أئمة الحديث أكفاء في التحقيق العلمي، فالمنهج العلمي الصحيح ليس الاستشهاد بأقوال بعضهم على صوابية القول إن لم تسعفه الأدلة و تؤكده، فمن ظن أن المنهج السلفي هو إقامة الشاهد من قول بعض المحدثين دون أنْ يكون مصدر الاستدلال الدليل المعتبر شرعاً فقد أخطأ المذهب.
2 ـ موقف غالبية السلفيين المعاصرين هو موقف جمهور المحدثين و لا علاقة له بمنهج ابن تيمية جملة و تفصيلا، تجمع بينهما النتائج فقط، لا المقدمات، و لا منطقية الاستدلال و ضروبه.
3 ـ هل هناك مسائل شبيهة ؟ نعم، في قضايا التصوف ـ و السياسة، و الأسماء و الأحكام، و معاملة المخالف و غيرها، سيأتي الحديث عنها مستقبلا بتفصيل و إسهاب.
4 ـ هل السني السلفي هو الذي لا يتكلَّم إلاَّ بالألفاظ الواردَة التي لا يُفهَمُ معنَاها أو يعجز عن إفهامِ الناس بمعانيها بِلُغتِهم،أم من فَهِمَ معانِي النُّصوص، و دفع الخطأ المعارض لها بأي لغة أو مصطلح يفهمه الناس لا يعارض مدلوله الكتاب و السنة هو أحق بالسنة من غيره ؟
وكذلك نحن نعرف ~ مثلا ~ أنه قد أشار في عدة من كتبه [2] إلا مسألة التقصير في الدليل العقلي و اعتقاد أنَّ الشرع يدل بالخبر المجرد فقط، وهذه مشكلة جوهرية في تحليل اختلاف لغة الخطاب و آليات الاستنتاج ثم بالنتيجة في وضع العلاقة بين المذاهب الإسلامية في علم الكلام و قضايا الاعتقاد عموماً.
فإذا تغيرت لغة العلم في فترة ما، أو هيمنت لغة أو اصطلاح ما على فترة بحيث صارت لغة السلطة أو لغة تكفلها السلطة و صار أهلها القضاة و رؤساء المدارس العلمية كان التخلف عن اتخاذ موقف علمي منها يعني: اعتبارها و تقييمها بالكتاب و السنة ،ومن ثم التخاطب بها ~ على الأقل مع أهلها ~ تقصيراً علميا في حقِّ الكتاب و السنة، و في حقِّ الأمة ،وفي حقِّ المخالف الذي لا يفهم غيرها إذ الناس إما صاحب حقٍّ عليه مسئولية بيانه لغيره، أو مخطئ يحتاج إلى من يرشده.
فلا يكفي أن تكون مصيبا ~ بغض النظر ~ عن حقيقة هذه الصوابية يجب أن تأخذ بالوسائل الكفيلة ببيان هذا الصواب لغيرك من المسلمين وغيرهم،فالحق يحتاج إلى لغة مفهومة للناس، و ليس على الناس أن يأتوا إلى لغتك فقد تكون لديهم شبهات عنها ~ ساهمت فيها ~ تمنعهم من اعتمادها.
وحامل الحق هو المسئول عن تبليغ الحقِّ و بيانه، و الحقُّ يحتاج إلى أن نقدِّمه بجرعات غير قاتلة كالدواء إن لم نحترم الجرعات فقد يكون قاتلا.
و الحق يحتاج أنْ نسلط عليه ضوءا مناسبا و إلا صار كذبا، و لأنَّه الحقّ فيجب أنْ يكون مظهرُه و لباسه و عطره جميلا طيبا.
عندما نُقصِّر في وسائل نشر الحق أو بيانه فإنَّنا نساهم في ابتعاد الناس عنه، و نساهم في مزيد توغلهم في الباطل.
إذاً الإحاطة الملموسة بالمفاهيم الخاصة بكل فئة هي سبب الرؤية الشاملة و انتظام المنهج العلمي بحيث يسعى إلى الصوابية العلمية لكن بدون أن يؤثر على التناغم و الانسجام العلمي في القضايا العلمية المشتركة ، وفي النسيج الاجتماعي و السياسي للمسلمين.
لا شك أنَّ كثيرا منَّا قد لاحظ أنَّنا نعاني من عدم استقرار في منهج البحث فلا تحكمنا معايير موحدة أو قواعد مشتركة، و كتب التراث فيها تقلبات كثيرة ،وفي بعضها فوضى في نسقها الفني و ترتيب مواضيعها و عدم فصل حقيقي بين المواضيع المتشابهة، إضافةً إلى غموض الأطروحات و المفارقات و التناقض و الضبابية و الاضطراب في بعضها .
وكل هذا يحتاج طالب العلم إلى أنْ يحترز منه، و إلى أنْ يفصل بين العنف اللغوي الموجود فيها بسبب النعرات و المذهبية، أو الأذى الذي تعرَّض له بعض العلماء و بين المضمون العلمي الصرف.
