|
في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
2010-06-14, 11:26 | رقم المشاركة : 1 | ||||
|
محاضرات ملتقى القرآن الكريم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
وقعت بين يدي مجموعة من المحاضرات التي ألقيت في ملتقى الفكر الإسلامي الخامس عشر " ملتقى القرآن الكريم " الذي انعقد بالجزائر العاصمة في الفترة من 02 إلى 08 ذو القعدة 1401 هـ الموافق 01 إلى 07 سبتمبر 1981م، وهي مكتوبة بالآلة الراقنة. وسأقوم – إن شاء الله - بكتابتها ونشرها للفائدة. ملاحظة: نقلتها كما هي بأمانة تامة ما عدا بعض الإضافات من عندي بين معقوفتين هكذا [ ] المحاضرة الأولى: " ترجمة معاني القرآن [ الكريم] وتقييم الترجمات" الدكتور عبد الله عباس الندوي عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز آل سعود مكة المكرمة ----------- "أيها السيدات والسادة قبل الخوض في ترجمة معاني القرآن [ الكريم] أرى أن الموضوع يتطلب مقدمو وجيزة تشتمل على بيان حقيقة الترجمة ومقدرتها على نقل المعاني والبيان إلى لغة أخرى، واستعراض خصائص العربية حتى يتسنى لنا البحث في ترجمة معاني القرآن الكريم وبيان مشكلاتها، واستعراض طرق اختارها المترجمون والنظر في أسس تفيد تقييما للترجمات. ايها السادة: أ)- الترجمة ضرورة علمية لا غناء عنها لقوم مهما كان مبلغهم في العلوم والآداب، واللغات على اختلافها ومنذ العصور القديمة، تنمي ثروتها بالأخذ والعطاء عن طريق الترجمات، ولكنه في الوقت نفسه، ومع الاعتراف بقيمة الترجمة وأهميتها أثبتت التجارب أنها تنقل المعاني والأصول من اللغات المترجم منها، وهي غير قادرة على نقل ما في اللغة من فصاحة، وبلاغة القول لأن البلاغة تأتي من التراكيب النحوية، والتراكيب النحوية تختلف من لغة إلى أخرى، وهي ليست كالمفردات التي نجد لها نظائر في كل لغة. ولأجل هذا فإننا نرى أن الذين حاولوا ترجمة العلوم والفلسفات والآراء والسير والأخبار حالفهم النجاح والقبول، أما الذين حاولوا ترجمة المأثورات من بدائع القول المشتمل على تصوير الأخيلة الدقيقة وتصوير المعاني الرقيقة اضطروا إلى أخذ الجوهر واللب من اللغة المترجم منها، وإلباسها حللها من البلاغة التي تخص اللغة المترجم إليها. ونجاح ابن المقفع مثلا في ترجمة روايات بيدبا الفيلسوف الهندي كان مرده أنه أخذ جوهر القصة من الترجمة الفارسية ثم صاغها بالأسلوب العربي البليغ، هكذا كان فعل كل من الرصافي في ترجمة شعر الخيام، والمرحوم الدكتور عبد الوهاب عزام في ترجمة شعر محمد إقبال. وجملة القول أن ترجمة المعاني سهل ميسور، أما ترجمة نتائج الفكر ووحي الخيال تحتاج إلى عملية مزدوجة، أخذ المعنى من الأصل واختيار الأسلوب البليغ من لغة المترجم إليها. ب) – اللغة العربية هي لغة قريش الناضجة المهذبة التي نزل بها القرآن الكريم لم تمسسها يد الأحداث والتطورات، وصمدت على أصالتها عبر القرون، لا تضاهيها لغة في العالم في الاحتفاظ بقيمها، وهي تحتفظ خصائص اللغات السامية من ناحية البناء والاشتقاق، وتفضل أخواتها اللغات السامية بحلاوة الجرس، وغزارة المادة، وتوسع المعنى، وإحكام النظم. ج) – أما القرآن الكريم فله أسلوبه الخاص المتميز عن الأساليب المصطنعة، أسلوب بديع لا عهد للأذهان بمثله، فلا هو موزون مقفى، ولا هو سجع يتجزأ فيه المعنى في عدد من الفقر، ولا هو مرسل يطرد أسلوبه دون تقطيع ولا تسجيع، نزل منجما في نحو ثلاث وعشرين سنة، على حسب ما يعرض من الحوادث، فلم يكن القرآن الكريم إذا خاضعا لقانون التأليف، ووحدة الموضوع، ووحدة الأسلوب، وعقد الأبواب على مقتضى الأغراض. إنما تجمّع على هذه الصورة ودوّن حسب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعا لما كان يجده منزلا إليه أولا فأولا، محفوظا في القلوب أو مسطورا في الصحف، ثم رتب بوجه التقريب على حسب الطول والقصر، لا على حسب تنزيله ولا على حسب موضوعه، فتكررت بعض القصص لتأكيد الإنذار، أو لتشابه الأسباب، وتشتت وحدة الموضوع والأسلوب لنزوله متفرقا في مكانين مختلفين ( مكة - والمدينة) وأزمان متراخية وأعراض متجددة. وتشتمل السور المكية -وهي ثلثا القرآن- [الكريم] على أصول الدين، وتشتمل السور المدنية على أصول الأحكام، وأصول الدين جماعها الإيمان بالله ورسوله [ صلى الله عليه وسلم] واليوم الأخر، والائتمار بالمعروف والانتهاء عن المنكر، وهي أمور تتصل بالعاطفة والوجدان: فالدعوة إليها والحث عليها يقتضيان الأسلوب الواضح القوي الموثّق الفعال بالقلب بقصصه الواعظة، وحكمه البالغة وأمثاله السامية، ووعده الخالب، ووعيده المخيف، ولذلك تجد أسلوبها قصير الآي، كثير السجع، رائع التشبيه، قوي المجاز. وأما أصول الأحكام من عبادات ومعاملات فهي موضوع السور المدنية، والتعبير عنها يقتضي الأسلوب المحكم الجزل الهادئ، وهدوء البيان يستلزم طول الجمل وتفصيل الآي، ووضوح الغرض، على أن القرآن [ الكريم] لا يصطنع في التشريع أساليب الفقه ولا تعريفات القانون، وإنما يسوق الأحكام في معرض الدعوة والهداية. لأن قصده الأول إنما هو إعلان التوحيد، وإظهار الدين، وتطهير القلوب من أوضار الضلالة والجهالة والشرك، ولأن الدولة الجديدة لم تكن في عهد الوحي من الاتساع وتشعب الاجتماع بحيث تطلب التشريع المفصل. وبعد هذه العجالة من التمهيد نتعرض لتفسير القرآن الكريم بغير لغته، وهذا ما نعني به الترجمة التفسيرية أو الترجمة لمعاني القرآن [ الكريم] والترجمة كما أسلفنا ينحصر جدواها في نقل المعاني دون الأساليب، وكلمة " الترجمة " على وجه عام تطلق في اللغة على معنيين: الأول: نقل الكلام من لغة إلى أخرى بدون بيان لمعنى الأصل المترجم، كوضع رديف مكان رديف من لغة واحدة. الثاني: تفسير الكلام وبيان معناه بلغة أخرى. قال في تاج العروس: " والترجمان المُفَسِّرُ لِلِّسان، وقد تَرْجَمَهُ وتَرْجَمَ عَنْهُ: إِذا فَسَّر كَلامَه بِلِسانٍ آخَرَ، قاله الجوهريّ وقِيلَ : نَقَلَه مِن لُغَةٍ إلى أُخْرَى". وقال الذهبي الترجمة تنقسم إلى قسمين: ترجمة حرفية وترجمة معنوية أو تفسيرية. أما الترجمة الحرفية فهي نقل الكلام من لغة إلى أخرى مع الموافقة في النظم والترتيب، والمحافظة على جميع معاني الأصل المترجم. وأما الترجمة التفسيرية: فهي شرح الكلام وبيان معناه بلغة أخرى بدون مراعاة لنظم الأصل وترتيبه، وبدون المحافظة على جميع معانيه المرادة منه. - الترجمة الحرفية للقرآن [ الكريم] : الترجمة الحرفية للقرآن [ الكريم] لا يمكن أن تقوم مقام الأصل في تحصيل كل ما يقصد منه، فإن القرآن [ الكريم] نزل على أسلوب الحوار والخطاب، وفي الحوار يعتمد علة فهم المُخَاطب ومعلوماته، فقد تفيد الإشارة إلى القصد بلفظ أو لفظين والمخاطب يفهم مغزى الكلام كله، ولأنه يعلم خلفيات الكلام والمدلول الصحيح للكلمات بحكم معرفته وسليقته. وهذا لا يتيسر لقارئ الترجمة، اللهم إلا إذا كانت الترجمة مفسرة أو مذيلة بالشرح المستمد من الأحاديث النبوية الثابتة، وهناك آيات من القرآن [ الكريم] تؤكد لنا أن الترجمة الحرفية تكاد تكون بحكم المستحيل بالنسبة للقرآن الكريم. المثال الأول: يقول الله سبحانه وتعالى: { وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ } ( الأنفال: 7) والقرآن الكريم لم يذكر في هذه الآية ولا في أي مكان أخر ما هو المقصود من الطائفتين وما هما؟ وأيهما كانت غير ذات الشوكة ؟ وما هو المقصود من ذات الشوكة وغير ذات الشوكة؟ وإذن لا يمكن استيفاء فهم الآية بالترجمة الحرفية إن لم تكن مصحوبة بالشرح والتفصيل. المثال الثاني: جاء في سورة التوبة:{ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ } ( التوبة: 118). فمن كان هؤلاء الثلاثة يا ترى؟ إن القرآن [الكريم] لم يذكر اسماءهم ولم يذكر وقعة تبوك، وما جاء في القرآن [الكريم] قصة كعب بن مالك وهلال بن أمية الواقفي ومرارة بن الربيع، ومن هنا تعجز الترجمة الحرفية عن الدلالة الواضحة على مدلول الآية إلا باستعانة من الرويات الصحيحة. والمثال الثالث: [قوله سبحانه وتعالى]: { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ } ( التوبة : 107). فلم يذكر القرآن [ الكريم] قصة أبي عامر الراهب الذي كان قد تنصر في الجاهلية، وقرأ علم أهل الكتاب، ثم بارز بعداوة الرسول [ صلى الله عليه وسلم] والمسلمين، وأقام مسجدا للتفريق بين المسلمين، ولا يمكن فهم مغزى الآية والمشار إليهم في الآية { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا...