منهج البحث العلمي
تعريف، وهدف، وأهمية
1ـ مقدمة:
أصبح منهج البحث العلمي والتمرس على تقنياته علماً قائماً بذاته وقد كتبت في هذا الفن العشرات من الكتب والرسائل والأبحاث.
وأغلب الباحثين يظنون أن هذا العلم جاءنا من الغرب، والواقع أن أجدادنا العرب قد سبقوا الغرب إلى انتهاج طرق علمية في البحث ولا سيما في فترة الازدهار العلمي والفكري.
وقد أصبح الهدف من تدريس هذه المادة لطلاب المراحل الجامعية ـ الإجازة (ليسانس)، والدراسات العليا ـ هو إعداد الطلاب إعداداً تربوياً علمياً يؤهلهم ليصبحوا أساتذة وباحثين منهجيين. وتوجيههم التوجيه الصحيح ليتفرغوا للبحوث والدراسات العلمية الأكاديمية.
لأن الهدف الأساسي للتعليم الجامعي ليس هو تخريج المدرسين أو المهنيين وحسب، وإنما هو تخريج باحثين أكاديميين يمتلكون الوسائل العلمية لإثراء المعرفة الإنسانية، بما يقدمونه من مشاركات جادة في مجالات تخصصهم، ويتحلون بالأخلاق السامية التي هي عدة الباحث في هذا الميدان مثل:
الصبر، والمثابرة، والأمانة، والصدق، والإخلاص لطلب العلم وحده.
2ـ قيمة العلم:
ما دام الإنسان يؤدي رسالة الخلافة على الأرض التي أرادها الله له يسعى حثيثاً لكشف المخبوء من قوانين الكون، وأسرار الحياة، طلباً للعلم والمعرفة.
إن البحث العلمي، والسعي وراء اكتساب المعارف من أعظم الوسائل للرقي الفكري والمادي، كما انه المؤكد للكرامة والفضل اللذين منحهما الله عز وجل للإنسان من بين مخلوقاته، ولأجل أن يتحقق هذا الهدف سخر الله للإنسان كل ما في الوجود، يسعى في مناكب الأرض، ويسبح في أجواء الفضاء، ويغوص في أعماق البحار.
وقد صدق رب العالمين إذ قال في القرآن الكريم:" هلْ يستوِي الذينَ يعلمُونَ والذينَ لا يعلمُون" (الزمر آية 9).
ويقول سبحانه وتعالى:" يرفعِ اللهُ الذينَ آمنوا مِنكمْ والذينَ أوتُوا العلمَ دَرَجاتً" (المجادلة آية 11 ).
ويقول جل شأنه:" إِنمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ" (فاطر آية 28 ).
كما يقول الرسول العربي صلى الله عليه وسلم:" من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة".
وما دام الإنسان يسعى وراء المعارف يتسع أفقه وتنمو مداركه، وتتعاظم خبراته، فإذا ظن الإنسان أنه قد وصل إلى درجة كافية من العلم والبحث، فمن هنا يبدأ مرحلة جديدة يتورط فيها في ظلمات الجهالة.
وقد أصبحت الحكمة القديمة التي تقول:" إن المرء ليعلم ما دام يطلب العلم فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل".
وقد جاء في كتاب أدب الدنيا والدين للماوردي نصيحة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان لبنيه:" تعلموا العلم:
فإن كنتم سادة فقتم،
وإن كنتم وسطاً سدتم،
وإن كنتم سوقة عشتم ".
وقد أحسن من قال:" من أمضى يومه في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجد أثله، أو علم حصله، فقد عق يومه، وظلم نفسه ".
وفيما يلي بعض قلائد الحكم في العلم:
· من كان ذا عِلمٍ سعى بِيَومه لِغَدِه. ومَن كان ذا عقلٍ حصَّل خاتَم المُلك في يده.
· من صاحَبَ العُلماءَ وُقِّر، ومن عاشَرَ السفهاءَ حُقِّر.
· من لم يتعلَّم في صِغرِه لم يتعلَّم في كِبَره.
· أصل العلم الرغبةُ وثمرتُه العبادةُ.
· العالم يعتمد على عمله، والجاهل يعتمد على أمله.
· الجاهلُ يطلب المالَ، والعالم يطلب الكمالَ.
· العلمُ كَنْـزٌ لا يَفْنى، والعقلُ ثوبٌ لا يَبْلى.
· العالِمُ من تركَ الذُّنوبَ وانتفى منَ العيوبِ.
· لا يُدرِكُ العلمَ إلا من يُطيلُ دَرسَهُ ويُكِدُّ نَفسَهُ.
