بسم اللّه الرحمن الرحيم
قال له صاحبه وهو يحاوره: "عجبًا من أمرك ما أشد لحظك، وما أكثر انتقادك، أفعجبت أن يكون هذان الرجلان متلاصقين منكبًا، متحدين كلمة، يود أحدهما لو يسكب قلبه على صاحبه، ويتمنى الآخر لو يجعل روحه في يده فدًى له، أتدري من هما؟ والد وولد؛ والد يحن وولد يبر، أفسرَّتك هذه الصلة بينهما؟".
قال: "إي وربي، وهل أعظم من صلة توثق القلوب وتجمع الشمل، وتقوم برهانًا على اعتراف بالفضل وشكر على النعم؟ وهل يعيش الإنسان في هذه الحياة منقطعًا عن صلة القربى والجوار والصحبة والزمالة؟ أليس اجتماعيًا في فطرته وتكوينه؟".
قال له صاحبه: "أراك موقنًا بضرورة قيام الصلة بين الناس على أسس من التعاطف والتعاون، والإقرار بالفضل والإحسان".
قال: "أجل".
قال: "فإن تنكَّر أحد للمعروف وجحد الفضل؟".
قال: "أو يفعل ذلك إنسان فيه مسحة من حياء أو ذرة من ضمير؟".
قال: "نعم، أنت".
فاستشاط غضبًـا، وهمَّ به، ثم تراجع وتقلـَّص في نفسه وقال: "وبم؟".
قال: "لأنك تنكر فضل الله عليك ونعمته".
قال: "وكيف ذاك؟".
قال: "أليس الله ذو منة وفضل؟".
قال: "بلى".
قال: "وهل يستحق الشكر على ذلك؟".
قال: "نعم".
قال: "وكيف يكون شكره؟".
فسكت قليلا يستشير أفكاره فلم تسعفه.
قال: "لا أدري".
وخجل، ثم سكت لحظة وقال: "دلني على الطريقة التي أؤدي شكره فيها".
قال: "هناك طريقتان لابد لتحقيق الشكر من وجودهما معًا:
الأولى: أن تعترف له بالفضل والإحسان من أعماق قلبك لا بلسانك فحسب، وتدل على ذلك بوضع جبهتك على الأرض سجودًا له وخضوعًا.
الثانية: أن تحافظ على هذه النعم فتجعلها في المواضع التي يرضاها لك".
قال: "كلامك حق وصدق، ولك عليَّ عهد الله وميثاقه أن لا أدع الصلاة ما حييت، ولكن لي صديق عزيز علي شأنه في الصلاة شأني فهل لك أن تكتب لي كلمة في هذا الموضوع أوجهها له؟ عسى الله تعالى أن يجعل هدايته على يديك، فيصل بصلاته ما انقطع بينه وبين الله، ويكون ذلك خيرا لك من حمر النعم".
قال: "حبًا و كرامة، ونعمة عين".