} إلا بالاستعانة بالحديث النبوي، والترجمة الحرفية غير قادرة على إعطاء صورة كاملة للقصة حتى يفهم القارئ سبب الردع وخطورة الوضع. ولنقتصر على هذه الأمثلة الثلاثة، ونرى جوانب أخرى يتعرض لها المترجمون الذين أرادوا إيفاء المدلول الكامل لكل كلمة من كلمات القرآن الكريم، وقد وجدوا صعوبة في اختيار الكلمات المترادفة في لغاتهم التي ترجموا إليها. وقد وجد عجز المترجمين في اللغات الهندية والفارسية عن بحث كلمات تستوفي جميع المعاني التي توحي كلمة قرآنية أو تعبير عربي يخص القرآن الكريم، كما توجد نفس الصعوبة عند المترجمين للقرآن الكريم في اللغات الأوروبية، ونختار الانجليزية منها لإيضاح هذه النواحي، ويمكن أن نستعرض هذه المشكلات على النحو التالي: 1 – عجزت اللغة الانجليزية عن ترجمة حرفية لكثير من الأفعال العربية مثل بخل، صدق، استوى، أسرف، أبطل، منّ، طغى، أمات.فكل هذه الكلمات تترجم عادة بجملة مركبة من اسمين أو بفعل واسم، وعلى هذا تترجم: يبخل is neggardly صدق is thuthful يستوي is equal يسرف is extravagent يبطل maketh vain or maketh void منّ conferred a benefit يطغى is exorbitant يميت causes death ومن المعلوم أن الفعل المضارع يخص العربية وحدها، وفي الانجليزية مثلا الفعل إما هو للحال أو للمستقبل، ولا يوجد نوع من الفعل يفيد معنى الحال والاستقبال معا، كما أن وجود التثنية بين المفرد والجمع يخص العربية وحدها، فالمترجم مضطر إلى إيضاح صيغ التثنية بإضافة كلمة أخرى فيقول the twain said مقابل كلمة واحدة " قالا" ولا شك أن الترجمة إن كانت بلفظ أو لفظين لا تؤثر في المعنى إذا استطاعت إفادة المعنى بكامله، ولكننا نرى أن الفعل إذا ترجم بالاسم، أو الاسم ترجم بفعل فهذا يجرح وجه الكلام ويبعد القارئ من روح النص، ومثال ذلك إذا ترجمنا فعل " يبخل " بكلمة معناها فيه بخل، أو فعل " قتل" بكلمة معناها أصبح سببا لموته، أو " جعله ميتا" لم تسعف القارئ بمدلول كلمة القرآن [ الكريم] إلا أنه استطاع من خلال الترجمة فهم المعنى التقريبي. وهناك طائفة من الكلمات القرآنية لا توجد لها مرادفات في لغات أخرى فتترجم عادة بكلمة واحدة متقاربة المعنى، مثل: الخوف، الخشية، إشفاق، الرهب، تقوى، لكل هذه الكلمات تجدون في الانجليزية كلمة واحدة fear وحيث تنبه المترجمون، وهم لا شك يعرفون معنى اللفظ وظلاله، ترجموا هذه الكلمات بألفاظ ليست لها صلة لغوية بلفظ النص، وعلى سبيل المثال نأخذ كلمة "التقوى" في آية: { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } ( البقرة: 197) So make provision for your selves - hereafter-; for the best provision is to ward off evil فقد ترجمها محمد مارديوك بكهتال أي معنى التقوى هو: to ward off evil الابتعاد عن الشر. ويقول جورج سيل في ترجمة هذه الآية: make provision for your journey; but the best provision is piety أي معنى التقوى هو: piety وترجم محمد علي اللاهوري: And make provision for yourselves , the best provision beeing to keep one’s duty أي معنى التقوى: beeing to keep one’s duty وترجمة المفسر الهندي الشيخ عبد الماجد دريابادي هذه الآية: And take provision for the journey; for verily the best provision is abstainent أي معنى التقوى:abstainent وترجم كل من ادبري، عبد الله يوسف علي رادديل كلمة التقوى the fear of god وإن كانت الكلمة fearأو the fear of god أو god fearing أقرب شيء إلى مفهوم التقوى من تعابير أخرى، ولكن بكتهال نظر إلى مدلول المادة ( وقى قي ) فترجم to ward off مع العلم أن الاسم المأخوذ من الفعل أصبح ذا دلالة مستقلة مفهومة عند العرب بجميع ملامحه. أما الأستاذ محمد أسد فقد قرب إلى الأذهان المفهوم المتبادل لهذه الكلمة باختياره نهجا آخر لم يسبقه أحد من المترجمين، فهو يصرف النظر عن مدلول مادة الكلمة، ويعبر عن المعنى الشامل للكلمة، ولذا يترجم كلمة التقوى بتعبيره : God – conseiousnessولا شك أنه موفق فيما ذهب إليه، ولكن هذا لا يتيسر لمن يتقيد بوضع كلمة مكان كلمة حسب وصف المعاجم والقواميس، ولنرى كلمة أخرى وهي " الخشية" يقول الراغب الأصفهاني في تعريف هذه الكلمة: " الخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه، ولذلك خص العلماء بها في قوله: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ }[( فاطر: 28)]. وقال: { وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى () وَهُوَ يَخْشَى } [(عبس: 8- 9)]، وقال: { مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ } [(ق: 33)] ، وقال:{ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا } [(الكهف: 80) ]، وفي آية أخرى: { فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} [(البقرة: 150)]. أما الخوف فهو عند الراغب الأصفهاني: " الخوف توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة، كما أن الرجاء والطمع توقع محبوب عن أمارة مظنونة أو معلومة " فظهر أن الخشية والخوف ليستا مترادفتين في العربية، ولكل منهما مدلول خاص، وهذا لا يتسنى للغة الأجنبية أن تفرق بينهما، والآن فلننظر إلى محاولة المترجمين ، يقول الله سبحانه وتعالى: { فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} ( سورة البقرة، الآية: 150). ترجم هذه الآية المفسر الهندي دريابادي so fear them not fear me وترجم كلمة الخوف في آية: { وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } (البقرة: 112) No fear shall come on them ومعنى ذلك أن المترجم دريابادي اعتبر كلمتين الخشية والخوف مترادفتين No shall they grieve ويقول بكهتال، وعبد الله يوسف في ترجمتيهما: so fear them not { فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} ( سورة البقرة، الآية: 150). But fear me { وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } (البقرة: 112) There no fear Come upon them; neither Shall they grieve وهكذا ذهب جورج سيل، آريري، رادويل، بيل في ترجمة الكلمتين " الخشية والخوف" إلى أنهما مترادفتين بمعنى Fear الأنجليزية. والحاصل أن هناك كلمات متقاربة المعنى بالعربية، ولكن لكل كلمة مدلول خاص واستعمال معين لا يمكن وضع كلمة مكان أخرى، ولكن المترجمون يجدون لغاتهم عاجزة لا تستطيع التفريق بينهما، ولا شك أن الأستاذ محمد أسد ترجم كلمة الخوف ب Fear والخشية بكلمة Awe وبذلك استطاع تغطية مدلول كلمة " خشية" حسب تفسير الراغب والرازي والكشاف فقد نجد شرح الكلمة في قاموس Funk’s standared dictionary To impess with reverential fear إنها تشمل معنى الاحترام والتعظيم، ولنكتفي هنا بهذه الإشارة العابرة بما يعانيه المترجمون من فقر اللغات المترجم إليها إلى الألفاظ الدالة على مفاهيم الكلمة القرآنية، ونأتي على جانب أخر يحار فيه المترجمون الذين لا يحبون ألا تفوتهم كلمة من القرآن [ الكريم] إلا وقد ترجموها، ومن هذا القبيل نجد تنوع الضمائر، أو ما يسمونه في كتب النحو بانتشار الضمائر، والقرآن [ الكريم] يؤكد المعنى ويضغط على معنى الحصر بإرداف الضمائر المتوالية، ومثال ذلك: { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى } [(يس: 12)]. { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ } [(ق: 43)]. { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ } [( الحجر: 9)]. فإذا أراد مترجم أن يكون أمينا للنص القرآني في ترجمة كل حرف جاء في القرآن [ الكريم]، ويرى لزاما عليه أن يقدم معاني القرآن [ الكريم] بدون أي تصرف منه، فالترجمة اللفظية تتطلب منه أن يقول مثلا: أنا Verily we نحن We نحي We give life طبعا هذا غير مستساغ عقلا أن يترجم أحد Verily we ; we we give life to dead ولكنه لا يستطيع أن ينقل إلى ذهن القارئ تلك الروعة اللفظية والجلالة والهيبة التي تتجلى بتكرار الضمير في القرآن [الكريم]، وعلى هذا نجد المترجمين: إما قالوا: Surely we give life أوVerily we shall give life to dead كما ترجم المرحوم عبد الله يوسف علي: إنني عثرت على ترجمة واحدة فقط بين الترجمات وهي لمترجم غير معروف بين أوساط المترجمين، الذي تنبه إلى ضرورة تكرار الضمير حيث يفيد التأكد فقال: Yes certainly it is We Who raise thedead ونظرا إلى أن القرآن [ الكريم] نزل على أسلوب الخطاب، فقد يجد الدارس صعوبة في ترجمة الآيات بدون إدخال