· لا يستخِفُّ بالعِلم وأهلِهِ إلا رقيعٌ جاهلٌ، أو وضيعٌ خاملٌ.
· العلمُ شرفٌ لا قدرَ له، والأدبُ مالٌ لا فوقَ عليه.
· الجهلُ أضرُّ الأصحابِ، واللُّؤمُ أقبحُ الأَثوابِ.
· أفضلُ ما منَّ اللهُ به على عبادِه عِلمٌ وعقلٌ ومُلكٌ وعدلٌ.
· العلمُ عِصمةُ الملوكِ، لأنَّه يردَعُهم عن الظُّلم ويردَّهم إلى الحِلم، ويصدُّهم عن الأذيَّة ويُعطِّفُهم على الرَّعيَّة، فمن حقِّهِم أن يعرفوا فضلَه ويستبطِنوا أهلَه.
3ـ وسائل العلم:
لكي يعطي العلم ثماره فإنه لابد من أن يكون منصباً على وسيلتين هما:
أ ـ الوسيلة النظرية:
وهي الإطلاع الكافي على ما يقدمه المختصون والمجربون من نظريات ونصائح في هذا الميدان، حتى إذا بدأ الطالب خطواته العملية في ميدان البحث العلمي بدأها بثبات ويقين، وقطع مراحل البحث وهو يمتلك التصور الكامل للمراحل التي سيقطعها في هذا السبيل الشاق، من لحظة التفكير في إشكالية البحث إلى ساعة التتويج بنيل الشهادة العليا بحول الله.
ب ـ الوسيلة التطبيقية:
إن الفائدة المرجوة من دراسة هذه المادة لا تتم بغير العناية الكاملة بالجانب التطبيقي، إذ لا يكفي إن نملأ أدمغتنا بالنظريات ونحن نمارس العمل في ميادين البحث المباشرة مع المصادر والمراجع والمواقع الأثرية و...
لذا فإننا نوجه العناية إلى هذا الجانب المهم، وهو تعويد الطلاب على التعامل مع المصادر والنصوص وبث روح التفكير والنقد فيهم، وزرع أخلاق الباحثين النزهاء منذ الخطوات الأولى، فإن البحث العلمي أخلاق فاضلة قبل كل شيء.
على أن الإطلاع على مناهج البحث العلمي ودراسة تقنيات البحث، لا يكون وحده استعدادات نفسية، وعلمية، وذهنية، إنها أشبه ما تكون بالماء الذي يسقي الأرض الصالحة للزراعة، فإن لم يكن الباحث مؤهلاً بالفطرة للبحث فإن دراسته للمناهج، ومعرفته تقنيات البحث لا تجدي نفعاً.
4ـ الحاجة إلى معرفة منهج البحث:
كل باحث بحاجة إلى معرفة الأصول العامة في كتابة الأبحاث (منهج البحث) وذلك للأسباب التالية:
أ ـ لأن إتباع الطرق البحثية التي خلُص إليها العلماء يزيد من جمال البحث، ويظهر حسن عرضه.
ب ـ يساعد القارئ على تصور أبعاد البحث وتفريعاته، وبذلك يسهل عليه فهمه.
ت ـ يساعد الباحثين المبتدئين على الارتقاء بأبحاثهم.
ث ـ يوحد خطوات البحث بين الباحثين، دون المساس بالمضامين العلمية أو النتائج التي يتوصلون إليها.
5ـ أهمية البحث:
البحث العلمي هو الذي يقدم للإنسانية شيئاً جديداً، ويُساهم في تطوير المجتمعات ونشر الثقافة والوعي والأخلاق القويمة فيها باستمرار.
وتزداد البحث كلما ارتبط بالواقع أكثر فأكثر، فيدرس مشكلاته، ويقدم الحلول المناسبة لها، فموضوع علم الآثار الذي ندرسه يحتل أهمية كبيرة بالنسبة لنا جميعاً، لأنه دائماً تظهر إلينا المزيد من المعلومات التي تكشف عن جوانب متعددة من حضارتنا عبر التاريخ.
وعلى العكس من ذلك تلك المواضيع الخيالية التي لا تفيد الناس بشيء اليوم، وتكون بعيدة عن واقعهم، فإنها تفقد أهميتها، فيجب على الباحث أن يختار موضوعاً يهم المجتمع ككل، ويفيد الناس، ويقدم لهم خدمة، فالمريض الذي يشكو الآلام بحاجة إلى طبيب يكفكف آلامه وأوجاعه، ويخفف عنه ما يشعر به، ويقدم له العلاج النافع.
