الجزء الثاني
تسمرت مكاني و لم أعد أحس بأي من أجزاء جسدي, لا أعلم اذا ما كنت لا أزال على قيد الحياة أم أنني قد فارقتها, لم أستطع التقدم و لو لسنتيمتر واحد, جحظت عيناي, و فتح فمي من هول الموقف........ إنها زوجتي!!!!....لم أستوعب الموقف لدقائق...... لم يكن حالها أحسن من حالي, سقطت على الكرسي شبه مغمي عليها..........لا أدري كيف تمالكت نفسي و حملتها إلى خارج المطعم و وضعتها في السيارة, كل شيء مر بسرعة, أدرت محرك السيارة و انطلقنا صوب بيت أهمها..... لم أكن استوعبت الموقف بعد و هي هامدة أمامي لا لم تتبقي لها من الحواس الخمس الا حاسة التنفس...... أنا لا أصدق هذا.......زوجتي البريئة تواعد شخصاً غيري.....يا الهي....لكن هذا الشخص الاخر ما هو الا أنا.........ها,ها,ها.......... كان من الممكن أن يكون شخص غيري, إنها الصدفة فقط بأن كنت أنا.....الخائنة….. ربما تواعد غيري....ربما لست الوحيد.....كيف استطاعة أن تفعل هذا بي......كيف لم أحس بشيء...... لكنني واعدة امرأة غيرها ...... من غير خجل أو استحياء....لكن لحظة أنت رجل و هي امرأة هناك فرق...كانت هذه المتضادات و المتناقضات تزن في رأسي...... كلانا خان الاخر مع الفارق ان خيانة الرجل قد تغتفر لكن خيانة المرأة فلا تمحى مهما كان, ظلت الحوارات العقيمة تدور في رأسي إلي أن وصلنا لبيت أمها حيث كانت بدأت تفيق و تسترجع أنفاسها......حمدت الله في داخلي على سلامتها...... لم تتلفظ بكلمة واحدة و كذلك أنا فالموقف لم يكن يحتمل أي كلام, أوقفت السيارة فنزلت و نظرات الحزن و الأسى بادية على وجهها.......
بقيت بمحاذاة البيت لعدة دقائق لا اعلم ما أفعل, و لا أستوعب الذي حدث اصلا..... ضاق صدري فلم أستطيع التنفس, بدأت بالشهيق و الزفير عسا أن تتحسن حالتي..... الجو حارا جدا لكنني فقدت الإحساس بأي شيء..... أدرت المحرك من غير وجهة اعلمها, لبضع ثواني لم يكن باستطاعتي تحديد وجهة معينة, تناولت الهاتف من جيبي و اتصلت بزميلي أخبرته بعدم قدومي مساءاً لطارئ حل بي فجأة........لم أجد من مكان أهدئ و لا اريح لحالتي من البحر, فلطالما توجهت اليه شاكيا ما كان بي من هم و غيظ, و اليوم هو يومه, توجهت اليه عله يستطيع ان يخرجني من ما انا فيه ,او ربما يسمعوا شكواي..................
أمضيت الأمسية كلها الى جانبه شاكيا باكيا, كانت أطول أمسية في حياتي.......راجعت فيها حساباتي و تصرفاتي, و وجدت نفسي مخطئا مع زوجتي في بعض الجوانب..... ما ذنب هذه المسكينة لأفعل هذا بها.....هي لا تزال صغيرة و تحتاج لحنان أكثر من حنان الأم على رضيعها...... أصبحت كل شيء لها منذ زواجنا.... حتى مكانة أمها التي لم يجرأ أي مخلوق على الاقتراب منها تجرأت و نافستها عليها حتى صرت أقرب لها من أمها.............
يا ألهي ما الذي فعلته, كيف طاوعني قلبي على فعل هذا بها !!!!!
آه....يا لا غبائي....و أنا الذي كنت أجري وراء أوهام لا وجود لها اصلا....
وهل أترك ما بين يدي و ما رأت عيناي و أركض خلف المجهول لأجل نزوة عابرة؟
هل ستسامحني يا تري ؟
..... و لكن لحظة, و هل سامحتها أنا أصلا؟
هي أخطئت أيضا..... ما كان عليها أن تفعل ما فعلت......
كانت علامات الانزعاج و الحزن الصفة الغالبة على زوجتي لكنها لم تصارح أمها بما حدث, ظلت فقط تداوي ما اقترفته من خطأ بالبكاء عله يخفف عنها ما كانت فيه.........بقيت حالتنا كما هي لمدة ثلاثة أيام أو أكثر لم نتحدث فيها, و لم يجرأ أحد منا على الاقتراب من منطقة الاخر, ربما كان من الأفضل أن لا نتحدث..... الوضع كان يزداد تعقيدا أكثر فأكثر و أنا لم أتعود العيش وحيدا, رغم إهمالها لبعض من واجباتها لكنني أحسست بأهميتها في البيت, فبدونها أصبح البيت يشبه بيت أشباح...........