وعلى هذا نقول: لقد تكوَّنت الصورة الذهنية ~ عن المخالف ~ المرتسمة في عقول الشباب من كل هذه العوامل: من عنف كلامي، شيوخ يفتقدون إلى النظرة الشاملة، لا يفرقون بين مقام الوصف و مقام الحكم، لا يقفون عند الأسباب الموضوعية لظهور المقالات،لا يفرقون بين المقالة و الشخص،حتى يخيل للشاب إذا ما نظرت إلى الصورة الذهنية ~عن المخالف ~ في عقله تجدها صورة آدمي بقرون شيطان ، مبغض للرسول، يعمل كل ما في وسعه لمعارضة السنة ؟
وهذه صورة بعيدة عن الحقيقة، جاءت نتيجة النفخ و تضخيم القضايا و المسائل و شيطنة المخالف بلغة التشنيع و الإثارة و المغالبة حتى أصبح خطابنا خطاب المتكالبين على بعضهم بعضا.
من المفروض أن يكون خطابنا علميا إيمانيا أبعد ما يكون عن الأيديولوجية فيقبل النقاش و الحوار ، حتى ولو كنا مقتنعين بصوابيتنا يمكن أن نعتبر النقاش مع غيرنا بيانا و شرحا ، و إن اعتبره هذا الغير نقاشا تأسيسيا.
لا مانع من أن تحتفظ برأيك، و أن تفتخر به بأدب ومودة للمسلم، فليس شرطا في قول الحق الإسراف في التشنيع.
نحتاج إلى إعادة ترتيب القضايا المعيارية، و أنْ نُفرق بين النظرية منها و العملية، و أيها تدخل في مقومات وجود الأمة و فعاليتها، و الأخرى التي هي من كمال الوجود و التحقق.
لا يجب أن نقع في فخ تداعيات حصد النجاح في مجال أو مجالين و نهمل الشعور بالشبع من الإخفاقات التي باتت تلاحقنا في مجالات كثيرة ، و ليس على من يشعر أنه أقلية أن يقاوم مقاومة المنهزم: دوامة الصمت، بل يجب أن نمضي إلى معركة النقد و التحقيق، فما لم نفعله نحن سيفعله أعداء الدين وحينها النتيجة ستكون وخيمة ، و دعوكم من حجج المتعصبة فالنقد لا يخدم إلا الحق، والحق لا يخدم أعداءه.
وكما قال الكاتب الفرنسي هنري بيرو (Henri Béraud) : " الكاتب المكافح (المناضل) يجب أن يخضع للنُّكران، الضَّربات الموجَّهة للذين يعتقد الدِّفاع عنهم، و الذين يدافع عنهم بالفعل مهما كان زمانه، حزبه(.... ).مصيره محكوم،أكثر أو أقل مأسوية (.....) يوجد دائماً رجال يزدرون سهولة الحياة، يكرِّسون أنفسهم مع المعرفة التامة بضخامة أهمِّ المهام البشرية، و التي هي الصُّراخ(لتحذير) المعاصرين من المصيبة،ذلك أنَّ "عالَم الأدب"(عالم الكتابة) ليس كله مكوَّنا من الأدباء،يوجد ـ دائماً ـ رجال لا يلجئون(يختبئون) في مؤلفاتهم؛هؤلاء الرِّجال يقاتلون، ويقاتلون لأنَّهم إن لم يقاتلوا لا أحد سيقاتل مكانهم، و لماذا يقاتلون؟
من أجل الواجب المدني[للمسلم في سبيل الله من أجل الأمة ]، بدون شكٍّ، لكن و خاصَّة من أجل شرف مهنتهم(مهمَّتهم)؛ لوحدهم يمضون إلى قلب المعركة لأنَّهم يستجيبون لمهمَّتهم؛ يكذبون على أنفسهم إن تخلوا (تولوا)عن المعركة’’
الشيخ مختار الطيباوي









 


رد مع اقتباس
قديم 2016-01-19, 12:53   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
وَحْـــ القلَمْ ـــيُ
مشرف قسم القصّة
 
الصورة الرمزية وَحْـــ القلَمْ ـــيُ
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-19, 13:28   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
أبومحمد17
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة MOFIDA13 مشاهدة المشاركة
شكرااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا ا
بارك الله فيك









رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 21:55

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc