من فضائل الأخلاق الاعتراف بالجميل وعدم التنكر له خاصة إذا تعلق الأمر بعمل العلماء وخدمتهم للإسلام، ففي وقتنا الحاضر الذي كثرت فيه الفرق والشيع هناك من يتنكر للأئمة المشهورين بحجة أللا مذهبية في الدين وكأن الإسلام جاء من جديد ولم يقدم هؤلاء العلماء شيئا، وعن هؤلاء العلماء كأمثال مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين يقول محمد حامد الفقي: " لم يكن من خلق أولئك الأئمة التكالب على الدنيا والتناحر عليها حتى يباع في سبيلها الدين والكرامة، فتخرس الألسنة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في سبيل إرضاء المركز وطاعة الوظيفة، لم يكن من خلقهم التحاسد والتباغض والغيبة والنميمة الذي أصبح من ألزم الصفات وأظهر الخصال، لم يكن من خلقهم المداهنة والمراءاة والنفاق حتى لتلقى الرجل بلسان حلو وكلام عذب، تقسم له أنك تحبه، وتحلف له أنك تسعى في الخير والمصلحة له، فما يبرح مجلسك حتى يفيض لسانك بما ملئ عليه قلبك من سخائم العداوة، وشديد المقت، لا لذنب جناه، ولا لجريرة أتاها. ليس إلا لأن هذا أصبح الخلق الغالب والصفة المستحكمة على أدعياء العلم وإتباع الأئمة المهتدين.
لم تكن علومهم خليطا من أراء وأهواء، ومما حكات بشهوة النفس في الغلب. ومجادلات بالباطل، ومناقشات لقتل الوقت وإضاعة الزمان. إنما كانت علومهم: قال الله. وقال الرسول. ليقوموا الأخلاق على الصراط السوي، وليهذبوا النفوس بالخلق النقي، بما في قول الله وقول الرسول من حكمة وموعظة حسنة، فكان علمهم روحيا يمتزج بالنفس فيدعوها إلى صالح العمل، لا آليا صوريا يكسبها النفاق والمراء والجدل. كانوا لا يقدمون قول الرجال على قول المعصوم الذي لا ينطق على الهوى، لأنهم يقدرون الله قدره، والرسول قدره، والعلماء أقدارهم، فيعطون كل أحد قدره ولا يعتدون. قال الإمام مالك رضي الله عنه: كل أحد يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر – يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه، لأبي يوسف رحمه الله: يا يعقوب، أنظر إلى قولنا من أين أخذناه، فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا، وقال الشافعي رضي الله عنه: إذا صح الحديث فهو مذهبي، واضربوا بقولي عرض الحائط. ونحو هذا عن الإمام أحمد. وعن غير هؤلاء الأئمة المهتدين رضي الله عنهم أجمعين..."(1).
وهذا لا يعني التمسك بما جاء به الأولون والعض عليه بالنواجذ مع السكون والقعود عن البحث والاجتهاد، إلا أن الاجتهاد له أصحابه، أصحاب الاختصاص، فلا يمكن الولوج فيه بدون علم واسع ومعرفة كاملة، وألا يترك كل من هب ودب يتكلم في الأمور الفقهية من حيث يدري أو لا يدري وكأن الأمر هين، كل يفتي حسب ما يهوى الشيء الذي جعل الفتاوى تكثر وتتعدد، فحل العناد محل التوافق والإجماع، وصار لكل واحد مفتيه لا يرى عنه بديلا، وهذا الأمر لا يخدم الإسلام ولا المسلمين، اللهم اهدينا لما فيه الصواب والصلاح والفلاح.
(1)- كتاب بلوغ المرام من أدلة الأحكام.
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
2015-08-09, 11:13
الأئمة الأربعة
العرض العادي