ومما لا شك فيه أن الدراسات والأبحاث التي يكتبها المتخصصون في كل فن، تقدم للإنسانية خدمات كبيرة فهي:
أ ـ تُسجل آخر ما توصل إليه الفكر الإنساني في موضوع ما.
ب ـ تُقدم للناس فائدة عظيمة وتنشر الوعي فيما بينهم.
ت ـ تُثرِي المجتمع بالمعلومات، فتزيد في تطويره ونموه، ومواكبة السباق الحضاري بين الأمم.
6ـ أهداف البحث:
يميل البحث العلمي اليوم للتخصص ومعالجة أدق الجزئيات بالتفصيل، ويسلط الضوء على أسبابها وكيفية عملها ونتاجها، ويوازن بين الأمور ليبين صحيحها، ويهدف إلى إبراز حقيقة ما، أو يضع حلاً لمشكلة ما: ثقافية، أو علمية، أو اجتماعية، أو أدبية، أو يتوصل إلى اكتشاف جديد، أو يطور آلةً، أو نظرية معينة، أو يصحح خطأ شائعاً، أو يرد على أفكار معينة.
ومجاله رَحبٌ واسع لا حدود له، لأنه صادرٌ عن أفراد المجتمعات الإنسانية، ويسعى لتطورها ونشر العلم والثقافة والوعي فيها، وهذا أمر لا حدود له، يستمر باستمرار الإنسانية، لذلك يجب أن لا يَحْتار الباحثون في اختيار مواضيع بحثهم، فالمجال أمامهم واسع ومفتوح ما دام العقل البشري يعمل ويفكر، وما على الباحث إلا الانطلاق من حيث توقف الآخرون، لذلك يجب معرفة، واستيعاب أبحاث السابقين، حتى لا يقع الباحث في التكرار، وضياع الجهود وتبعثرها.
ولابد من أن يحقق البحث أهدافاً، ولابد من وضوح هذه الأهداف في ذهن الباحث، لأن معالجة الموضع تختلف لاختلاف الهدف، فمن كان هدفه من بحثه تعريف الناس، أو شريحة من الناس، بالمشكلة، يسلك طريقاً في بحثه غير الطريق الذي يسلكه من كان هدفه حل المشكلة.
ومن الأهداف المعتبرة للبحث الآتي:
1. الوصول إلى حكم لحادثة جديدة لم يبحثها غيره، أو التنبيه على أمر لم يسبق لأحد أن نبَّه إليه.
2. اختراع معدوم: ( الاختراعات، والاكتشافات ).
3. إتمام بحث لم يتمه من بحثه سابقاً.
4. تفصيل مجمل: الشروح، والحواشي، والتحليلات، والتفسيرات، والبيان لما هو غامض.
5. اختصار أو تهذيب ما هو مطوّل: إذ يستبعد من البحوث ما عسى أن يكون حشو وفضول، ومعارف يمكن أن يستغنى عنها في تعليم المبتدئين، وقد شاع هذا قديماً، ولم يعد اليوم مقبولاً كبحث.
6. جمع متفرق: ( النصوص، والوثائق، والأحداث، والمعلومات ..) قد تكون هناك مسائل علمية متفرقة في بطون الكتب موزعة في مصادر ومراجع مختلفة، وتحتاج إلى بحث واستقراء دقيقين ليصل الباحث إلى تصور شامل لما تفرق في صورة قضية واحدة متكاملة الأطراف والعناصر، وهذا لون من البحث وإن لم يأت بجديد لكنه جهد مفيد، مثمر، ييسر للأجيال التالية أن تخطو على أساسه خطوات واسعة.
7. تكميل ناقص: بحث جانب وإهمال آخر، أو اهتمام بقضية وإغفال أخرى.
8. إفراز مختلط: كاستقراء تراجم للأعلام، واستخراج تراجم من مات في أماكن ومناطق مختلفة.
9. إعادة عرض موضوع قديم بأسلوب جديد.
10. التعقيبات والنقائض: هذا لون من البحث يعتمد على التعقيب على بحوث سابقة، أو نقض ما فيها من قضايا، أو إصلاح أخطاء وقع فيها مؤلفون سابقون، وكشف ما فيها من زيف، أو تخطئة ما ورد فيها من آراء واجتهادات.
7ـ أنواع البحوث:
تتنوع البحوث من حيث الكمّ والكيّف:
1. من حيث الكم:
هناك الأبحاث الصغيرة، ويكون هدفها تدريب الطلاب على كتابة الأبحاث، وتوسيع آفاق ثقافاتهم، واحتكاكهم بالمكتبات، وحُسن استخدام المصادر والمراجع، ويكون حجم البحث بمقدار يتراوح بين (10ـ50) صفحة.