كلمات تكمل الجمل على نسق الكتابة الحديثة ومثال ذلك: بسم الله الرحمن الرحيم { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } [ (الْأَنعام :1)]. فالمترجم مضطر إلى إضافة مفعول لفعل يعدلون، فيقول مثلا: Nevertheless they who believ not in the Lord the equalize other gods with him فهذه الجملة الأخيرةther gods with him كما أضاف الأستاذ جورج سيل في ترجمة equalize others أو كما ترجمه الدريابادي عبد الله يوسف علي، أما محمد علي اللاهوري فقد غير نظم الآية على وجه آخر فكتب: Yes those who disbelieve set up equals to their lord وهذا التصرف في نظم الآية ذهب بنسق القرآن [ الكريم]، فلا نستطيع أن نصف هذه الترجمة مطابقا لألفاظ القرآن [الكريم]، وهكذا نجد الأستاذ محمد أسد يفسر المفهوم للآية بكلمات لا علاقة لها بألفاظ القرآن [الكريم]، حيث ترجم الآية على النحو التالي: And yet those who are bent on denying The truth regards other powers as their Sustainers equals وهذا تفسير لا غبار عليه من ناحية الصحة، ولكنه لا يمكن أن يوصف بحال من الأحوال مطابقة لألفاظ القرآن الكريم. أيها السادة قبل أن أنهي هذا الجزء من البحث حول الترجمة اللفظية للقرآن الكريم أرى أن ألخص نتيجة البحث على الوجه التالي: إن الترجمة اللفظية أو الحرفية بالمثل حيث يترجم نظم القرآن [ الكريم] بلغة أخرى تحاكيه حذوا بحذو، تحمل المفردات والأساليب محل المفردات والأساليب حتى تتحمل الترجمة ما تحمله نظم الأصل من المعاني المقيدة بكيفياتها البلاغية وأحكامها التشريعية، غير ممكن على الإطلاق وذلك لأسباب: 1 – القرآن [ الكريممم] معجزة، وقد تناصرت الأدلة وانعقد الاجماع على أن القرآن [ الكريممم] معجزة، وإنما الخلاف في سبب إعجازه، فمن قائل أنه شرف الغرض، وتنوع المقصد، والأخبار بالغيب، ومن قائل أنه الفصاحة الرائعة، والمذهب الواضح، والأسلوب الموثق. 2 – الترجمة بإمكانها نقل اللب والجوهر من المعنى ولا تتحمل لأداء ما في الأصل من البلاغة وروعة البيان وذلك في كلام البشر فأنّى يتيسر ذلك في كتاب الله المعجز. 3 - القرآن [ الكريممم] نزل على أسلوب الخطاب والحوار، وهذا يعني أن هناك خلفيات للآيات لا يمكن نقلها في الترجمة بالمثل. 4 – اللغات الأجنبية فقيرة في كلمات تعبر عن مشاعر النفس والروح، في حين القرآن [ الكريممم] مليء بمثل هذه التعابير. 5 – يوجد عدد كبير من الكلمات لا توجد لها مرادفات في اللغات الأخرى. 6 – غزارة المادة وصيغها وخاصة بالعربية لا يمكن ترجمتها بكلمة مماثلة. 7 – في القرآن [ الكريممم] كلمات متقاربة المعنى، يوهم الأجنبي أنها مترادفة بعضها لبعض في حين أن هناك فروقا دقيقة، ولكن المترجم يضطر لفقر لغته إلى اعتبارها مترادفة. 8 – هناك محذوفات في القرآن [ الكريممم] لا يصعب فهمها على العربي لسليقته، ولكنها صعبة الفهم لغير العربي، فيضطر المترجم إلى أن يضيف كلمة أو كلمات لربط الجمل، أو بشرح من عنده بدون الاعتبار إلى النظم القرآني. - الترجمة التفسيرية للقرآن [الكريم] عقد الأستاذ محمد حسين الذهبي رحمه الله في كتابه التفسير والمفسرون فصلا بهذا العنوان قال فيه: " الترجمة التفسيرية عبارة عن شرح الكلام وبيان معناه بلغة أخرى بدون محافظة على نظم الأصل وترتيبه، وبدون المحافظة على جميع معانية المرادة منه، وذلك بأن نفهم المعنى الذي يراد من الأصل، م نأتي له بتركيب من اللغة المترجم إليها يؤديه على وفق الغرض الذي سيق له" ولإيضاح الفرق بين الترجمة الحرفية والترجمة التفسيرية أتى الأستاذ الذهبي بمثال من القرآن الكريم: { وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [(الإسراء: 29)]. وقال أن الترجمة الحرفية لهذه الآية في لغة أخرى قد تكون مثالا للضحك، فإنه لا يعقل أن يربط إنسان يده إلى عنقه، ويفهم موضع النهي من الآية، ولكنه إذا كانت الترجمة تفسيرية فيشرح المترجم أن تعبير القرآن [ الكريم] والقصد منه النهي عن الإسراف والتقتير، هذا هو ملخص ما قاله الذهبي في كتابه عن الترجمة التفسيرية. والآن أرى أن استعرض الترجمات الحرفية والتفسيرية حتى يتبين لنا مدى صلاحية الترجمة التفسيرية، ثم نأتي على عرض بعض المشاكل في الترجمة التفسيرية. من ترجموا هذه الآية ترجمة حرفية بدون تصرّف منهم الأستاذ محمد مارديوك بكهتال، فقد ترجم الآية كما يلي: And let not thy hand be chained to thy neck nor open it with a complete opening lest thou sit down rebuked denuded وهذه الترجمة وإن لم تكن مثارا للضحك كما زعم الأستاذ الذهبي رحمه الله، ولكنها في الواقع لا يدل على المراد وهو المنع عن التبذير والتقتير. والمترجم المعروف للقرآن الكريم السيد عبد الله يوسف علي ترجم هذه الآية على النحو التالي: Make not thy hand tied – like a niggard’s- tot thy neck Nor stretch is forth to its utmost reach os that thau become blameworthy and distitute وتجد في هذه الترجمة أن الإشارة بين مطتين – like a niggard’s- أزالت شيئا من الإبهام عن ذهن القارئ الذي لا يعرف هذه الاستعارة، غير أنه لم يتضح من ترجمته إن الآية ترمي إلى منع مخاطبيه من الإسراف والبخل. وترجم محمد علي اللاهوري المعروف بمولانا محمد علي هذه الآية كما يلي: And make not thy hand to shackled to thy neck ; nor stretch is forth to the utmost – limit- of its stretching forth ; lest thau sit down blamed stipped of هذه الترجمات الثلاث كانت نموذجا للترجمة الحرفية، أما الذين ترجموا الآية ترجمة تفسيرية بدون النظر إلى كلمات القرآن [ الكريم] وتعبيره الخاص، فمنهم السيد بير صلاح الدين الباكستاني فقد ترجم معنى الآية: Be netheir miser nor spendthrift ; lest you should incur blam or become penniless هذه الترجمة التفسيرية أبعدت القارئ عن تعبير القرآن [ الكريم] من جهة، ومن جهة أخرى أعطت فكرة منقوصة عن مدلول الآية القرآنية، إذ زعم معنى المحسورpennilessأي معدما، وقد لخص معنى الآية جورج سيل مقلا عن تفسير البيضاوي: Be netheir niggardly nor profuse; but obseve the mean between the two extreemes lest thau become worthy of repertension and be reduced to poverty ولست أدري ما حمل المترجم بير صلاح الباكستاني والمترجم المستشرق القديم على ترجمة " محسور" بالفقر والعدم، ومادة " حسر " كما أثبت الراغب الاصفهاني تفيد معنى كشف الملبس عما عليه، والحسرة هو الغم على ما فات والندم عليه، يجوز أنهم أثروا ترجمة الكلمة بما هو سبب الحسرة. أما الأستاذ محمد أسد فقد جمع بين أصالة روح القرآن [الكريم] وتعبيره، وبين الإفادة عن معنى الآية وذلك بضم كلمات الشرح والإيضاح إلى الترجمة الحرفية: And netheir allow thy hand to remain shackled to thy neck nor stretch if forth to the utmost limit – of the capacity- test thau find thyself blamed – by the dependantd- or even destitute وقد أوفى معنى الآية على الهامش مشيرا إلى أنه تعبير مجازي للقرآن [ الكريم] قصد به النهي عن الإسراف والتبذير، والأمر بالاستقامة على طريق التوسط والاعتدال، وهكذا فعل المفسر الهندي الشيخ عبد الماجد دريابادي، حيث ترجم الآية حرفية مع إدخال كلمات الإيضاح في ترجمة النص، وتذييل الإيضاح. والآن وقد قدمت طائفة من النماذج للترجمات الحرفية والتفسيرية آخذا بعين الاعتبار ما ذكره الأستاذ المرحوم الشيخ محمد حسين الذهبي في كتابه " التفسير والمفسرون" أرى أن أشير إلى جوانب الضعف في الترجمات التفسيرية: 1 – الترجمة التفسيرية أو تفسير القرآن الكريم بغير لغته يجعل القارئ لا يعبأ بالنص القرآني، ويبعده من تعابير قرآنية، وهي على حد ذاتها تحمل قيمة روحية لها نفوذ في العقل البشري، وتأثير في القلوب. ولنقرأ مثلا هذه الآية: { كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا } [(الإسراء: 20)] We shall bestow our blessing on all of the people ; nobody shall be denied ولننظر كيف يرتاح القلب وتهتز المشاعر وتطمئن النفس عند تلاوة هذه الآية، وإلى هذا النغم السماوي الساحر، ثم ننظر إلى الترجمة التفسيرية: 2 – تفسير القرآن [ الكريم] حسب ما تسميه الترجمة التفسيرية يترك المجال للمترجم أن يترجم نظرياته الخاصة باسم القرآن [ الكريم]، ويجعل القرآن [ الكريم] مطية لبيان أفكاره ونظرياته الخاصة به. وتكفي الإشارة إلى تفاسير الصوفية والشيعة والقاديانية وتصرفاتهم في الترجمات والتفاسير، ومثال ذلك أن الصوفي التركي الشيخ إسماعيل الحقي البرساوي يفسر الآية: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [(البقرة: 158)]، بقوله إن الصفا هو لطيفة الروح، والمروة هو لطيفة القلب، وهما أكبر شعائر الدين في عالم الأرواح، فمن قصد رب البيت أو انقطع إلى ذكره فلا حرج عليه أن يقوم ويقعد في حلقات الذكر. 