اليوم هو العاشر منذ تلك الحادثة التعيسة لقد قررت أن أذهب و أراها فالموقف لم يعد يحتمل أكثر من هذا, توجهت الى بيت أهلها و نبضات قلبي تزداد أكثر فأكثر كلما دنوت من باب منزلهم.......كأنها أول مرة سأقابلها في حياتي, نفس الإحساس الذي أحسسته يوم ذهابي لخطبتها يتكرر معي مع الفارق الوحيد ان يومها كنا صفحتين بيضاويتين لم تلوثهما الدنيا باختباراتها و مشاكلها.
وصلت البيت, استقبلتني أمها بكل حفاوة, محمدتاً لسلامة عودتي.
متى رجعت من السفر؟.
السفر!!!
الم تكن مسافر؟.
اه......أجل..... لقد عدت يوم أمس...فهمت من كلامها أن زوجتي أخبرتها أنني كنت مسافرا.
طلبت منها أن تخبر زوجتي أنني وصلت, لم تمضي إلا دقائق معدودات حتى أتت, لم يكن وجهها ذلك الوجه المضيء الذي اعتدت رأيته, عانقتها و فحركة رائحة عطرها مشاعر شوقي لها, لكن في نفس الوقت أحسست بكومة من الثلج تحول بيني و بينها, لم أكن لألومها....... أحست الأم بأننا نريد أن نكون لوحدنا فانصرفت بحجة إعداد القهوة.
كيف حالك؟.
بخير, و كيف حالك أنت؟.
قلت مازحا أو ربما محاولا إذابة الحاجز الثلجي الذي كان بيننا, لم يمر على عودتي من السفر إلا وقت قصير, كانت رحلة متعبة جدا......
آه, أجل....أنت دائما ما تعاني من مثل هذه الرحلات و السفريات, خاصة عندما تشاهد و تقابل الجميلات هناك!!
و لكنك تعلمين كم أكن لك من الحب و لن يكون قلبي ملك لأحد غيرك.
آه, من أي كتاب سرقة كلمات الحب هذه؟
إنها ليس من اي كتاب بل من قلبي.
أسمعي أنا أعلم بأنني أخطئت و ربما ظلمتك معي باهتمامي بعملي أكثر منك لكن الشيء الوحيد الذي أريدك أن تعريفيه أنني أحبك جدا و لا استطيع العيش مع أحد سواك.
مجرد كلام لا أكثر و لا أقل...........
لكنك تعرفين مدي حبي لك, و أعلم مدي حبك لي, و إن كنت قد أخطأت فأنت كذلك أخطئت و لا أريد أن أدخل في تفاصيل القصة, فكري في الموضوع من كل الجوانب و أنا متأكد من أنك ستصلين للحل المناسب.......
انصرفت و أنا لا أعلم إن كانت ستقبل باعتذاري و تأسفي أم أنها ستكون النهاية لحياتنا.........
مر اليومين التاليين كسنتين كنت أنتظر أن تتصل أكثر من انتظار العشيق لعشيقته, لكنني في النهاية فقدت الأمل في اتصالها. لم أكن أنوي الاتصال لعلمي أنها لن ترد على اتصالي, لكنني قررت أن ابعث لها برسالة نصية أذكرها بأيامنا الحلوة التي قضيناها معا, كل هذا و أنا أضع اللوم كله على نفسي و كأنها لم تخطئ في حقي أبدا...... اعتبرت نفسي السبب في كل ما جري, و صراحة لم أكن لأعيش من دونها, فهي بالنسبة لي كالماء للسمكة...... ربما كان للرسالة النصية أثرها أو ربما بدأ أمها في الشك بعد عدم قدومها معي بعد عودتي من السفر وهي التي لم تكن لها الجرأة بأن تخبرها بما جري بيننا..... فقررت الرجوع معي و ردت برسالة تخبرني فيها برغبتها في العودة للبيت غدا.... لم أصدق ما رأته عيناي لكنني تأكدت من أنها تريد العودة, كان اسعد خبر سمعته منذ أيام بدل يومي من تعاسة إلى سرور......
كان يوم غد بالنسبة لي كموعد غرامي, لم أدري ما أفعل و أي وقت أفضل للذهاب, لكن في النهاية استقر بي الحال على الذهاب بعد نهاية دوامي.....قمت بإرسال رسالة نصية أخبرها بذلك, و فعلا كنت هناك في الوقت المحدد, أصرت أمها أن نتناول العشاء معهم لكنني رفضت و تأسفت, ركبنا السيارة و كانت ملامح وجهها تغيرت, تبدو أكثر نضارة عن أخر مرة زرتها فيها, لم تقل أي شيء غير كلمات الترحيب التي سمعتها لدي وصولي, علمت أن الوضع لا يزال مكهربا.......
