حول توبة سيد قطب رحمه الله
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الرسول الأمين
اما بعد
فهذا جزء من من كتاب وقفات منهجية في الذب عن السلفية (حوار مع عدنان عرور )
للشيخ السلفي الفاضل أبي عبد الباري عبد الحميد العربي حفظه الله ونفع به
حول توبة سيد قطب
قال ( ص:50-56) :
((...فإن قال عدنان : إن سيداً قد تاب وأناب وتنازل عن أقواله الباطلة التي بسطها في " الظلال"، و" العدالة الاجتماعية "، وكتب وشخصيات "،وغيرها من كتبه المملوءة بالسموم .
فإنني أقول : هذه إحالة على جهالة ، فإن عاندت وعدت وقلت : إن ثمة من قال ، إنه تخلى عن ترهاته 1 .
فأقول لك كما قال الشاعر :
رَضيعَي لبان ثدْي أم تقاسما بأسْحَمَ دّاجٍ عوض لا نَتَفَرقُ
وأزيد بيانا فأقول : إن من شروط التوبة الإصلاح والبيان وخاصة في حق من ظهرت من أقوال انجرّ من خلالها فساد عريض ، وعدول عن منهج السلف في إقامة حكم الله في الأرض . قال تعالى :
(( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )) [ سورة البقرة160 ]
قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى ) أي رجعوا عما كانوا فيه وأصلحوا أعمالهم ، وبينوا للناس ما كانوا يكتمونه ) 2
وقال رشيد رضا رحمه الله وتجاوز عن بلاويه : ((إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا )) عن الكتمان ((وَأَصْلَحُوا)) عملهم بالأخذ بتلك البينات عن النبي صلى الله عليه وسلم ودينه و الهدى الذي جاء به ، ((وَبَيَّنُوا)) ماكانوا يكتمونه ، أو بينوا إصلاحهم وجاهروا بعملهم الصالح وأظهروه للناس ، فإن بعض الناس يعرف الحق ولا يعمل به ، ولكنه يكتم عمله ويسره موافقة للناس فيما هم فيه لئلا يعيبوه ، وهذا ضرب من الشرك الخفي وإيثار الخلق على الحق ، لذلك اشترط في توبتهم إظهار إصلاحهم والمجاهرة بأعمالهم ليكونوا حجة على المنكرين وقدوة صالحة لضعفاء التائبين )) 3
فأين هذا البيان وأين هذا الإصلاح ، وأين الكتب التي بين فيها تخليه عن الأفكار العفنة التي جاء بها ؟ ولا اظنك تقول يا عدنان عرعور : انه تراجع في كتابه معالم في الطريق 4، فهذا كلام لا يستقيم ، وما جاء في كتابه " معالم " فإنه مملوء بتكفير الحكام ودعوة الشباب إلى إزالة عروشهم – بتعبيره - وأمره للحكام بدفع الجزية لأنهم عنده كفار كفراً بواحاً !!! انظر على سبيل المثال فقط : الجهاد في سبيل الله ( ص:55-56-57-58-59 طبعة دار الشروق ).
فهل هذا الفكر الطالح يستقيم وفهم السلف الصالح ؟ قال تعالى :
((مَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ )) [ سورة فاطر :19-20] .
وقال شيخنا ربيع بن هادي حفظه الله : (إن سيداً لم يرجع عن هذه البدع الكبيرة الكثيرة، التي ناقشناه فيها في ضوء الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح، وقد بينا لك إصراره على ما تضمنه كتاب "العدالة الاجتماعية" بعد أن نبهه الشيخ محمود شاكر على ما وقع فيه من طعن في الخليفة الراشد عثمان وإخوانه من الصحابة، فأصر على هذا الطعن، وبقي مشرفاً على طبعه إلى قبيل موته، بل أضاف إلى ما تضمنه الكتاب من ضلال موضوعاً آخر، وهو رميه للمجتمعات الإسلامية بأنها مجتمعات جاهلية.
ولو كان هذا الرجل يرجع عن شيء من آرائه الضالة؛ لرجع عن طعنه في أصحاب رسول الله ، ولو مراعاة لمشاعر المسلمين الذين يستفظعون هذا العمل، -سواء السني منهم أو البدعي-وهذا يبين لك أن دعاوى أنه رجع عن كذا وجهل كذا كلها دعاوى باطلة لا يستطيع أهلها إثباتها.
بل تصرفات سيد ونقله آراءه من كتاب إلى كتاب، وإحالته من كتاب متأخر على كتاب متقدم تؤكد إصراره وثباته على آرائه، وأنه لم يتزحزح عنها.
ولو أننا أخذنا دعاوى الرجوع والتراجع الباطلة بعين الاعتبار؛ لما أمكن أن يدان فرد من أفراد فرق الضلال بما دوَّن في كتبه من بدع وضلالات، إذ يمكن بسهولة جداً أن يُقال عن أي مبتدع ألفَ في البدع: أنه رجع عنها . وهذا يفتح من أبواب الفساد مالا يعلمه إلا الله) 5
قلت : إن للرجوع علاماتٍ ، تظهر من المخطئ وينقلها عنه الرواة ، ولو فعل سيد مثل ما فعل أبو الحسن الأشعري 6 لقلت برجوعه ،ولكن هيهات
قال ابن عساكر الأشعري الدمشقي (ت:571) في كتابه التبيين 7:
( قال أبو بكر إسماعيل بن أبي محمد بن إسحق الأزدي القيرواني المعروف بابن عزرة : إنّ أبا الحسن الأشعري كان معتزلياً ، وإنه أقام على مذهب الاعتزال أربعين سنة , وكان لهم إماماً , ثم غاب عن الناس في بيته خمسة عشر يوماً, فبعد ذلك خرج إلى الجامع بالبصرة فصعد المنبر بعد صلاة الجمعة , وقال : معاشر الناس , إنني إنما تغيبت عنكم هذه المدة لأني نظرت فتكافأت عندي الأدلة , ولم يترجح عندي حق على باطل , ولا باطل على حق , فاستهديت بالله تبارك وتعالى فهداني إلى ما أودعته في كتبي هذه , وانخلعت من جميع ما كنت اعتقده ، كما انخلعت من ثوبي هذا , وانخلع من ثوب كان عليه رحمه الله ورمى به ) .