3 – إن المستشرقين الذين نظروا إلى القرآن [ الكريم] كمجموعة من الأحاديث والقصص وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم (( ترجم E.W.LANE بعض السور من القرآن [ الكريم] إلى الانجليزية عام 1843م وأسماها TABLE TALKS OF MOHMMED ))، أخذو بتأويل كل آية تعطي فكرة عن رسالة الإسلام على أنها موجهة إلى الإنسانية جمعاء، ومثال ذلك أن جورج سيل المترجم المعروف يترجم خطاب القرآن [ الكريم] { يَا أَيُّهَا النَّاسُ } ويزعم أن محمدا (صلى الله عليه وسلم) كان يريد إصلاح بني جلدته وتقدمهم اقتصاديا وسياسيا، ولم يقصد إلى مخاطبة البشر كله، ونسي جورج سيل أو تناسى أن القرآن [ الكريم] يفسر بعضه بعضا، وإنه وجه رسالته إلى العالم كله ففي آية: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (سبأ: 28) وعلى الرغم أن سورة البقرة مدنية النزول بلا خلاف كما أكد ذلك ابن كثير في تفسيره، وسورة سبأ مكية، وجورج سيل يزعم أنه لم يطمح في توجيه رسالته خارج قبيلته. 4 – نظرا إلى أن المفسرين القدامى مثل الرازي والبغوي والبيضاوي اعتادوا أن يذكروا في تفاسيرهم جميع ما وصل إليهم من أقوال عامة وشاذة، ويذكرونها بقولهم التقليدي " قيل" وهذا " القيل" يصبح سندا قويا لمن أراد تخريف معاني القرآن [ الكريم]، وهو يستند إليه في تفسيره، ويشير إلى تلك المراجع كأمر معترف به، ومثال ذلك أن البيضاوي ذكر من بين الأقوال العديدة في تفسير كلمة "العالمين" إنه قيل معناه عالم الإنس وعالم الجن وعالم الملائكة، فتشبث به كل من جورج سيل وسير ريتشارد برطن Sir Rechard Burton وترجم أول آية من القرآن الكريم:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} على النحو التالي: Praise be to Allah who three worlds made وعدله جورج سيل على النحو التالي: Praise be to God; the Lord of all creatures ولا شك أن القصد من وراء هذه الترجمة المنحرفة هو إعطاء فكرة خاطئة أن رسالة الإسلام كانت محلية ومؤقتة، و" أنّى لابن أن يتصور ويحلم أن هناك عالما غير ما يعيشه وتعيش دوابه" ( E.W Lane في كتابه المختارات القرآنية طبع ليدن عام 1843م) وهذا غير مستغرب من الذين لم يملكوا إخفاء ما في صدورهم من حقد وكراهية ضد الإسلام، ولكننا نرى أن كل من أراد أن يفسر القرآن [ الكريم] حسب مرئياته يجد سندا من الأقوال الشاذة في كتب التفسير والأحاديث الضعيفة والموضوعة. هكذا نجد أن القواميس والمعاجم توفر مادة وسندا لبيان الآراء الشاذة والمعاني المستبعدة، ومثال ذلك كلمة " الإبل" في الآية: { أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [( الغاشية:17)]، فقد ترجمها ظفر الله خان " بالسحاب" وأغرَّبُ من هذا أن الأستاذ محمد أسد الذي يعرف العربية أكثر من معاصريه ممن ترجموا القرآن [ الكريم] مال إلى هذه الترجمة، مستندا إلى لسان العرب والمعاجم الأخرى، وبعد مراجعة الأصل ظهر لي أن أصحاب القواميس يذكرون كل ما وصل إليهم ولو من فرد واحد، ولكنهم يبدؤون بالمعنى المتواتر الأصل، ثم يردفون بأقوال شاذة. فلا شك أن ابن منظور ذكر من بين معاني " الإبل" السحاب كذلك، ولكنه لم يذكر هذا إلا بعد إيراد المعاني المعلومة. ففي ضوء ما ذكرت من الآثار السيئة لتفسير القرآن [ الكريم] بغير لغته أو الترجمة التفسيرية، أرى أن ترجمة معاني القرآن [ الكريم] بهذه الطريقة لا يخلو من خلل، وفيه إطلاق الحرية لكل من شاء أن يعرب عن مرئياته وآرائه، وهي الترجمة التفسيرية [ كذا] - يجعل القرآن [ الكريم] مثل ترجمات الأناجيل حيث لا يعرف الدارس اليوم ما هو مقدار الأصل من بين أقوال الشارحين. وبعد استعراض أنواع الترجمة لمعاني القرآن [ الكريم]، أرى أنه لا بد أن تكون لدى علمائنا والمثقفين منا أسس لتقييم الترجمات، وماذا تكون هذه الأسس يا ترى ؟ وفي مجتمعاتنا الإسلامية أنواع وأنواع من العقائد والنظريات والآراء والاتجاهات والأسس لا بد أن تكون مقبولة لدى الجميع. وعلى هذا أجد الموضوع عويصا إلا أن نقيّم الأسس في ضوء العقيدة التي عليها جمهور المسلمين، وأغلبيتهم الساحقة هم أهل السنة والجماعة من المسلمين. وقد انعقد الإجماع على أن القرآن [ الكريم] نزل لغرضين أساسيين: أولهما: كونه آية دالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه، وذلك بكونه معجزا للبشر، لا يقدرون على الإتيان بسورة من مثله ولو اجتمع الإنس والجن على ذلك. وثانيهما: هداية الناس لما فيه صلاحهم في دنياهم وأخراهم. أما الغرض الأول وهو كونه آية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فات يمكن تأديته بالترجمة اتفاقا، فإن القرآن [ الكريم] - وإن كان الإعجاز في جملته بعدة معان كالأخبار بالغيب، واستيفاء تشريع لا يعتريه خلل، وغير ذلك ما عد في وجوه إعجازه – إنما يدور الأعجاز الساري في كل آية منه على ما فيه من خواص بلاغية جاءت لمقتضيات معينة، وهذه لا يمكن نقلها إلى اللغات الأخرى اتفاقا، فإن اللغات الراقية وان كان لها بلاغة، ولكن لكل لغة ملامحها المنفردة لا يشاركها فيها غيرها من اللغات، ولو ترجم القرآن [ الكريم] ترجمة حرفية – وهذا محال- لضاعت خواص القرآن [ الكريم] البلاغية، ولنزل القرآن [ الكريم] من مرتبته المعجزة إلى مرتبة تدخل تحت طوق البشر، ولفات هذا المقصد العظيم الذي نزل القرآن [ الكريم] من أجله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. أما الغرض الثاني وهو كونه هداية للناس إلى ما فيه سعادتهم في الدارين فذلك باستنباط الأحكام والإرشادات منه، وهذا يرجع بعضه إلى المعاني الأصيلة التي يشترك في تفاهمها وأدائها كل الناس، وتقوى عليها جميع اللغات، وهذا النوع من المعاني يمكن ترجمته واستفادة الأحكام منه، وبعض آخر من الأحكام والإرشادات يستفاد من المعاني الثانوية، ونجد هذا كثيرا في استنباطات الأئمة المجتهدين، والترجمة الحرفية إن أمكن فيها المحافظة على المعاني الأولية، فغير ممكن أن يحافظ فيها على المعاني الثانوية مع أنها لازمة للقرآن [ الكريم] دون غيره من سائر اللغات. هذا من ناحية نظم القرآن [ الكريم] والمعاني المستفادة منه، أما من ناحية الكلمات المشتركة المعنى، أو الكلمات التي توحي نوعا من العقيدة عن الكون والتاريخ وأسوة الأنبياء السابقين [ عليهم السلام]، وفيها خلاف بين المفسرين القدامى والمحافظين، وبين المفسرين المتأخرين مثل كلمة " التابوت" ومعناها عند السلف بالاجماع هو صندوق التوراة، وكان موسى عليه السلام إذا قاتل قدمه، فكانت تسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرون، ويرى بعض المتأخرين أنه القلبHeart (( استنادا إلى ما نقله الزمخشري في الأساس، والبيضاوي في تفسيره من الأقوال الشاذة التي يذكرونها تحت كلمة " قيل"))، نظرا إلى أن القلب هو محل السكينة وليس الصندوق، ولكنهم ينسون أو يتناسون أن القلب لا ينتقل من مكان إلى مكان، ولا يأتي به أحد من الخارج، والله سبحانه وتعالى يقول: { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ } [ ( البقرة: 248)]. وهناك معتقدات للمسلمين مثل عقيدتهم على وجود الجن كمخلوق من الله خلقه من نار، وفيهم المؤمنون ومنهم الفاسقون، ووجود الملائكة والإيمان بالمعجزات التي أتى بها الأنبياء لتصديق نبواتهم [ عليهم السلام]، ورفع سيدنا عيسى [ عليه السلام] إلى السماء حيا، وعقيدة جمهور المسلمين بأن محمدا صلى الله عليه وسلم كان أخر الأنبياء ولا نبي بعده لا تابعا ولا متبوعا، لا صاحب شريعة ولا صاحب هداية بدون شريعة جديدة، فإذا كانت الترجمة طبقا لعقائد الجمهور التي مصدرها القرآن [ الكريم] بدون اللجوء إلى التأويل والأخذ بالأقوال الشاذة، تكون مقبولة ولا بأس بأن يوجد فيها بعض الآراء الشاذة التي لا تمس العقيدة، مثل ترجمة الالية والآلاء بالقوة، وترجمة الإبل بالسحاب، وترجمة الابتلاء بالتربية ونحو ذلك، فإذا عثرنا على ترجمة جديدة رأينا عقيدة المترجم من خلال ترجماته وتفسيره لتلك العقائد ومدى مقدرته على فهم كتاب الله، واللغة التي اختارها للمترجمة شرط أساسي لصحة الترجمة والمترجم.