وقد يكون كاتبُ البحث إنساناً من غير الطلبة (المدارس، والمرحلة الجامعية الأولى)، كأن يكون طالب في مرحلة الدراسات العليا ( الدبلوم، أو الماجستير، أو الدكتوراه )، أو عالماً، أو مفكراً، أو دارساً، أو باحثاً، أو متخصصاً في فنٍ ما، .. فيُساهم في أبحاثه بإثراء الفكر والمكتبة.
2. من حيث الكيف:
فقد يكون البحث دراسةً جديدة يُعِدُها الباحث، ويقدم بها نفعاً للناس، وقد يكون له أهمية كبيرة في موضوعه، ويكون في إبرازه للناس فوائد عظيمة، فيعمل الباحث على خدمته بكل طاقته، لكي يوفره بين أيدي الناس بشكل علمي واضح ومُيَسر.
8ـ مواضيع البحوث:
تتنوع الأبحاث بتنوع مواضيع العلوم الكثيرة والمتشعبة، ويمكن تقسيم العلوم إلى فرعين عظيمين:
· العلوم النقلية: وهي علوم الدين التي جاء بها الوحي.
· العلوم العقلية: وهي العلوم التي أنتجته العقول البشرية:
من العلوم التطبيقية والأساسية: كالهندسة، والطب، والفيزياء، والكيمياء، والرياضيات، والحاسوب، ..
ومن العلوم الإنسانية: كعلم التربية، والاجتماع، والسياسة، والآداب، والإدارة، والمحاسبة، والآثار، والفلسفة، ..
ويمكن للطالب أن يختار أي موضوع من هذه الموضوعات حسب اختصاصه وميوله ورغبته.
9ـ التعريف قبل التأليف:
لابد قبل دراسة أي موضوع أن يتم تعريفه، ومن هذا القبيل يجب توضيح بعض المفاهيم، منها:
أ ـ البحث:
إن البحث واحد من أوجه النشاط المعقدة المحيرة, التي تظل عادة غير واضحة المعالم تماماً في أذهان من يمارسونها.
ولعل هذا هو سبب اعتقاد أغلب العلماء أنه ليس بالإمكان إعطاء أية دراسات منهجية في كيفية إجراء البحث.
والبحث هو تتبع موضوع ما في مظانه، وجمع معلوماته ثم سبرها بغية الوصول إلى غاية ما.
وإنني أسلم بأن التدرب على البحث ينبغي أن يكون ذاتياً إلى حد بعيد, ويفضل الاسترشاد بعالم أو باحث متمرس عند معالجة المراحل الفعلية في البحث, إلا أنني أعتقد أنه من الممكن أن نستمد بعض العبر والقواعد العامة من تجارب الآخرين.
وكما يقول المثل:
( الحكيم يتعلم من تجارب الآخرين، والأحمق لا يتعلم إلا من تجاربه).
ولا شك أن أي تدريب يتضمن أكثر من مجرد معرفة طريقة العمل، فالباحث بحاجة إلى مران ليتعلم كيف يضع القواعد موضع التنفيذ وحتى يصبح استخدامها عنده عادة. ولكن مما يفيده أيضاً أن يعرف المهارات التي ينبغي عليه اكتسابها.
إن العبقري النادر الذي يتألق بموهبة فذة في البحث لن يستفيد من التدرب على طرائق البحث.
غير أن معظم المقبلين على الاشتغال بالأبحاث ليسوا عباقرة, وهؤلاء لو أرشدوا إلى طريقة القيام بالأبحاث لكان في هذا ما يساعدهم على التبكير في الإنتاج أكثر مما لو تركوا لمعرفة ذلك بأنفسهم عن طريق التجربة الشخصية المضيعة للوقت.
ب ـ المنهج:
المنهج: هو البرنامج الذي يحدد لنا السبيل للوصول إلى الحقيقة, أو هو مجموعة قواعد يتبعها الباحث في إعداد بحثه، أو الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم. ولجميع الدراسات على اختلاف مناهجها, فهناك:منهج للتعلم، ومنهج للقراءة، ومنهج للتربية، ومنهج للآثار، ومنهج للعلوم التطبيقية، ومنهج في الطب (علاجي ـ وقائي), ...
ت ـ منهج البحث العلمي:
يتكون هذا الاصطلاح من ثلاث كلمات هي:
كلمة منهج, وكلمة بحث, وكلمة العلمي.