قال ابن كثير الأثري : ( وقد كان الأشعري معتزليا فتاب منه بالبصرة فوق المنبر وثم اظهر فضائح المعتزلة ) 8.
فأين ما انخلع منه سيد رحمه الله ؟
لقد شهد بعض المؤرخين على رجوع أبي الحسن الأشعري ومنهم تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية (2/246) ، وابن فرحون المالكي في كتابه "الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب " (ص:193) والمرتضى الزبيدي في كتبه "إتحاف السادة المتقين " (3:2) وغيرهم ، وألف رحمه الله كتابه الإبانة وفيه أظهر رجوعه رحمه الله .
فأين العلماء الذين صرَّحوا برجوع سيد ؟ وأين كتابه مثل الإبانة فهل تستطيع يا عدنان عرور أن تثبت رجوع سيد, ودون ذلك خرط القتاد .
فهذا الحق ليس به خفاء فدعني عني بنيات الطريق
قال الحسن ابن شقيق :" كنا عند ابن المبارك إذ جاءه رجل فقال له : أنت ذاك الجهمي , قال إذا خرجت من عندي فلا تعد إليّ , قال الرجل : فأنا تائب , قال: لا حتى يظهر من توبتك مثل الذي ظهر من بدعتك " 9
========الحواشي==========
1 لقد صرح في سلسلته انه محمد قطب ، قلت صدق قول الشاعر الجاهلي فيك ياعدنان :
وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
2 تفسير ابن كثير (1/ 176ط : دار القلم )
3 تفسير المنار (2/50 ط: الثانية ، المنارة المصرية )
مع الحذر من بعض المسائل التي خالف فيها رشيد رضا السلف ، ومشى فيه وراء المعتزلة ، وشرذمة من العقلانيين وللإفادة يراجع ما كتب العلامة مقبل بن هادي رحمه الله في هذا الباب .
4 جاء في هذا الكتاب السيئ في ( ص:5-9) " ووجود الأمة الإسلامية يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة " وقال في (ص:8-22) هذه جاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض ,وعلى أخص خصائص الألوهية ... وهي الحاكمية . إن هذا الكتاب "معالم " يعد بمثابة الميثاق عند الإخوان المفلسين , وقد نال تزكيات عظيمة من منظريهم ، لكن ما إن صدر هذا الجزء الردئ حتى قام شيوخ الأزهر آنذاك – على ما فيهم - وهم : حسن مأمون ، وعبد اللطيف السبكي ومحمد المدني بتجهيل سيد ، وتخطئته ، وتضليله , وكانوا في فعلهم مصيبين ، لان هذا الكتاب يعد القانون الأساسي لجماعة شكري مصطفى التكفيري الهالك ، وجماعة الجهاد والإخوان على مبدأ تشجيع البضائع المحلية إلى الآن يتباهون بهذا الكتاب , قال محمد عبد القادر أبو فارس _ وهو احد رؤوس الإخوان بالأردن - لمجلة المجتمع العدد(821) تاريخ 16/6/1987م ، في (ص33): ( أؤكد على أن سيد قطب نشأ ومات وهو من الإخوان، فيما أعلم أن كتابه الشهير " معالم في الطريق " كان بعلم الإخوان وإطلاعهم )).
5 أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره [( ص: 236-237)، ط: مكتبة الغرباء الأثرية ].
6 ولكن بقيت فيه بعض رواسب الكلابية ، فلقد جعل رحمه الله كلام الله أزليا كما هو واضح في الابانة (ص:66-67) , والسلف يقولون : إن الله متكلم في الأزل ، لكنهم يقولون إنه يتكلم بمشيئته وقدرته متى شاء وكيف شاء .
وقال أيضا رحمه الله في الإبانة ( ص:161 ) "إن إرادة الله أزلية "وأخرجها عن صفات الأفعال , وقرن الإرادة بالكلام في هذا الباب وربطها جميعا بالعلم الذي هو صفة ذاتية أزلية تتجدد ,كما حرر ذلك ابن تيمية في درء التعارض (10/17) والرد على المنطقيين (ص:463) ومجموع الفتاوى (16/304) وجعل رحمه الله الرضا والغضب صفات أزلية بناء على أصل ابن كلاب انظر الإبانة (ص :80-81)
وأوّل رحمه الله قوله تعالى (( مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ))[ الأنبياء :2] قال : الذكر الذي عناه الله عز وجل ليس هو القرآن ، بل هو كلام رسوله الله صلى الله عليه وسلم ووعظه إياهم " انظر الإبانة (ص:102) ، وأسال الله أن يتجاوز عنا وعنه بكرمه ومنه .
7 لقد شكك الشيخ المحدث عبد القادر بن حبيب الله السندي رحمه الله في نسبة هذا الكتاب إلى ابن عساكر انظر كتابه المفيد التصوف في ميزان البحث والتحقيق (1/258) والله أعلم بالصواب .
8 البداية والنهاية (11/187)
9 الإبانة الصغرى (ص :165,رقم 150 ) والحسن بن عمر بن شقيق صدوق ,انظر تهذيب الكمال (6/278) . وانظر إلى ابن المبارك كيف اشترط على هذا الرجل إظهار توبته , بمثل ما ظهر من بدعته .