|
||||
2010-06-14, 12:09 | رقم المشاركة : 2 | |||
|
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
المحاضرة الثانية: " الترجمة الفارسية لمعاني القرآن الكريم" الدكتور أحمد السيد الحسيني جامعة عين شمس - جمهورية مصر -عربية القرآن الكريم: أختار الله سبحانه وتعالى بحكمته وعلمه اللغة العربية لغة وبيان لكتابه الخالد، لأن هذه اللغة فيها من مزايا التعبير والبيان ما لم تحظ به لغة غيرها، ولن يسع كتاب الله غيرها، ولو كان في الوجود لغة تفضل اللغة العربية في الكشف عن دقائق البيان وأسرار التعبير، ما جاوزها القرآن [ الكريم ] إلى غيرها. ولكن نزوله بالغة العربية دليل قاطع على نفي هذا الاحتمال، فاللغة العربية أسمى اللغات على الإطلاق، والدليل أن عالم الغيب والشهادة ارتضاها أداة لوحيه المنزل على أكرم رسله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. وعربية اللغة والبيان القرآني جاء النص عليها في مواضع متعددة من القرآن [ الكريم ]، منها قوله تعالى: { الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ () إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }[ يوسف 1- 2]. وقوله : { حم () وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ () إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [(الزخرف 1- 3)]. وقوله: { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ () نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ () عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ () بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } [( الشعراء: 192 - 195)]. وقوله: { كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }(فصلت: 3) وقوله: { قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (الزمر:28). وقوله: { وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ }(الأحقاف: 12). وقوله: { وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا } (طه:113). وقوله: { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ } (النحل: 103). وقوله: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ } (الشورى: 7). ونعرف أن لكل لغة سمات خاصة في بنائها التعبيري، الذي تتميز به عن غيرها من اللغات، شاء ذلك أهلها أم لم يشاءوا، فهم ينطلقون في البناء التعبيري خاضعين لمؤثرات البيئة بشتى ألوانها: من بيئة طبيعية إلى اجتماعية واقتصادية وسياسية وغير ذلك. والمعروف أن اللغة العربية لها خصائصها الفريدة وسماتها المميزة عن غيرها من اللغات، والتعبير العربي يحمل في طياته من الدقة والبراعة بحيث يختلف المعنى إذا قدمت أو أخرت كلمة عن أخرى، كما أنها تختلف عن غيرها من اللغات في تكوين الجملة نفسها كتقديم الفعل على الفاعل، والموصوف على الصفة وغير ذلك مما يعرفه كل مُلِّمٍ باللغة العربية وغيرها من اللغات الأجنبية. وترجمة القرآن [ الكريم ] إلى لغة أخرى تذهب بإعجازه، ويصبح شأنه شأن أي كتاب عادي مهما حوى من أحكام وفضائل وشرائع، فهو في النهاية يمكن مجاراته. وقد تحدى الرسول [ صلى الله عليه وسلم] العرب قاطبة – وهم أهل البلاغة والبيان- أن يأتوا بسورة من مثله،وليس من الضروري أن يأتوا بمعاني القرآن [ الكريم] نفسها وإنما في مثل القرآن[الكريم]، لأن التحدي لم يكن فيما يحويه القرآن [ الكريم] من أحكام وشرائع، ولكن لما يحويه من نظم بديع وتركيب بليغ، فإن أتوا بمثل نظمه من غير أن يكون صدقا، فقد أفلحوا وأظهروا حجتهم. والترجمة التي تذهب بهذا النظم البديع، وتفسد ذلك التركيب البليغ الذي تتميز به لغة القرآن [ الكريم] ولنضرب لذلك مثلا: قوله تعالى:{ فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} (الكهف:11). نجد أن الترجمة الفارسية نقلته بلفظه فتقول: " يس ما بركوش آنهاتا جند سالي برده بيهوشي زديم" أي فضربنا على آذانهم ستار الغفلة عدة سنوات، وهذا غير مفهوم للمنقول إليه، إذ لا يفهم المقصود من الآية، فالتصوير الذي نراه في الآية يتمثل في الضرب على الآذان، لا تستطيع الترجمة الحرفية أن تؤديه أو تفي به إلا بعد أن تفسد الصورة، وتشوه ملامحها. ومثل قوله تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا } ( الفرقان: 73). فالمعنى الحرفي لقوله لم يخروا عليها صما وعميانا: سقطوا سامعين مبصرين لما أمروا به ونهوا عنه. ولكننا نجد الترجمة الفارسية عولت على ترجمة المعنى كي تؤدي المعنى فتقول: " وآنان هستندكه هركاه متذكر آيات خداى خود شوند كروكورانه درآن آيات ننكرند تابر مقام معرفت وايمانشان بيفزايد " نجد أن المترجم فسر المعنى وأضاف ألفاظا من عنده لكي يتضح المعنى، وهذه تعتبر ترجمة للمعنى وليس للفظ. وهكذا لا يتكشف وجه الإعجاز الذي يقوم على الألفاظ ملاءمة بعضها بعضا. -بين اللغتين العربية والفارسية: أما بالنسبة للغتين العربية والفارسية فإن بينهما صلات قديمة جدا ترجع إلى وقت دخول الإسلام إيران بعد أن أقبل كثير من الفرس على اعتناق الإسلام أحرارا مختارين، في غير ما إجبار أو اضطرار، لأن المظالم التي اصطلوا بنارها قبل الإسلام حببت إليهم أن يقبلوا على اعتناقه فكفل لهم العرب حريتهم الدينية، وعاملوا أتباع الزردشتية معاملة أهل الكتاب[؟]، فقبلوا منهم أن يبقوا على دينهم ويدفعوا الجزية. وقد تسابق كثير من أهل فارس إلى تعلم اللغة العربية لغة الدين الذين آمن به كثير منهم، ولغة الفاتحين الذين يتصلون بهم، وسرعان ما أجادها بعضهم، وكانوا قدوة لمن بعدهم، حتى صار كثير من مشهوري الشعراء والكتاب والعلماء باللغة والدين من أبناء فارس، وكان من أثر القرآن [ الكريم ] على اللغة الفارسية أن فقدت هذه اللغة شخصيتها القديمة، وظهرت الفارسية الجديدة، وقد تشكل نصف معجمها، كما تشكلت أساليبها وأوزانها من العربية حتى صارت لسان أخر غير اللغة السابقة على الإسلام وهي اللغة البهلوية، وكذلك الأمر في اللغة التركية، ولغة الأكراد وسائر لغات آسيا وأفريقيا، فقد فقدت كل لغة من هذه اللغات أكثر خصائصها الجاهلية، ودخلت في عربية القرآن [ الكريم]، بحيث لو أن أحدا أراد مثلا أن يكتب شيئا بالفارسية بحيث تكون كتابته خلوا من الألفاظ العربية لتعسر عليه الأمر. ولسنا هنا بصدد الحديث عن الصلات القوية بين اللغتين العربية والفارسية، بل المقصود هو أن نبين أن هاتين اللغتين برغم تداخلهما القوي، وتأثير كل منهما في الأخرى، فإن اللغة العربية تتميز عن الفارسية وغيرها من اللغات في بنائها التعبيري، ومن أبرز ما تتميز به اللغة العربية في تعبيرها عن اللغة الفارسية: أولا: إن الجملة في اللغة الفارسية تختلف في تركيبها عن الجملة في الجملة في اللغة العربية، فعلى الرغم من أن الجملة تنقسم إلى قسمين: اسمية وفعلية كما في العربية، فإن الجملة الاسمية في اللغة الفارسية تزيد في تكوينها عن العربية جزءا ثالثا وهو الرابطة التي تربط الجزئين الرئيسيين وهما المبتدأ والخبر، وتختلف هذه الرابطة باختلاف المبتدا أو المسند إليه، وكذلك الحال بالنسبة للجملة الفعلية فهي تختلف مع العربية في ترتيب أجزائها، ففي