إن التصعيد الأخير للفتنة (اليقِضة) وليست النائِمة والتي استفاقت منذ مدة طويلة في غرداية وقبل شهر رمضان الفضيل تطرح العديد من التساؤلات ولعل أبرزها أين الدولة ؟ بل أين فعالية الدولة ؟ لأنه حسب علمي فالجزائر دولة مستقلة وتتمتع بالسيادة الكاملة التي تعبر عنها من خلال تجسيد المعنى الحقيقي (للدولة الوطنية) أي الدولة التي تقوم على أساس اعتبار الجزائريين (مواطنين) ينتسبون لدولتهم بحكم حيازتهم (بطاقة تعريف) حتى وإن لم تكن بيومترية لحد الآن و تعاملهم على أساس قوانين الجمهورية من حيث الحقوق والواجبات ولا تعترف بأي اعتبارات أخرى في التعبير عن علاقتهم بالقانون بغض النظر عن كونهم (مالكية أو إباضية) طالما أن هذا الاعتبار لا يمثل شيئا بالنسبة لدورهم القانوني ونشاطهم في إطار ما تخوله لهم قوانين الجمهورية ونصوص الجريدة الرسمية طالما أن بطاقة الهوية في الجزائر ليس فيها لما يشير إلى الانتماء الطائفي للمواطن .
ولكن يبدو أن الدولة أو من يمثلها إنساق وراء هذه الاعتبارات وحاول أن يوظفها بشكل أو بآخر في حل المشكلة في غرداية ليجد نفسه وقد ساهم في تدعيم الانتماء الطائفي وتبريره بشكل دفع ببعض الانتهازيين للعب على هذا الملف والتلويح به مالكية وإباضية ليصبح المُعَبِر الرئيسي عنهم وذلك بعيدا عن قوانين الجمهورية التي تم تعطيلها بشكل مستمر مما أدى إلى تعثر كل المحاولات المتعاقبة التي شهدت في السنوات الأخيرة تعاقب وفود عديدة لبست لباس الوساطة (الخيرية) بعيدا عن عصا القانون الصارم لتدخل في علاقة (القط والفأر) المرتجلة في التعامل مع المشكلة التي تحولت إلى أزمة وانتهت بمأساة يمكن اختصارها بـ 25 قتيل لحد كتابة هذه الأسطر، أي مقتل 25 جزائري ترفعت وسائل الإعلام عن تصنيفهم طائفيا مخافة تفاقم الأوضاع وكأن فكرة المواطنة لا يحملها الجزائري إلا بعدما يموت.
وإذا تساءلنا عن سبب تأجيج الوفود الرسمية (الخيرية) المتعثرة للفتنة في غرداية بشكل غير مقصود فإن الإجابة على ذلك يكمن في التعامل مع هذه القضية تحت تأثير الإملاءات الدولية والقوانين الأممية التي تلوح بمبدأ (حماية الأقليات) في وجه كل دولة تحاول أن ترفع رأسها وتعبر عن سيادتها في حل أزماتها الداخلية وبهذا الشكل كرست الوفود التي تعاقبت على غرداية القضية على هذا الأساس فانقض المدعو (فخار) على هذه الأزمة ليرفع صوته بكل وقاحة في إحدى المسيرات قائلا بأن غرداية ستكون مهد (الربيع العربي) وليس (الربيع الإباضي) مما يجعلنا ندرك بأن هذا النكرة الذي لم ولن يمثل أهلنا الوطنيين في غرداية أحفاد شاعر الثورة (مفدي زكرياء) الذي جعل من (قسما) عنوانا للوحدة المعنوية والمادية للجزائر فـ"فخار" هذا ومن يساندوه يلعب على حبل أجندة أجنبية تسعى إلى أهداف انفصالية تُعد طبختها في مخابر باريس والرباط لتحقيق (بوليزاريو جديد ) يحلم بحرق الجزائر إنطلاقا من حرق غرداية طالما أن هذه المنطقة لها قابلية طائفية سرعان ما تشتعل إذا تم صب بنزين المشاكل الاجتماعية والاقتصادية عليها ومن خلال الانزلاق وراء نصوص فقهية انتقائية وتوظيفها للعبث بعقول المتهورين ممن تنكروا لتعاليم (الشيخ بيوض) رحمه الله وممن لم يحترموا خصوصية المجتمع الميزابي من العابثين ليدفعوا بالمراهقين من الطرفين متأثرين بمشاهد تلفزيونية متنوعة ليحولو شوارع وساحات غرداية وغيرها من المدن إلى ميادين معركة تنشر الحقد والثأر الأعمى الذي أتى على الأخضر واليابس.
لا شك بان المسألة الطائفية خطيرة وسريعة الاشتعال ولكن ما يحدث في غرداية حاليا أكثر من هذا المستوى الطائفي الذي استقر في أذهان بعض الرسميين الذين توافدوا على غرداية لأنه يندرج ضمن مؤامرة عالمية واسعة فشلت لاقتحام الجزائر من الشمال حيث العواصم الكبرى والتجاذبات السياسية والفكرية لتحاول التسلل من الجنوب حيث وجدت ثغرة راهنت على تمرير مشروعها المندرج ضمن سياسة (الفوضى الخلاقة) التي أعلنت عليها سيئة الذكر (كوندوليزا رايس) منذ مدة طويلة ولكننا آنذاك كنا نعتبر بأنها لا تعني سوى دول المشرق العربي فقط وهاهي الآن تمتد ألسنة لهيبها إلينا لتراهن على تحطيم (صخرة المقاومة) الجزائرية لتعمل على تفكيكها بشكل ماكر من خلال اللعب على ورقة الطائفية.
أنها مرحلة مفصلية وخطيرة في تاريخ الجزائر المعاصر تدفعنا إلى تجاوز كل خلافاتنا وخلفياتنا ومخلفاتنا لنقف كرجل واحد ضد هذه الفتنة التي تهدد كيان (الدولة الوطنية) في الجزائر وذلك بأن نطور خطابا يدعوا إلى تسامي الجزائريين على أحقادهم وضغائنهم وحساباتهم الضيقة حتى نثبت للعالم بأننا بشر من طينة أخرى لا نقبل بأي تدخل أجنبي بيننا حتى ولو كان بهدف الصلح والمصالحة لأننا نحن أساتذة الوئام والمصالحة والوطنية وبأن استقرار المنطقة بكاملها إفريقيا وعربيا يقوم على أساس استقرار الجزائر التي كانت ولا تزال عقبة أمام كل مشروع يهدد الأمة بكاملها .