- أما كلمة منهج: فهي مصدر بمعنى طريق, سلوك. وهي مشتقة من الفعل نهج بمعنى طرق، أو سلك، أو اتبع.
- أما كلمة البحث: فهي مصدر بمعنى الطلب, التقصي..، وهي مشتقة من الفعل: بحث بمعنى طلب، أو تقصى، أو فتش، أو تتبع، أو تمرس، أو سأل، أو حاول، أو اكتشف..
ومن هنا فكلمة منهج البحث تعني: القانون أو المبدأ أو القاعدة التي تحكم أي محاولة للدراسة العلمية وفي أي مجال.
ومناهج البحث متعددة, ومتجددة طبقاً لتعدد أنواع العلوم, و تجددها. وهي تشترك جميعها بخطوات وقواعد عامة تشكل الإطار الذي يسلكه الباحث في بحثه, أو دراسته العلمية, أو تقييمه العلمي لأي حقيقة علمية.
- أما كلمة العلمي لغة: فهي كلمة منسوبة إلى العلم, وهي بمعنى المعرفة, والدراية، وإدراك الحقائق. والعلم يعني الإحاطة والإلمام بالأشياء، والمعرفة بكل ما يتصل بها, بقصد إذاعتها بين الناس.
وقد عرض الباحثون تعريفات شتى للبحث العلمي، وهم في كل تعريف يصدر الواحد منهم عن منظور خاص، وتصور شخصي يصعب معه الشمول، كما نرى بعضهم حدد معنى البحث على أساس ميدانه:
· فالبحث في العلوم التجريبية له تعريف محدد.
· والبحث الأدبي له منحى معين.
· والبحث الديني قد يكون له مفهوم يختلف عنها جميعاً.
وعلى ضوء ذلك يمكننا تعريف منهج البحث العلمي بشكل عام بأنه:
· " التقصي المنظم بإتباع أساليب ومناهج علمية تحدد الحقائق العلمية بقصد التأكد من صحتها أو تعديلها أو إضافة الجديد إليها ".
· أو هو:" الطريق أو الأسلوب الذي يسلكه الباحث العلمي في تقصيه للحقائق العلمية في أي فرع من فروع المعرفة, و في أي ميدان من ميادين العلوم النظرية و العملية ".
· وبتعبير آخر هو: " سبيل تقصي الحقائق العلمية، وإذاعتها بين الناس ".
فالبحث العلمي يستند أصلاً إلى منهج ثابت ومحدد، تحكمه خطوات، تشكل قواعد, وأصولاً يجب التقيد بها من قبل الباحث.
ويعتمد البحث العلمي على المناهج المختلفة تبعاً لموضوع البحث، والمنهج العلمي هو الدراية الفكرية الواعية التي تطبق في مختلف العلوم تبعاً لاختلاف موضوعات هذه العلوم، وهو قسم من أقسام المنطق.
وليس المنهج سوى خطوات منظمة يتبعها الباحث في معالجة الموضوعات التي يقوم بدراستها إلى أن يصل إلى نتيجة معينة، وبهذا يكون في مأمن من اعتقاد الخطأ صواباً أو الصواب خطأ.
ومن هنا تنحصر مهمة الباحث الأولى:
ـ في التعرف على المناهج العلمية المتخصصة.
ـ ثم يقول بتحديدها، وتجميعها ضمن مجموعة القواعد المبادئ التي تحكمها.
ـ ثم يحاول التنسيق بينها ليستطيع الوقوف على المناهج والطرق المطلوبة واللازمة في البحث, والتقصي لسبيل المعرفة, وأنواع الحقائق العلمية.
ولنا أن نتساءل في نهاية هذا التعريف:
متى يمكننا اعتبار دراسة معينة ملتزمة بطرق البحث العلمي ومواصفاته ؟
يحدد المنهجيون ذلك بتوفير العوامل المحددة الآتية:
· أن تكون هناك مشكلة تستدعي الحل.
· وجود الدليل الذي يحتوي عادة على الحقائق التي تم إثباتها بخصوص هذه المشكلة وقد يحتوي على رأي أصحاب الاختصاص.
· التحليل الدقيق للدليل وتصنيفه، حيث يمكن أن يرتب الدليل في إطار منطقي أو في إطار شرعي علمي، وذلك لاختياره وتطبيقه على المشكلة.
· استخدام العقل والمنطق لترتيب الدليل في حجج وإثباتات حقيقية علمية دون اللجوء إلى الانفعال والعواطف والأغراض الشخصية.