اللغة العربية تبتدئ الجملة الفعلية بالفعل، في حين تنتهي الجملة الفعلية في الفارسية بالفعل، وهذا الاختلاف يجعل في الترجمة تغييرا في المعنى، فلكل كلمة استخدامها في وضعها بالجملة إن كانت الكلمة مقدمة أو مؤخرة فلكل كلمة مقامها الذي يتطلب استعمالها. وعلى هذا النمط العربي نجد البيان القرآني في بنائه التعبيري، يقدم الفعل إذا كان الحديث عن الفعل هو المهم أو المقصود بالحديث، وذلك نحو قوله تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ } (المؤمنون: 12)، إذ المقصود الحديث عن خلق الإنسان وما ينطوي عليه من إعجاز وليس المقصود الحديث عن الخالق. وعلى هذا المسار التركيبي سار البناء في الآيات بعد ذلك فقال تعالى: { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ () ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } (المؤمنون: 13- 14) في حين نرى الترجمة الفارسية، وكما قلنا تنتهي بالفعل الذي هو المقصود من الحديث وهو الذي في الأصل في بداية الجملة، فنرى الترجمة تقول: " وهمانا آدمي را از كل خالص آفريديم (12) يس آنكاه اورا نطفه كردانيده ودرجاي استوار ( صلب رحم) قرار داديم (13) آنكاه نطفه را علقه وعلقه راه كوشت ياره وياز آن كوشت را استخوان وسيس براستخوانها كوشت يوشانيديم يس از آن خلقتي ديكر انشا نموديم آفرين بر قدرت كامل بهترين آفريننده(14). نجد الأفعال آفريديم، قرار داديم، يوشانيديم قد وضعت في نهاية الجمل. ثانيا: إن الصيغ التي تدل على الفاعل في اللغة الفارسية إما أن تبنى على فاعل معلوم أو فاعل مجهول، وهي المعروفة بصيغة المبني للمعلوم والمبني للمجهول، أما في اللغة العربية فلا تقتصر في الحديث عن الفاعل في هاتين الصيغتين، ولكنها تضيف صيغة ثالثة تلك هي صيغة الفاعل المطاوع، فقولنا ((انسكب الماء)) يختلف في دلالته عن قولنا (( سكب الطفل الماء)) وعن قولنا ((سكب الماء)) وذلك لأن التعبير الأول يقدم معنى لا تدل عليه دلالته الدقيقة صيغة من الصيغتين الأخيرتين، فقولنا (( سكب الطفل الماء)) يقال لمن يهمه أن يعرف من الذي سكب الماء، وقولنا ((سكب الماء)) يقال كذلك لمن يقصد التعرف على الفاعل، لكنا نخبر عن ذلك الطريق إما بجهلنا بمن وقع منه الفعل، أو بعدم إرادتنا ذكره، أما حين نقول ((انسكب الماء)) فإننا نوجه الحديث لمن يتوقع انسكاب الماء وينتظره، ولا يهمه أن يعرف ساكبه ولا عدم معرفته، ولا شك أن الفارق كبير بين هذا وذاك. وهذا الفارق الكبير يعين اللغة على الدقة في استيفاء وجوه الدلالة، حتى يتمكن بها من ملاحظة مقتضى الحال. حقيقة توجد في اللغة الفارسية بضعة أفعال تسمى الأفعال ذوات الوجهين أي الأفعال التي تكون لازمة أو متعدية حسب سياق الجملة، دون أن يتغير تركيبها، مثل فعل شكستن، وريختن، ويختن، وسوختن، وكشودن، افروختن،وهذه الأفعال قريبة في استخدامها من صيغة الفعل المطاوع في العربية، ولكنها قليلة من ناحية، ولا تؤدي الغرض من الفعل المطاوع من ناحية أخرى، وسنرى ذلك في بيان الترجمة الفارسية لمعاني القرآن الكريم في النموذج التالي. وهذه هي إحدى مميزات اللغة العربية في بنائها عن غيرها من اللغات، إذ نحن تأملنا آيات القرآن الكريم من هذا المنطلق وجدناه قد جمع بين هذه الصيغ الثلاثة في بنائه التعبيري، ولأن الذي يعنينا – هنا – هو أن نقف على استيعاب البيان القرآني لكل ما يميز اللغة العربية عن غيرها من اللغات في البناء التركيبي، لا أرى ما يدعونا لأن نطيل بذكر نماذج قرآنية لصيغة المبني للمعلوم والمبني للمجهول، فهذا واضح لا يحتاج برهانا، إنما الذي يحتاج برهان هو الصيغة الثالثة ( صيغة الفعل المطاوع) وهذه الصيغة في القرآن [ الكريم] لا تقصد لذاتها، وإنما شأنها شأن كل الصيغ تأتي حين يتطلبها الموقف ملبية المطلوب، محققة المقصود، من ذلك قول الله سبحانه وتعالى: { وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ } ( البقرة: 74) ونرى الترجمة الفارسية تقول: " جه آنكه ياره از سنكها ست كه نهرهاي آب از آن ميجوشد ويرخي ديكر سنكها بشكافد وهم آب از آن بيرون آيد" فتجد الترجمة قد أتت بالفعلين في المبني للمعلوم، و:ان الحجارة هي الفاعل، في حين أن الفعلين ( يتفجر ويتشقق ) مضارعان، ماضيهما تفجر وتشقق، وهما مطاوعان لفجر وشقق فالحجارة لا يتأتى منها الفعل، ولكنها خاضعة تستجيب للقوة العليا حين تفجرها وتشققها بتجميع أسباب التفجير والتشقيق عليها، فالآية الكريمة بذلك: تلفت نظر المتأمل إلى ما وراء تلك الظواهر الطبيعية من قدرة الله ومشيئته دون أن يتصادم الظاهر مع الواقع الحق. ومن ذلك أيضا قوله سبحانه وتعالى: { ... فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ } ( البقرة: 266)، نجد أن الترجمة الفارسية تقول: " ... ودرباغ أو بادي آتش بار افتد همه را بسوزاند" فجعلت الفعل متعديا، أي المعنى يكون: فأصابها إعصار فيه نار فأحرقتها، وهذا لا يحقق المقصود بيانه من إتيان النار عليها، لأن الإحراق يفيد حرق الكل كما يفيد إحراق الجزء، فلما جاءت الآية على هذا أفادت أن الإحراق من النار وليس ذاتيا، وأن إحراق النار إياها شامل وليس إحراقا جزئيا. ومنها أيضا قوله [ سبحانه وتعالى]: { ... فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا } ( البقرة: 60)، انفجر مطاوع فجر. وترى الترجمة تقول: " يس دوازده جشمه آب از آن سنك بيرون آمد" فالفعل هنا مبني للمعلوم وكأن عيون الماء هي الفاعل، بالإضافة إلى ركاكة المعنى إذ أن ترجمة الفعل ( خرجت) بدلا من ( انفجرت). والآيات المشتملة على صيغة المطاوعة كثيرة، ونجها مختلفة في الترجمة، فتارة يترجمها المترجم على أنها أفعال مبنية للمعلوم كما رأينا، أو يتصرف في ترجمة تفسيرية لها تكون قريبة من المعنى. ثالثا: إن اللغة العربية تحرص على أن تستوفي أدوات الصفة وكافة شروطها، وذلك لأن الصفات لا بد فيها من المطابقة، بخلاف الأسماء، فليس ضروريا فيها أن تطابق مسمياتها، إذ الأسماء قد تكون توقيفية لا إرادة للمتكلم في وضعها وإطلاقها على مسمياتها، وقد نطلق اسما على مسمى لأدنى ملابسة، دون أن تكون هناك مطابقة بين الاسم ومسماه، وذلك لأن نسمي الشيء باسم أرضه، أو باسم صاحبه، أو باسم حادث عندما تعرفنا عليه، أو باسم كاشفه، إلى غير ذلك من الملابسات، وقد تكون الأسماء منقولة عن لغة أخرى بحروفها أو مع تعديل فيها. أما الصفات فلا بد أن تطابق موصوفاتها، ومن ثم حرصت اللغات على أن تكون هناك مطابقة بين الصفة والموصوف، لكنها لم تتمكن من استيفاء جميع أدوات الصفة وشروطها كما تمكنت منها اللغة العربية. فالصفة في اللغة العربية تابعة للموصوف مطابقة له في الإفراد والتثنية والجمع، وفي التذكير والتأنيث، وفي التعريف والتنكير، وفي مواقع الإعراب، وبتعبير أخر: الصفة العربية تطابق الموصوف في العدد وفي الجنس، وفي التحدد وفي الشيوع، وفي الشكل العارض للفظ، أما في اللغات الأخرى فقد تجد فيها بعض تلك المتابعات، لكنك لن تجدها جميعا بقواعدها المطردة إلا في اللغة العربية. وفي الفارسية نجد عكس ذلك تماما فلا تطابق يذكر بين الصفة والموصوف لا في الإفراد والجمع، ولا