قلت لها سنذهب لتناول العشاء ثم نتوجه للبيت.
حسنا, كما تريد.
أخذتها إلى المطعم الذي تناولنا فيه العشاء أول مرة أيام الخطوبة عله يساعد في استجاع الذكريات الجميلة و يدمي الجرح الغائرة..
قالت: الا تزال تذكره؟.
قلت: و كيف لي أن أنسي أول عشاء لي معك, هل نسيت أنت؟.
لا, لم أنسي.....
أنا أذكر حتى الطعام الذي طبليته, كنت مستحية و خجلانة, حتى انك لم تكملي طعامك يومها, لأنك سكبت العصير على ملابسك, و كان منظرك مضحكا جدا.....حتي تحولت خدودك كحبة طماطم ناظرة من كثرة خجلك........
ها, ها, ها.......
لم أحس إلا بلكمة ناعمة على كتفي و ابتسامة رقيقة أنستني الدنيا و ما فيها.....
و لكنك كنت السبب في سكب العصير عندما كنت تحاول لمس يدي و اضطررت لجلبها بسرعة فضربت الكأس من دون قصد و لا نية......و حصل ما حصل.....تأكدت لحظتها أننا في الطريق الصواب ليرجع كل شيء لما كان عليه بعد تلك الحادثة التعيسة..............
مرت الأيام و عادة الأمور لحالها, و نسينا ما جري بيننا....... حاولت قدر المستطاع أن أغير من تصرفاتي اتجاهها, و أمضي وقتاً أكثر لجانبها....لم أعد أكترث للخروج مع أصدقائي و لا إلي البقاء في المكتب بعد وقت الدوام الرسمي, كنت فعلا أريدها أن تتأكد من أنني ملكها و لها وحدها و لن أفكر في غيرها............
مع مرور الوقت أصبحت أيامنا جميلة ملئها السعادة و الهناء, حتى الانترنت التي سببت لنا مشكلتنا الأول لم تعد تكترث لأمرها, الخط مقطوع منذ ثلاثة أشهر لكنها لم تكلمني أو تطلب مني إرجاعه.............
لم يكن سبب عدم اكتراثها بالأنترنت ما حدث بسببها فقط بل أيضاً لأن صديقتها أو كما يحلوا لها أن تصنفها في مقام أختها صارت تزورها أكثر من أمها......كانت تسكن على مقربة منا فأصبحت زائرة يومية تقريباً, لكن الغريب في الأمر أنها كانت تختار أوقات غياب في العمل للقيام بزياراتها الم****ة و التي كانت تستمر مرات لساعات..... لم تزعجني زيارات صديقتها بل ما كانت تنقله لها من أخبار عن الناس و حشر انفها في ما لا يعنيها من خصوصياتهم.... كل يوم تأتيها بأخبار لا أحد يعلم صدقها من كذبها, لكن احساسي في كل مرة تسرد فيها ما قالته صديقتها يراودني احساس بكذب صديقتها و اصطناعها للكثير من القصص و الحكايات, فما كان مني الا أن حذرتها منها و طلبت منها ان تتنبه لما تسمعه منها فليس كل ما تقول حقيقة واجب تصديقها........
لم تكتفي صديقتها بنقل أخبار العالم لها, بل أصبحت تنقل لها أخباري و ما تسمعه من مصادرها, فمرت تخبرها بأنني اشتريت سيارة جديدة, و أخري بأنني أنوي شراء بيت جديد, و...,و....... لا علم لي بمصادر أخبارها لكن بعضاً منها كان صائبا.
كان يوم مشمس و جميل بعد أن تناولنا فطور الصباح غادرت المنزل متوجها للعمل, فاليوم لدي عمل كثير يجب أن أنهيه, انهمكت في العمل و لم أحس بالوقت أنها الحادية عشرة, لا مشكل مازالت ساعة كاملة على موعد الغداء, رجعت لشاشة الكمبيوتر و يدي على فأرة الكمبيوتر تحاول أن تكم ما كانت تفعله قبل قليل, و فجأة التفت ليميني لألحظ زوجتي قادمة اتجاهي......
كنت مسرورا بقدومها لكنني أحسست أن شيء ما حدث......خيرا انشاء الله......
كانت العصبية ظاهرة في وجهها, و علامات الشرر تنبعث من عينيها........
انشاء الله خير, هي أول مرة منذ زواجنا تقوم بزيارتي في المكتب.................
لما هي هنا يا تري؟؟؟؟؟؟...............................