في التذكير والتأنيث، ولا في التعريف والتنكير. وهذا فرق جوهري بين اللغتين يظهر واضحا في ترجمة كل آيات القرآن الكريم ، بحيث يصبح من العبث إيراد نماذج لبيان ذلك الاختلاف. ومن ثم يتقرر أن البناء التعبيري في البيان القرآني لا يخرج على البيان التعبيري للغة العربية في قليل ولا كثير، وإنما هو يسير وفق منهج العربية تماما في بنائها. وبالتالي فإن روح اللغة العربية بمعانيها وأخيلتها هي التي تسري في البيان القرآني في أرقى مدارجها وإمكاناتها، بحيث تتحقق بالقرآن [ الكريم] المعجزة البيانية من خلال اللغة العربية التي اصطفاها الله سبحانه لينزل القرآن الكريم بها دون غيرها. -إمكان ترجمة القرآن [ الكريم]:كان القرآن الكريم وهو (كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) محلا لاختلاف الترجمات عليه في كثير من اللغات الأوروبية وأيضا اللغات الشرقية. ولعلماء المسلمين رأي في ترجمة القرآن [ الكريم] إلى غير العربية، فالإجماع منعقد على عدم جواز ترجمة القرآن [ الكريم]، أما الجائز فهو ترجمة معاني القرآن [ الكريم] أو ترجمة تفسيره، وقبل ان نعرض ما دار بين المسلمين من خلاف حول ترجمة القرآن [ الكريم]، أود أن أشير إلى أقسام الترجمة، إذ تنقسم الترجمة إلى قسمين: ترجمة حرفية وترجمة تفسيرية. فالترجمة الحرفية هي التي يراعى فيها محاكاة الأصل في نظمه وترتيبه، فهي تشبه وضع المرادف مكان مرادفه، وبعض الناس يسمي هذه الترجمة لفظية، وبعضهم يسميها مساوية ويطلق عليها الإيرانيون "ترجمة تحت اللفظي" أي "ترجمة حرفية". والترجمة التفسيرية هي التي لا تراعى فيها تلك المحاكاة، أي محاكاة الأصل في نظمه وترتيبه، بل المهم فيها حسن تصوير المعاني والأغراض كاملة، ولهذا تسمى أيضا بالترجمة المعنوية، وسميت تفسيرية لأن حسن تصوير المعاني والأغراض فيها جعلها تشبه التفسير، وما هي بتفسير كما سيتبّين بعد ذلك. فالذي يترجم ترجمة حرفية يقصد إلى كل كلمة في الأصل فيفهمها، ثم يستبدل بها كلمة تساويها في اللغة الأخرى مع وضعها وإحلالها محلها، وإن أدى ذلك إلى خفاء المعنى المراد من الأصل، بسبب اختلاف اللغتين في موقع استعمال الكلام في المعاني المرادة إلفا واستحسانا. أما الذي يترجم ترجمة تفسيرية، فإنه يعمد إلى المعنى الذي يدل عليه تركيب الأصل فيفهمه ثم يصوغه في قالب يؤديه من اللغة الأخرى، موافقا لمراد الأصل، من غير أن يكلف نفسه عناء الوقوف عند كل لفظة أو استبدال غيرها بها. والأمثلة على الترجمة بنوعيها من آيات القرآن [ الكريم] كثيرة فمثلا نجد أن قوله تعالى: { وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا } ( الإسراء: 29) قد ترجمت إلى الفارسية [ هكذا]: " نه هركز دست خود محكم بسته دارونه بسيار باز وكشاده داركه هركدام كنى بنكوهش وحسرت خواهي نشست " أي لا تربط يدك بإحكام ولا تجعلها ممدودة غاية المد، فإن تفعل ذلك ستقعد ملوما محسورا، أما عند الترجمة التفسيرية للآية فإنك تعمد إلى التعمق في فهم الآية، بالنهي عن التقتير والتبذير، في أبشع صورة منفرة، ولا عليك من عدم رعاية الأصل في نظمه وترتيبه اللفظي. أما عن موقف علماء المسلمين والأزهر من مسالة ترجمة القرآن [ الكريم] فتتلخص أنه في عام 1355 هـ/ 1936م ثار جدال عنيف حول ترجمة القرآن [ الكريم] بين الجواز والمنع، وذلك بعد أن عني كثير من المستشرقين والمبشرين بنقل القرآن [ الكريم] إلى كثير من اللغات الأجنبية بغرض التشنيع عليه والتشهير به، والدس له واتخاذه في مدارسهم وكنائسهم مادة للنقد والتجريح، ولما دب النور والعرفان والثقافة والعلم في أنحاء مختلفة من الكرة الأرضية، وأصبح الناس يحاولون أن يتدارسوا الأديان والرسالات بأسلوب من البحث النزيه، والمنطق السديد، وكان فيما يرجون أن تصل دراستهم إليه (( القرآن [ الكريم])) على اعتبار أنه كتاب خالد شغل البشرية قرونا عديدة، ظهر حينئذ في علماء المسلمين من نادى بضرورة تعريف هذا النفر به، عسى أن يكون ذلك باعثا لهم على الإيمان، حاملا لهم على الهداية، حافزا لعم على أن يكونوا من جنوده المحافظين عليه، الذائدين عنه. وكان من أولئك المسلمين شيخ الجامع الأزهر في ذلك الوقت وهو الشيخ مصطفى المراغي – الذي تحمس لترجمته تحمسا منقطع النظير – ونشر بحثا عن ترجمة القرآن وأحكامها (( أنظر الشيخ مصطفى المراغي: " بحث في ترجمة القرآن وأحكامها" مطبعة الرغائب في ربيع الثاني سنة 1355هـ/ يونيو 1936م)). وقدم لهذا البحث بكلام للإمام الشاطبي في كتاب " الموافقات" يفيد أن اللغة العربية من حيث هي ألفاظ دالة، لها معنيان: أولي وثانوي، فالأولي كقيام زيد الذي لا يمكن أن تختلف في التعبير عنه لغة من اللغات، والثانوي ما يزيد على ذلك من الاهتمام بالقيام وحده، أو بالقائم، أو إجابة السائل، أو الرد على المنْكِرِ أو غير ذلك من الأسرار البلاغية التي تقتضيك التعريف أو التنكير، والتقديم أو التأخير، وما شاكل ذلك من الأساليب التي توجبها الحال، وتحتها [وتحتمها] المناسبة، فالمعاني الأولية لا تفسدها الترجمة، ولا أن يشوهها النقل، ولا أن تطول فيها مسافة الخلف بين اللفظ والمعنى، والمعاني الثانوية التي يتفاوت في دقة تصويرها، وروعة التعبير عنها وجمال أساليبها فحول البلغاء، أو أساطين الكلام كما تختلف في نقلها وصوغ الألفاظ المعبرة عنها اللغات، وعلى هذا فالمعاني الأولية في القرآن [ الكريم] يمكن ترجمتها إلى أية لغة من اللغات، وأما المعاني الثانوية فلا... ونحن نعلم أن المعاني الأولية في أي كلام لا اعتبار لها، ولا ميزة فيها، فإن الاعتبار كله والميزة البارزة في الذي يسميه البلغاء بالمعاني الثانوية، وهي مجال الفحولة ومناط الإعجاز. وبعد حديث الشيخ في بحثه عن إمكان ترجمة القرآن [ الكريم] تعرض لشُبه الناس في الترجمة وتولى الرد عليهم، كما تحدث عن جواز الصلاة بالترجمة وكذلك تحدث عن كتابة التراجم وقراءتها، والمراد من الترجمة وغير ذلك من الموضوعات التي لا داعي لذكرها هنا. وكان من مؤيدي الشيخ المراغي الأستاذ محمد فريد وجدي الذي كان في ذلك الوقت مديرا لمجلة الأزهر، وقد جمع الأستاذ فريد وجدي آراءه في بحث أكبر من بحث الشيخ المراغي ونشره بعنوان " الأدلة العلمية على جواز ترجمة معاني القرآن [ الكريم] إلى اللغات الأجنبية" (( أنظر الاستاذ محمد فريد وجدي: " الأدلة العلمية على جواز ترجمة معاني القرآن [الكريم] إلى اللغات الأجنبية" ربيع الأول سنة 1355 هـ/ يونيو 1936م)): أخرجه في ملحق للعد الثامن من مجلة الأزهر وعني فيه بالرد على المعارضين وخاصة فضيلة الشيخ محمد سليمان وفضيلة الشيخ محمد مصطفى الشاطر، وقد كتب على غلافه: " ردود علمية على الذين يذهبون إلى عدم جواز ترجمة معاني القرآن [الكريم] إلى اللغات الأجنبية تصحيحا للترجمات الموجودة وتعميما للدعوة الإسلامية، ودحضا لجميع الشبهات التي يثيرها بعض الكتاب على هذا العمل الجليل ". وقد انتهى الأمر بعد طول النقاش والحوار إلى أن قررت مشيخة الأزهر وضع تفسير عربي دقيق تمهيدا لترجمته ترجمة دقيقة بواسطة لجنة فنية مختارة، واجتمعت لجنة التفسير عدة مرات برئاسة مفتي مصر في ذلك الوقت، ووضعت دستورا تلتزمه في عملها العظيم، ثم بعثت بهذا الدستور إلى كبار العلماء والجماعات الإسلامية في الأقطار الأخرى تستطلع آراءهم في هذا الدستور رغبة منها في أن يخرج هذا التفسير العربي في صورة ما أجمع عليه الأئمة. ورأت اللجنة بعد ذلك أن تضع قواعد خاصة بالطريقة التي تتبعها في تفسير معاني القرآن الكريم، وقد خرج فعلا إلى حيز الوجود هذا التفسير الذي سمي " المنتخب في تفسير القرآن الكريم" وقد طبعه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة، وكتب في مقدمته ما يفيد أنه تفسير مختصر محرر كتب بالعربية تمهيدا لترجمته إلى اللغات الأجنبية. وهذا العمل له فوائد كثيرة منها: 1) – وضع تفسير موجز باللغة العربية يسهل الرجوع إليه. 2) – وجود نص القرآن [ الكريم] باللغة العربية وتفسيره بالعربية أمام المسلمين الأجانب لتيسير معرفتهم بها، ثم تفسير بلغتهم معتمد من لجنة علمية، وقد كتب الإيرانيون تفسيرا للقرآن [ الكريم] طبع في هامش المصحف الشريف، وكذا فعل الأفغانيون والباكستانيون. 3) – تصحيح ما أسموه تراجم للقرآن [ الكريم] في اللغات الأوروبية، وبيان أوجه الخطأ فيها. نماذج من الترجمة الفارسية: ليس الغرض عنا عرض دراسة تفصيلية لترجمة معينة - فالمجال لا يسمح بذلك- ولكن الهدف من عرض هذه النماذج هو بيان القصور الواضح في المعاني المُتَرجَمَة، مما يوضح حاجتنا إلى ترجمة جديدة لمعاني القرآن الكريم تسد النقص وتصحح الأخطا. وقد اعتمدت في عرضي لهذه النماذج على نسخة من الترجمة الفارسية للقرآن [الكريم] المطبوعة في طهران عام 1366 هـ بخط حسن بن عبد الكريم هريسي وترجمة الحاج شيخ مهدي الهرقمشة اى، والنص مكتوب في الصفحة اليمنى والترجمة مطبوعة في الصفحة المقَابِلَة، وهي بترتيب القرآن [ الكريم] المطبوع في مصر، وقبل كل سورة يذكر اسم السورة ويبين إن كانت مكية أو مدنية، وعدد آياتها، وللأسف توجد في النسخة أخطاء. وإذا حاولنا تقييم هذه النسخة نقول بداية أنها ليست ترجمة حرفية، وإنما هي ترجمة للمعنى كما سيتضح من النماذج، كما أن التراجم الفارسية بصفة عامة لا توجد الأخطاء الجسيمة التي نصادفها في التراجم الأوروبية التي تعتبر القرآن [ الكريم] كتابا ألفه محمد بن عبد الله [ صلى الله عليه وسلم]، ويحرفون فيه ويعتبرون أن له مصادر يهودية ونصرانية، ويتخبطون في الحديث عن التكرار في القرآن [ الكريم] وعن ترتيب آياته، ويرجع ذلك غلى أن المترجم الإيراني شخص مسلم يؤمن بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، وأن القرآن [ الكريم] هو كتاب الله أنزله على عباده ليهديهم سواء السبيل. وأول ملاحظة على هذه الترجمة هو أن المترجم لم يستطع أن يدلي برأي في فواتح السور، ففي أول سورة البقرة ترجم { آلـم} " ازر موز قرآنست " أي من رموز القرآن [ الكريم]، وفي أول سورة آل عمران ترجم { آلـم} " از حرف مقطعة اسرار قرآنست وهركس بان اطلاع ندارد" أي أنها حروف من أسرار القرآن [ الكريم] ولا يعلم بها كل شخص، وفي أول سورة يونس ترجم { آلـر} " از اسرار وحى الهي است" أي من أسرار الوحي الإلهي، وفي أول سورة هود ترجم { آلـر} قائلا: " أسرار ينحروف نزد خدا ورسول است" أي أن أسرار هذه الحروف عند الله [ عز وجل] والرسول [ صلى الله عليه وسلم]، وفي أول سورة الرعد { آلمـر} لم يترجمها ولم يكتب تفسيرا لها. وفي أول سورة مريم { كهيعص} قال: " اينحروف اسرار يست ميان خدا ورسول" أي أن هذه الحروف أسرار بين الله [ عز وجل] والرسول صلى الله عليه وسلم. أما عن ترجمة الآيات فسنعرض بعض النماذج لنبين ما تفعله الترجمة بالأصل من إضاعة للمعنى، واختلاف في الترتيب، وغير ذلك من الخلل، ففي سورة البقرة الآية 34 نصها [ يقول سبحانه وتعالى]: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } نجد الترجمة تقول: " وجون كفيتم فرشتكان راكه سجده كنيد برآدم همه سجده كرد ند مكر شيطان كه ابا وتكبر كرد واز فرقه كافران كرديد" أي عندما قلنا للملائكة أسجدوا على آدم سجدوا جميعا إلا الشيطان الذي أبى وتكبر وأصبح من فرقة الكافرين. وفي سورة القلم الآية 9 نصها[ يقول سبحانه وتعالى]: { وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} ترجمها بقوله " كافران بسيارما يلند كه توبا آنها مداهنه ومرار اكنى تا آنها هم بنفاق باتو مدار كنند" أي أنه أضاف إليها من المعنى الذي فهمه فقال إن الكافرين يميلون إلى أن تداهنهم وتنافقهم حتى يعاملوك أيضا بالنفاق والمكر، والآية ليس فيها مكر ولا مداهنة ولا خداع، ولكن المعنى المراد هو المرونة في الدعوة بمعنى التنازل عن بعض ما يطالبهم به ، والتقابل معهم في نصف الطريق كما يقال. وفي سورة الماعون الآية رقم 5 ونصها [ يقول سبحانه وتعالى]: { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } ترجمها " ...كه دل ازياد خدا غافل دارند" أي الذين يغفل قلبهم عن ذكر الله، فلم يذكر الصلاة في الآية وهي المقصودة، فالتهديد في الآية السابقة [ لها] " فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّين} موجه لمن يسهو عن الصلاة ويتكاسل عنها ولا يؤديها، أي تارك الصلاة. وفي سورة البقرة الآية رقم 7 ونصها [ يقول سبحانه وتعالى]: { خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ترجمها بقوله: " قهر خدا برد لها وكوشها ايشان مهر نهاده وبر ديده هاشان برده افكنده كه فهم حقايق ومعارف الهى را نميكنند وايشان رست عذابى سخت" وواضح أن الترجمة فيها زيادة على النص فيقول إن قهر الله قد ألقى على قلوبهم وآذانهم خاتما، وألقى حجابا على أبصارهم فهم لا يفهمون الحقائق والمعارف الإلهية، ولهم عذاب شديد. وفي سورة البقرة الآية رقم 18 ونصها [ يقول سبحانه وتعالى]: { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } ترجمها على النحو الآتي: " آنان كر وكنك وكورند واز ضلالت خود بر نميكر نند" ونلاحظ الفرق الدقيق بين اللغتين والتي وضحت في الترجمة، فقد تم إلغاء في ( فهم) بالواو وهذا لا يعطي المعنى المراد، لأن الفاء تفيد السببية والمعنى المستفاد من الآية إنهم لا يرجعون إلى الصواب لأنهم صم بكم عمي، أما الترجمة فتفيد أنهم صم بكم عمي وهم لا يرجعون إلى لصواب ولا شك أن ذلك يخالف النص. وبعد فهذه بعض النماذج مما وقع لنا في الترجمة الفارسية، وهي كافية فيما أعتقد للقول بأنها تحتاج إلى فحص دقيق شامل، فقد رأينا أنه يغير في ترتيب كلمات الآية، ويترجم ما يفيد السببية بما يفقده معناها، ويترجم الجمع بالمفرد والماضي بالمضارع، ويغفل بعض أجزاء النص فلا يترجمه ولا يشير إليه، ويضيف أحيانا إلى النص كلمات تفسيرية من عنده لتوضيح المعنى. |
|||
2010-06-14, 22:19 | رقم المشاركة : 3 | |||
|
بارك الله فيك |
|||
2010-06-15, 11:09 | رقم المشاركة : 4 | |||
|
|
|||
2010-06-23, 12:21 | رقم المشاركة : 5 | |||
|
|
|||
2010-06-23, 12:32 | رقم المشاركة : 6 | |||
|
المحاضرة الرابعة
|
|||
2010-06-25, 18:33 | رقم المشاركة : 7 | |||
|
|
|||
الكلمات الدلالية (Tags) |
ملتقى, محاضرات, القرآن, الكريم |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc